لم تكن الحدود الشمالية لإسرائيل وحدها ما تسعى حكومة نتنياهو لتحصينها من مفاجآت حزب الله وأنفاقه الكثيرة،؛ إذ وراء التهديدات والتوغل البري وعمليات الاغتيال التي وصلت إلى رأس هرم الحزب، تختبئ الكثير من الغايات، وهنا في البحر المتوسط نجد أولها وربما أكثرها أهمية ..
"حقول الغاز"
عادت قضية الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان إلى الواجهة مجددًا بكلمة قالها وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين حين وصف اتفاق الغاز الموقع مع لبنان منذ قرابة عامين بـ"الفاضح" معلنًا أنه بدأ البحث عن ثغرة ما في تفاصيله لكي يوقع على قرار إلغائه، وهو موقف لم يستهجنه المراقبون بعد النظر إلى تسلسل الأحداث وقراءة ما بين السطور والخرائط..
تمحور الخلاف بين إسرائيل ولبنان حول ما يعرف بـ"المنطقة الاقتصادية الخالصة" وهي منطقة تتاخم المياه الإقليمية لأي دولة ذات سيادة وفقا للتعريف الوارد باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار حيث تمتد حتى مسافة 370 كيلومترًا من ساحل الدولة وتتمكن الأخيرة بموجبها من الاستفادة من الموارد الموجودة ضمن تلك المنطقة فيما يتعلق بإنتاج الطاقة واستكشاف الموارد، لكن عدم التوافق بين الدولتين الساحليتين (إسرائيل ولبنان) كان تحديدا حول نقطة بداية الحدود البحرية واتجاهها ومن هنا انطلقت شرارة الخلافات بينهما..
في عام 2010 وبعدما بدأت عدة دول بترسيم الحدود البحرية لها، أرسل لبنان إحداثيات حدوده البحرية للأمم المتحدة وكانت عند هذا الخط الذي يعرف باسم 23، لكن ما حدث هو أن إسرائيل أرسلت إحداثياتها التي أظهرت تقاطعًا في المنطقتين الاقتصاديتين للدولتين في رقعة بلغت مساحتها 860 كيلومترا مربعًا، وعلى مر قرابة عقد من الزمن لم يتم التوصل إلى أي حل بينهما ففي عام 2020 طالبت لبنان بتوسيع الحدود حتى تصل إلى الخط 29 لتصبح المنطقة المتنازع عليها بمساحة 1430 كيلومترًا مربعًا..
في نهاية عام 2022، رسمت لبنان وإسرائيل نهاية مسار استمر على مدى عشر سنوات للمفاوضات غير المباشرة بوساطة أمريكية لترسيم الحدود وبالفعل أصبحت لبنان قادرة على إنتاج استكمال أعمال الحفر والتنقيب في الحقول الجنوبية بدءًا بحقل قانا..
بينما أصبح حقل كاريش ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، لكن ذلك الاتفاق قوبل بمعارضة شديدة من بنيامين نتنياهو الذي اعتبر أن رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية حينها يائير لابيد خضع لتهديدات حزب الله، مشيرًا إلى أن الاتفاق غير قانوني بل وغير ملزم لحكومة اليمين التي عادت مجددًا للتلويح بإلغاء الاتفاق كما قال وزير الطاقة الإسرائيلي..
هل يمكن لحكومة نتنياهو أن تتخذ قرارا بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان؟ وما هي تداعيات إلغاء الاتفاقية؟
يذهب 44% من إنتاج إسرائيل للغاز الطبيعي إلى التصدير الخارجي، وتحتفظ بالباقي لنفسها أي للاستخدام المحلي؛ إذ تمدها الحقول بـ 70% من احتياجاتها من الكهرباء..
لكن بعد الحرب بات كابوس إسرائيل حول استهداف حزب الله لمنصاتها يكبر أكثر فأكثر حيث خصصت مليار دولار لحمايتها، لأن استهدافها يعني أن إسرائيل ستغرق في الظلام، وستتكبد خسائر بالمليارات، وخسائر في جميع القطاعات.
فالخلافات على الحدود البحرية لم تقتصر على حرب الكلام والجغرافيا، فقد لوّح حزب الله باستهداف منصات استخراج الغاز الطبيعي في حقل كاريش الواقع ضمن المنطقة المتنازع عليها قبل اتفاق الترسيم 2022، وبعد اندلاع حرب غزة لوح باستهداف منصات الغاز في حال قررت إسرائيل توسعة الحرب على لبنان، كما أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض مسيرة قال إنها أطلقت من لبنان وكانت متجهة إلى حقل كاريش للغاز لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية آنذاك رجحت أنها "استخبارية".
ولا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل أمرت بإغلاق مؤقت لمدة شهر لحقل غاز تامار الذي تديره شركة شيفرون، والذي يقع على بعد حوالي 19 كيلومترًا قبالة ساحل قطاع غزة، في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وخلال تلك الفترة، تم تلبية نحو 60% من الطلب المحلي على الغاز الطبيعي في إسرائيل من حقل كاريش البحري للغاز، والذي من المحتمل أن يصبح هدفاً لحزب الله، بحسب محللين في حال اندلاع حرب تصبح فيها آبار الغاز محاطة بتهديدات الصواريخ..
سؤال: بعد تصفية عدد كبير من قادته، هل يُقدم حزب الله على استهداف منصات الغاز الإسرائيلية؟
لا مبالغة في القول إن إسرائيل ترى في حقول الغاز كنزًا لا يقدر بثمن وعلى هذا الأساس بدأت إسرائيل بالتخطيط لاستثمار ما يصل إلى 500 مليون دولار لتوسيع طاقة حقل ليفياثان البحري..
لكن هذا الاقتراح واجه تحديات فورية تتمثل في صواريخ حزب الله التي يمكن أن تصل لتلك المنشآت أو غيرها وفقا لما ورد في تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حيث تملك إسرائيل 5 حقول رئيسة وكانت قبل الحرب تطمح لتصبح مركزا إقليميًا لتصدير الغاز، كما أنها ضاعفت الصادرات 15 مرة في آخر خمس سنوات، لذلك فإن تهديد منصات الغاز أو التلويح بتهديدها قد يجعل إسرائيل تتخذ خطوات لا يمكن توقعها لحماية كنوز البحر المتمثلة بحقول الغاز.
المصدر: ارم نيوز| مرح جنبلاط