2024-09-21 12:48 ص

حضرموت.. معركة تقسيم غنائم بين السعودية والإمارات تنذر بالتقسيم

2024-09-20

يزداد الوضع في مدينة حضرموت، كبرى المدن اليمنية، تأزمًا يومًا تلو الآخر، إذ تشهد منذ بداية العام الجاري توتيرًا غير مسبوق، جراء النزاع بين القوى المحلية التابعة لكل من السعودية والإمارات على وجه التحديد، والذي أوصل المدينة إلى طريق صعب وسط مخاوف من شبح التقسيم والاحتراب الأهلي والتفتت لواحدة من أهم حواضر اليمن.

وانتقل الحليفان السعودي والإماراتي من مرحلة التصدي للحوثيين، وهو العنوان الذي رفعه التحالف العربي لتبرير عملياته العسكرية في اليمن عام 2015، إلى مرحلة جديدة من الصراع على تقسيم الغنائم في البلد الذي كان سعيدًا قبل أن تطأه أطماع الدول النفطية ومن قبلها جنرالات العسكر.

وتعد مدينة حضرموت واحدة من النماذج الصارخة على صراع الحلفاء، الرياض وأبو ظبي، والدخول في معركة حامية الوطيس، طرفاها بطبيعة الحال وكلاء الحليفين في الداخل من القوى السياسية والأمنية المحلية، وذلك للفوز بهذا الصيد الثمين، دون أي اعتبار لأمن واستقرار الشعب اليمني الذي وقع فريسة لأطماع التوسع الخليجي-الخليجي.

وتحتل حضرموت الواقعة شرق اليمن 36% من مساحة الدولة اليمنية، تبلغ مساحتها نحو 193 ألفًا و32 كيلومترًا مربعًا ويقدر عدد سكانها بمليون و28 ألفًا و556 نسمة، وتتكون من 28 مديرية، وعاصمتها “المكلا” أكبر مدنها وبها أهم موانئ الجمهورية، تحدها السعودية من الشمال ومن الجنوب بحر العرب ومن الشمال الغربي محافظتي مأرب والجوف ومن الشرق محافظة المهرة ومن الغرب محافظة شبوة.

اهتمام سعودي إماراتي.. لماذا حضرموت؟
فرضت حضرموت نفسها كساحة تنافس محورية بين السعودية والإمارات، وذلك لعدة اعتبارات ومقاربات تدفع البلدين لتوسيع دائرة النفوذ بها ومحاربة كل طرف للآخر في هيمنته على مقدرات تلك المدينة التاريخية ذات الإمكانيات النفطية والاقتصادية والموقع اللوجستي المهم.

على المستوى السعودي.. يمكن القول إن الاهتمام بحضرموت ليس وليد اليوم، إذ يعود لعقود قديمة، حيث يرتبطا بشريط حدودي واسع النطاق – يقع معظمها ضمن صحراء الربع الخالي التي يشترك فيها الشمال الشرقي لليمن مع الجنوب الشرقي للسعودية – يقدر بنحو 700 كيلومتر، بما يمثل قرابة نصف الحدود اليمنية مع المملكة، وهو ما يمنح المدينة اليمنية أهمية لوجستية أمنية محورية بالنسبة للسعوديين.

كما عزز الموقع الجغرافي لحضرموت من أهميتها لدى الرياض، إذ توفر القدرات الجيوسياسية التي تحتاجها المملكة لتأمين علاقاتها مع المراكز التجارية العالمية، كون المدينة تطل على بحر العرب المفتوح على أكبر المحيطات في العالم، وهو ما يجنب السعودية إلى حد ما المخاطر الناجمة عن تهديدات غلق المضائق البحرية الأخرى كـ”هرمز” و”باب المندب”، ويقدم لها البديل المناسب أوقات الأزمات والصراعات الإقليمية.

هذا بجانب العلاقات الديموغرافية والاجتماعية التي تربط بين السعودية وكبرى قبائل المدينة، حيث أواصر المصاهرة والنسب، بجانب الجالية الحضرمية الكبيرة الموجودة في المملكة، التي من بينها رجال أعمال وعائلات بارزة تمتلك استثمارات ضخمة بالسعودية، وكثيرون لا يعرفون أن أصولهم حضرمية في الأساس، أبرزها: عائلات بن لادن، عائلات بن محفوظ، وبقشان، العمودي، وآخرون.

