2024-11-02 09:27 م

نعيش محاولة إعادة تفصيل المنطقة على قياس إسرائيل

2024-11-02

حذّر المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عزمي بشارة من أن المنطقة العربية تشهد محاولة إعادة تفصيلها على قياس إسرائيل، وشبّه الظروف الحالية بمرحلة دخول جيش (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين إلى الكويت عام 1990، واختصر مرحلتي اليوم والأمس بالقول إن الخطط كانت آنذاك أميركية، أما اليوم فهي إسرائيلية. ورأى بشارة، في حوار على تلفزيون العربي من مدينة لوسيل في قطر، مساء الاثنين، بمناسبة مرور عام على عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحرب الإبادة التي تلتها على غزة، أن الفلسطينيين اليوم أمام ما يشبه النكبة الجديدة. ووضع الحرب على لبنان في إطار شعور رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأنه مطلق اليدين ويستطيع تحقيق جميع أهدافه. كذلك شدد على أن لا نية صادقة في المصالحة الفلسطينية بل مجرد فلكلور وتكاذب.

أما في ما يتعلق بنظرته إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، فرفض المقولة التي تفيد بأن لا فارق فعلاً بين المرشحين دونالد ترامب وكامالا هاريس، ولم يستبعد أن يكون تعاطي هاريس وفريقها مع قضايا منطقتنا العربية أفضل مما ظهر من إدارة الرئيس جو بايدن.

ما قبل السابع من أكتوبر وما بعده
وقبل أن يناقش المفكر العربي عزمي بشارة عملية السابع من أكتوبر عسكرياً وسياسياً، وصفها بأنها تاريخ مفصلي له ما قبله وما بعده لناحية حجمه على إسرائيل وعلى الفلسطينيين. وتوقف عند السوابق التي أرساها الرد على السابع من أكتوبر على شكل حرب شاملة لا تحرك العالم لجهة حجم الجرائم ونوعها، وقد أصبحت عادية جداً كإبادة حيّ من أجل قتل مسلح واحد من حركة حماس مثلاً. أمر آخر ميّز حرب غزة وتوقف عنده بشارة هو حقيقة أنها الحرب الأولى من دون مراسلين أجانب غير عرب، وقد حوّل هؤلاء المراسلون كل ضحية إسرائيلية من عملية طوفان الأقصى إلى ملحمة ورواية وقصة شخصية، بينما شعب غزة يعاني كله ولا يوجد مراسلون يغطون الحرب هناك، على حد تعبيره.

وعن الخلفية المباشرة لعملية السابع من أكتوبر، تطرق بشارة إلى أنه عام 2023 وحده، قبل عملية السابع من أكتوبر، قتلت إسرائيل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت منهم بين 2000 و2023. كذلك سَرَد عوامل التهويد والتقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى، وتوسيع الاستيطان، وتغير طريقة التعاطي مع الأسرى منذ أصبح إيتمار بن غفير وزيراً، واتفاقات أبراهام ومشروع تصفية القضية الفلسطينية باسم "صفقة القرن" أيام دونالد ترامب، فضلاً عن تضييق الحصار على غزة. وفي ما يتعلق بالنقطة الأخيرة، ذكّر بشارة بأن قيادة حماس الحالية كان لديها توجه براغماتي للقبول بدولة فلسطينية، في المقابل كان الجواب الإسرائيلي عبارة عن مواصلة التضييق على غزة.

وفي تقييمه لعملية السابع من أكتوبر، بدا مؤلف كتاب "الطوفان ــ الحرب على فلسطين في غزة"، واثقاً من أن قادة حماس لم يتوقعوا نتيجة العملية لأسباب عدة، منها أنه "لم يكن لأحد أن يتوقع هذا النوع من الجرائم، لأنه غير مسبوق وغير عقلاني، وبالتالي يستحيل توقعه". وبرأيه، لم تحسب حركة حماس النتائج المباشرة للعملية، "لأنها نجحت أكثر مما توقع المخططون لها"، في إشارة إلى الانهيار العسكري للجيش والشرطة الإسرائيليين أمام المهاجمين. وجزم بأن المسلحين الفلسطينيين أخطأوا في اقتحام البلدات (في غلاف غزة) وخطف المدنيين "وهذا كان يمكن التحكم به، وكان يمكن الاكتفاء باستهداف المعسكرات والجنود، وعندما علموا بأن لديهم مدنيين كان يجب إطلاق سراحهم فوراً، وكسب التفوق الأخلاقي والسياسي، لأن المدنيين عبء، ولأن الجنود هم الأساس في التفاوض على الأسرى" وفق تعبير مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. واستدرك هنا بعكس السؤال الخاص بتوقع العملية ونتائجها، فتساءل: لماذا لم تتوقع إسرائيل بوصفها المستعمِر أن تكون ردة فعل المستعمَر على هذه الشاكلة نتيجة كل ما ارتكبته؟

وفي السياق، أوضح بشارة أن من خططوا لعملية 7 أكتوبر أخطأوا في الحساب عندما نفذوا عملية هجومية، وعندما أعلنوا حرباً خاسرة سلفاً، ذلك أن "حركات المقاومة بعد اتفاقات السلام العربية مع إسرائيل وخروج العرب من ساحة المواجهة، أصبحت حركات دفاع عن النفس، وليست حركات لتحرير فلسطين"، وهو ما خرقت منطقه عملية "طوفان الأقصى".

