2024-11-22 07:01 م

تعيين ضابط إدارة مدنية في غزة.. خطوة إسرائيلية جديدة لـ”اليوم التالي”

2024-09-01

استحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي منصبًا جديدًا يخص قطاع غزة، يحاكي إلى حدٍ ما المسمى ذاته الذي ارتبط كثيرًا في السنوات الأخيرة بمزاعم الاحتلال عن جهوده الإنسانية في الضفة الغربية، ويحمل اسم “رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية” الذي يصفه الفلسطينيون بـ”المنسق” أو “الحاكم الفعلي”.

يُعد التعيين الذي أقره رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، ووافق عليه وزير الحرب، يوآف غالانت، الأول من نوعه منذ اندلاع العدوان والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويأتي استكمالًا للخطوات الإسرائيلية المتدرجة لتثبيت إعادة الاحتلال لقطاع غزة، في إطار السعي المستمر إلى تحقيق أهداف الحرب التي حددتها الحكومة الإسرائيلية.

يحمل القرار الإسرائيلي الجديد العديد من الجوانب المتصلة، فما بين حاجة “إسرائيل” إلى ترميم صورتها أمام المجتمع الدولي والتجهز للتعامل مع سيناريوهات الملاحقة القضائية ومتطلبات الدفاع القانوني أمام المحافل الدولية من جهة، وإلى إنجاز ترتيبات تُسهل هندسة “اليوم التالي” في قطاع غزة بتجاوز المنظومة السلطوية القائمة وتثبيت صيغ حكم جديدة من جهة أخرى، يكمن قرار التعيين الجديد.

من الضابط الجديد وما صلاحياته؟
ضمن القرار الجديد، أعلنت وسائل إعلام عبرية ترقية العقيد إلعاد غورين ليتولى المنصب الجديد، وهو الذي خدم طوال السنوات الماضية في وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الوحدة المسؤولة عن إدارة الأنشطة المدنية لجيش الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي خلال الشهور الماضية كان غورين مسؤولًا عن المتابعة مع المؤسسات الدولية وتنسيق جهود الإغاثة، بما يشمل الممرات الإنسانية وعمليات الاخلاء وجهود إدخال المساعدات، كما التقى ضمن مهمته مع عدد من المسؤولين الغربيين، وروّج لفكرة تهميش وكالة “أونروا” في العمل الإنساني بغزة لصالح منظمات أخرى.

ووفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، فإن الضابط الذي يقود مديرية التنسيق والارتباط في غزة، سيكون مسؤولًا عن القضايا التكتيكية اليومية المتمثلة بنقل المساعدات الإنسانية على المعابر إلى القطاع وعلى الطرق داخله، وإصلاح البنية التحتية في غزة والاتصال مع منظمات الإغاثة الدولية.

ويتولى الضابط الجديد، وفقًا للصحيفة ذاتها، مسؤولية متابعة القضايا الاستراتيجية “لمنع تشكل أزمة إنسانية في غزة، والحفاظ على الشرعية الدولية لمواصلة القتال ضد حماس”، خاصةً في ظل الانتقادات الدولية المتصاعدة لتوظيف الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع والحصار والتدمير الممنهج للبنية التحتية في سبيل تحقيق أهدافه العسكرية والميدانية في غزة.

ومع ذلك أشار التقرير العبري إلى أنه ليس لدى الضابط غورين حتى الآن تعريف دقيق لوظيفته، لكنه سيكون أول من يتولى هذا المنصب الشبيه بمنصب رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية المحتلة.

الإدارة المدنية سياق متصل لاستغلال الحاجات الإنسانية وتجاوز السلطة
يعود تاريخ تأسيس مهمة المنسق إلى العام 1967 إبان احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، حين قررت “إسرائيل” أن تبقي على الضفة والقطاع تحت إدارتها العسكرية، ثم في العام 1981 قرر وزير الجيش الإسرائيلي السابق، أرئيل شارون، تأسيس جهاز الإدارة المدنية الذي يتبع له المنسق، وفي المحصلة فإن التبعية الكاملة لهذه المناصب تعود إلى وزير الجيش الإسرائيلي.

