كان لافتا بعد حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، يوم الأربعاء 31 يوليو/ تموز الماضي في إيران، تصريحات ومنشورات لصفحات وشخصيات تنتسب إلى السلفية المدخلية، أظهروا فيها الشماتة بوفاته، ولم يتورعوا عن الطعن فيه بسبب علاقة حركته بإيران، مع امتناعهم عن الترحم عليه.
ومما شنعوا به على هنية مدحه لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، ونعته بـ"شهيد القدس"، مستنكرين وصف من يسب الصحابة ويلعنهم، ويعتدي على أم المؤمنين عائشة ويعتبرها زانية بهذا الوصف التكريمي، وبعضهم يستشهد في هذا المقام بحديث "مستريح ومستراح منه".
الاستدلال بهذا الحديث في هذا المقام فيه تجريح وطعن بإسماعيل هنية، فحسب الرواية أن "رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرَّ عليه بجنازة، فقال: مُستريح ومُستراح منه، قالوا: يا رسول الله، ما المُستريح والمُستراح منه؟ قال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب".
استنكار واسع بعد نشر صفحات "مدخلية" منشورات تتشفى في اغتيال هنية (ultrasawt.com)
من اللافت في هذا السياق إثارة مسألة جواز الترحم على هنية في بعض الأوساط السلفية، فهذا سؤال طرح على الشيخ السلفي الجزائري فركوس يقول: "أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل.. مباشرة بعد مقتل قائد حركة حماس من طرف اليهود؛ نشر بعض الإخوة على وسائل التواصل الاجتماعي عبارة "مستراح منه"، وقد أنكر عليهم كثير من الإخوة هذا الفعل لأنهم تقدموا بين يدي العلماء، وكذلك أحدثوا فتنة عظيمة، وكانوا سببا في الطعن في الدعوة السلفية.. فما توجيهكم شيخنا؟".
في إجابته نبَّه الداعية السلفي فركوس على أنه "ينبغي التفريق بين الأمر الصحيح أو القضية الصحيحة؛ وبين المعتقد الفاسد.. لو ترجع إلى ثورة التحرير الجزائرية؛ من كان روادها؟ روادها أغلبهم كان ينتهج النهج اليساري، لكن القضية قضية عادلة، وهي تحرير البلد.. القضية الفلسطينية قضية عادلة، ولهم أساليب في استرجاعها، فمن سعى في هذا نعم، أما كونه شيعيا، أو غير ذلك.. لا يغير من القضية شيئا..".
https://www.facebook.com/share/p/tzyGHk3osrHuzFCD/?mibextid=xfxF2i
لكن إجابة فركوس لم ترق للداعية السلفي (المدخلي) المصري، هشام البيلي، صاحب مقطع "يا أبا عبيدة جاهد بالسنن.." الذي تعقبه واستدرك عليه في جوابه، مبينا أن ما ذهب إليه لا يتوافق مع تقعيد أئمة السلف في مثل هذه الواقعة، وفي مقطع آخر للبيلي نشر تحت عنوان "الأجوبة السلفية على مقتل إسماعيل هنية في قلب إيران الرافضية" شنع فيه على حركة حماس لعلاقتها بإيران، وعلى هنية الذي أثنى على إيران وقادتها ورموزها.
وفي ذات الإطار أجاب الداعية السلفي المصري، أحمد بن عمارة عن سؤال "ما حكم الترحم على إسماعيل هنية بالقول؟": "هنية وإن كنا نقول إنه رجل مبتدع في أمور، فهو رجل يعترف بأنه صوفي، وأن أباه كان شيخ طريقة، وأن ولاءه لجماعة الإخوان المسلمين، وصلاته خلف الروافض، ويصلي في صفوفهم، وله صورة وهو يقبل يد علي خامنئي، وأنه يقول إن سليماني شهيد القدس.. فهذه من دلائل بدعته.. وأنه مُحدِث في دين الله".
وأضاف: "فإن ترحمت عليه فيجوز الترحم على من ينتسب إلى الإسلام، وإن لم تترحم عليه وسكتَّ عنه، أو قلت عنه "مستراح منه" فلا يلومك أحد إلا أهل الضلال، وأهل العاطفة، وإلا يُستراح منه، والذي يموت من المسلمين يجوز أن تدعو له ويجوز أن تسكت عنه، بل سكوتك عنه بعدم الدعاء له في الملأ أفضل، حتى لا يظن الظان بأن هذا الطريق يحمد فيه من مات عليه ويقتدي به..".
