2024-11-25 11:55 م

قراءة في التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية

2024-08-19

قبل أكثر من ألفي عام، أعلن أشهر خطباء روما، ماركوس توليوس شيشرون، أن “القوانين تصمت في أوقات الحرب”، واقترح أن حتى أكثر الدول ديمقراطية يحق لها استخدام العنف دون قيد قانوني عندما تواجه تهديدًا وجوديًا لبقائها، ولكن عند أي نقطة يصبح القتل باسم الدفاع عن النفس غاية في حد ذاته؟

هذا السؤال يشكل الموضوع الأساسي لكتاب “انهض واقتل أولًا” للكاتب والصحفي الاستقصائي الإسرائيلي، رونين بيرجمان، الذي يكشف فيه عمليات القتل التي تنفذها “إسرائيل” ضد من تعتبرهم أعداءها، ويحاول فهم دوافعها ومبرراتها، ويوثق في إطار السرية المتأصلة لهذه العمليات والجهات الفاعلة الرئيسية والضحايا، الآثار التاريخية والسياسية والأخلاقية لها.

أسطورة “القتل من أجل البقاء”
يستمد بيرجمان عنوان كتابه الصادر عام 2018، من سطر في التلمود (المصدر الأول للشريعة الدينية اليهودية) يقول: “إذا سعى شخص ما إلى قتلك، فيجب عليك أن تنهض وتقتله أولًا”، وهذا هو الاغتيال الذي يوضح الاستخدام الدائم للتبرير الديني والتفسير الأخلاقي لذلك الفعل، ويشكل غريزة عدوانية في اتخاذ كل إجراء حتى الأكثر إجرامية بدعوى ما يُعرَّف في الرواية الإسرائيلية بأنه “دفاع عن النفس”، ولكن كما يُظهِر بيرجمان، فإن الدوافع ليست دائمًا صالحة وواضحة.

بيرجمان، المراسل العسكري الرئيسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أكثر الصحف اليومية تداولًا في “إسرائيل”، يتمتع بسمعة طيبة كصحفي لا يعرف الكلل، وإمكانية وصول رائعة إلى المعلومات، ففي حين يحصل المراسلون العسكريون على إحاطات منتظمة من كبار المسؤولين، لكن يتعين عليهم تقديم تقاريرهم إلى مكتب الرقابة العسكرية، التي تحذف في كثير من الأحيان الكثير من المواد الأكثر إثارة، فإن لديه سلاح سري: الرجال الثرثارون الحريصون على سرد قصصهم.

وعلى مدى العقدين الماضيين، نجح في تكوين مئات المصادر المطلعة في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة المكونة لآلة القتل السرية: وكالة الاستخبارات المركزية “الموساد”، وشعبة الاستخبارات العسكرية “آمان”، وجهاز الأمن العام “الشاباك”.

وفي كتابه هذا، تمكن الصحفي المقيم في “إسرائيل” من إجراء عشرات المقابلات مع اللاعبين الرئيسيين على جانبي الصراع العسكري المستمر، وخاصة قادة الاحتلال من السياسيين إلى رؤساء التجسس وعملاء الاستخبارات والقتلة الحريصين على سرد قصصهم، واستشهد بتقارير داخلية عن العمليات رغم عدم وجود وصول رسمي إلى وثائق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

ويبدو أن هؤلاء كانوا سببًا في أن يعرف بيرجمان أكثر مما يفترض به أن يعرف، ففي وقت لاحق من عام 2011، اتهمه رئيس أركان جيش الاحتلال، جابي أشكنازي، بـ”التجسس الخطير”، وأخبر مؤرخ يعمل لدى الموساد، بيرجمان، أنه سيرفض التحدث إليه حتى لو فعل أي شخص آخر ذلك: “أنا أحتقر من أعطاك رقم هاتفي، تمامًا كما أحتقرك”، ومنذ ذلك الحين، اتخذت هيئات مختلفة عدة إجراءات لوقف نشر الكتاب، أو على الأقل أجزاء كبيرة منه.

وفي موضوع كتابه المثير للجدل، يبدأ بيرجمان بأرقام وحقيقة وحشية مفادها أن “دولة الاحتلال ومنظماتها شبه العسكرية التي سبقت قيامها، اغتالت منذ الحرب العالمية الثانية، عددًا من الناس أكثر من أي دولة أخرى في العالم الغربي”، ويقدر أنها نفذت منذ تأسيسها أكثر من 2700 عملية اغتيال، معظمها ضد الفلسطينيين، لكنها استهدفت أيضًا المصريين والسوريين والإيرانيين وغيرهم، ووصف قادتها المخضرمون هذه الاغتيالات بأنها “أداة فعالة لتغيير التاريخ”.

