2024-11-27 11:38 م

سياسات العلن والخفاء: كيف تعاملت واشنطن مع خصوم “إسرائيل”؟

2024-11-23

في ظلّ أجواء العداء للمشروع الصهيوني، الذي غرسه الغرب لتحقيق مصالحه في قلب الشرق الأوسط، حرصت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تأمين الحماية لـ”إسرائيل” من مختلف التهديدات القريبة والبعيدة المحيقة بها، ومن أجل ذلك عملت الولايات المتحدة على ضمان ما يُعرف بـ”التفوق العسكري النوعي (QME)”، الذي يشمل التفوق العسكري التقني، إلى جانب التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي والاتصالي، وهو نهج بدأته الإدارات الأمريكية منذ عهد الرئيس ليندون جونسون في ستينيات القرن الماضي.

إلى جانب دعمها العسكري الصريح لـ”إسرائيل”، اضطرت الولايات المتحدة أحيانًا إلى خوض حروب نيابة عنها في الشرق الأوسط، تنوعت هذه الحروب بين الضغوط الناعمة، كفرض العقوبات على خصوم “إسرائيل” التقليديين، والتدخلات المباشرة ضد دول أو جماعات معادية، كما لجأت إلى حروب بالوكالة، موّلت فيها جماعات وأجّجت الصراعات الداخلية، بينما حرصت على إخفاء دورها المباشر في هذه النزاعات والظهور بيدَين نظيفتَين أمام الرأي العام.

يستعرض المقال تعامل الإدارات الأمريكية، منذ عهد الديمقراطي كلينتون في تسعينيات القرن الماضي، وحتى بايدن الذي يسلّم الراية عمّا قريب للجمهوري ترامب مجددًا، مع من تصنّفهم كخصوم إقليميين لـ”إسرائيل”، خاصة إيران وحلفائها.

وبينما لا يحكم هذا المقال على شرعية الجماعات العاملة في الشرق الأوسط وحقيقية عدائها للمشروع الصهيوني ومصالحها الفعلية، يتتبّع خارطة العداء الأمريكية، التي تمزج بين المصالح الأمريكية المباشرة وأولوية حماية “إسرائيل”، كما يتساءل عن حجم الفروق الفعلية بين السياسات الديمقراطية والجمهورية تجاه أعداء “إسرائيل” التقليديين، أو ما تطلق عليه واشنطن “الخصوم الإقليميين”.

كلينتون ورسم حدود العداوات الإقليمية
حافظ بيل كلينتون طوال فترة حكمه خلال تسعينيات القرن الماضي على مسارَين متوازيين لتعزيز المشروع الصهيوني، تمثّلا في دعم عملية السلام الوهمية التي أفضت إلى اتفاقيات أوسلو، ومحاربة “الإرهاب المتفشّي في الشرق الأوسط”، الذي زعمت إدارته أنه يهدّد مسار السلام بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية (منظمة التحرير سابقًا).

تُعتبر إدارة كلينتون صاحبة الفضل في صياغة السياسة الأمريكية الحديثة تجاه “الإرهاب الإسلامي”، الذي حلَّ محل مفهوم “الإرهاب العربي”، الذي كان يرتبط لعقود في الذاكرة الغربية بعداء منظمة التحرير والجماعات العروبية للمشروع الصهيوني في فلسطين.

ومع مرور الوقت، تراجع العنصر القومي العربي ليحلَّ محله نوع آخر من الإرهاب المرتبط بالهوية الدينية لشعوب وحكومات المنطقة، وكان ذلك مرتبطًا بشكل وثيق بالثورة الإيرانية وصعود الخميني، ثم تشكيل جماعات مسلحة ذات هوية دينية مثل “حزب الله” وحماس والجهاد الإسلامي وكتائب المجاهدين.

وتدريجيًا، توسعت قائمة الإرهاب الأمريكية واختلط فيها الحابل بالنابل، وصارت مكبًّا لما تعتبره الولايات المتحدة “نفايات الحضارة” ممّن يهدد مساعيها ومصالحها في الخارج، بصرف النظر عن أجندة تلك الجماعات وأهدافها.

ومع ذلك، بقيت الدول والمجموعات في المنطقة الإسلامية والعربية التي تهدد أمن “إسرائيل” على رأس تلك القائمة، ففي عام 1993 أعدّت إدارة كلينتون قائمة بالدول الراعية للإرهاب، التي لم تطاردها العقوبات الأمريكية فحسب، بل امتدت لتشمل كل من قدّم لها دعمًا أو مساعدة، حيث ضمّت 5 دول عربية وإسلامية إلى جانب كوبا وكوريا الشمالية، وهي إيران وسوريا والسودان وليبيا والعراق، قبل أن يتم ضمّ أفغانستان كدولة ثامنة.

