انطلقت اليوم فعاليات القمة العربية الإسلامية التي تحتضنها العاصمة السعودية الرياض بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، لبحث الأوضاع المتدهورة في المنطقة، في محاولة لاتخاذ موقف موحد لوقف حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال في لبنان وفلسطين، والضغط على المجتمع الدولي للتحرك بجدية لإيقاف الاعتداءات المستمرة، وإيجاد حلول مستدامة تضمن الاستقرار والسلام الإقليميين.
ويشارك في النسخة الثانية من القمة قادة وممثلو الدول العربية والإسلامية، على رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، بجانب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورؤساء وزراء لبنان وباكستان وماليزيا، بجانب ممثلي أكثر من 30 دولة عربية وإسلامية، فيما اعتذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، موفدًا النائب الأول له محمد رضا.
وتعد القمة الحالية امتدادًا للقمة العربية الإسلامية المشتركة التي استضافتها الرياض في مثل هذا اليوم من العام الماضي (11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) أي بعد 34 يومًا من بدء الحرب في غزة، والتي خرجت بحزمة من التوصيات والنتائج التي لم يتحقق منها أي شيء، الأمر الذي يضع المشاركون في قمة اليوم بمأزق كبير في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه المنطقة بعد مرور أكثر من عام على تلك الحرب التي تجاوزت ساحة الصراع الفلسطيني اللبناني الإسرائيلي الضيقة، إلى التلويح بإعادة تشكيل الشرق الأوسط على مقاس “إسرائيل” وأهواء بنيامين نتنياهو ويمينه المتطرف.
ظروف مختلفة.. ما الذي يميز تلك القمة عن سابقتها؟
تأتي قمة الرياض الحالية في ظروف مغايرة تمامًا واستثنائية مقارنة بالأجواء التي عُقدت فيها القمة الأولى:
أولًا: من حيث التوقيت.. عقدت القمة الأولى بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب، لم تكن الصورة مكتملة الأركان بالشكل الكافي، وأرقام الضحايا كانت في إطارها الضيق المحدود، وكانت التوقعات في معظمها تذهب باتجاه عدم إطالة المعركة مع غياب فرضية أن تستمر كل هذه الفترة، لكن اليوم الوضع مختلف تمامًا.
فالحرب دخلت في مئويتها الخامسة، تجاوزت عامها الأول بأكثر من شهر، خلفت ورائها أكثر من 140 ألفًا بين شهيد وجريح (مقارنة بـ11 ألفًا إبان القمة الأولى) فضلًا عن تدمير كل البنية التحتية لقطاع غزة، وسط تحذيرات أممية ودولية من أوضاع إنسانية كارثية، شعب بأكمله يتعرض لإبادة ممنهجة على أيدي جيش مدعوم من أقوى جيوش العالم وأجهزته الاستخباراتية.
ثانيًا: من حيث التغول الإسرائيلي.. لم يكن يتوقع أحد أن يصل حجم الانتهاكات الإسرائيلية إلى ما وصلت إليه، فقبيل القمة الأولى كان الاستهداف الإسرائيلي مقصورًا على مناطق الشمال، لكن اليوم وصلت أيادي القتل والتدمير الإسرائيلية إلى كل مناطق القطاع، حتى تلك التي كان يعتبرها البعض خطوطًا حمراء، حيث اجتياح رفح بريًا، والسيطرة على محور فيلادلفيا، وغلق جميع المنافذ المحتملة لإدخال المساعدات، والإيغال في القتل والتدمير، وفرض حصار مطبق على مئات الآلاف وتعريض حياتهم للخطر.
الأمر تجاوز ذلك إلى استهداف المنظمات الدولية العاملة في القطاع، فقُصفت مقار ومراكز “الأونروا”، واستُهدفت عناصرها، كما استُهدفت عناصر “المطبخ العالمي” الإغاثي وأُجبر على تجميد نشاطه في القطاع، هذا بخلاف توسيع دائرة الحرب، لتشمل لبنان وإلى حد ما العراق واليمن وسوريا، ووصل الأمر إلى تلويح نتنياهو بعنهجية وصلف بقدرة الكيان المحتل على الوصول إلى أي مكان وأي شخص في الشرق الأوسط، في رسالة تهديد واضحة لبلدان المنطقة كافة.
ثالثًا: من حيث المستجدات الدولية.. تنعقد القمة الحالية بعد أقل من أسبوع من فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الحليف الأقرب للكيان المحتل، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهو الفوز الذي يتوقع أن يقلب الكثير من الحسابات في ظل ما يقدمه ترامب من دعم مطلق للمخطط الاستيطاني الإسرائيلي، ويعيد ترتيب المنطقة طبقًا لمخططات الاحتلال والمصالح الأمريكية.