وحتى بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر/أيلول 2000، عندما بدأت “إسرائيل” لأول مرة في استخدام الطائرات دون طيار يوميًا لتنفيذ عمليات الاغتيال، نفذت نحو 500 عملية اغتيال، وفي هذه العمليات، قُتل ما لا يقل عن 1000 شخص من المدنيين، ونفذت خلال الانتفاضة الثانية نحو 1000 عملية أخرى، نجحت منها 168 عملية، ومنذ ذلك الحين، نفذت “إسرائيل” نحو 800 اغتيال ضد أهداف فلسطينية وسورية وإيرانية.

وللمقارنة، نفذت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش 48 عملية اغتيال، وفقًا لأحد التقديرات، وفي عهد الرئيس باراك أوباما كانت هناك 353 عملية من هذا القبيل.

وبمزجه بين التاريخ والتقارير الاستقصائية، يميل أسلوب بيرجمان إلى الإثارة، لكن لا يخفي جانبًا نقديًا يشكك في فعالية نهج “إسرائيل” في التعامل في فنائها الخلفي مع من تسميهم أعداءها، ولا يغيب عن نظره أبدًا الأسئلة الأخلاقية التي تنشأ عندما تدعي دولة أنها بحاجة إلى القتل من أجل البقاء، ويخلص إلى أن “أخلاقيات الاغتيالات المستهدفة تأتي في المرتبة الثانية بعد كونها فعّالة أم لا”.

ويحاول بيرجمان أن يتبنى لهجة متوازنة، ففي حين يطلق البعض على هذه الممارسة، على سبيل المجاز، “التصفية”، يطلق عليها مجتمع الاستخبارات الأمريكي، لأسباب قانونية، “القتل المستهدف”، وفي الممارسة العملية التي يُرَّوج لها تعني هذه المصطلحات نفس الشيء: قتل فرد معين من أجل تحقيق هدف محدد، وإنقاذ حياة الناس الذين يعتزم الهدف قتلهم، وتجنب عمل خطير يوشك على ارتكابه، وأحيانًا إزاحة زعيم من أجل تغيير مسار التاريخ.

وفي الآونة الأخيرة، كما يكتب المؤلف، حذت دول غربية أخرى حذو ممارسات دولة الاحتلال الملطخة بالدماء، وتبنت الولايات المتحدة فكرة “تحديد أعداء إسرائيل ثم القضاء عليهم”، واستعارت أيضًا من حليفتها تكنولوجيات مفيدة في عمليات الاغتيال مثل الضربات بطائرات دون طيار، فقد أذن الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، بتنفيذ 353 ضربة ضد أفراد خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه.

وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، تخلصت الولايات المتحدة من دليل حقوق الإنسان، وشرعت في سلسلة من عمليات القتل المستهدفة والاختطاف والتعذيب والسجن لأجل غير مسمى دون محاكمة، وكان الهدف من هذه العمليات الانتقام ومنع الهجمات المستقبلية.

بداية الاغتيالات السرية
كان “القتل أولًا قبل أن يفعل العدو” هو المنطق السائد لجهاز الشاباك والموساد وما سبقهما منذ الأيام الأولى للصهيونية، ويعبر المؤلف عن هذا المنطق بقوله: “انس أمر العين بالعين، فهذا يؤدي إلى العمى المتبادل، ومن الأفضل دائمًا أن تجعل العدو أعمى أولًا عندما يكون ذلك ممكنًا”.

وتعود حكايات القتل والتصفية التي لا تعرف الرحمة إلى الأيام الأولى للمشروع الصهيوني في فلسطين، عندما بدأ جهاز الموساد دوره كأحد الأذرع البارزة لعصابات الهاغاناة باسم “موساد لعالياه بت”، وكانت البداية باعتبار ذلك الجهاز منظمة للهجرة غير الشرعية، التي نجحت في استقطاب آلاف اليهود من مختلف دول العالم إلى فلسطين.

وقبل إنشاء “إسرائيل” في عام 1948، استخدمت الحركات والمنظمات والجماعات الصهيونية السرية المتطرفة ما أسمته “الإرهاب الشخصي” المتمثل في حملة من التفجيرات والقتل ضد البريطانيين، الذين سيطروا على فلسطين، وقيدوا هجرة اليهود الذين يحاولون الفرار من أوروبا إلى فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد.

“لقد كنا مشغولين للغاية وجائعين لدرجة أننا لم نفكر في البريطانيين وعائلاتهم، لم أشعر بأي شيء، ولا حتى بوخزة صغيرة من الذنب. كنا نعتقد أن كلما زاد عدد التوابيت التي وصلت إلى لندن، اقترب يوم الحرية”، هكذا قال أحد القتلة لبيرجمان، وهو يروي كيف أطلق النار على ضابط بريطاني في أحد شوارع القدس عام 1944.

