عاد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الحديث عن «خطة الجنرالات»، والتي تستهدف تهجير سكان شمال وادي غزة وإجبار المقاتلين فيه على الاستسلام، من خلال إعادة إنتاج سيناريو التجويع. وأدلى نتنياهو، في تصريحه أول من أمس بهذا الخصوص، بكلام متناقض؛ إذ أكّد أن جيش الاحتلال لا يسعى لإقامة حكم عسكري للقطاع، وهو جرّب تنفيذ خطة حكم العشائر، لكنها لم تنجح، مستدركاً بأنه من المهم السيطرة على توزيع المساعدات وتكليف الجيش بها. ووفقاً للمقترح الذي وضعه ضابط الاحتياط المتقاعد، غيورا آيلاند، فسيجري العمل على تهجير قرابة 200 ألف من سكان شمال القطاع إلى جنوبه، بعد إعطائهم فرصة لمدة أسبوعين، ثم إعلان كل مناطق الشمال، مناطق عسكرية مغلقة. ويؤمل أن تساهم تلك الخطة في إبقاء 5 آلاف عنصر مسلّح من «كتائب القسام» وحيدين، ومنع دخول الغذاء إليهم حتى يضطرهم الجوع إلى الاستسلام.وقبل نقاش واقعية ما تطرحه «خطة الجنرالات»، من الجيد الإشارة إلى أن التكتيك القائم على تجويع وحصار منطقة بعينها، وصولاً إلى الإنهاك ودفع الناس إلى النزوح الجبري والمقاومين إلى الاستسلام، طبّقه جيش الاحتلال حرفياً طوال الأشهر الستة الأولى من الحرب، إذ حُرم شمال القطاع من دخول أي نوع من البضائع والوقود والسلع، لإجبار السكان على النزوح إلى مناطق وسط وجنوب غزة، والتي سُمح بإدخال البضائع وغاز الطهو والوقود إليها بشكل شبه منتظم. وفي ذروة التجويع الذي شهده شهر آذار الماضي، بقي من قرّر البقاء في شمال القطاع صامداً، على رغم وصول الناس هناك إلى مرحلة أكلوا فيها علف الدواب وأوراق الشجر. وعلى طريق خطة إخلاء شمال القطاع التي فشلت فعلاً، والتي يُشترط لنجاحها أصلاً الوصول بها إلى نسبة 100%، سقطت الكثير من المخطّطات، ومنها «حكم العشائر» و«الميناء العائم» و«الفقاعات الإنسانية» و«روابط القرى». لكن إعادة طرح رئيس وزراء الاحتلال «خطة الجنرالات»، تعكس حالة من فراغ الخيارات وانعدام خطط «اليوم التالي» للحرب؛ فهو لا يريد حكم القطاع عسكرياً، ولا احتلاله مدنياً، ولا تسليمه للسلطة الفلسطينية، ولا السماح لحركة «حماس» بإدارته، ولا تولّي مهمة توزيع المساعدات. وبالتالي، يحاول نتنياهو ملء فراغ أسئلة الجيش والمجتمع المتكررة عن سبب البقاء في غزة، بينما تخوض إسرائيل حرباً على عدة جبهات وأهمها لبنان.
أما العنصر الثاني الذي يقوّض واقعية الخطة، فهو ضعف قابلية الشارع في شمال القطاع للاستجابة لأوامر الإخلاء، إذ تكفي مشاهد مئات الجثث المتحلّلة في شارعي صلاح الدين والرشيد، أثناء محاولة الناس العودة إلى الشمال هرباً مما يكابدونه في ظروف النزوح، للإشارة إلى قسوة ما يعيشه نحو مليون ونصف مليون إنسان في الخيام، بينما يتنظرون الآن فصل الشتاء بلا منازل أو سبل للعيش. كما أن الشهرين الماضيين، بما جرى خلالهما من عمليات برية واسعة استهدفت النازحين في وسط غزة وجنوبها، وأجبرتهم على النزوح عدّة مرات خلال الأسبوع الواحد، وقصف مستمر وشبه يومي تجاه الخيام، عزّزا الوعي الجمعي لسكان شمال القطاع، ما جعلهم يستشعرون نعمة البقاء والصمود في بيوتهم أو ما تبقّى منها، على رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشونها.
في محصّلة الأمر، حتى وإن جرّب الاحتلال، في حال انتهى من حربه في جبهة الشمال، «خطة الجنرالات»، فإن نتيجتها ستكون الفشل؛ فلا الحاضنة الشعبية مستعدّة للاستجابة تحت أسوأ الظروف، ولا مشروعية التهجير بعد هذه الحرب الطويلة، قابلة للتجريب، ولا سيما بعدما أفشل الأهالي ومعهم الإرادة الإقليمية، مشروع التهجير إلى شبه جزيرة سيناء.
المصدر: الاخبار اللبنانية