وفي ظل حجم الجريمة الإسرائيلية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، نبّه بشارة إلى أنه "لا يجوز التقليل من حجم معاناة الشعب الفلسطيني والحديث عن الانتصار بينما نتعرض للإبادة". ورداً على سؤال عن الثأر القبلي البدائي الإسرائيلي، رأى المفكر العربي أن هذا النمط مستمر، ويهدف الإسرائيليون منه إلى أن يعكسوا صورة الذل التي عرفوها في السابع من أكتوبر، ذلك أنه "ضروري معاقبة المدنيين ليبتعدوا عن فكرة المقاومة وليؤلبوا المجتمع على كل من يقاوم"، وهو ما سمّاه بشارة "برمجة سيكولوجية الجماهير".

جبهة لبنان... نتنياهو ينتقل من مرحلة إلى أخرى
وفي ما يتصل بالحرب على لبنان، قال بشارة إن نتنياهو ومن معه من طغمة متطرفين انتقلوا من مرحلة إلى أخرى خلال الحرب على غزة ثم على لبنان بسبب العجز العربي والحالة الدولية، فبدأوا بأهداف معينة وراحوا يوسّعونها نحو مخططات مبيّتة من قبيل توسيع الاستيطان في الضفة وإضعاف السلطة الفلسطينية، والآن الحرب على لبنان وتوسيع الاجتياح البري تدريجيّاً لهذا البلد، وربما لاحقاً يأتي دور إيران وفق تعبيره. ولاحظ بشارة أن نتنياهو وفريقه "وجدوا أن لا ثمن مرتفعاً دولياً، وفي شهر يوليو/تموز 2024 بدأوا يشعرون أنه بات بالإمكان نقل بعض الفرق من غزة إلى لبنان ووسعوا نطاق عملياتهم في الضفة، وهذا ناتج عن شعور نتنياهو بأنه مطلق اليدين، وأنه يستطيع أن ينفذ ما أراد في السابق تنفيذه". وأشار إلى أن فكرة شنّ الحرب الشاملة على لبنان موجودة منذ 8 أكتوبر عند المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، وذكّر بأن إخلاء المستوطنات الشمالية من سكانها حصل بوصفه خطوةً وقائيةً كي لا تتعرض لعملية مشابهة لما تعرضت له مستوطنات غلاف غزة من عملية تسلل، ولم يستهدفها حزب الله بصواريخه. وأعرب عن ثقته بأن حزب الله ومن خلفه إيران لم يكونا يريدان الحرب، بل إن تلك الحرب مشروع إسرائيلي قديم للقضاء على حزب الله، واستعاد حكام تل أبيب من خلاله هيبتهم استخباريّاً. وفي تقدير بشارة، فإن حزب الله "ارتكب خطأ عمره في الدخول إلى سورية ليصبح حركة طائفية عابرة للحدود وارتكابه جرائم هناك، وهذا ما ساهم في كشفه أمام الإسرائيلي".

وقال مؤلف "الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة"، رداً على سؤال، إن الإسرائيليين ربما يكونون قد بالغوا في قوة حزب الله وربما هو بالغ في قوته. وبرأي مؤلف "مسألة الدولة"، لم يدرك مسؤولو حزب الله في اللحظة المناسبة أن "إسرائيل كانت تشنّ حرباً وليس مجرد عملية استنزاف ومناوشات". وخلص في هذا الإطار إلى أن حماس وحزب الله هما من يخوضان حرب وجودهما اليوم، وليس إسرائيل مثلما تنص دعايتها الإعلامية.

وفي التقدير العسكري لمشهد الاجتياح البري، رأى بشارة أنه إذا كانت المجموعات المقاومة في الجنوب اللبناني غير مرتبطة هرمياً بالقيادات التي استُهدفت واغتيلت، فربما يمكنها الصمود لفترة طويلة. وعرّج على الحدث السياسي اللبناني الداخلي بالقول إن محاولة فرض رئيس للجمهورية في هذه المرحلة، "ستبدو كأنها استغلال للحرب التي يجب أن تتوقف أولاً وقبل أي أمر آخر". ونبّه بشارة إلى أنه إذا خرجت إسرائيل منتصرة وحققت أهدافها، فهي لن تنتصر على إيران فحسب، بل أيضاً على كل العرب. وأعرب عن ثقته في هذا السياق بأنّ من الممكن تغيير الوضع اليوم بالجلوس مع إيران والتفاوض على شروط العرب من أجل الوقوف معها، تماماً مثلما أن حكام مصر كانوا يستطيعون أن يوقفوا حرب غزة، وأن يجلسوا مع قيادة حماس وعرض مطالبهم عليها في مقابل الوقوف إلى جانبها في الحرب. وشرح بشارة وجهة نظره القائلة إنه كان واضحاً بالنسبة لإسرائيل أن حزب الله لن يخوض حرباً مع إسرائيل إلا إن تعرضت إيران لحرب إسرائيلية، وهذا معناه أنه في حالة تعرض حزب الله لضربة إسرائيلية قوية، فهذا يعني أن إيران ستصبح مكشوفة على الخطر، وذلك في ظل وجود خلافات بين المسؤولين الإيرانيين، بين من يريدون الانفتاح ومغادرة مسار المواجهة كله والتفاوض مع الغرب، في مقابل جماعة خيار الحرب.