في الضفة الغربية يدير الضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، هشام إبراهيم، هذه المهمة، وهو ضابط شارك في حرب لبنان مع “إسرائيل” في العام 2006 وتدرج في عدة مناصب قيادية في الجيش.

يُعد عمل المنسق من الوسائل الإسرائيلية الناعمة في الضفة الغربية المحتلة، والهادفة إلى إحداث اختراق في صفوف المجتمع الفلسطيني مستغلًا بذلك حاجة الناس، مثل قضايا إصدار تصاريح العمل في أراضي الداخل المحتل، وإصدار التصاريح لأصحاب رؤوس الأموال من التجار ورجال الأعمال، وإزالة المنع الأمني مقابل تعهدات والتزامات بعدم الانخراط في أي نشاط معادي، ومتابعة مناحي حياة الفلسطينيين كافة، عبر المعابر وفي بعض المناطق المصنّفة “ج” أي الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية، ومحاولة التواصل المباشر عبر مواقع التواصل مع الفلسطينيين في المناسبات والأعياد، بالتالي ما يُفهم من عمل المنسق، إلى حد ما، أنه تطبيق سياسة التدجين الاقتصادي والاختراق الاجتماعي في الأراضي المحتلة.

وإن كان يرى بعض المراقبين أن طبيعة عمل المنسق أحدثت اختراقًا بمرحلة معينة في المجتمع الفلسطيني في الضفة المحتلة بذريعة إنسانية، فإن الاحتلال يراهن على تكرار التجربة ذاتها بالذريعة ذاتها مع اختلاف العناوين في قطاع غزة، بشكل يهندِس لـ”اليوم التالي” للحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي.

إعادة الاحتلال وهندسة “اليوم التالي”
يتمسك رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ومن خلفه الحكومة الإسرائيلية بشرط فرض السيطرة الأمنية والعسكرية على قطاع غزة، وإن كان الاختلاف بين مكونات المشهد الإسرائيلي على طبيعة هندسة “اليوم التالي”، فإن ثمة شبه إجماع إسرائيلي على ضرورة أن يحتفظ الجيش الإسرائيلي بمبدأ حرية الحركة والإغارة في داخل قطاع غزة، في إطار مواجهة قوى المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية.

في السياق ذاته، ثبتت الحكومة الإسرائيلية قرارًا يقضي باستمرار السيطرة على محور “فيلادلفيا” الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر، وهي الخطوة التي تُشكل مدماكًا رئيسيًّا في عملية إعادة احتلال غزة، تلاه القرار العسكري بموافقة المستوى السياسي على تعيين الضابط المنسق للشؤون الإنسانية في قطاع غزة.

وفي تصريح لـ”يديعوت أحرونوت” بشأن المنصب الجديد المستحدث في وحدة التنسيق الإسرائيلية، قال مسؤول أمني إسرائيلي: “هذا ليس مشروعًا مؤقتًا، بل سيبقى معنا في سنوات عديدة قادمة”، وأضاف: “أي شخص يعتقد أن السيطرة والمشاركة الإسرائيلية في قطاع غزة ستنتهي قريبًا مخطئ”، مؤكدًا: “غزة ستشغلنا كثيرًا في السنوات المقبلة، أكثر مما هي عليه اليوم، وسيكون الدور مواصلة إعطاء القوات فرصة للقتال لتحقيق أهداف الحرب وتقليل الانتقادات الدولية ضدنا وفقًا لذلك”.

يدرك جيش الاحتلال أن عملية هندسة “اليوم التالي” في قطاع غزة تحتاج كثيرًا من الوقت في ضوء المعطيات الحالية، خصوصًا بعد فشل كل النماذج الأولية على مدار شهور الحرب، وبالتالي فإن المسؤولية الإسرائيلية عن الجوانب الحياتية اليومية في غزة ستتواصل، بل ستزداد في خلال السنوات القريبة المقبلة.

تحاول حكومة الاحتلال منذ شهور خلق واقع سياسي وأمني ومدني جديد داخل غزة، في إطار رغبتها في تجاوز السلطات الحاكمة في القطاع، وكذلك تجاوز الارتباط بمنظومة السلطة الفلسطينية في رام الله لإدارة شؤون سكان قطاع غزة، وهو ما يتطلب استحداث الأدوات اللازمة لتثبيت هذا التجاوز بما يتعدى محاولات خلق نماذج على النجاح في هذا التجاوز.