من جهة الحرب الناعمة، بدأت إدارة كلينتون بسنّ قوانين وتشريعات تهدف إلى تجريم الأنشطة ومنع تمويل الحكومات التي تعتبرها الولايات المتحدة راعية للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، وكان من أبرزها القرار التنفيذي 12947 والقرار التوجيهي 39، واللذان أضافهما الكونغرس إلى قانون مناهضة الإرهاب، الذي تضمّن تفعيل عقوبة الإعدام لعام 1996.

وكذلك قانون عقوبات ليبيا-إيران الذي جرّم أي تعامل تجاري أو اقتصادي مع هذين البلدين، بل أيضًا مع أي طرف دولي يتعامل معهما بدعوى رعايتهما للإرهاب، ممّا يضرّ بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

وفي بداية عام 1998، أصدر كلينتون قرارًا توجيهيًا جديدًا تحت الرقم 62، الذي كان له تأثير طويل الأمد على الإدارات الأمريكية اللاحقة، حيث ركّز القرار على “الحماية ضد التهديدات غير التقليدية لأمريكا والأمريكيين في الخارج”، مشيرًا إلى المخاطر الناجمة عن التطور التكنولوجي، مثل الهجمات السيبرانية والإرهابية غير المعتادة، وكالعادة اختارت الإدارة الديمقراطية “إسرائيل” كشريك رئيسي لها في تنفيذ القرار والاستفادة من جوانبه المختلفة.

من الناحية التطبيقية، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء حرب الخليج الأولى، ركزت إدارة كلينتون على الأنظمة التي رأت فيها شذوذًا عن الخطة الأمريكية للسلام وإحكام النظام الغربي في الشرق الأوسط، وعلى رأسها العراق وإيران.

استهدفت الإدارة هذين البلدَين في سياساتها المناهضة للإرهاب، وعملت على محاربة الجماعات المسلحة التي كانت تتهم بالتمويل والدعم من قبل هاتين الحكومتين، كما تبنّت سياسة خطيرة بتضخيم خطر النظامَين الإيراني والعراقي لدفع باقي دول المنطقة نحو التطبيع والتعاون مع “إسرائيل”، بهدف ضمان أمنها. أطلقت على هذه السياسة اسم “الاحتواء الثنائي للعراق وإيران”.

عملت إدارة كلينتون على ممارسة أشكال متعددة من الضغط والحصار على نظام صدام حسين، بما في ذلك نزع الشرعية الدولية عنه وشيطنته في المحافل العالمية مثل الأمم المتحدة، وفرضت عليه حظرًا للطيران وقطعت إمداداته العسكرية.

وفي الوقت نفسه، دعمت قوات معارضة للنظام مثل مجلس العراق التشريعي الوطني (INC)، تمهيدًا للغزو الذي شنّته إدارة جورج بوش الابن لاحقًا، والذي دمّر العراق وأسقط نظامه، ما ساعد في تهميش تهديده لـ”إسرائيل” والشرق الأوسط وفقًا للرؤية الأمريكية لشرق أوسط جديد، وهو ما ستسعى كافة الإدارات الأمريكية لتعزيزه وتثبيته في السنوات التالية.

وقبل الغزو البرّي للعراق، قلّمت إدارة كلينتون أظافره بقسوة من خلال برنامج “النفط مقابل الغذاء”، الذي ادّعت الولايات المتحدة بموجبه أن 13 مليار دولار من أصل 15 مليار دولار كان العراق يحققها من بيع النفط، كانت تصرف على التسليح والنفقات العسكرية لنظام صدام حسين، ما يشكّل تهديدًا لأمن “إسرائيل”.

وبذلك، جاء برنامج النفط مقابل الغذاء ليحرم العراق من حرية تصريف أرباحه من النفط، واُعتبر بمثابة “مساعدات إنسانية” للشعب العراقي الذي كان يعاني من قسوة النظام، بينما كان الهدف الأساسي هو فرض قيود شديدة على قدرة العراق العسكرية.

في منتصف ولايته الثانية، وتحديدًا في مايو/ أيار 1999، أنشأت إدارة كلينتون “مجموعة العمل المشتركة بين الوكالات المعنية بأمن الخليج (IWG)”، التي عملت على تقديم المشورة والتنسيق مع “الشركاء المحليين” لمواجهة التهديدات الناشئة من إيران والعراق، ما ساعد في تعزيز الفتنة والتحالفات التي أسهمت لاحقًا في غزو العراق. 

كما أدرجت إدارة كلينتون ليبيا ضمن الأنظمة التي ترعى الإرهاب، معتبرةً أنها تهدد أمن “إسرائيل” والمصالح الأمريكية، وسعت حثيثًا لمحاصرة نظام القذافي دوليًا، وقطعت الإمدادات والمساعدات عن حكومته، كما صنفت جماعة “أبو نضال (ANO)”، وهي جماعة فلسطينية مسلحة، كمنظمة إرهابية مسؤولة عن مقتل العديد من الإسرائيليين والأمريكيين، واعتبرت ليبيا راعية للإرهاب لاستضافتها الحركة، ما أدّى إلى خضوع نظام القذافي للضغوط الأمريكية والتضييق على أنشطة الجماعة.