الوحدة الفلسطينية
على صعيد آخر، علّق صاحب كتاب "صفقة ترامب ــ نتنياهو" على الانقسام الفلسطيني بالقول إن المحافظة على منظمة التحرير "كان يمكن أن تشكل سقفاً لوحدة وطنية"، ووصف الظرف الحالي بأنه "أصبح خطيراً للغاية لأن من همّشوا المنظمة وركّزوا على السلطة وخسروها في غزة، لا يدركون أن الحرب الحالية هي على كل الشعب الفلسطيني وستطاولهم لاحقاً". فإسرائيل من وجهة نظر بشارة، "لا تريد السلطة حتى في وضعيتها الحالية، وتريدها بلديات فقط".

وخلص إلى أن لا نيات حقيقية للمصالحة بل مجرد فلكلور كاذب، وشدد على أن الإطار الممكن لاستعادة نوع من الوحدة الفلسطينية، هو محاولة إعادة بناء منظمة التحرير لتجمع فلسطينيي الداخل والخارج، لأن تهميشها "جريمة كانت نتيجتها أن هناك جيلاً كاملاً لا يعرف المنظمة، وأن السلطة تعتقد أنها الوحيدة القادرة على إدارة غزة، حتى ولو تطلّب ذلك توحيد حركة فتح، ومحاولة إقناع حماس بأن توافق على ذلك". لكنّ بشارة توقع ألا تقبل إسرائيل إلا برقابة أمنية كاملة ومباشرة لها على غزة، وذكّر بأنها تريد مشاركة عربية في هذا المخطط. في المقابل، إذا كانت حركة التحرر موحدة، فستضطر إسرائيل إلى أن تتعامل مع الأمر الواقع. وختم بشارة مطالعته عن العلاقة بين الانقسام الفلسطيني والحرب على غزة بالإشارة إلى أنه إذا خرجنا من 7 أكتوبر مقسّمين، فإن التطبيع العربي مع إسرائيل سيتواصل مجاناً ومن دون شروط كربطه بإقامة دولة فلسطينية.

بين هاريس وترامب... الكثير
وركز المحور الأخير من حوار تلفزيون العربي مع بشارة على الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من الشهر المقبل، إذ رأى صاحب "في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟" أن من يريد أن يعمل في السياسة عليه أن يلاحظ الفوارق بين كامالا هاريس ودونالد ترامب الذي يفكر منذ الآن في خطط تهجير الفلسطينيين ويريد ضرب المفاعلات النووية الإيرانية ويصف جو بايدن بأنه فلسطيني ولا يقيس الأمور إلا بالمردود المالي ويتعاطى مع غزة كأنها مشروع تطوير عقاري.

وعن هاريس وفريقها، لم يستبعد بشارة أن يكونوا (في حال فوز المرشحة الديمقراطية) أكثر انفتاحاً على قضايا منطقتنا، حتى إنهم قد يكونون مختلفين في ما يتعلق بمنطقتنا عن بايدن وسياساته ومواقفه التي نقضت كل ما فعلته إدارة ترامب، إلا في ما يتعلق بفلسطين. لكن بشارة حذّر من أنه إذا بقيت منطقتنا وأنظمتها على ما هي عليه من دون مشروع وبلا حرص على مصالح بلدانها، وإن كانت تطبّع علاقاتها مع إسرائيل مجاناً من أجل تحقيق مصالح من أميركا ضد إيران أو لإبرام عقود تسليح، فلن يفيدنا شيء، لا إدارة أميركية ولا تظاهرات في الجامعات الغربية.

وعن طبيعة العلاقة التي تربط بين إسرائيل وأميركا، أجاب بشارة أن الأولى ليست تابعاً خاملاً لأميركا، بل لديها أجندات فاعلة لأنها دولة لديها مشروع، تنجح فيها فتدعمها الولايات المتحدة. وفي حين وجد أن من أبرز خلاصات حرب غزة أن إسرائيل لا تستطيع الصمود من دون دعم أميركي، فإنه جزم بأن أميركا تستطيع أن تأمر إسرائيل، ولكنها لا تريد ذلك، ولا يوجد مبرر كافٍ لتفعل ذلك، ما دام لا يوجد لوبيات لدينا كعرب، ولا أنظمة تضع شروطاً في علاقاتها مع أميركا.

المصدر: العربي الجديد