على المستوى الإماراتي.. ربما لا ترتبط الإمارات جغرافيًا ولا سياسيًا بحضرموت، لكن الإمكانيات والقدرات اللوجستية التي تتمتع بها المدينة أسالت لعاب أبناء زايد الذين تكشفت نواياهم الحقيقية من المشاركة في قوات التحالف، والتي تركزت في الهيمنة على السواحل والموانئ والجزر اليمنية على الساحل الجنوبي والشرقي في إطار سياسة السيطرة على الممرات والمنافذ البحرية في المنطقة، من اليمن وحتى القرن الإفريقي، بما يعزز النفوذ الإماراتي ويخدم الأجندة التوسعية لحاكميها.

القدرات النفطية وحقول الغاز والتصدير التي تتمتع بها حضرموت ومدن الجنوب اليمني عمومًا، كانت هي الأخرى محط أنظار واهتمام الإماراتيين، لتنقل الإمارات معظم عملياتها في اليمن إلى مناطق الجنوب، تاركة الحليف السعودي يغرد وحيدًا على مختلف الجبهات، وهو ما أثار الشكوك والقلق لدى السعوديين كما سيتم ذكره لاحقًا.

ومع مرور الوقت تحول اليمن إلى محطة استراتيجية للإماراتيين للانطلاق نحو صناعة نفوذ أكثر عمقًا في الخليج وإفريقيا وآسيا، فالسيطرة على الموانئ والممرات اليمنية يسمح لها بالتغلغل أكثر في العمق الأسيوي والخليجي، وفي المقابل على الناحية الأخرى تسابق الزمن لبناء امبراطورية لها في القرن الإفريقي ومنه إلى القارة السمراء، وهو ما بدأت إرهاصاته تتضح خلال السنوات الخمسة الأخيرة، تحديدًا حين بدأت أبو ظبي في الكشف عن قناعها الحقيقي الرامي إلى توظيف القوى المحلية اليمنية من أجل السيطرة على السواحل والموانئ والجزر اليمنية، الممتدة من حضرموت شرقًا وحتى ما بعد باب المندب غربًا.

هكذا نفذت الإمارات مخططها
تجدر الإشارة ابتداء إلى أن جماعة الحوثي المدعومة من إيران التي شن التحالف العربي حربه ضد اليمن لمحاربتها مارس/آذار 2015، تتمركز في مناطق الشمال، صعدة وعمران ومحافظة الجوف وذمار، وصولًا إلى صنعاء القديمة، ما يعني أن حضرموت القابعة في الجنوب بعيدة تمامًا عن أهداف التحالف، أو هكذا يفترض.

ومع ذلك كانت تلك المدينة الهدف الأول للقوات الإماراتية المشاركة في التحالف، حيث دخلتها عسكريًا وسيطرت على أجزاء منها خاصة الموانئ ومناطق إنتاج وتصدير النفط والغاز، بحجة محاربة تنظيم “القاعدة” الذي كان قد سيطر على مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، في أبريل/نيسان 2015.

وتطرقت دراسة نشرها مركز “المخا” اليمني للدراسات الاستراتيجية، إلى أهم الإجراءات التي اتخذتها الإمارات لفرض الهيمنة على حضرموت والسيطرة على مواردها بشكل كامل، لافتة إلى أن تلك المدينة باتت تشكل فيما بعد قاعدة المشروع الانفصالي الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبناء زايد، الذي يهدف إلى انفصال المحافظات الجنوبية تحت مسمى “دولة الجنوب العربي”.

المثير للريبة هنا أنه بعد عام واحد فقط من دخول القوات الإماراتية ووكلائها المحليين إلى حضرموت بحجة محاربة القاعدة، اتفق الإماراتيون مع قادة التنظيم في الجنوب على الخروج الآمن إلى المناطق الغربية، بكامل عتادهم وسلاحهم، بزعم تجنيب المدينة ويلات القتال، وكان يتوقع بعد هذا الخروج أن ينسحب الإماراتيون كذلك بعد انتهاء المبرر الذي دخلوا المدينة لأجله، لكن المفاجأة كانت غير متوقعة، حيث بدأت الإمارات – بشكل أحادي – في ترسيخ وتعزيز وجودها العسكري والسياسي، دون العودة للحليف السعودي.