تميزت إدارة كلينتون بعدائها الدبلوماسي إلى حدٍّ ما، حيث اقتصر الهجوم الأمريكي المباشر على من اعتبرتهم ضالعين بالإرهاب في الشرق الأوسط بالحد الأدنى، ومن أبرز هذه الهجمات كانت العملية التي استهدفت مركز الاستخبارات العراقية عام 1993، والتي بررتها الإدارة كدفاع عن النفس بعد محاولة اغتيال بوش الأب في الكويت.

ومع ذلك، عملت الإدارة بيد خفية على تقليم مقدرات الحكومات المهددة لمصالحها وأمن “إسرائيل”، إما من خلال فرض العقوبات الأمريكية والدولية، وإما بالوقوف خلف التحالفات المناوئة والانشقاقات داخل المنطقة.

وفي تقرير لها حول جهود مكافحة الإرهاب، أشارت الإدارة إلى تزايُد توجُّه الجماعات الإرهابية نحو خارج الشرق الأوسط، نتيجة للجهود الأمريكية المتواصلة مع حكومات المنطقة، مثل الأردن ومصر والسعودية، لتعزيز سيادة القانون ومكافحة التطرف، كما سلّط التقرير الضوء على الدور الإيراني في رعاية الإرهاب، خاصة في سياق عرقلة عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما أصبح الشاغل الرئيسي للإدارات الأمريكية القادمة لعقود.

بوش الابن وسياسة محور الشر
تتميز فترة حكم جورج بوش الابن بتدخل عسكري واسع وفجّ في منطقة الشرق الأوسط، مترافقًا مع ما يُعرف بـ”الحرب المفتوحة على الإرهاب”، ورغم أن الهجمات التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر كانت العامل المباشر وراء الأحداث الكبرى في العالمَين العربي والإسلامي، إلا أن دور جماعات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة كان محوريًا في دفع الإدارة الأمريكية نحو شنّ هذه الحرب، معتبرة إياها فرصة لتحقيق مصالح “إسرائيل” وأمنها في المنطقة.

ويطلق البعض في الولايات المتحدة على هذه الحرب “الحرب من أجل إسرائيل” نظرًا إلى الارتباط الوثيق بين الأهداف الأمريكية في المنطقة وتأمين “إسرائيل”، إذ استفادت الأخيرة منها ليس فقط في مواجهة أنظمة مثل نظام صدام حسين، لكن أيضًا في تعزيز أمنها خلال حربها مع “حزب الله” عام 2006، وكذلك من خلال عملياتها العسكرية ضد الجماعات الفلسطينية المسلحة منذ اندلاع الانتفاضة الثانية.

وقد اختصر جورج بوش الابن العداوات المشتركة بين أمريكا و”إسرائيل” من خلال تعبيره “محور الشر”، الذي ضمّ في البداية العراق وإيران وكوريا الشمالية باعتبارها دولًا راعية للإرهاب أو ساعية لامتلاك أسلحة دمار شامل، ومع مرور الوقت أُضيفت جماعات مسلحة من المنطقة إلى هذه القائمة، وعلى رأسها حركة حماس و”حزب الله”.

رأى العديد من المراقبين في سياسة جورج بوش الابن الخارجية تحولًا كبيرًا بعيدًا عن دور الوسيط “النزيه” الذي لعبته الإدارات السابقة، حيث تبنّى سياسة منحازة تمامًا لصالح “إسرائيل”، معتبرةً أن أعداء الكيان الإسرائيلي هم أعداء للولايات المتحدة أيضًا.

عبّر بوش الابن عن هذا التوجُّه بصراحة في أول زيارة له لمجلس الأمن القومي، حيث تأكدت أفعاله بعد ذلك، بدءًا من دعمه العسكري لأرييل شارون في الانتفاضة الثانية التي اعتبرها امتدادًا لحربه على الإرهاب، إلى فرض العقوبات على حكومة حماس المنتخبة عام 2006.

كما عملت الإدارة على تقوية حكومة فتح في الضفة الغربية كمعارضة لحكومة حماس المحاصرة في قطاع غزة، وأضمرت خطة متكاملة لإسقاط الحكومة المنتخبة عبر علاقاتها مع محمود عباس، وقرارها التنفيذي 13224 الذي منع تمويل الإرهاب.

ومن جهة، حافظت إدارة بوش الابن على علاقات قوية مع دول مثل مصر والأردن والسعودية، التي كانت تعتبرها الولايات المتحدة شركاء حيويين في حربها على الإرهاب، لكن من جهة أخرى سعت الإدارة إلى تحييد خطر الأنظمة المعادية لـ”إسرائيل”، وعلى رأسها العراق، فغزتها مستندة إلى قرار الأمم المتحدة رقم 1441، الذي طالب صدام حسين بنزع السلاح والكشف عن برنامجه العسكري الخاص بأسلحة الدمار الشامل.

