استخدم جيش الاحتلال العملية الاستشهادية في تل أبيب، في الـ 18 من آب الجاري، ذريعةً لشنّ عدوان واسع في شمال الضفة الغربية، ذكر موقع «واينت» أن معظمه سيتركّز في المنطقة التي انطلق منها الهجوم على تل أبيب. على أنه منذ ما قبل الهجوم المذكور، وفي ضوء تصاعد الفعل المقاوم في الأراضي المحتلة، واستمرار تشكُّل الكتائب المسلحة هناك، تتعرّض الضفة لتحريض من جانب وزراء في حكومة الاحتلال، وأعضاء «الكنيست»، فضلاً عن الإعلام.وتنامى عمل المقاومة في الضفة، منذ معركة «سيف القدس»، وخصوصاً بعدما كان قد مرّ بعِدة مراحل. فقبل عام 2021، كان العمل الفردي يطغى على أداء المقاومين، لكن بعدها بدأت تتكوّن تشكيلات عسكرية، وتحديداً في جنين، وهو النموذج الذي انتقل إلى عدة مناطق في الضفة. أمّا نقطة التحوّل الأخرى، فشكّلتها معركة «طوفان الأقصى»، حين بدأ يَظهر العمل العسكري المنظّم، والتشكيلات الفصائلية، وهو ما ترافق مع تطوّر في أداء المقاومة لناحية نصب الكمائن وتنفيذ عمليات إطلاق النار. من هنا، جاء زعْم جيش الاحتلال بأن هدف عملية الضفة الرئيسيّ هو التعامل مع «تهديد» العبوات الناسفة، والتركيز على المناطق التي خرجت منها عمليات ضدّ أهداف إسرائيلية في تل أبيب وغيرها.
وكان ملاحظاً اشتغال الاحتلال على تضخيم إمكانات المقاومة في شمال الضفة، وتصويرها على أنها جيش من آلاف المقاتلين، قادر - وفق زعمه - على تنفيذ عملية على غرار «طوفان الأقصى». وتحت هذه الذريعة، زجّت إسرائيل بآلاف الجنود، وطائراتها المروحية، ومئات الآليات العسكرية، في الضفة، وإن قائد المنطقة الوسطى الجديد في جيش العدو، آفي بلوط، الذي تسلّم منصبه قبل أيام، طلب من هيئة الأركان تشكيل فريق قتالي في شمال الضفة لمحاربة فصائل المقاومة، إلى جانب زيادة الغارات الجوية واستخدام الأدوات المتطوّرة ضدّها. وفي هذا الإطار، قالت مصادر إسرائيلية، أمس، إن المصادقة على عدوان بهذا الحجم تعني أن مطلب بلوت قد تحقّق، حيث يشارك في العدوان جنود بحجم فرقة (15 إلى 20 ألف جندي)، وصل بعضهم إلى المناطق المستهدفة على متن طائرات مروحية.
وعلى رغم قلّة الإمكانات وضعفها، تصدّى المقاومون، منذ اللحظة الأولى، للعملية العسكرية، حيث توالت بيانات الفصائل التي تعلن تصدّي مقاتليها لقوات الاحتلال، وتفجير عبوات ناسفة بالآليات العسكرية وتحقيق إصابات مباشرة في صفوف الجنود. ورصدت كاميرات المواطنين إخلاء جنود مصابين في مخيمات الفارعة وجنين ونور شمس، كما وثّقوا سحب العدو لآلياته بعد استهدافها بالعبوات الناسفة في جنين وطولكرم، وإخلاء إصابات في صفوف الجنود. ووفقاً لصحيفة «يسرائيل هيوم»، فإن اشتباكات مسلحة صعبة وثقيلة اندلعت في مخيمات شمال الضفة.
وقد شكّلت العملية الاستشهادية التي نُفّذت في تل أبيب نقطة تحوّل في مشهد تطوّر المقاومة في الضفة، لعوامل عدة، منها تبنّيها رسميّاً من قِبل حركتَي «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، وتعهّد الأخيرتين بعودة العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل، وهو ما يعني نقل المعركة إلى مدن الاحتلال، الأمر الذي ستترتّب عليه تداعيات أمنية واجتماعية، وخاصة في ظلّ حالة التأهب المرتبط بتصاعد عمليات محور المقاومة. وفي المنظور العام، وعلى رغم فارق الإمكانات بين المقاومة في الضفة ونظيرتها في غزة، إلا أن الأولى اكتسبت زخماً فكريّاً وجماهيرياً، كونها تعتمد خصوصاً على انخراط الجيل الشاب الصغير في العمل المقاوم، انطلاقاً من إيمانه بأنه الخيار الأفضل لمواجهة الاحتلال. ولعل هذا يَظهر في أعمار الشهداء والمقاومين الذين أخذوا على عاتقهم تطوير الاشتباك، من تشكيل المجموعات المسلحة إلى تنفيذ عمليات فدائية، باتت تحظى بحاضنة شعبية كبيرة.
في المقابل، فشلت إسرائيل، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، في اجتثاث المقاومة، على رغم أنها شنّت عمليات عسكرية عدة، وإن كانت الأخيرة أوسع وأشرس. وفي هذا الإطار، أشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي، نقلاً عن المؤسسة الأمنية، إلى أن «الحملات السابقة لم تحقّق نتيجة، وقرّرنا أن نفعل شيئاً يغيّر الواقع في الضفة، لا نريد أن تصبح الضفة جبهة تعرقلنا عن القتال في غزة ولبنان». كما أوضح المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون أن مسألة الهجمات بالعبوات الناسفة شكّلت المحرّك الرئيسيّ لإطلاق عملية عسكرية في الضفة، وخصّوا بالذكر هجوم تل أبيب. إلا أنهم أشاروا إلى أنه جرى الاستعداد للعملية العسكرية الحالية قبل الانفجار في تل أبيب، وذلك في إطار استخلاص الدروس من هجوم 7 أكتوبر. وقال أحد المسؤولين: «لا ننتظر وقوع عملية مسلحة قاتلة ونتائجها، وإنما نختبر الأحداث وفقاً لنيّات المخرّبين. والحدث في تل أبيب كان عاملاً مسرعاً مهمّاً لقرار شن العملية العسكرية. طولكرم هي الأكثر إثارة للقلق من حيث كميات العبوات الناسفة». وأشارت الإذاعة إلى أنه إلى جانب المناطق التي تستهدفها العملية الحالية في شمال الضفة، تم تصعيد «الأنشطة العسكرية» في باقي أنحاء المنطقة، حيث نفّذ الجيش و»الشاباك» هجمات في مخيمَي بلاطة وعسكر في نابلس، الليلة الماضية.
المصدر: الاخبار اللبنانية