في نشوء السلفية الجامية المدخلية يُشار إلى أنها ظهرت بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، على يد محمد أمان الجامي، مدرس العقيدة في الجامعة الإسلامية، ثم تبعه الدكتور ربيع المدخلي، ويُعرف عنها قربها الشديد من النظام السعودي، وتركيزها الشديد على طاعة ولي الأمر، وشدتها وقسوتها في مهاجمة الاتجاهات الإسلامية الأخرى، كالحركات الإسلامية السياسية، والاتجاهات الدينية الأخرى كالصوفية والمذهبية.
فالمداخلة أو المدخلية "فرقة عقدية معاصرة أُسست بأجندات أيديولوجية كان أساسها تكريس الاستبداد السياسي في العالم العربي، وقد تحدثت مؤسسة راند عن ذلك بحيث يمكن أن يطلق عليهم "فقهاء المارينز" كما أسماهم فهمي هويدي، وهم على نمط واحد في اللباس والخطاب، تعرضوا لغسل الدماغ بشكل ملفت للنظر، وهم لا يسلكون مسالك أهل المذاهب الأربعة المعتمدة في الفقه والتفقه" بحسب الأكاديمي والباحث المغربي، الدكتور حمزة النهيري.
وأضاف: "وهذا شيء معروف عنهم، خصوصا أنهم يتخذون مسائل العقيدة، والولاء والبراء باتخاذ مواقف سياسية معينة تبدو للشباب الساذج أنها مواقف عقدية، وهو عين ما يفعلونه تجاه حركة حماس، وقد تقرر في قواعد الشريعة أن نصرة المظلوم واجب ولو كان المظلوم كافرا فكيف بمسلمين تعرضوا للاحتلال من سنوات عديدة..؟".
وواصل النهيري حديثه لـ"عربي21" بالقول: "إن إظهار الشماتة برجل مسلم مجاهد يدافع عن قضيته، ويعلم انتماؤه لإسلامه ووطنه وقدسه، لأجل مخالفة عقدية أو دينية أو دنيوية ليست من الأخلاق الإسلامية في شيء، وقد نهى الإسلام عن التمثيل بجثث الأعداء وهم كفار، فكيف يجوز للمسلم الشماتة بالمسلم وهو نوع من التمثيل المعنوي لرجل أفضى إلى ربه؟".
ولفت إلى أن "اتخاذ موقف من حركة حماس ومخالفتها في توجهها السياسي أمر مشروع، لكنه لا يبيح ـ بأي وجه ـ جعله سببا للشماتة بها وبقادتها، فالأحقاد والأضغان والخلافات تنتهي عند وقوع الموت وفراق الدنيا، إلا عند من لا يرى أن لكل مقام مقالا، هذا مع ما هو مقرر في الشريعة من وجوب نصرة المسلمين بعضهم لبعض، وما نشهده أيديولوجية سياسية وراءها من يحركها.. ".
وعن الترحم على إسماعيل هنية أكدّ النهيري أن "منع الترحم على الشهداء لن يغيب شيئا من قدرهم ومقامهم عند الله، فهو أعلم بمن اتقى، لكنه يشوش على عوام المسلمين الذين يعيشون في زمن التضليل الإعلامي (الدجال)" مضيفا أنه "لئن كان للنظام الإيراني يد ملطخة بالدماء في العراق وسوريا، فإن يد أمريكا ملطخة بكل دماء المسلمين، فما بالهم لا ينتقدون ساستهم إذ وضعوا أيديهم بأيدي الأمريكان ضد إخوانهم؟".
وحذر من الطعن في الرموز الإسلامية لأنه "يؤدي إلى تشتت وحدة الأمة التي يجمع بينها القرآن واللغة والتاريخ والنبي الرسول الواجب اتباعه، والإسلام أوثق العرى وهو محط الولاءات والتوافقات، بعيدا عن الفتن السياسية والانحرافات الطائفية، ولكل طائفة غلاة ومعتدلون، والعقل يقضي بتغليب خطاب الحكمة على خطاب الظلم والتفرقة والشماتة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
من جهته أوضح الكاتب والباحث الإسلامي، رابحي لكبير أن "نشأة المدخلية تعود إلى ظروف اجتياح صدام للكويت واستقدام القوات الأمريكية بكثافة إلى شبه جزيرة العرب، وظهرت مع كتاب ربيع بن هادي المدخلي (صد عدوان الملحدين وجواز قتالهم بغير المسلمين).. وتشير ظروف النشأة إلى أن هذا التيار نشأ نشأة وظيفية، ومن هنا خالفهم الشيخ الألباني في فتوى استدعاء القوات الأمريكية".