استخدمت الولايات المتحدة رفض العراق لتلبية هذه المطالب كذريعة للتدخل العسكري، بدعم وتأييد إسرائيلي غير مسبوق، ولم تقتصر الحرب على نظام صدام حسين فقط، بل شملت أيضًا الميليشيات المهددة لأمن “إسرائيل”، مثل جيش المهدي الشيعي المدعوم من إيران.

كما استمرت إدارة بوش الابن في عدائها الموروث لنظام القذافي، متذرّعة بتطويره لأسلحة دمار شامل تهدد أمن المنطقة، بما في ذلك أمن “إسرائيل”، ومع ذلك سرعان ما تراجعت الإدارة عن هذا العداء بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث قام القذافي بتسليم أسلحته، وهو ما اعتبرته الإدارة خطوة إيجابية، حيث حُفظت هذه الأسلحة في منطقة أوك ريدج في ولاية تينيسي، وفقًا لما أعلنت عنه الإدارة.

أما بالنسبة إلى إيران، فقد شهدت العلاقة مدًّا وجزرًا، حيث تدهورت في بداية ولاية بوش الابن بعد إسقاط نظام صدام حسين، بسبب اتهامات بتدخل إيران في العراق وأفغانستان من خلال تسليح وتجنيد ميليشيات معادية للولايات المتحدة وحلفائها، ومع مرور الوقت تصاعد التوتر مع إيران بعد تراجعها عن اتفاقية وقف تخصيب اليورانيوم عام 2005، خاصة في ظل دعمها لـ”حزب الله” في حرب 2006 وحركة حماس في هجومها على “إسرائيل” عام 2008.

ردًّا على ذلك، فرضت إدارة بوش عقوبات اقتصادية وحصارًا دوليًا بقيادة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ما أسفر عن قرارات أممية (1737، 1747، 1803، 1835) تضمّنت تجميد أصول وتقييد التعاملات التجارية والعسكرية مع إيران، بالإضافة إلى محاولة تأجيج القاعدة الشعبية الإيرانية عبر منظمات المجتمع المدني.

من ناحية أخرى، قادت إدارة بوش حملة عقوبات شديدة ضد الحرس الثوري الإيراني، بتهمة دعمه وتأجيج الإرهاب في الشرق الأوسط، كما تولت قيادة حملة دولية لفرض قيود على التعاملات المصرفية مع الحكومة الإيرانية، ما دفع نحو 90 بنكًا عالميًا وأجنبيًا إلى الامتثال لهذه القيود، وانسحاب العديد من الشركات متعددة الجنسيات من السوق الإيرانية بسبب القيود المصرفية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية.

على صعيد أذرع إيران في المنطقة، تبنّت إدارة بوش عدة استراتيجيات لمحاصرة “حزب الله” بعد حرب 2006، فإلى جانب العقوبات الأمريكية والدولية، والدعم المباشر لـ”إسرائيل”، شنّت الإدارة حربًا بالوكالة ضد الحزب من خلال دعم معارضيه في لبنان.

وبين عامي 2006 و2008، قدّمت الإدارة الأمريكية 400 مليون دولار كمساعدات للقوات المسلحة اللبنانية، ما جعل بيروت ثاني أكبر متلقٍّ للمساعدات الأمريكية بعد “إسرائيل”، بهدف تحييد خطر “حزب الله“ وإضعافه في معقله في الجنوب اللبناني.

أوباما ودبلوماسية حروب الوكالة
اتبعت إدارة أوباما نهجًا مختلفًا عن سابقتها، حيث ركزت على احتواء إيران بدلًا من المواجهة المباشرة، واستفادت من التحولات التي شهدها الشرق الأوسط، مثل الثورات العربية وصعود دور دول الخليج كخصم لإيران ووكلائها.

وفي بداية ولايته، عمل أوباما على تعزيز العقوبات ضد البرنامج النووي الإيراني، فتمكنت إدارته بالتعاون مع روسيا والصين من تمرير قرار مجلس الأمن رقم 1929 الذي فرض عقوبات صارمة على طهران، كما تمّ إبرام اتفاقيات مع دول مثل كندا والاتحاد الأوروبي وأستراليا واليابان وكوريا، ما أسهم في محاصرة إيران اقتصاديًا وتجاريًا وقطع علاقاتها بالنظام الاقتصادي العالمي.

كما عملت إدارة أوباما بشكل مكثّف مع الكونغرس لتشديد العقوبات المفروضة على إيران، حيث مرّرت عددًا من القوانين المهمة مثل “القانون الشامل لمقاطعة ومعاقبة إيران” لعام 2010، و”القسم 1245 من قانون الأمن الوطني”، اللذين استهدفا البنوك الإيرانية ووجّها ضربات لقطاع النفط والوقود الإيراني.