وتذهب التقديرات إلى أن فوز ترامب سيخدم بطبيعة الحال الأجندة التوسعية الإسرائيلية، ومن هنا بات الحديث عن ضم أجزاء جديدة من الضفة والقدس، بجانب الخطوات الجادة نحو فصل شمال القطاع عن بقية الأجزاء من خلال المحاور الثلاث (نتساريم – فيلادلفيا – ميفلاسيم)، وهي التحركات التي تتناغم مع تصريحات ترامب قبل فترة، التي قال فيها إن “إسرائيل” دولة صغيرة ينبغي توسيع رقعتها حتى تستوعب يهود العالم.
وعليه فإن ما تواجهه القمة الحالية من تحديات يفوق ما واجهته القمة الأولى بكثير، الأمر الذي يضع جميع الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية أمام تهديدات وجودية خطيرة، تستدعي – هكذا يفترض – استراتيجيات أكثر عمقًا، وتدفع الجميع للتحضير الجيد لكل الاحتمالات عبر سيناريوهات عدة، يجب أن تتخلص من نطاق المصالح الخاصة الضيق.
مخرجات القمة الأولى.. ماذا تحقق منها؟
بالعودة إلى مخرجات النسخة الأولى من القمة التي عقدت قبل عام، فقد تمحورت في: إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري، والمطالبة بضرورة وقفه فورًا، ورفض توصيف هذه الحرب الانتقامية بأنها دفاع عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة، وفي ذات الوقت طالبت بكسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، كما طالبت مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان ويكبح جماحه، إضافةً إلى مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال، واستنكار ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي.
وقررت القمة وقتها تكليف وزراء خارجية السعودية، بصفتها رئيسة القمة العربية والإسلامية، وكل من الأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين، وأي دول أخرى مهتمة، والأمينين العامين للمنظمتين، ببدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة، لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.
وبالفعل باشرت اللجنة الوزارية المكلفة اجتماعاتها مع عدد من القادة على مستوى العالم، لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها، وبحث أهمية الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين العزل والمنشآت الحيوية، ومنها دور العبادة والمستشفيات، حيث التقت مع نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية، هان جينغ في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ووزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف في اليوم التالي، ثم التقت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 22 من الشهر ذاته، تلاه اجتماع مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في نفس اليوم، كما اجتمعت مع وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس، كذلك مع الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، وعدد من نواب الكونغرس الأمريكي في 7 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وفي 29 أبريل/نيسان 2024 عقدت اللجنة اجتماعًا في الرياض بشأن التطورات في قطاع غزة برئاسة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن عبد الله بن فرحان، ونظيره النرويجي، إسبن بارث، بحضور وزراء خارجية وممثلي كل من: البحرين، والبرتغال، والاتحاد الأوروبي، والجزائر، والأردن، وألمانيا، والإمارات العربية المتحدة، وإسبانيا، وآيرلندا، وإيطاليا، وبلجيكا، وتركيا، وجامعة الدول العربية، وسلوفينيا، وفرنسا، وفلسطين، وقطر، ومصر، والمملكة المتحدة، ثم استقبلت اللجنة الرئيس الفرنسي مرة أخرى في 24 مايو/أيار الماضي، كما عقدت اجتماعًا مع مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي في 27 من الشهر ذاته.
وهنا يبقى التساؤل: ماذا تحقق من كل تلك الجولات المكوكية واللقاءات التي عقدتها اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية الأولى بالرياض العام الماضي؟ النتيجة باختصار كانت صادمة، صفرية على المستويات كافة، فلم يلتزم الاحتلال بأي من المطالب المقدمة، كما لم يُحرك المجتمع الدولي ساكنًا إزاء ما يحدث في القطاع.
ويرجع هذا الفشل في تحقيق أي من مخرجات القمة الأولى إلى عدم رغبة الدول العربية والإسلامية في استخدام ما لديها من أوراق ضغط، وما أكثرها، والميل نحو الدبلوماسية الناعمة غير المجدية، حيث التزمت كل دولة بمقارباتها الخاصة التي تحافظ من خلالها على الخيط الرفيع الذي يربطها بالولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة وفي المقدمة منهم دولة الاحتلال، هذا بخلاف الانبطاح الواضح لدى بعض الدول للأجندة الصهيونية في المنطقة، وتواطئها – بقصد أو دون قصد- في حصار الشعب الفلسطيني ودعم جيش الاحتلال في تنفيذ مخططاته.