لاحقًا، أصبح العديد من المتطرفين الذين قاتلوا في العصابات الصهيونية – التي شهدت اقتتالًا داخليًا فيما بينها، وشكلت لاحقًا جيش الاحتلال الإسرائيلي – شخصيات قيادية في “إسرائيل”، بما في ذلك إسحق شامير الذي أسس “عصابة شتيرن” التي اغتالت الوزير البريطاني اللورد موين في القاهرة عام 1944، ووسيط الأمم المتحدة في القدس فولك برنادوت عام 1948، ليصبح شامير الرجل الأول في “إسرائيل”.

كذلك حصل مناحيم بيغن على رئاسة الوزراء وجائزة نوبل للسلام، رغم كونه أحد قيادات “عصابة إرغون“، وهي اسم لامع في عالم العنف، من أبرز بصماتها: تفجير فندق الملك داوود في القدس والمشاركة في مجزرة دير ياسين.

كما شاركت عصابة “الهاغاناه” و”البالماخ” المتفرعة عنها في تهجير الفلسطينيين وتنفيذ عمليات خارج الحدود، ليحصد اثنان من قادتهما (إسحق رابين وشمعون بيريز) جائزة نوبل للسلام، بالإضافة إلى رئاسة الوزراء، ليجلبوا أساليب حرب العصابات إلى جهاز الأمن الذين ساعدوا في إنشائه، وقدمت الاغتيالات طريقة تكتيكية لبلد صغير بدفاعات بدائية.

من المبررات الأخرى التي ذكرها بيرجمان في كتابه، واستخدمها قادة الاحتلال لتبرير الاغتيالات، محرقة الهولوكوست، التي أنزلها النازيون باليهود في الحرب العالمية الثانية، والتي لم تتوقف الحركة الصهيونية و”إسرائيل” عن استثمارها، وجني المنافع من وراء المواقف المتناقضة التي تبنت المحرقة أو أنكرتها.

ويذكر بيرجمان في كتابه أن هذه المحرقة عززت الشعور بأن “إسرائيل” وشعبها سيكونون “في خطر الفناء إلى الأبد”، وهو الشعور الذي عبَّر عدد من مصادر بيرجمان عن نسخة مطابقة منه في حديثهم معه، في محاولة لحمل العرب على دفع ثمن محرقة – هم منها براء – اقترفتها النازية بحق يهود أوروبا، وتسببت في فقدان الفلسطينيين وطنًا أصبحوا فيه لاجئين وغرباء.

على سبيل المثال، احتفظ مائير داغان، أحد أكثر المتحمسين للاغتيالات في أثناء رئاسته للموساد (من عام 2002 إلى عام 2011)، بصورة في مكتبه لرجل ملتحٍ يرتدي شال صلاة، راكعًا أمام القوات الألمانية.

كلما كان عملاء الموساد على وشك تنفيذ مهمة حساسة، كان يدعوهم إلى مكتبه ويشرح أن الرجل الموجود في الصورة هو جده، قبل وقت قصير من مقتله على يد النازيين. قال داغان لبيرجمان: “لقد مات معظم اليهود في الهولوكوست دون قتال، ولا ينبغي لنا أن نصل إلى هذا الوضع مرة أخرى دون القدرة على القتال من أجل حياتنا”.

تفاصيل خفية
يحتوي كتاب بيرجمان عن آلة الاغتيال الإسرائيلية، على قدر كبير من تفاصيل عمليات الاغتيال التي كان الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة ضحاياها الرئيسيين، لكن حزب الله اللبناني والمسؤولين السوريين وعلماء الذرة الإيرانيين ـ وهم جميعًا أعضاء في “محور المقاومة” ـ تم تصفيتهم أيضًا، وفي كل مرة، كانت أصابع الاتهام تتوجه إلى الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية “الموساد”.

تأسس جهاز الموساد الذي يُوصف بـ”يد استخبارات إسرائيل الضاربة في الخارج” في ديسمبر/كانون الأول 1949، ويُختار رئيسه بسرية تامة بواسطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين، نفذ عمليات ومهام سرية خارج الحدود، عمادها: جمع المعلومات واستقرائها وتحليلها، وتخطيط وتنفيذ عمليات التخريب والخطف والقتل، والإشراف على العمليات النفسية وتنفيذها.

ومنذ نشأته، تورط هذا الجهاز في عمليات كبيرة ضد الدول العربية والإسلامية، ونُسب إليه العديد من الاغتيالات ضد المنظمات، أشهرها اغتيال الرجل الثاني في حركة فتح، خليل الوزير، في تونس، واغتيال أحد قياديي كتائب القسام، محمود المبحوح، في الإمارات، واغتيال مهندس الطيران المسير في القسام، محمد الزواري، في تونس، واغتيال العالم والمهندس والأكاديمي الفلسطيني، فادي البطش، في ماليزيا.

كما اتهمته السلطات الإيرانية باغتيال العديد من علمائها، أشهرهم رئيس منظمة البحث والتطوير في وزارة الدفاع الإيرانية العالم الدكتور، محسن فخري زاده، وكذلك العقيد بالحرس الثوري، حسن صياد خدايي، والأستاذ المتخصص بالفيزياء النووية، مصطفى أحمدي روشن، وأستاذ الفيزياء النووية، مسعود محمدي، والعالم النووي الإيراني، مجيد شهرياري.