وعلى صعيد الاذرع الإيرانية بالمنطقة؛ فقد أحكم أوباما الطوق حول شبكة تمويل “حزب الله”، من خلال فرض عقوبات شاملة استهدفت الممولين ومصادر السلاح الدولية للحزب، كما وقع قانون “منع التمويل الدولي لحزب الله” في عام 2015، مما عزز الحملة الدولية ضد تمويل الحزب.

إلا أن الإدارة عادت وأرخت قبضتها تباعًا عن إيران ومن ثم وكلائها في المنطقة، خاصة “حزب الله”، في محاولة لتغيير الواقع الإقليمي، حيث عملت إدارة أوباما على الالتفاف على برنامج إيران النووي من خلال الدبلوماسية والضغط الدولي، وتتويج هذه المساعي بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني المعروف بـ JCPOA عام 2015، الذي جمع الجمهورية الإسلامية مع 6 قوى عالمية رئيسية: الولايات المتحدة، الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا.

ونصَّ الاتفاق على فرض قيود صارمة على البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك السماح للمفتشين الدوليين بالدخول إلى المنشآت النووية الإيرانية وبدء تفكيك البرنامج النووي تدريجيًا، وفي المقابل رُفعت بعض العقوبات الغربية المفروضة على إيران، والتي كانت قد حرمتها بين عامي 2012 و2014 من نحو 100 مليار دولار من العائدات.

ورغم أن “إسرائيل” تدين لإدارة أوباما بالكثير عندما يتعلق الأمر بتفوقها العسكري والتكنولوجي في المنطقة، حيث بدأت هذه الإدارة فترتها الرئاسية بتوقيع قانون التعاون الأمني الأمريكي-الإسرائيلي المحسّن، وأنهتها بمذكرة تفاهُم تنصّ على تقديم مساعدات عسكرية أمريكية لـ”إسرائيل” بقيمة 38 مليار دولار على مدى 10 سنوات، وهي الحزمة الأكبر في تاريخ المساعدات الأمريكية لأي دولة، إلا أن سياسة أوباما تجاه إيران أثارت استياءً واسعًا بين أنصار “إسرائيل”، متهمين إياه بإفلات الحبل على غاربه لتشعل إيران النيران من حول الكيان، مستخدمة أذرعها المتعددة ومستثمرة في “الجماعات الجهادية” التي تحيط بـ”إسرائيل” إحاطة السوار بالمعصم.

مع ذلك، إن هذا الاتهام ليس دقيقًا تمامًا، فإدارة أوباما لم ترفع جميع العقوبات عن إيران، بل على العكس، فقد أبقت على العقوبات التي تتعلق بدعم إيران للإرهاب الذي يهدد الأمن الإسرائيلي، وكذلك تلك المتعلقة بقدراتها العسكرية غير النووية، خاصةً العقوبات الاقتصادية التي فرضت قيودًا على التجارة مع إيران، ليس فقط من قبل الولايات المتحدة لكن أيضًا من قبل الدول الأجنبية.

كما أن الإدارة تستحوذ بالفضل على محاصرة حركة حماس ورفض تمويل أي حكومة وحدة وطنية تضمّ الحركة، وذلك تنفيذًا للقسم 7040 من قانون التخصيص الموحد لعام 2014، وقانون مناهضة الإرهاب الفلسطيني لعام 2006، اللذين يحولان دون تقديم مساعدات اقتصادية أمريكية للسلطة الفلسطينية إذا كانت تضمّ حركة حماس في هيكلها.

من جهة أخرى، كانت إدارة أوباما تدير حروبًا بالوكالة لصالح “إسرائيل” في المنطقة، مستفيدة من حالة الثورات العربية التي انخرطت فيها شعوب المنطقة في محاولة للحصول على الحرية والتغيير، ففي إطار برنامج “تيمبر سايكامور” الذي كُشف النقاب عنه في منتصف 2016، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) بتوجيهات من الإدارة وبالتعاون مع وكالات استخبارات عربية، خاصة من السعودية ودول الخليج، تعمل بين عامي 2012 و2013 على تسليح وتدريب جماعات من المعارضة السورية التي تمّ تصنيفها “معتدلة”.

الهدف المعلن لهذا البرنامج كان محاربة إيران ووكلائها في المنطقة، لا سيما “حزب الله” الذي كان يقاتل إلى جانب النظام السوري بقيادة بشار الأسد، إلا أن الهدف المخفي لهذا البرنامج كان أيضًا التخلُّص من أي وجود أو تفوق ثوري إسلامي في سوريا، وهو ما كان يصبّ في النهاية في مصلحة الأمن الإسرائيلي في المنطقة.

وبالمثل خاضت إدارة أوباما حربًا بالوكالة ضد الحوثيين في اليمن، حيث دعمت النظامَين السعودي والإماراتي بهدف تحييد خطر تسليح ذراع أخرى لإيران في المنطقة، وذلك بعد أن خاضت الإدارة لسنوات طويلة حربًا ضد قوات التعبئة الشعبية في العراق، والتي تعدّ إحدى أذرع إيران، وذلك ضمن جهودها لمكافحة الإرهاب ولإعادة تشكيل الشرق الأوسط ليصبح أكثر أمانًا وراحة لـ”إسرائيل” وللمصالح الأمريكية.