ماذا كان رد فعل الاحتلال؟
لم يلق الاحتلال أي اهتمام للقمة الأولى ولم يضع مخرجاتها في حساباته من الأساس، ففي الوقت الذي كانت تُعقد فيه القمة كان القصف الإسرائيلي على شمال غزة على أشده، وكان الضحايا من النساء والأطفال يتساقطون كأوراق الشجر، في رسالة مزدوجة تحمل معاني الطمأنينة إزاء أقصى ما يمكن للبلدان العربية والإسلامية أن تفعله ردًا على تلك الحرب، والإيمان المطلق بعجز القرار العربي عن الانتفاضة وكسر حالة الجمود التي عليها في ظل سلاسل المقاربات التي قيد بها نفسه.
ولم يتأخر الرد الإسرائيلي سريعًا على نتائج قمة الرياض الأولى، فأوغل الجيش في القصف والانتهاكات الوحشية، ومارس عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي للفلسطينيين، وتجاوز المحتل كل الخطوط الحمراء التي وضعها القادة العرب، فاحتل محور فيلادلفيا رغم التحذيرات المصرية، واجتاح رفح بريًا رغم المناشدات الدولية، وفجر المشافي ودمر المدارس وأوقف المساعدات الإنسانية متجاهلًا الاستغاثات السعودية، واحتل معظم مناطق القطاع ودمر بنيتها قفزًا على الأصوات المرتفعة التي تحذره من هذا الأمر.
وعلى عكس مطالب القمة التي نادت بتحجيم رقعة الحرب والحيلولة دون توسيعها، كانت التحركات الإسرائيلية تسير عكس عقارب الساعة العربية، ففتح المحتل جبهة جديدة في لبنان واستهدف العاصمة بيروت، كما استهدف اليمن ومنشآتها النفطية، كذلك العراق وسوريا، حتى مصر لم تسلم من هذا التجاوز، إذ استقبلت أكثر من صاروخين إسرائيليين فوق أراضيها وسقط 3 مجندين برصاص الاحتلال الذي اعتذر لاحقًا مدعيًا أن ماحدث كان على سبيل الخطأ غير المقصود.
كانت رسالة نتنياهو ورفيقيه، سموتريتش وبن غفير، واضحة، وهي المضي قدمًا في الانتهاكات واستمرار حرب الإبادة التي تُشن ضد المدنيين العزل في القطاع وخارجه، وضرب القمة العربية ومناشدات الزعماء والقادة العرب والمسلمون عرض الحائط، ووضع الجميع بمن فيهم حلفاء “إسرائيل” في مأزق وحرج أخلاقي وسياسي كبير أمام شعوب المنطقة.
المأمول من القمة الثانية.. هل تكون المخرجات على قدر التحديات؟
المثير للتناقض هنا، أنه رغم نسف نتنياهو وجيشه لكل مقاربات الدول العربية الحليفة لـ”إسرائيل”، ووضع قادتها في موقف متأزم أمام شعوبهم، فإنهم لم يتخذوا موقفًا واحدًا يمكن وصفه بـ”الحاسم”، بل على العكس كانوا الظهير المنافس للأمريكان في دعم الكيان، وحولوا ما لديهم من أوراق ضغط إلى أدوات مساعدة لإبادة سكان غزة، ففتحوا ممراتهم المائية لعبور السفن الحربية القادمة من وإلى “إسرائيل”، وأقاموا الجسور البرية لإدخال المساعدات الغذائية والطبية للداخل الإسرائيلي، بعدما توترت الأجواء في البحر الأحمر بفعل الحوثيين، وسمحوا بفتح مجالاتهم الجوية لعبور الطائرات الإسرائيلية، بل وأنعشوا خزائن حكومة الاحتلال بمليارات الدولارات نتيجة التبادل التجاري المتنامي منذ بداية الحرب وحتى كتابة هذه السطور.
وفي ظل هذا المشهد الفوضوي حالك السواد، وهذا الانبطاح الممنهج، والإصرار على الخذلان البيّن، والتناغم الحميمي مع تل أبيب، يبقى الرهان على قمة الرياض الثاني لاتخاذ موقف حاسم، نوعًا من السخرية، ودربًا من الخيال، وشطحًا بالفكر خارج نطاقات العقل، ونزوحًا عن أقبية المنطق المعتمدة، فهي أقرب للأمنيات والأحلام منها للقراءة الموضوعية للمشهد بكل تفاصيله.
