يتحسّب كبار قادة الدولة في إيران من الردّ الإسرائيلي المحتمل على هجماتها مساء الثلاثاء، وذلك بغية منعه أو التأثير عليه، وفق استراتيجية إيرانية تتجنب الحرب، لكنها تسعى إلى تسجيل نقاط استراتيجية من دون وقوعها.
في غضون ذلك، يترقب الشارع الإيراني بنخبته وعامته رداً إسرائيلياً على هجمات إيران، وسط فرحة بها، ممزوجة بمخاوف من اندلاع حرب، فيما بدأت تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية تتوافر عن طبيعة الأهداف الإيرانية التي يمكن أن يستهدفها الاحتلال الإسرائيلي، حيث تتحدث عن احتمال توجيهه ضربات لمنشآت إيرانية حساسة، نفطية وعسكرية ونووية.
ويقول الخبير الإيراني إبراهيم فراهاني إنه نظراً إلى حجم عملية “الوعد الصادق 2” الصاروخية الأكثر نطاقاً وشدة بالمقارنة مع “الوعد الصادق 1″، رداً على استهداف السفارة الإيرانية في دمشق خلال إبريل/ نيسان الماضي، “يمكن التوقع أن يكون الرد الإسرائيلي أيضاً شديداً”، مشيراً إلى أن استهداف المنشآت البنيوية الإيرانية الحساسة اقتصادياً أو نووياً سيعقبه هجوم إيراني “أشد” على أهداف إسرائيلية مماثلة، موضحاً أن إيران اضطرت للهجمات الصاروخية مساء أمس الثلاثاء، بعدما قرأت إسرائيل “الصبر الاستراتيجي الإيراني” على أنه دليل على العجز في الرد، “لذلك تبلورت قراءة بأنه من خلال توجيه ضربة قوية، يمكن لجم آلة الحرب الإسرائيلية” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويضيف أن الرد الإيراني “القوي” سيجعل الغرب وأميركا ودول المنطقة تتجه نحو التفكير بصوت عالٍ بشأن احتمالية اندلاع حرب نتيجة التصعيد، مما سيضع دول المنطقة، وفي مقدمتها دول الخليج، أمام وضع خطير وتحديات كبيرة. من جانبه، يقول المحلل الإيراني صلاح الدين خديو إن مصير التصعيد الراهن ومساراته يتوقف على طبيعة الرد الإسرائيلي على هجمات إيران، مشيراً إلى الرد السابق على عملية “الوعد الصادق 1” خلال إبريل/ نيسان الماضي “كان محدوداً ورمزياً بضغط من أميركا وحلفاء إسرائيل الغربيين”، مضيفاً أن السؤال اليوم ما إذا كان سيتكرر ذلك، أم ستتجه إسرائيل نحو رد أوسع بالنظر إلى الهجوم الإيراني الواسع.
ويوضح خديو أن أي هجوم إسرائيلي واسع على إيران، فضلاً عن تبعاته السياسية الكبيرة، سيسفر عن تبعات اقتصادية كبيرة، إذ إن “استهداف المصافي والمنشآت الاقتصادية سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، ويضع العالم أمام أزمة اقتصادية كبيرة”، مستبعداً أن يشمل الرد الإسرائيلي تلك المنشآت، ومعتبراً أن تل أبيب “غير قادرة على الضغط على زناد إشعال حرب شاملة وكبيرة من دون إجماع على المستوى العالمي”.
من جانبه، يتوقع الخبير الإيراني مير جواد ميرغلوي بيات أن يستهدف الاحتلال الإسرائيلي في بادئ الأمر “أهدافاً عسكرية وسيادية”، ثم بعد الرد الإيراني القوي، الانتقال إلى استهداف البنى التحتية الإيرانية لإحداث بلبلة في الشارع الإيراني، مثل مصافي البنزين، ومنشآت الغاز، ومحطات الكهرباء.
ويضيف الخبير الإيراني أنه في المرحلة التي تلي الرد الإيراني، من الممكن أن ينتقل الكيان الصهيوني نحو استهداف الموانئ والمطارات المدنية، وحتى مناطق صناعية وداخل المدن.
يشار إلى أن القواعد العسكرية الإيرانية تنتشر في أنحاء البلاد، نظراً إلى مساحة إيران الشاسعة التي تبلغ أكثر من مليون و600 ألف كيلومتر، لكن المصانع العسكرية والقواعد العسكرية الاستراتيجية والمنشآت النووية الإيرانية تقع عموماً في الوسط الإيراني، بعيداً عن النقاط الحدودية، وذلك تحسباً لأي حرب.
ویؤكد الخبير ميرغلوي بيات أنه “لا ينبغي الوقوع في فخ خفض التصعيد والرسائل وراء الكواليس”، عازياً ذلك إلى أن “الاحتلال يرى اليوم نفسه في مواجهة تهديد وجودي، وإذا ما تغير التوازن في المنطقة لصالح إيران وتفوق المقاومة، ستصبح إسرائيل أمام ظروف صعبة، لذلك أرى أنها ستستمر” في اعتداءاتها.
وشكّل حادث استشهاد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله “نقطة تحول” في تغيير المقاربة الإيرانية، وفق ميرغلوي بيات، الذي يقول إن زعيم حزب الله كان محل احترام وثقة لجميع القوى السياسية في إيران، مشيراً إلى أن استشهاده قد غيّر أيضاً مقاربة أطراف حاكمة كانت ترغب في التعاون مع الغرب، لكن بعدما خلف الغربيون بوعودهم بوقف إطلاق النار وخفض التصعيد، مقابل عدم الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أصبح جميع أركان الحكم متفقين على ضرورة رد مضبوط لإحداث توازن التهديد والردع.
ويتوقع الخبير الإيراني في العلاقات الدولية أن تتجه إيران وإسرائيل بشكل مباشر نحو تصعيد متزايد، لكنه مضبوط، وتوجيه ضربات متبادلة، مضيفاً أن إيران سترد بالمثل إذا ما تعرضت أهداف مدنية لهجمات إسرائيلية.
المصدر: العربي الجديد