وفي كل مرة، تتجنب “إسرائيل” تبني الاغتيالات التي يوثقها بيرجمان في كتابه بجدية، فعلى سبيل المثال، تفاخر المكتب الإعلامي لحكومة الاحتلال باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في 31 يوليو/تموز الماضي، ونشر صورته وأعلاها عبارة “تمت تصفيته”، ثم حذف الصورة بعد وقت قصير دون توضيح، وذكرت تقارير صحفية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمر وزراءه بالتزام الصمت عن الحادثة.

سياسة التنصل من الاغتيالات هي جزء أساسي من عمليات “إسرائيل” السرية، ويرجع ذلك إلى أسباب استراتيجية وقانونية، إذ يرى الاحتلال أن الاعتراف العلني قد يؤدي إلى تداعيات تهدد أمنه القومي، ويثير اتهامات بخرق القوانين الدولية المتعلقة بالسيادة وحقوق الإنسان. وتعد سياسة الغموض أيضًا وسيلة لتجنب الرد العسكري، فاغتيال شخصيات سياسية في أرض دولة ثالثة يتيح للدولة المضيفة عدة خيارات بينها إعلان الحرب لاسترداد سيادتها.

إن العديد من هذه القصص وغيرها التي يقدمها بيرجمان ليست جديدة، لكنه يضيف تفاصيل معبرة جمعها من خلال البحث الدقيق، ومعلومات جديدة متعلقة بالنجاحات والإخفاقات المعروفة سابقًا، ومع ذلك، بعد فترة من الوقت تبدأ الروايات في التداخل، وتبدو الفصول وكأنها سجلات شرطة لا نهاية لها.

على سبيل المثال، يسرد بيرجمان قصة اغتيال القيادي الفلسطيني، علي حسن سلامة (أبو علي)، الذراع الأيمن للرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، والملقب بـ”الأمير الأحمر“، الذي تولى قيادة العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية، وارتبط اسمه بمنظمة “أيلول الأسود” التي شنت عمليات عدة، أشهرها “عملية ميونخ” في أثناء دورة الألعاب الأولمبية عام 1972، حيث احتجز أفراد المنظمة عددًا من الرياضيين الإسرائيليين، مطالبين بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وانتهت بمقتل الخاطفين والمختطفين.

في يوليو/تموز عام 1973، وبعد أشهر من البحث والتعقب في أوروبا، وصلت خلية الموساد المكلفة باغتياله إلى مدينة ليلهامر النرويجية بقيادة رئيس وحدة “كيدون” المتخصصة في أساليب التصفية والاغتيال، مايك هيراري، واستعدت لاقتناص الهدف الثمين الذي ادعت “إسرائيل” أنه يأتي ضمن حملتها لتصفية الضالعين في “عملية ميونخ”.

ظهر الهدف يسير برفقة زوجته في أحد شوارع ليلهامر بعد خروجه من إحدى دور السينما، ألقى هيراري نظرته الأخيرة على صورة علي حسن سلامة التي كانت بحوزته استعدادًا لتنفيذ المهمة، وبعد التأكد من هوية الهدف المطابق للصورة، أفرغ أعضاء خلية الموساد 14 رصاصة في جسد الضحية، وأردوه قتيلًا، ولاذوا بالفرار.

وفي كواليس عملية أخرى وقعت في 18 يناير/كانون الثاني 2010، هاجم عملاء إسرائيليون فندقًا فخمًا في دبي، وكان هدفهم، محمود المبحوح، القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، وهو أحد موردي الأسلحة لغزة، والمسؤول عن تشكيل “الوحدة 101” المتخصصة في اختطاف الجنود الإسرائيليين.

وشارك في المهمة 27 عميلًا من عملاء جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” الذين كانوا متنكرين في هيئة سائحين أو لاعبي تنس، ووصل فريق الاغتيال والدعم والمراقبة من مطارات أوروبية مختلفة باستخدام جوازات سفر أجنبية مزورة، وتم توجيه الاتصالات عبر النمسا لتجنب المراقبة.

بعد 20 عامًا من مطاردة الموساد له، ونجاته من 3 محاولات اغتيال سابقة، قُتِل المبحوح في غرفته باستخدام عقار يسبب شلل العضلات، وتمكن قتلته من إغلاق باب الفندق الذي كان يقيم فيه من الداخل قبل أن يلوذوا بالفرار، وتركوا جثته ليكتشفها موظفو الفندق في اليوم التالي.

التقطت كاميرات المراقبة عملاء الموساد وهم يغيرون ملابسهم ويلاحقون فريستهم، التي اعتبروها هدفًا مشروعًا للإعدام خارج نطاق القضاء لأنه اختطف وقتل جنديين إسرائيليين خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والأهم من ذلك أنه كان يشكل حلقة وصل لوجستية مع إيران، العدو اللدود لـ”إسرائيل”.

