2024-11-21 01:14 م

في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.. يرى الناس الأمل في حماس

2024-08-26

لطالما كان مخيم عين الحلوة، وهو أكبر تجمّع للاجئين الفلسطينيين وأحفادهم في لبنان، مكانًا مضطهدًا وفقيرًا ومُنهكًا بسبب العنف الفصائلي. وعادةً ما ينظر سكانه لمستقبلهم بيأس ولكن بات المزاج العام هنا مفعمًا بالحيوية الآن.

فوفقُا لمسؤولين من حماس ولبنان، ازدادت معدّلات التجنيد لحماس وجناحها المسلح “كتائب القسام” في جميع تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الاثني عشر في لبنان، ويقولون إن المئات من المجندين الجدد انضموا إلى صفوف المقاتلين في الأشهر الأخيرة مدفوعين بالحماس الذي أثارته حرب حماس المستمرة ضد “إسرائيل”.

وفي زيارة نادرة إلى عين الحلوة، رأى صحفيون من صحيفة نيويورك تايمز ملصقات للمتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، في كل مكان وعيناه تطلان من وشاح أحمر وأبيض مرقط ملفوف حول وجهه مثل القناع ويحث السكان على “القتال في سبيل الله”.

في قطاع غزة – معقل حماس، حيث قُتل نحو 40 ألف فلسطيني خلال 10 أشهر ونصف من الحرب – انفضّ الكثير من الناس عن الحركة. ولكن في أماكن أخرى، أكسب استعداد حماس للقتال ضد “إسرائيل” أتباعًا جددًا. وحسب ما قاله أيمن شناعة، قائد حماس في هذه المنطقة من لبنان، في مقابلة أجريت معه: “صحيح أن أسلحتنا لا تضاهي أسلحة عدونا. لكن شعبنا صامد ويدعم المقاومة، وينضم إلينا”.

قال بعض الشبان الذين يتجوّلون في أحد شوارع عين الحلوة إن هذه هي المرة الأولى التي يشعرون فيها بالأمل، وإن كلًا منهم يعرف العشرات من أفراد العائلة أو الأصدقاء الذين انضموا إلى حماس منذ بدء الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر.

لا يؤثّر هذا التجنيد على القتال في غزة لأن الدخول إلى القطاع صعب للغاية، لكنه يعزز قوة حماس في لبنان. وعادة ما يبقى المجندون في المجتمع المحلي ويساعدون في إدارة الشؤون المحلية وأحياناً يقتربون من الحدود الجنوبية للبنان لإطلاق الصواريخ على “إسرائيل”.

كان الشباب متفائلين بأن حماس يمكن أن تكسِب الفلسطينيين القدرة على العودة إلى الوطن الوحيد الذي يعترفون به، الأرض التي أصبحت الآن “إسرائيل”. لطالما كانت هذه العودة، مهما بدت مستبعدة، مسألة إيمان بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.

في أواخر الأربعينيات، في الحروب التي أحاطت بإنشاء “إسرائيل”، طردت القوات اليهودية العديد من العرب الفلسطينيين وفرّ العديد من الفلسطينيين الآخرين تحسبًا للعنف. ولم تسمح إسرائيل لهم أو لأحفادهم بالعودة أو استعادة ممتلكاتهم.

استقر مئات الآلاف من الفلسطينيين في مخيّمات اللاجئين في الضفة الغربية وغزة ولبنان والأردن وسوريا، وعلى مدى عقود، أصبحت هذه المخيمات بلدات مبنية – لا تزال تسمى مخيمات في كثير من الأحيان – تمثّل الآن موطناً للملايين. أما في لبنان، فقد مُنع هؤلاء الفلسطينيون من الحصول على الجنسية أو شغل مجموعة واسعة من الوظائف.

وأحد هذه التجمعات هو مخيم عين الحلوة، حيث يتكدس 80 ألف نسمة في مساحة لا تتجاوز نصف ميل مربع، ومعظمها داخل مدينة صيدا الساحلية الجنوبية. وقال شناعة إن الرجال هنا على استعداد للتضحية بأرواحهم لمحاربة “إسرائيل”، لكنه رفض الإفصاح عن عدد الذين تم تجنيدهم من منطقة صيدا.

كان يتحدّث في مركز مجتمعي تديره حماس حيث جلس الرجال يشربون القهوة ويأكلون التمر بينما كانوا يشاهدون لقطات مروعة من حرب غزة. وكانت تزيّن الجدران صور رسمها الأطفال لزعيم حماس السياسي الذي تم اغتياله مؤخرًا، إسماعيل هنية. في الشوارع، أظهر ملصق تجنيد جديد لكتائب القسام عشرات الشبان والفتيان المبتسمين الذين بالكاد أنهوا المرحلة الإعدادية وكان في الخلفية المسجد الأقصى في القدس، وهو موقع يقدسه المسلمون.

أطلقت حماس اسم “طوفان الأقصى” على هجومها على “إسرائيل” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي أدى إلى مقتل نحو 1200 قتيل وخطف نحو 250 شخصًا وأشعل الحرب الدائرة في غزة. وقدّم الملصق ورشة عمل تدريبية لـ”جيل الأقصى” الجديد، معلنًا أن القدس “لنا”.

ويعتبر بعض الفلسطينيين أن أبو عبيدة، الناطق  كتائب القسام، هو “تشي جيفارا” الخاص بهم – وهو ثوري ماركسي مات منذ زمن طويل لا يزال يمثل رمزًا ثقافيًا بالنسبة لهم. وتنتشر صورة أبو عبيدة في كل مكان تقريبًا داخل عين الحلوة وتزين الأوشحة وسلاسل المفاتيح.