ولطالما كانت مهمة منسق الضفة متجاوزة للسلطة الفلسطينية هناك، فإن محاولة استنساخها في قطاع غزة تُعد أيضًا تجاوزًا للسلطة المحلية في غزة، التي ما انفكت “إسرائيل” تكرر محاولات تجاوزها منذ سيطرتها على القطاع منذ بداية الحرب تحت عنوان القضايا الإنسانية، وبالتالي ترفع “إسرائيل” هنا الحرج عن نفسها أمام دول العالم فيما يخص الجانب الإنساني.

أهداف متعددة
يرتب الاحتلال أجندته بما يتوافق مع الاستراتيجية طويلة الأمد في التعامل مع الحرب في قطاع غزة، وبناءً على القناعة بأن أفق تقديم نتنياهو قبول بإنهاء الحرب والانسحاب من غزة مقابل صفقة تبادل للأسرى أفق شبه معدوم، خصوصًا في ظل إصراره على استمرار البحث عن النصر المطلق وتحقيق أهداف الحرب، فإن من الضروري إنجاز الترتيبات اللازمة للتعامل مع الواقع الجديد، وفي صلبه ترتيبات إدارة شؤون السكان في قطاع غزة، والتعامل مع تحديات الانتقادات الدولية، وهو ما يُحمل القرار الإسرائيلي الجديد مجموعة من الأهداف، أبرزها:

التعامل مع الانتقادات الدولية: يحاول الاحتلال إضفاء نوع من الشرعية على عملياته العسكرية في قطاع غزة من خلال إظهار محاولة تجنبه الإضرار المباشر بسكان القطاع، وادعاء تعاونه فيما يتعلق بالجهد الإنساني، خاصةً مع تصاعُد خطر انتشار الأوبئة التي كان آخرها شلل الأطفال الذي تطالب الأمم المتحدة بهدنة إنسانية لتطعيم الأطفال في غزة ومنع انتشار المرض.

كان مجلس الأمن قد اعتمد مؤخرًا القرار (2720)، الذي يطالب باتخاذ خطوات جوهرية وملموسة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الفلسطينيون بشدة في قطاع غزة، وحماية موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني على الأرض، وهي المهمة التي ستقدم “إسرائيل” المنسق الجديد بوصفه مسؤولًا عن إنجاز الترتيبات اللازمة لها.

استغلال الحاجات الإنسانية لأهالي القطاع: في ظل التفاقم الكبير للوضع الإنساني في قطاع غزة، تتحول هذه الحاجة الإنسانية يومًا بعد يوم إلى سيف مسلّط على رقاب الغزيين، وهو ما سيدفعهم إلى البحث عن أي خيار يلبي لهم هذا الحاجة، خصوصًا في الجوانب المرتبطة بالحاجة الماسة للعلاج والتنقل الآمن والحصول على مقومات البقاء على قيد الحياة، وهو ما سيجعل المنسق ممرًا إجباريًا لعشرات الآلاف من سكان قطاع غزة في ضوء انعدام أي وسيلة أخرى لتلبية هذه الاحتياجات.

اتخاذ تدابير مأسسة التواجد العسكري في قطاع غزة: في ضوء الاقتناع الإسرائيلي باستحالة إنجاز الحرب أهدافها في المنظور القريب، والإصرار السياسي الإسرائيلي على إبقاء قطاع غزة تحت السيطرة العسكرية، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى إنجاز الترتيبات اللازمة لمأسسة هذا التواجد، بما يشمل إدارة العلاقة ما بين العمليات العسكرية الميدانية، وجهود خلق أفق مدني متعاون مع الاحتلال، وهو الدور الذي سيلعبه المنسق المُكلف حديثًا.