وبعد 7 أعوام من اغتيال المبحوح على أرض دبي التي كانت مسرحًا للجريمة السياسية، طرح هذا الملف تساؤلات جديدة عن دور الإمارات – التي تتمتع بسجل من التعاون الهادئ مع “إسرائيل” – في القضية التي يبدو أن التحقيق فيها لم يأخذ مجراه الطبيعي.

وكشفت المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي تتخذ من بريطانيا مقرًا لها عن حقائق صادمة في مجريات القضية، وقالت في بيان لها إن متهمين اثنين على الأقل ألقي القبض عليهما في جريمة الاغتيال حران طليقان في الإمارات، وأنهما لم يقدما عقب تسلمهما من الأردن إلى محاكمة عادلة بتهم تقديم الدعم اللوجيستي لفريق الاغتيال الإسرائيلي.

عمليات قتل معتمدة رسميًا
كانت “إسرائيل” رائدة في الاستخدام القاتل للطائرات دون طيار بقتلها عباس موسوي، أحد زعماء حزب الله في عام 1992، وتتمتع بقدرات تكنولوجية متطورة، ومن عجيب المفارقات، أن خبراءها يرجح أنهم من صمموا نظام المراقبة الذي أظهر وجوه أعضاء فريق الموساد الذي اغتال المبحوح في دبي.

أما مهندس العمليات الاستشهادية ضد “إسرائيل”، وأحد قادة كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية، يحيى عياش، فقد اُستهدف بعبوة ناسفة زرعت في هاتفه المحمول الذي كان حلقة الوصل بينه في غزة وبين والده في الضفة الغربية، وظلت كلماته الأخيرة حبيسة أرشيف المخابرات الإسرائيلية لمدة 24 عامًا، حتى نشر الإعلام الإسرائيلي تسجيلًا صوتيًا يوثق اللحظات الأخيرة في حياة رجل قض مضاجع الإسرائيليين قبل استشهاده.

ويرسم بيرجمان صورة مرعبة لتطور برنامج الاغتيالات، حيث أصبح العملاء الإسرائيليون أكثر مهارة في ضرب أهدافهم بالسيارات المفخخة والقنابل المضغوطة والغارات الجوية والأجهزة المتفجرة المثبتة في السيارات بواسطة عملاء على دراجات نارية، وحتى البقلاوة المسمومة، وهي أداة القتل التي فشلت لأن الضحية المقصودة لم تكن تحب الحلوى.

في البداية، كانت كل عملية قتل مقترحة تتطلب “صفحة حمراء” موقعة من رئيس الوزراء، لكن عندما ثبت أن العملية تستغرق وقتًا طويلًا، ابتكر رؤساء الوكالات السرية حلًا بديلًا “تم بموجبه تسمية الاغتيال باسم آخر حتى يقع تحت بروتوكول مختلف لاتخاذ القرار”.

وبناءً على ذلك، تم تصنيف قتل المدنيين الأبرياء على أنه “ضرر عرضي” لكنه أدى إلى تعزيز سمعة الموساد العدوانية التي لا ترحم، في حين أصبحت عمليات الاغتيال تُعرف باسم “الأعمال الوقائية المستهدفة”.

مع مرور الوقت، دفعت قدرة “إسرائيل” على تنفيذ عمليات اغتيال سرية إلى اعتمادها عليها بشكل مفرط، حيث تعاملت مع بعض المخاوف الاستراتيجية والسياسية المعقدة باعتبارها مشكلات يمكن حلها من خلال القتل خارج نطاق القضاء.

وأصبحت العمليات السرية المعقدة التي تتم خلف خطوط العدو “المبدأ الأساسي لعقيدة الأمن الإسرائيلية”، وبدعوى “الحفاظ على أمن الدولة”، لم يكتف المسؤولون الإسرائيليون بالسير على خط تلمودهم بل داسوا على وصية جوهرها “بمجرد أن ترى الخطر قادمًا، فمن الحماقة أن تجلس منتظرًا حدوثه”، والتي أكسبت قادة الاحتلال سمعة تعتمد على القتل تنفيذًا لهذه الوصية.

ويكتب بيرجمان أن عمليات الإعدام السريعة للمشتبه بهم الذين لم يشكلوا أي تهديد مباشر، وانتهاك قوانين “إسرائيل” وقواعد الحرب، لم تكن أعمالًا منفلتة من عملاء مارقين، بل كانت عمليات قتل معتمدة رسميًا.

“لقد اعتدنا القتل، وأصبحت حياة الأشخاص شيئًا عاديًا، ويسهل التخلص منها، نقضي ربع ساعة أو 20 دقيقة في اختيار من نقتله”، هذا الاقتباس من عامي أيالون، الذي ساعد بصفته أحد رؤساء جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) في النصف الثاني من تسعينيات القرن الـ20 في قيادة المؤسسة الأمنية إلى العصر الرقمي.