وتابع: "تلك النشأة الوظيفية تأثرت بسياقات شعور المملكة بالخطر، وضعف الشرعية بانخراط تيارات إسلامية في ما عُرف بالحركة الإسلامية في تأييد صدام، وزادت حدة المداخلة بعد أن أصبحوا تعبيرا عن سياسات استخباراتية إقليمية خصوصا بعد ثورة الربيع العربي، والانتصار الكاسح للإسلام السياسي، فوظف التيار مصطلح البدعة ليجعله أخطر من الكفر، ويصنع من مادته مصطلحات خطيرة مثل (أخطر من اليهود والنصارى).. (وقتالهم مقدم على قتال اليهود والنصارى)".
وقال لكبير في تصريحات لـ"عربي21": "واضح أن المملكة تريد تخطي حرجها تجاه القضية الفلسطينية بتوظيف ديني يسعى لهدم كل جمال وأصالة في المنهج السلفي حتى أصبحنا نسمع التشفي باستشهاد الرموز، وانتشار مصطلح ’مستراح منه’، ومنع إطلاق لفظ الشهيد، وأي مسلم عامي سيعرف الحقيقة دون بحث مضنٍ كيف يكون موقفك وفتواك خادمة للعدو الذي يحتل الأرض".
وعن أهداف حملة تشويه الرموز والحركات الإسلامية لفت إلى أنها تهدف إلى "أولا مواجهة نهضة التيار الإسلامي السياسي، وهم بهذا يقدمون خدمة للاستعمار والاستبداد ودول الاستكبار، وثانيا: قتل مصداقية الرموز بوصفهم بالبدعة والتوصيفات الشنيعة منعا لانتشار تأثيرهم، وثالثا: الحفاظ كأولوية على مصالح السعودية أو لنقل العائلة الحاكمة، ورابعا: دفع الأمة إلى الهوامش بعيدا عن السياسة، إذ إن الاشتغال بالسياسة مخيف أمام فقدان الشرعية والمشروعية" على حد قوله.
وأردف: "وخامسا: للتخفيف عن الحكام وعدم تحميلهم مسؤولية تحرير فلسطين، وهو واجب شرعي، والعجيب كما قلت مرة لأحدهم لنفترض أنكم صادقون وأن الراية بدعية فلماذا لا تطلبون من الحكام وجوب تحرير فلسطين وهو أمر ديني واضح، بل وصل بهم الانحراف أن العدو يقتل وهم يقولون قتلهم المبتدعة، وهذه الجماعة الوظيفية لا تملك أصالة المنهج إذ تحركها الأموال الضخمة والغنائم، ومحكوم عليها وفق سنن بالتلاشي".
بدوره حذر الأكاديمي السعودي، أستاذ العلوم الشرعية الدكتور إبراهيم عبد الله الحازمي، من "طعن المسلم بأخيه المسلم حيا أو ميتا" مشددا على أنه "لا يجوز قذف الناس بالتهم، وإلصاقها بهم والافتراء عليهم، وهذا مما حذر منه الإسلام ونهى عنه".
وأضاف: "وإسماعيل هنية مسلم سني، وكذلك آباؤه وأجداده، وكونه يتعامل مع الشيعة، ويضطر لمجاملتهم، فهذا مرده لأنه لم يجد من أهل السنة من يمده بالسلاح، وقد استعان الرسول عليه الصلاة والسلام في هجرته بدليل كافر، ومن المقرر أن الضرورات تبيح المحظورات".
وإجابة عن سؤال "عربي21" بشأن من يشمت بموت المسلم ويؤذيه بذلك، أوضح الحازمي أنه "من المحرمات، ولا يجوز فعله، وقد أفضى إلى ما قدم (اذكروا محاسن موتاكم).. وحينما نرى ما يقع بين التيارات الإسلامية من طعن بعضهم ببعض، فينبغي عدم الالتفاف إلى ذلك، فهو تماما مثل رواية الأقران".
ونفى في ختام كلامه أن تكون تلك الممارسات "مطابقة لعمل السلف، وممن نص على ذلك ابن تيمية، فواجب المسلم الوقوف مع المسلم السني، والصوفي والشيعي ضد اليهود والنصارى."، لافتا إلى أن "بعض أولئك يعملون مع جهات أمنية واستخباراتية، وقد سلم منهم اليهود والنصارى ولكن للأسف لم يسلم منهم أهل الإسلام".
المصدر: عربي ٢١