التعامل مع تحديات انتقال النازحين داخل القطاع: خلقت الحرب تحدياتٍ متعددةً، بما فيها أكثر من مليون نازح مُتحرك ما بين المناطق التي يصنفها جيش الاحتلال بوصفها مناطق إنسانية، وسيتحول هذا الوضع إلى معضلة مستقبلًا مع استمرار الوجود العسكري في القطاع، وهو ما سيتطلب استحداث آليات إسرائيلية للتعامل مع هذا التحدي، والجهوزية لسيناريوهات متعددة بما فيها الإعادة الجزئية لجزء من سكان شمالي قطاع غزة إلى أماكن سكنهم، ووفقًا لـ”يديعوت أحرونوت” فإن من صلاحيات المنصب الجديد متابعة إمكانية عودة مليون نازح فلسطيني إلى شمالي القطاع، سواء عبر اتفاق أم كإجراء إسرائيلي أحادي.

تجاوز السلطات الحاكمة: تشمل أهداف الحرب التي حددتها الحكومة الإسرائيلية تفكيك البنية السلطوية لحركة حماس في قطاع غزة، وهو ما يعني القضاء على فعالية الجهاز الحكومي القائم في القطاع، فيما يُشكل إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي على رفض عودة السلطة الفلسطينية في رام الله إلى إدارة القطاع، حائط صد أمام نقل هذه الصلاحيات إلى الأجسام الحكومية التي تعمل مع رام الله، وهو ما يتطلب خلق تشكيل إداري يتولى متابعة الشق المدني في قطاع غزة، وبشكل مبدئي الاحتياجات الرئيسية لسكان القطاع التي ستتوسع تدريجيًا مع تثبيت إعادة احتلال القطاع، وهو ما سيعني نقل مسؤولية توفير مقومات الحياة للسكان الغزيين، لقوة الاحتلال وفقًا للقانون الدولي.

اختراق الحاجز النفسي لسكان قطاع غزة: يعي الاحتلال تمامًا أن حاجزًا كبيرًا يفصل ما بين سكان قطاع غزة وفكرة التعامل المباشر مع أي سلطة إسرائيلية، وعلى المنوال ذاته مع أي سلطة موالية للاحتلال، خصوصًا أن الاحتلال قد نقل السلطات من الإدارة المدنية إلى السلطة الفلسطينية في قطاع غزة منذ العام 1994، وهو ما يفصل بعقود كبيرة أهالي القطاع عن آخر تجربة للتعامل المباشر مع سلطات الاحتلال، وهو ما عزّزه الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005، وبالتالي فإن الحاجة لاختراق هذا الحاجز النفسي الكبير تتطلب اتخاذ تدابير تفتح قنوات مباشرةً ما بين أهالي القطاع وجيش الاحتلال عبر نافذة المنسق، وذلك بعد أشهر من خلق نماذج مُصغّرة لهذا الاختراق على غرار الإدارة الإسرائيلية المباشرة للحركة التجارية عبر معبر كرم أبو سالم، وسفر الأطفال من مرضى السرطان عبر المعبر ذاته وبترتيب مباشر بين الاحتلال والمؤسسة الأمريكية الراعية ومنظمة الصحة العالمية دون أي دور لوزارة الصحة في قطاع غزة.

الهندسة التدريجية لـ”اليوم التالي”: بعد الفشل المتكرر في الوصول إلى أطراف محلية تقبل التعاون مع الاحتلال لتشكيل قيادة مدنية جديدة تعمل وفق المقاييس والاشتراطات الإسرائيلية في قطاع غزة، احتاج الاحتلال إلى أداة تتولى مهمة الانتقال التدريجي لصيغة حكم موالية في القطاع ضمن جهد متصل، وهو ما يقع ضمن صلب المهمة المُستحدثة في جيش الاحتلال، بحيث يعمل المنسق على انتقاء ثغرات الاختراق في المجتمع الفلسطيني في غزة والاستثمار على المراكمة فيها، وصولًا إلى إيجاد نماذج يمكن العمل معها على تطوير القيادة الجديدة لقطاع غزة المنشودة إسرائيليًا.

رسائل إلى عدة مستويات
يحمل القرار الإسرائيلي مجموعةً من الرسائل المتنوعة الموجّهة إلى عدد من الأطراف بشأن مستقبل الحرب في قطاع غزة، وما يمكن أن تفضي إليه الجهود التفاوضية الحالية وحدود الجهوزية الإسرائيلية لتقديم تنازلات.

