المفاوضات الجارية حول الصفقة تعكس توازنات دقيقة بين مختلف الأطراف، حيث تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل فرض شروط تعيد تشكيل الواقع في غزة وفقًا لمصالحهما، في حين تحاول الفصائل الفلسطينية الحفاظ على مكتسباتها وعدم تقديم تنازلات تُضعف من موقفها. المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل هذه المفاوضات، ومدى قدرتها.
تأتي هذه المفاوضات في ظل تصعيد كبير للأوضاع في القطاع، وتزايد الضغوط الدولية على جميع الأطراف للوصول إلى حلول مستدامة. في هذا السياق، تبدو التحركات الأخيرة لدولة الاحتلال والولايات المتحدة كمحاولة لفرض شروط جديدة على الفصائل الفلسطينية، تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع في غزة بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية طويلة الأمد.
دور الولايات المتحدة وشروطها
من الواضح أن الولايات المتحدة تلعب دورًا حاسمًا في هذه المفاوضات، حيث أنها تقف كوسيط رئيسي، ليس فقط في محاولات التوصل إلى اتفاق، ولكن أيضًا في فرض شروط تتماشى مع الاستراتيجية الإسرائيلية. على سبيل المثال، كشفت صحيفة الشرق عن تفاصيل المقترح الأميركي الذي يشمل تقليص تواجد الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، وإعادة السلطة الفلسطينية لإدارة معبر رفح، مع وجود رقابة إسرائيلية. هذه البنود تعكس رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على توازن بين السيطرة الإسرائيلية وإعادة دور السلطة الفلسطينية، مما يساهم في تعزيز دور السلطة كممثل شرعي للفلسطينيين في المحافل الدولية، وهو ما قد يُضعف من موقف حماس.
إضافة إلى ذلك، تشدد الولايات المتحدة على عدم وجود قيود على عودة سكان غزة إلى شمال القطاع، في خطوة تُظهر التزامها بمبادئ حقوق الإنسان والعودة الطوعية، لكنها في الوقت ذاته تُبقي على مسألة الرقابة الإسرائيلية كمسألة مفتوحة، قد تستخدمها دولة الاحتلال كوسيلة للضغط لاحقًا.
الموقف الإسرائيلي وتكتيكات نتنياهو
من الجهة الأخرى، يظهر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال، كأنه يستخدم هذه المفاوضات كأداة للضغط الداخلي والخارجي. فعقد جلسات الحكومة في مقر وزارة الدفاع بدلاً من القدس يشير إلى تصعيد الوضع الأمني وجعل المسألة ذات أولوية قصوى. كذلك، مطالبته بمنع عودة المسلحين إلى شمال غزة، تُعد ورقة مساومة قوية يمكن استخدامها لاحقًا لتعطيل أو تأجيل تنفيذ الاتفاقات الأخرى.
هذا التكتيك يضع حماس والفصائل الفلسطينية في موقف صعب؛ فإذا قبلت بالشروط الإسرائيلية، فقد تخسر من شعبيتها ومصداقيتها لدى جمهورها، وإذا رفضت، فقد تعطي نتنياهو ذريعة لمواصلة العمليات العسكرية. هذه اللعبة الدبلوماسية تعكس بشكل واضح أن دولة الاحتلال لا تزال ترى أن تحقيق أهدافها الأمنية هو الأولوية القصوى، حتى لو أدى ذلك إلى تصعيد جديد.
تحديات التنفيذ والمرحلة المقبلة
أحد أهم التحديات التي تبرز في هذه المفاوضات هو كيفية تطبيق هذه الاتفاقات على الأرض. تتضمن الشروط الأميركية والإسرائيلية نقاطًا حساسة، مثل إدارة معبر رفح، والرقابة على العائدين، وتواجد الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، وكلها نقاط تحتاج إلى آليات تنفيذ واضحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشرط المتعلق بعدم انسحاب دولة الاحتلال من القطاع يُظهر عدم استعدادها للتخلي عن سيطرتها على غزة، مما يجعل من الصعب تحقيق وقف إطلاق نار دائم.
إضافة إلى ذلك، فإن رفض حماس لشروط الصفقة قد يؤدي إلى عودة العمليات العسكرية، ما يعني أن أي اتفاق سيظل هشًا ومعرضًا للانهيار في أي لحظة. المرحلة الثانية من المفاوضات، التي تتعلق بإعادة إعمار غزة ورفع الحصار، ستكون هي الاختبار الحقيقي لهذه الصفقة؛ فإذا نجحت الأطراف في تجاوز المرحلة الأولى، فإن المرحلة الثانية قد تفتح الطريق أمام تحقيق هدوء نسبي في غزة، وإن كان مؤقتًا.
للخروج من هذا المأزق، يجب على الفصائل الفلسطينية أن تركز على تعزيز الوحدة الداخلية وتشكيل جبهة موحدة ضد الضغوط الخارجية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير استراتيجية تفاوضية مرنة تستند إلى ثوابت وطنية، مع التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار دون تقديم تنازلات تمس بحقوق الشعب الفلسطيني. كما ينبغي للفصائل أن تستثمر الدعم الدولي والإقليمي لتعزيز موقفها، مع رفض أي شروط من شأنها أن تُضعف المقاومة أو تؤدي إلى استمرار الاحتلال بأي شكل. الحوار المفتوح والمستمر بين الفصائل والشعب الفلسطيني سيساهم في تعزيز الصمود والمقاومة في مواجهة التحديات المقبلة.
المصدر: بوابة الهدف | بيسان عدوان