نتائج عكسية
يثير استخدام “إسرائيل” للاغتيالات معضلتين بالغتي الصعوبة: أولًا، هل هذه الاغتيالات فعّالة؟ وهل يمكن للقضاء على فرد أو عدد من الأفراد أن يجعل العالم مكانًا أكثر أمنًا؟ وثانيًا، هل هذه الاغتيالات مبررة أخلاقيًا وقانونيًا؟ وهل من المشروع، أخلاقيًا وقضائيًا، أن تستخدم دولة ما أخطر الجرائم في أي قانون أخلاقي أو قانوني ـ قتل حياة إنسان عمدًا ـ من أجل حماية مواطنيها؟

يعطي بيرجمان انطباعًا عامًا بأن هؤلاء القتلة يبحثون باستمرار عن طرق مبتكرة لتحديد وقتل من يعتبرونهم “أعداء إسرائيل”، ويقنعون أنفسهم بأنهم ليسوا الأفضل في ما يفعلونه فحسب، بل إنهم الأكثر أخلاقية أيضًا، ويرى أنهم يعانون من العبء الشخصي المتمثل في قتل المدنيين الأبرياء إلى جانب أعدائهم، ولكنهم يبررون أفعالهم حتمًا، ويغطون على أخطائهم الحسابية المحرجة أحيانًا.

ومع ذلك، يتحدث البعض عما يسمونها “انتصارات تاريخية” أفرزتها هذه الاغتيالات، ويعتقدون أن حملة الاغتيالات السرية التي شنتها “إسرائيل” ضد العلماء النوويين الألمان العاملين لصالح مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الخمسينيات وأوائل الستينيات، والحملة المشابهة ضد العلماء الإيرانيين خلال العقد الماضي، ربما ساعدت في إعاقة برامج الأسلحة النووية في البلدين.

وربما ساهم استهداف الرجال الذين يقفون وراء مقتل 11 رياضيًا إسرائيليًا في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ عام 1972 في دفع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إلى اتخاذ قراره في نهاية المطاف بوقف عمليات منظمة “أيلول الأسود” في عامي 1973 و1974، وأمر بالابتعاد عن أعمال العنف خارج قطاع غزة والضفة الغربية.

ولعل الغارة الشهيرة التي شنتها قوات الكوماندوز على مطار عنتيبي في أوغندا عام 1976، وأنقذت 102 رهينة كانوا على متن طائرة اختطفها فلسطينيون ورفقاء لهم، كانت بالنسبة لـ”إسرائيل” بمثابة العمل العسكري الأكثر جرأة وكفاءة، رغم أنها انتهت بمقتل 3 رهائن والضابط جوناثان شقيق نتنياهو إلى جانب مقتل المختطفين وجنود أوغنديين.

لكن العديد من النجاحات المزعومة التي اتخذت مسمى “القضاء على الأعداء” جاءت بثمن باهظ. على سبيل المثال، في أبريل/ نيسان 1988، خلال الأيام الأولى للانتفاضة الفلسطينية الأولى في غزة والضفة الغربية المحتلة، استهدف قادة الاحتلال الزعيم العسكري لحركة فتح، خليل الوزير، المعروف بـ”أبو جهاد”، مساعد عرفات الأول والرجل الثاني بعده، وشقوا طريقهم إلى منزله في تونس، وأطلقوا عليه النار 52 مرة في غرفة نومه أمام زوجته.

كانت المهمة مصممة لتقويض الانتفاضة من خلال القضاء على هذا الرجل الذي ملأ المسار الفلسطيني بالعمليات النوعية الفدائية التي أرهقت “إسرائيل”، لكن بيرجمان يقول إن ذلك كان له تأثير مضاد تمثل في تشجيع جيل جديد من الفدائيين لطالما وصفوه بمرحلة فلسطينية فريدة قائمة بحد ذاتها، وتعزيز اللجان الشعبية في الأراضي المحتلة التي مثلت القيادة الحقيقية للانتفاضة.

وينقل بيرجمان عن مسؤولين إسرائيليين أنهم ندموا على اغتيال أبو جهاد في الوقت الذي كانت فيه المنظمة تتحرك بشكل عملي نحو الاعتراف بـ”إسرائيل”، واعتقادهم بأنه كان ليتمكن من تقديم مساهمة كبيرة في عملية السلام، لكن اغتياله دفع إلى إبعاد التوصل إلى حل مستدام مع الفلسطينيين إلى مستوى أبعد من المتناول.

أصبح اغتيال أبو جهاد، كما يقول بيرجمان، “واحدًا من سلسلة طويلة من النجاحات السرية التكتيكية، ولكن أيضًا واحدًا من الإخفاقات الاستراتيجية الكارثية لبرنامج الاغتيالات المستهدفة الذي تنتهجه “إسرائيل” على مدى عقود من الزمان، وكأن التاريخ توقف ولم تعد هناك حاجة للتعامل مع القضية الفلسطينية”.