عسكريًا.. بدأت الإمارات في تشكيل ما سمى بـ”قوات النخبة الحضرمية”، وهي عبارة عن تشكيل عسكري مكون من عناصر مسلحة وقيادية من حضرموت مدعومة بعناصر من القوات الإماراتية، ونجحت بالفعل في السيطرة على المدينة بأكملها في أبريل/نيسان 2016، وتحولت مع الوقت إلى قوة تابعة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتيًا كذلك، وهو ما أهله للسيطرة على المنطقة العسكرية الثانية المرابطة في مديريات الشريط الساحلي في المحافظة.

كما دعمت القوات الإماراتية المنظومة الأمنية في حضرموت بشتى أنواع العتاد والتسليح، حيث زودتها بـ100 سيارة عسكرية، وساهمت في تأثيث 22 مركز شرطة، و8 إدارات تخصصية، وقدمت 157 مركبة، من ضمنها 4 آليات للدفاع المدني و60 دراجة نارية، ووفرت التجهيزات العسكرية والاحتياجات المادية اللازمة للسيطرة الأمنية على مدن ومناطق ساحل حضرموت، فضلًا عن إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية وتأهيل وتدريب أفراد وحداتها واعتماد مرتباتهم بالكامل، حسبما أشارت الدراسة.

سياسيًا.. وعلى المستوى السياسي سعت الإمارات إلى تحويل حضرموت إلى مرتكز إداري ومحوري لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” حيث نقلت قادته بطائرة خاصة إلى مدينة المكلا في فبراير/شباط 2019، سبق ذلك وصول عشرات العربات العسكرية لاستخدامها في تنقلات القادة، وفي مايو/أيار 2023 زار رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، مدينة المكلا بموكب استعراضي يشبه مواكب رؤساء الدول.

وخلال تلك الزيارة عُقدت الدورة السادسة من الجمعية الوطنية للمجلس، وهي الدورة التي تشبه جلسات البرلمان في الدول المستقلة، وفيها تم التأكيد مرة أخرى على انطلاق مسار الانفصال عن الجمهورية اليمنية واستعادة ما يُسمى بـ”الدولة الجنوبية”.

اجتماعيًا.. حاولت الإمارات تمرير هذا المخطط وشرعنته من خلال تعزيز سيطرة المجلس الانتقالي عبر إنشاء مكونات اجتماعية حضرمية تضم شخصيات لها ثقل سياسي واجتماعي مثل محافظ حضرموت الأسبق، اللواء أحمد سعيد بن بريك، الذي رأس فيما بعد الجمعية الوطنية للمجلس، ثم انضمام محافظ حضرموت السابق وعضو مجلس القيادة الرئاسي حاليًا، اللواء فرج سالمين البحسني، الذي بات يشغل منصب نائب رئيس المجلس، وذلك في محاولة خلق ظهير شعبي داعم وبقوة لمخطط الانفصال الذي تقوده الإمارات عبر خطابها الشعبوي لسكان الجنوب.

مجلس حضرموت الوطني.. السعودية ترد
أثارت تحركات الإمارات في الجنوب حفيظة السعوديين، الذين استقر في يقينهم أن جارتهم النفطية اتخذت من عملية المشاركة في التحالف جسرًا تعبر من خلاله لتوسعة نفوذها يمنيًا، متوجسين خيفة من تداعيات الطموح الزائد لأبناء زايد في تهديد الأمن القومي السعودي وتعريضه مصالح المملكة التجارية للخطر، وعليه كان لا بد من التحرك والتصدي لهذا المخطط.

وفي سبيل تقليص هذا النفوذ الإماراتي المتزايد جنوبًا ومجابهته، شرعت المملكة في تدشين ما عرف بـ”مجلس حضرموت الوطني” وذلك في يونيو/حزيران 2023، مستعينة في ذلك بشخصيات حضرمية فاعلة، ومكونات اجتماعية لها حضورها المحلي والشعبي، كاشفة عن حزمة من المبادرات التي تهدف إلى الخروج برؤية موحدة بشأن مستقبل حضرموت ولم الشمل وانطلاق جولات من المباحثات في إطار ترتيبات الحل النهائي للنزاع اليمني.