ترامب وسياسة الضغط القصوى
مثّلت الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب انشقاقًا عن الموقف الأمريكي المعلن، على الأقل فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، حيث اصطفَّ ترامب بصورة لا مراء فيها إلى جانب حكومة نتنياهو، وأعاد تعريف سياسته الخارجية تجاه المنطقة وفق الرؤية اليمينية لحكومة الاحتلال، وانعكس ذلك على عدة ملفات مهمة في الداخل الفلسطيني، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتقليص المساعدات للفلسطينيين، وتبنّي مواقف مؤيدة للاستيطان الإسرائيلي.

على الصعيد الإقليمي، كانت السياسة الأمريكية تحت إدارة ترامب أكثر هجومية تجاه إيران، حيث أقدم على الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) الذي قد أبرمته إدارة أوباما، مؤكدًا أنه فشلَ في الحد من طموحات إيران النووية، وفي أعقاب ذلك فرضت إدارته حزمة من العقوبات الاقتصادية على طهران، شملت قيودًا على المعاملات المالية بالدولار الأمريكي، وعقوبات على قطاع النفط والصناعات البتروكيميائية.

كما ربطت إدارة ترامب استمرار العقوبات بمطالب محددة من إيران، على رأسها وقف دعمها للجماعات المسلحة مثل الحوثيين في اليمن و”حزب الله” اللبناني، إلا أن طهران رفضت هذه المطالب، ما زاد من تعقيد الوضع الإقليمي.

بينما ختم ترامب ولايته الرئاسية الأولى بتصعيد مباشر مع إيران بمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، بعملية أشرفت عليها الإدارة الأمريكية مباشرة دون اللجوء إلى الكونغرس، تحت تبرير ترامب المقتضب بأن مقتل سليماني جاء لينهي حربًا أشعلتها إيران ضد جيرانها من الحلفاء الأمريكيين، لا ليبدأ حربًا جديدة معها. 

وركزت إدارة ترامب بشكل أساسي على استهداف الاقتصاد الإيراني وتجفيف مصادر التمويل للمجموعات المسلحة التي تديرها إيران في المنطقة، وعلى رأسها “حزب الله” اللبناني، وفي خطوة غير مسبوقة عملت وزارة الخزانة الأمريكية بالتعاون مع دول الخليج التي تشكّل مركز استهداف التمويل الإرهابي، وهي السعودية والكويت والبحرين وعُمان وقطر والإمارات العربية المتحدة، لفرض عقوبات قاسية على أكثر من 60 كيانًا وفردًا متورّطين في دعم الأنشطة الإرهابية في الشرق الأوسط.

شملت هذه العقوبات أعضاء في مجلس الشورى لـ”حزب الله”، حيث تمّ استهداف الأفراد والشبكات والمنظمات المتورطة في تمويل الحزب وعملياته العسكرية في المنطقة.

لم تقتصر العقوبات على “حزب الله” فحسب، بل شملت أيضًا جماعات وحركات أخرى يعتقد أن لها علاقات قوية مع إيران، مثل كتائب “حزب الله” في العراق، وحركتَي حماس والجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى مجموعات إرهابية أخرى تعمل في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والسعودية وغيرها من الدول التي تشهد نشاطات مسلحة إيرانية. 

كما صنّفت الإدارة الأذرع الإيرانية في المنطقة كخطر داهم على النفوذ الأمريكي والأمن الإسرائيلي، وادّعت أن إيران خصّصت في عام 2020 ما لا يقلّ عن 700 مليون دولار لـ”حزب الله”، و100 مليون دولار لكل من حركتَي حماس والجهاد الإسلامي.

إضافة إلى ذلك، أضافت الإدارة 6 مجموعات أخرى تعمل في الأراضي العربية إلى قائمة الوكلاء الإيرانيين، وهو ما أسفر عن فرض عقوبات صارمة على هؤلاء الأفراد والجماعات، شملت ما يعادل 40% من إجمالي العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وحلفائها في المنطقة، مستهدفة 32 قائدًا من هذه الجماعات، ومنها أنصار الله (الحوثيين)، وعصائب أهل الحق، وحركة حزب الله النجباء، ولواء زينبيون، وفرقة فاطميون، وكتائب الأشتر، وسرايا المختار.

في المقابل، عمل ترامب على تقوية خصوم إيران في المنطقة، لا سيما المملكة العربية السعودية، فقد أقام علاقة قوية مع ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، ووقع اتفاقات لبيع الأسلحة بالمليارات، إلى جانب استخدامه حق النقض ضد مشروع قانون كان يهدف لسحب الدعم الأمريكي من الحملة العسكرية السعودية في اليمن ضد الحوثيين، كما سعى ترامب في نهاية ولايته إلى دفع السعودية للانضمام إلى “اتفاقات أبراهام” التطبيعية.