كما أُثيرت الشكوك بشأن الجوانب السلبية لاغتيال زعيم حماس الشيخ أحمد ياسين في عام 2004، وكتب بيرجمان أن اغتياله منح إيران بابًا مفتوحًا لترسيخ قوتها في المنطقة وعزز دورها في الأراضي المحتلة، لأن ياسين كان معارضًا صريحًا للنظام الإيراني وأهدافه، كما عززت العمليات العسكرية ضد مقاتلي حزب الله في لبنان عام 2006 من هيبة وقوة زعيم الحزب حسن نصر الله.

ويكتب بيرجمان أنه في كثير من الأحيان، يقضي القادة الإسرائيليون حياتهم المهنية في التنافس على التفوق على بعضهم البعض بطرق إبداعية لقتل أعدائهم، فقط ليندموا على قِصَر نظرهم عند تركهم مناصبهم.

على سبيل المثال، أصبح مدير الاستخبارات السابق، مائير داغان، الذي كان يحظى بإعجاب هائل باعتباره “الجاسوس الإسرائيلي الأعظم”، منتقدًا صريحًا لنتنياهو وحكومته بعد الإطاحة به في عام 2011، وأعلن في تجمع سياسي للمعارضة في تل أبيب قبل الانتخابات التشريعية في مارس/آذار 2015، “أعتقد أن الساعة قد حانت لنا للاستيقاظ، وآمل أن يتوقف المواطنون الإسرائيليون عن كونهم رهائن للمخاوف والقلق الذي يهددنا صباحًا وليلًا”.

ومن عجيب المفارقات أن داغان دعا في أواخر حياته إلى حل سياسي يقوم على أساس الدولتين لإنهاء العداوة القديمة بين “إسرائيل” وفلسطين، وتكمن المفارقة هنا في حقيقة مفادها أن العديد من الأهداف التي استهدفها داغان وشركاؤه كانوا فلسطينيين، بما في ذلك ياسر عرفات، دون أدلة دامغة.

إخفاقات آلة الاغتيال الإسرائيلية
تاريخ الموساد ليس كله نجاحات، فقد واجه هذا الجهاز الاستخباراتي سلسلة مما توصف بـ”الإخفاقات”، وفقد 360 عميلًا قُتلوا بسبب عمليات استخبارية، وباءت بعض العمليات المعلنة بالفشل، أشهرها محاولة اغتيال الكادر في حركة حماس محمد حمدان في لبنان عام 2018.

في عام 1973، فشل الموساد، وكان نتيجة فشله اغتيال الشاب المغربي أحمد البوشيخي في النرويج، واعترفت “إسرائيل” بهذا الخطأ، وألقت الشرطة النرويجية القبض على 6 من أعضاء خلية الموساد بعد أن قام أحد المتورطين بإرجاع السيارة المستأجرة في المطار، وبعد محاكمات سريعة، حُكم عليهم بالسجن لفترات متفاوتة كان أقصاها 5 سنوات.

كانت الفضيحة مدوية لجهاز الموساد في أوروبا، إذ كان الضحية مهاجرًا مغربيًا بريئًا يشبه في بعض ملامحه علي حسن سلامة الذي كان آنذاك، ومن قواعده في بيروت، يخطط وينفذ عملياته الأمنية الاستخباراتية ضد “إسرائيل” ومصالحها بدقة متناهية.

وفي سبتمبر/أيلول عام 1997، أُحبطت في الأردن محاولة اغتيال صامت لرئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل باستخدام تركيبة كيميائية معقدة. اُعتقل منفذو العملية التابعين لخلية “قيساريا” المتخصصة في الاغتيال خارج “إسرائيل”، وأُجبرت “إسرائيل” على الكشف عن المادة التي حُقن بها مشعل وتقديم الترياق، ولاحقًا أُطلق سراح مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين في عملية تبادل بعميلين إسرائيليين حاولا اغتيال مشعل.

وفي عام 2021، ألقت الاستخبارات التركية القبض على 15 جاسوسًا – لم يكن أي منهم إسرائيليًا – يعملون في خلايا تابعة للموساد، وكانت مهمتهم جمع وتزويد الموساد بمعلومات عن جمعيات ومنظمات ومعارضين عرب وطلاب أتراك وفلسطينيين في الجامعات التركية خصوصًا الذين يدرسون في مجال الصناعات الدفاعية.

وفي مطلع عام 2022، كشفت حركة حماس عن إلقاء القبض على متورط في عملية اغتيال المهندس، فادي البطش، التي نفذها الموساد عام 2018 في ماليزيا، وكشف العميل أنه عاد إلى غزة دون مشورة الموساد، وقد أسقطته مكالمة هاتفية كان يطلب خلالها أموالًا من ضابط استخبارات إسرائيلي.