أُولى هذه الرسائل موجّهة إلى المجتمع الدولي بشأن كون “إسرائيل” مستعدة لتقديم كل التسهيلات اللازمة من أجل ترتيب الشؤون الإنسانية والتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية في القطاع، وتزامن إعلان القرار الإسرائيلي مع خطوة السماح للأمم المتحدة بإدخال لقاحات شلل الأطفال والتوصل إلى تدبير وقف قتالي محدود في مناطق التطعيم، لتحفيز المجتمع الدولي على تقدير الخطوة الإسرائيلية الأخيرة بتعيين منسق للشؤون الإنسانية في القطاع، وعدّها خطوة إيجابية نوعية تُسهم في تعزيز الدفاع الإسرائيلي عن الصورة الأخلاقية التي تهشمت تحت أنقاض غزة.

ثاني هذه الرسائل إلى المفاوض الفلسطيني والوسطاء، بشأن ضيق الهامش المتاح إسرائيليًّا لتقديم تنازلات تلبي شروط المقاومة، وفي مقدمتها الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، إذ إن قراري إبقاء السيطرة الإسرائيلية على “فيلادلفيا” وتعيين منسق للشؤون المدنية في قطاع غزة يعطيان رسالة واضحة بشأن كون “إسرائيل” تمضي في خطوات بقاء طويل الأمد في القطاع دون الالتفات الجدي إلى مصير الأسرى لدى المقاومة، بهدف تعزيز الضغط على المقاومة وخلق حالة من الإحباط لديها قد تدفعها إلى القبول بالصيغ الجزئية الواردة في المقترح الإسرائيلي الأخير.

ثالث هذه الرسائل إلى السلطة الفلسطينية ودول الإقليم بأن “إسرائيل” تتمسك بهندسة صيغتها الخاصة لـ”اليوم التالي” في قطاع غزة، وهي صيغة حددها بنيامين نتنياهو، بأنه ليس ثمة قبول لا بـ”حماستان” ولا بـ”فتحستان”، في إشارة إلى رفضه لصيغتي الحكم الموجودتين حاليًّا في قطاع غزة والضفة الغربية، وبالتالي قطع الطريق أمام محاولات بعض الدول العربية إلى الدفع بخيار ترتيب أوراق السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس لتولي زمام السيطرة على قطاع غزة في “اليوم التالي”.

على كل، فإنه على الرغم من كون الخطوة الإسرائيلية الجديدة استكمالًا لطريقة ونمط عمل إسرائيلية سابقة شملت حتى التعامل في عناوين محدّدة مع سكان قطاع غزة في الفترة التي سبقت الحرب، خصوصًا فيما يتعلق بتصاريح العمال أو ترتيبات التحويلات الطبية وتصاريح التجار التي كانت تتولى مسؤوليتها مديرية التنسيق والارتباط الإسرائيلية في غزة، فإن تلك الخطوة تحمل أيضًا في جوهرها وتوقيت إعلانها تعبيرًا من “إسرائيل” عن سعيها إلى اتخاذ تدابير مستدامة للبقاء في قطاع غزة لفترة طويلة واستغلال الحاجة الإنسانية هناك لتمرير العديد من المخططات، وفي مقدمتها هندسة ما يُسمى بـ”اليوم التالي”، إضافةً إلى تجهيز المادة اللازمة لمواجهة الملاحقة القضائية الدولية والانتقادات الدولية.

تضع التحركات الإسرائيلية المقاومة الفلسطينية أمام استحقاقات مواجهة هذه التحركات، وهو ما سيتطلب منها اتخاذ إجراءات متعددة على عدة أصعدة، تشمل إعادة النظر في الاستراتيجية التفاوضية وأدوات الضغط على الاحتلال، وأيضًا إجراءات التصدي للخطوات الإسرائيلية على الأرض لفرض قنوات إدارة مدنية إسرائيلية لشؤون سكان قطاع غزة، والسعي الإسرائيلي المستمر إلى تفكيك السلطات الحكومية الفلسطينية واستبدالها بأجسام محلية موالية للاحتلال.

المصدر: نون بوست