وسعى ترامب كذلك خلال ولايته الأولى إلى تضييق الخناق على وكلاء إيران في المنطقة، حيث كثّف الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، من خلال تدخل أمريكي مباشر وتأسيس غرفة استخبارات مشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية.

كما صنّف ترامب الحوثيين كمنظمة أجنبية إرهابية، وهو ما تبعه فرض قيود على تنقل أفراد الجماعة وتجميد أصولها المالية، إضافة إلى ذلك اتخذت السلطات الأمريكية سلسلة من الإجراءات القانونية ضد أي أفراد أو كيانات يشتبه بتعاملها مع الحوثيين على الأراضي الأمريكية، في محاولة لتقويض شبكة دعمهم المالي واللوجستي.

بايدن وحالة الفوضى العارمة
تسلّم جو بايدن مفاتيح البيت الأبيض بحالة من الفوضى التي أثّرت على العلاقات الدولية للبلاد، والتي تفاقمت نتيجة سياسات ترامب المتشددة تحت شعار “أمريكا أولًا” تجاه ملفات حسّاسة بالنسبة إلى الأمن القومي الأمريكي، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني وعلاقة الولايات المتحدة بـ”إسرائيل”.

ووُصفت محاولات بايدن لإصلاح ما خلّفته إدارة ترامب بأنها عودة إلى سياسات أوباما بدلًا من التقدم نحو رؤية جديدة، في حين افتقر بايدن إلى الحزم الكافي لتغيير قرارات ترامب المتعلقة بـ”إسرائيل” وخصومها الإقليميين.

ورغم انتقادات الجمهوريين التي تتهم إدارة بايدن بالتراخي تجاه إيران، خصوصًا فيما يتعلق بتخفيف القيود على تجارة الأسلحة والصواريخ الباليستية، إلا أن الحقيقة تشير إلى أن انتهاء العقوبات الأممية على تلك التجارة سبق وصول بايدن إلى السلطة، حيث انتهت فعليًا في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بموجب بنود الاتفاق النووي الموقع خلال فترة حكم أوباما ودول الاتحاد الأوروبي.

العقوبات الأمريكية على الطرف الآخر شهدت تباينًا بين التخفيف الحذر والإجراءات المحدودة، في محاولة لإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، ورغم أن بايدن افتتح فترته الرئاسية بتصريح مباشر برغبة إدارته بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران وإعادة الانضمام إلى الاتفاق الذي أطلقه أوباما وانسحب منه ترامب، إلا أن شيئًا بعد هذا التصريح لم يحدث فعليًا بخصوص الاتفاق المباشر مع إيران.

واقتصرت التحركات العملية على تخفيف محدود للعقوبات، حيث رفعت الإدارة التجميد عن حوالي 10 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمّدة كبادرة حسن نية، ضمن اتفاق لإطلاق سراح أسرى أمريكيين محتجزين في إيران، ثم عادت في مارس/ آذار 2024 لرفع التجميد عن 10 مليارات أخرى، موضحة أن الأموال مخصّصة لأغراض إنسانية للشعب الإيراني، وفق تصريحات مستشار الأمن القومي جون كيربي، مع نفي أي تعاون مباشر مع الحكومة الإيرانية.

في المقابل، فرضت الإدارة عقوبات انتقائية على شركات وأفراد إيرانيين مرتبطين ببرنامج الطائرات الحربية الإيرانية، وشملت أولئك الذين تمّ اتهامهم بتزويد أسلحة لحماس والحوثيين و”حزب الله”، التي اُستخدمت في عمليات وُصفت بالإرهابية ضد “إسرائيل”، وذلك قبل عامين من عملية “طوفان الأقصى”، وتحديدًا في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

ورغم تلك الإجراءات، ظلت السياسة الأمريكية تجاه إيران في حالة تردد قبيل العملية، متراوحة بين محاولات خجولة للتواصل مع طهران وإظهار امتعاض واضح من تحركات وكلائها ضد “إسرائيل”، وذلك وسط أنباء عن مواصلة إيران لتطوير برنامجها النووي، وقطعها أشواطًا اعتبرت “خطيرة” فيه، ما أظهر أن إدارة بايدن تعاني من غياب رؤية واضحة للتعامل مع الملف الإيراني.

فالسياسة الأمريكية لم تنجح في استعادة نهج إدارة أوباما الدبلوماسي، ولم تحتفظ بحزم إدارة ترامب، ما خلق حالة من الضبابية التي أثارت قلق الحلفاء الإقليميين، لا سيما السعودية و”إسرائيل”، إذ عبّر الطرفان عن مخاوفهما من أن هذا التردد الأمريكي قد يُترجم إلى فرصة لطهران لإعادة تمويل وتعزيز وكلائها في لبنان واليمن، ما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.