ويعد حزب الله، وهو ميليشيا شيعية مسلمة وحزب سياسي وحركة اجتماعية لها علاقات قوية مع إيران، القوة المهيمنة في لبنان، وله جذور عميقة بشكل خاص في الجنوب. لكن في الجيوب الفلسطينية مثل عين الحلوة، تنشط جماعات فلسطينية متعددة ولها أتباع – بعضها علماني والبعض الآخر، بما في ذلك حماس، يتّبع أيديولوجية إسلامية سنية. وتتحالف حماس، التي تدعمها إيران أيضًا، مع حزب الله في عدائها ل”إسرائيل”.

على مدى سنوات، منع الجيش اللبناني الصحفيين من دخول مخيّم عين الحلوة، حيث تقاتلت الفصائل المسلحة عدة مرات فيما بينها ومع الجيش اللبناني من أجل السيطرة على المخيم. وبموجب اتفاق دولي مبرم منذ عقود، يبقى الجيش بشكل عام خارج الجيوب الفلسطينية التي تعمل بشكل شبه مستقل داخل دولة بالكاد تستطيع الحكومة المركزية الضعيفة فيها توفير الكهرباء، ناهيك عن توفير الأمن.

لكن صحفيي صحيفة “نيويورك تايمز” تمكّنوا من دخول البلدة وسط حشد من المشيعين خلال تشييع جنازة مسؤول في حماس، سامر الحاج، الذي قُتل هذا الشهر بغارة جوية إسرائيلية. وصفه الجيش الإسرائيلي بأنه أحد كبار المتشددين المسؤولين عن شن هجمات من لبنان على “إسرائيل”، وأكدت حماس أنه كان يعمل لصالح الحركة لكنها رفضت الإفصاح عن المنصب الذي كان يشغله.

حمل المشيّعون النعش من مشرحة قريبة عبر مدخل عين الحلوة، حيث رُفعت لافتة كُتِب عليها “معركة طوفان الأقصى، معركة العزة والنصر”. هتف الحشد: “دماؤنا وأرواحنا فداء لك أيها الشهيد!” بينما أطلق الرجال النار في الهواء فصاحت إحدى النساء في وجوههم: “لا تطلقوا النار! وفروا ذلك للإسرائيليين!”. وشقّ الموكب طريقه عبر متاهة من المباني والأزقة الضيقة التي بالكاد تتسع لعربة فاكهة، إلى منزل الحاج، حيث كانت أرملته وطفلاه في انتظار جثمانه.

قالت خيرية كايد يونس (82 سنة) إنها كانت تعرف أن الحاج، وهو صديق مقرب لابنها، كان مع حماس لكنها لم تكن تدرك أنه شخصية مهمة حتى استهدفته “إسرائيل”. وقالت إنه كان معروفًا بلطفه – غالبًا ما كان يلعب مع الأطفال المحليين – واستعداده لتقديم يد العون للجيران المحتاجين.

وأضافت: “هذا الرجل من أهلنا ومن حارتنا ومن مخيمنا ومن وطننا فلسطين، ونحن نبكي على فقده”. وأضافت بصوت مرتفع وهي تمسح الدموع من على وجنتيها المتجعدتين: “إذا مات أحدنا، فسيقوم مائة مكانه، لن نتوقف. نحن صامدون!”.

خارج منزل الحاج، قادت فريال عباس الحشد في هتافات داعمة ليحيى السنوار، الذي خلف هنية كزعيم سياسي لحماس، والذي يُعزى إليه التخطيط لهجوم 7 تشرين الأول/ الأول على “إسرائيل”. وصرخت قائلة: “لا تقلق يا سنوار، لدينا رجال مستعدون للتضحية بأنفسهم!”.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين لم يؤكدوا ولم ينفوا أن قواتهم قتلت هنية، كما هو معتقد على نطاق واسع، إلا أنهم قالوا إنهم يهدفون إلى قتل السنوار. لكن ما إذا كان بالإمكان إضعاف حركات مثل حماس أو تدميرها من خلال حملات اغتيال كبار قادتها أمر لطالما كان موضوع نقاش بين الخبراء الذين يدرسون حركات التمرد.

ويقولون إن استراتيجية مواجهة العنف بالعنف، بدلاً من معالجة المظالم الكامنة، تخاطر بدفع المزيد من الناس إلى التطرف. فالجماعات العلمانية التي هيمنت على الحركة الفلسطينية لفترة طويلة لم تعد مفضلة لدى الفلسطينيين. وبعد مرور عقدين على وفاته، باتت صور ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في يوم من الأيام، نادرة بشكل ملحوظ وتلاشت في عين الحلوة. وكانت صور خليفته، محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، أكثر ندرة.

لقد امتد الصراع بين السلطة الفلسطينية والجماعات المتشددة مثل حماس إلى اشتباكات عنيفة في غزة والضفة الغربية ومجتمعات اللاجئين، مما قوض قدرة الفلسطينيين على مواجهة “إسرائيل” سياسيًا. وقال خالد الجندي، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، وهي منظمة بحثية في واشنطن: “إن عدم وجود عنوان مركزي في فلسطين للتفاوض من أجل السلام أضعف القضية الفلسطينية وزعزع استقرار المنطقة”.

وأضاف أن “أي صفقة يعقدها عباس مع “إسرائيل” يمكن أن تعطلها حماس. فلا توجد مجموعة واحدة تحتكر التفاوض على السلام أو شن الحرب بين الفلسطينيين. وهذا ما أضعفهم وسيستمر في إضعافهم في المستقبل”. لكن منذ تشرين الأول/ أكتوبر، داخل مخيم عين الحلوة، توقفت الجماعات عن توجيه أصابع الاتهام إلى بعضها البعض – في الوقت الراهن.

المصدر: نيويورك تايمز


المصدر: نون بوست