وحملت الوثيقة السياسية والحقوقية الصادرة عن هذا المجلس الجديد عشرات الشعارات والمبادئ التي يرى البعض أنها تستهدف في المقام الأول التحركات الإماراتية، مثل توحيد الصف وتغليب نهج الحوار لحل الخلافات، وحشد الجهود لاستعادة مؤسسات الدولة، والنأي بحضرموت عن أي توترات أو خلافات تحولها إلى مسرح للصراعات، مع التشديد على ضرورة التفرغ للإصلاحات الاقتصادية والخدمية.

وفي ذات السياق هيأت السعودية الأجواء لاستقبال رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، لمحافظة حضرموت في يونيو/حزيران 2023، برفقة مسؤولين سعوديين، حيث قدم حزمة من التعهدات لسكان حضرموت بالإدارة الذاتية للمحافظة، كما وضع حجر الأساس لعدد من المشروعات التنموية التي تمولها المملكة، بلغت قيمتها نحو 1.2 مليار ريال سعودي، وذلك لتشجيع أبناء المحافظة على التصدي لمخططات التقسيم والانفصال.

صِدام سعودي إماراتي
بدورها أثارت التحركات السعودية في حضرموت حفيظة الإماراتيين، الذين جيشوا إمكانياتهم وقدراتهم ونفوذهم للتصدي لتلك التحركات، حيث دفعوا بـ”الانتقالي” إلى إعلان رفضه لـ”مجلس حضرموت الوطني” المدعوم سعوديًا، واتهامه بأنها محاولة لتفريغ المكونات الحضرمية ويأتي ضمن أجندة تستهدف تقسيم الحضرميين وغزوهم، كما جاء على لسان عضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي.

ودفعت الإمارات الكثير من أعضاء الانتقالي ومسؤولي السلطات المحلية في حضرموت لشن هجوم لاذع ضد التحركات السعودية، ممثلة في “مجلس حضرموت الوطني” المدعوم منها، واتهماها بالتخطيط لتفكك المدينة وضرورة التصدي لها.

وتحولت حضرموت إلى ساحة معركة كبرى بين قوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتيًا، ومجلس حضرموت الوطني المدعوم سعوديًا، وصلت إلى مستوى متطرف من التصعيد حيث تنظيم الفعاليات والمؤتمرات الجماهيرية الاستعراضية لكلا الجبهتين، الأمر الذي أسفر عن وقوع صدامات دامية أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.

شبح التقسيم يطل برأسه
وبعد قرابة 9 سنوات كاملة من الحرب على اليمن، تواجه حضرموت، المدينة البعيدة تمامًا عن مسرح الأحداث والصراع مع الحوثيين، شبح التقسيم، حيث يهمين المجلس الانتقالي ومجلس حضرموت الوطني المدعومان من الإمارات على مديريات ومناطق حضرموت الساحل، ومركزها مدينة المكلا، فيما تسيطر الحكومة الشرعية ومجلس حضرموت الوطني المدعومان من السعودية على مديريات حضرموت الوادي والصحراء، ومركزها مدينة سيئون.

وتجاوز الخلاف بين وكلاء البلدين الخليجين في حضرموت حاجز التنافس السياسي إلى ماهو أخطر من ذلك، حيث تهديد أمن واستقرار المدينة وضرب ثوابتها الوطنية، وسط تصاعد الاحتقان الشعبي وتبني خطاب شعبوي استقطابي صدامي ينذر بكارثة، إذا ما وصلت الأمور إلى حرب أهلية بين المكونات الاجتماعية والقبلية في المحافظة.

ومما يعزز من مخاطر هذا التنافس تشبث كل طرف، السعوديين والإماراتيين، بمواقفه، مستندًا إلى بعض المبادرات والاتفاقيات التي تخدم أهدافه، ورفض الاستجابة لأي مناشدات أو مبادرات، فالإمارات ترفض تمامًا التزحزح عن مخطط السيطرة على موانئ وشواطئ الجنوب والشرق، وفي المقابل تصر السعودية على تقليم أظافر النفوذ الإماراتي في فنائها الخلفي حفاظًا على أمنها ومصالحها.

وهكذا تؤكد السنوات التسعة الماضية انجراف الحرب التي شنتها قوات التحالف على اليمن في 2015 عن مسارها، لتتحول من حرب ضد الحوثيين إلى معركة تقسيم غنائم، وبين مطرقة الأطماع الإماراتية وسندان الاحتراز السعودي، يحبس أكثر من مليون حضرمي أنفاسهم ترقبًا لشبح التقسيم الذي يطل برأسه بشدة.


المصدر: نون بوست