وقد جاءت كلمات المشاركين في القمة مغلفة بالنبرة الحماسية كما كانت في النسخة الأولى، حيث استهل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كلمته الافتتاحية بالتأكيد على أن استمرار إسرائيل في جرائمها بحق الأبرياء والإمعان في انتهاك قدسية المسجد الأقصى من شأنه تقويض الجهود الهادفة لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، مجددًا شجب بلاده منع وكالة الأونروا وإعاقتها من تقديم الأعمال الإغاثية في الأراضي الفلسطينية، منوها على وقوف المملكة مع لبنان وفلسطين، داعيًا المجتمع الدولي للنهوض بمسؤولياته لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وإلزام الكيان المحتل باحترام سيادة إيران وعدم الاعتداء على أراضيها
من جانبه دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تعليق عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، ” ما لم تلتزم بالقانون الدولي”، فيما دعا عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، الاثنين، إلى تكثيف الجهود لـ “كسر الحصار على أهلنا في غزة لإنهاء الكارثة الإنسانية، وقف التصعيد في الضفة الغربية، والاعتداءات على الأماكن المقدسة، التي تضعف فرص السلام وتهدد أمن المنطقة كلها” في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، لافتا إلى انعقاد القمة في وقت تعيش فيه المنطقة “مأساة لا يمكن السكوت عنها، وتستدعي تحركا فوريا لوقفها” متسائلا “كيف لنا أن نخاطب الأجيال في بلادنا؟ كيف لنا أن نبرر لهم الفشل العالمي في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان؟ وكيف يمكن إقناعهم أن القانون الدولي موجود ليحمي كل الشعوب وحقها في الحياة، من دون تمييز بين شعب وآخر، أو دولة وأخرى؟”.
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فأعاد التأكيد مجددًا على أن بلاده ستقف ضد كل المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، مؤكدة إدانتها لـ”حملة القتل الممنهج التي تُمارس بحق المدنيين في قطاع غزة”، مضيفًا أن القمة “تأتي في ظل ظرف إقليمي شديد التعقيد وعدوان مستمر لأكثر من عام على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، وسط صمت مخجل وعجز فادح من المجتمع الدولي عن القيام بالحد الأدنى من واجباته، في مواجهة هذا التهديد الخطير، للسلم والأمن الدوليين”.
وأكد السيسي على “إدانة مصر بشكل قاطع، حملة القتل الممنهج، التي تمارس بحق المدنيين في قطاع غزة”، مشددًا على وقوفها “ضد جميع المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسريا، أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة.. هذا أمر لن نقبل به تحت أي ظرف من الظروف”، لافتا إلى أن “الشرط الضروري لتحقيق الأمن والاستقرار، والانتقال من نظام إقليمي، جوهره الصراع والعداء.. إلى آخر؛ يقوم على السلام والتنمية.. هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها “القدس الشرقية”.
وفي كلمته اتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حكومة نتنياهو بأنها تعمل دومًا على تصعيد التوترات في المنطقة، وأن الكيان المحتل لا يريد تنفيذ حل الدولتين ويسعى لتدمير الوجود الفلسطيني، مضيفًا “يجب علينا أن نمنعهم”، وألمح إلى أن “هدف إسرائيل هو الاستيطان في غزة، وتدمير الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، وفي النهاية ضمها، يجب أن نمنع حدوث ذلك، بينما تقدم مجموعة من الدول الغربية كل أنواع الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والمعنوي لإسرائيل، فإن عدم كفاية ردود فعل الدول الإسلامية أدى إلى وصول الوضع في الميدان إلى هذه النقطة. من المهم للغاية أن نستمر في جهودنا بشكل منسق لاتخاذ تدابير قسرية ضد الذين يرتكبون جرائم الإبادة في فلسطين. لا يمكننا السماح لاختلافات الآراء والمواقف بأن تعيق قضيتنا المشتركة”.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عُقد عقب انتهاء القمة أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على ذات المطالب التي تطرق إليها قادة البلدان العربية والإسلامية المشاركة، والتي تتمحور حول ضرورة إنهاء الحرب في غزة ولبنان ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لكافة مناطق القطاع والضغط على المجتمع الدولي للقيام بدوره في هذا الشأن، دون الحديث عن آليات تنفيذ تلك المطالب، أو اتخاذ إجراءات رادعة تجبر الاحتلال على الانصياع لها.
في الأخير.. فإن ماكان مسموحًا به في القمة الأولى، من تغليب للمقاربات الخاصة على حساب المرتكزات القومية والعقدية، لم يعد متاحًا في القمة الثانية، فالأزمة لم تعد صراعًا بين حماس و”إسرائيل”، ولا حتى بين طهران وتل أبيب، فحجم التصدعات الإقليمية الراهنة التي أحدثها التغول الإسرائيلي في المنطقة، ومساعي نتنياهو وحليفه ترامب نحو بناء شرق أوسط على المقاس، وتداعيات ذلك على تدشين معادلات اشتباك وتوازنات مغايرة، كل ذلك يفرض تحديات هائلة على الجميع، أطراف الصراع ومراقبيه، ويدفع نحو النظر إلى أبعد من المصالح الآنية، وأن يتحسب الجميع لمخاطر لن ينجو منها أحد.. فهل يدرك القادة المشاركون في قمة الرياض الثانية مثل تلك التهديدات قبل فوات الأوان؟
المصدر: نون بوست