بالإضافة إلى ذلك، يروي بيرجمان عددًا من المهام التي فشلت فشلًا ذريعًا، بما في ذلك مهمة باستخدام كلب مفخخ هرب ليكتشفه حزب الله لاحقًا، ولم يكتف بيرجمان بذلك، بل كشف عن مقتل 6 علماء نوويين إيرانيين على يد جماعات معارضة إيرانية تعمل لصالح الموساد، ورغم ذلك، انتقد رئيس الجهاز السابق تامير باردو، علانية هوس بنيامين نتنياهو بإيران، وجادل بأن القضية الفلسطينية التي لم تُحَل تظل التحدي الوجودي الحقيقي الذي تواجهه “إسرائيل”.

ولم يكن هناك هدف أحبط أو أزعج جهاز الاغتيال الإسرائيلي أكثر من ياسر عرفات الذي توفي في عام 2004 بسبب “مرض معوي غامض” أثار أسئلة مثيرة للاهتمام، لكن حتى لو كان بيرجمان يعرف الإجابات عن هذه الأسئلة، فلن يكون بوسعه أن يكتب الحقيقة لأن “الرقيب العسكري لم يسمح له بمناقشة هذا الموضوع” كما يقول.

في بعض الأحيان كان يهرب عرفات ببساطة، وفي بعض الأحيان كان المسؤولون المشرفون على تنفيذ الاغتيالات يلغونها لأن الهدف لم يكن من الممكن تأكيده أو لأن الثمن من أرواح المدنيين كان يعتبر مرتفعًا للغاية.

مرة تلو الأخرى، وضعت الرغبة في قتل عرفات “إسرائيل” في مركز المناقشة المستمرة حول ما يمكن لـ”إسرائيل” أن تفعله من أجل البقاء، وحاولت أن تفعل ذلك على وجه التحديد مرات عديدة، وفي بعض الأحيان كانت الجهود تتضمن العمل العسكري المباشر.

بعد حرب عام 1967 مباشرة، شن عرفات سلسلة من العمليات انطلاقًا من القدس الشرقية والضفة الغربية، وبناءً على معلومات وصلت إليه، اقتحم جنود إسرائيليون المنزل الذي كان يقيم فيه، بعد دقائق من الموعد المحدد، ووجدوا طعامه لا يزال دافئًا على المائدة.

ويتضمن كتاب الصحفي الإسرائيلي صورًا قد يعتقد البعض أنها تاريخية أو لتوثيق لحظات معينة في حياة عرفات، لكنها ما هي إلا صور أُخذت من قناص إسرائيلي كانت قد وظفته الموساد لأشهر طويلة لمراقبة ياسر عرفات دائمًا في بيروت اللبنانية، في تجسيد حقيقي لعمل الأجهزة السرية لـ”إسرائيل”.

وفي نهاية الكتاب، يلمح بيرجمان إلى احتمال مغرٍ مفاده أن رئيس الوزراء آنذاك، أرييل شارون، هو الذي أذن بقتل عرفات، وفي ملاحقته له، كاد أن يجعل الموساد يُسقط طائرة فوق البحر الأبيض المتوسط ​​في أثناء حرب لبنان في عام 1982، تقل 30 طفلًا فلسطينيًا جريحًا عن طريق الخطأ، وأُحبطت الخطة في اللحظة الأخيرة لأن الراكب المهم كان شقيق زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، وهو طبيب، وكان يرافق الأطفال الفلسطينيين الجرحى.

ويصف بيرجمان شارون بأنه “مهووس بإشعال الحرائق”، وأن رغبته بقتل ياسر عرفات اقتربت من الهوس، ففي المحاولة الثانية، سمح شارون بإسقاط طائرة ركاب تجارية لو كان عرفات على متنها، وكما يقول بيرجمان بصراحة، فإن هذا كان ليرقى إلى “جريمة حرب متعمدة”.

وكانت بعض الخطط أكثر تفصيلًا، فبإلهام من الفيلم الأمريكي “المرشح المنشوري” (The Manchurian Candidate)، الذي تدور أحداثه حول اختطاف جنود أمريكيين خلال حرب الخليج، وإخضاعهم لعملية غسيل مخ لأغراض شريرة، أمضى الإسرائيليون 3 أشهر في عام 1968 في محاولة تحويل سجين فلسطيني إلى قاتل مبرمَج لصالح الموساد. وبعد 5 ساعات من إطلاق سراحه لتنفيذ مهمته، سلم نفسه ومسدسه للشرطة المحلية، وأوضح أن المخابرات الإسرائيلية حاولت غسل دماغه لحمله على قتل عرفات.

ولم تفشل مثل هذه المحاولات وغيرها الكثير فحسب، بل تسببت في إحراج “إسرائيل” إلى حد كبير، وزادت أيضًا من شعبية عرفات، وهو يروي حكايات هروبه المعجزة.

المصدر: نون بوست