لم يستمر تردد إدارة بايدن طويلًا في التعامل مع إيران ووكلائها، فقد تغيّر اتجاه الريح التي قادت سياسة واشنطن بعد انطلاق “طوفان الأقصى” وضلوع طهران وأذرعها في هجوم مباشر على “إسرائيل”، فقد ردّت واشنطن على الهجوم الأول لإيران في أبريل/ نيسان الماضي بفرض عقوبات على وزارة الدفاع الإيرانية والحرس الثوري وبرنامجها الصاروخي، وتوسّعت العقوبات لاحقًا بعد الهجوم الإيراني الثاني في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 لتشمل قطاعات حيوية أخرى، أبرزها القطاع النفطي والاقتصادي، كجزء من استراتيجية الضغط على طهران.

كما شهد “حزب الله” اللبناني تشديدًا غير مسبوق في العقوبات الأمريكية، إذ استهدفت واشنطن شبكات تمويل الحزب في الداخل اللبناني والساحة الدولية مع تزايد عملياته ضد “إسرائيل”، كامتداد لتوجُّه سابق استهدف شبكات تمويل حركة حماس، التي فرضت عليها الإدارة عقوبات مكثفة عقب السابع من أكتوبر 2023. 

ورغم أن الإدارة بدأت ولايتها برفع جماعة الحوثيين من قائمة الإرهاب الأمريكية في تمهيد للحدّ من التدخل الأمريكي في اليمن، لكنها سرعان ما عادت وأدرجتها إلى القائمة نفسها مع تصاعد هجماتها في البحر الأحمر إسنادًا لـ”طوفان الأقصى”، وتبع ذلك فرض حزمة جديدة من العقوبات على شبكات تسليح وتمويل الجماعة.

وأوضح بايدن أن الإدارة فرضت أكثر من 600 عقوبة على أفراد وشبكات ومنظمات مرتبطة بإيران ووكلائها، من بينها حماس و”حزب الله” وكتائب حزب الله والحوثيين، معظمها نُفّذ خلال السنة الأخيرة من ولايته بعد السابع من أكتوبر.

وزاد بايدن على سابقيه توريط القوات الأمريكية بحرب مباشرة في الشرق الأوسط، حيث لم تكتفِ إدارته بإثقال الميزانية الفيدرالية بعشرات مليارات الدولارات في دعم عسكري مباشر لـ”إسرائيل”، بل زادت على ذلك توظيف حاملات طائراتها ومعدّاتها الثقيلة ومخازن أسلحتها وقواتها البحرية والبرية والجوية في عمليات مباشرة تستهدف أعداء “إسرائيل” في المنطقة، وعلى رأسهم حوثيي اليمن وحركة حماس في قطاع غزة و”حزب الله” في الجنوب اللبناني.

كما عملت الإدارة على إعادة تموضع القوات الأمريكية المتواجدة في العراق وسوريا، والتي كانت تستهدف “الدولة الإسلامية” منذ عام 2014، ووجّهتها ضد المجموعات التابعة لإيران، مثل كتائب حزب الله، وذكرت الإدارة أن هذه المجموعات تحولت إلى مساندة حركة حماس منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما دفع واشنطن إلى تبني استراتيجيات عسكرية أكثر شمولًا لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

جاء التدخل الأمريكي المباشر في الحرب بالشرق الأوسط قاصرًا عن إعلان حالة الحرب المباشرة، ومستّترًا خلف صورة الولايات المتحدة كوسيط لحلّ النزاع، لكن الواقع يشير إلى أن “طوفان الأقصى” عرقل أجندة بايدن للشرق الأوسط، التي كانت تسعى لتتويج “اتفاقات أبراهام” بضمّ المملكة العربية السعودية، كأهم قوة عربية وإسلامية، إلى مشروع إعادة تشكيل المنطقة.

والهدف كان واضحًا: تطويق الخطر الإيراني وإعادة رسم خارطة النفوذ الإقليمي. إلا أن الأحداث المتسارعة في قطاع غزة وجنوب لبنان أجبرت واشنطن على الانخراط في صراعات عسكرية مفتوحة، بعيدًا عن تلك الأجندة الاستراتيجية.

ختامًا؛ تبدو خارطة العداء الأمريكية في الشرق الأوسط وثيقة الصلة بأمن “إسرائيل” ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة النفطية الحيوية، سواء عبر العقوبات الاقتصادية والتأليب الدولي، أو التدخل العسكري المباشر أو بالوكالة، تختلف استراتيجيات الإدارات الأمريكية وفقًا للظرف السياسي السائد.

والآن، مع اقتراب عودة دونالد ترامب إلى الحكم، تتزايد حالة الضبابية والمخاوف من مستقبل المنطقة، في ظل أجندة الجمهوري المتطرفة التي قد تعيد صياغة سياقات عديدة في شرق أوسط تغيّرَ كثيرًا خلال الأعوام الأربع الماضية.

المصدر: نون بوست | هبة بعيرات