لنفترض أنه تم الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة الآن، وأن “إسرائيل” قررت إلغاء سياسة الخنق عن طريق الحصار التي استمرت 17 سنة، من أجل احترام القانون الدولي. أو بما أننا تجاوزنا الواقع بالفعل، فلنقل أننا وجدنا أنفسنا في عالم لم تعد فيه “إسرائيل” قادرة على تحديد نوع الحياة التي يمكن أن يعيشها الناس في غزة. ولنقل أن الفلسطينيين في غزة لديهم الوسائل لتطهير أراضيهم وإعادة بنائها بأنفسهم. لنفترض.
عندما يعود الفلسطينيون إلى أحيائهم؛ سيجدون داخل منازلهم وخارجها جدرانًا مزخرفة بالرسومات، وأثاثاً مدمراً، وحقائب ماكدونالدز مبعثرة، وأدراجاً مليئة بالملابس الداخلية. وسيجدون قنابل غير منفجرة تنتظر تفجيرها، وغالباً ما يجدونها بعد فوات الأوان.
ومن بين الأسلحة الفتاكة الكامنة في غزة اليوم قنابل تزن 2000 رطل ونطاقات قتل تصل إلى 360 مترا. وفي أيار/ مايو، عثر صبي يدعى محمد على عبوة ناسفة أثناء البحث بين الأنقاض في خان يونس حيث كان منزله ذات يوم. ولكنه عندما التقط العبوة فقد “ذراعه اليسرى من أسفل الكوع، وجميع أصابع يده اليمنى”.
وقال الخبراء إن السلاح كان على الأرجح لغمًا مضادًا للدبابات، استخدمته “إسرائيل” على ما يبدو لتدمير الأنفاق، وربما كان من صنع الولايات المتحدة. في الواقع، يخطئ الناس أحياناً في هذه الذخائر غير المنفجرة، وخاصة الأطفال الجائعين الذين لا يعرفون أفضل من ذلك، ويظنون أنها علب طعام. ولنتأمل طبقات القسوة التي تمارسها “إسرائيل” على غزة.
وأفادت إذاعة “إن بي آر” بأن “الأمر استغرق أربعة أطباء وسبع ساعات من الجراحة لإنقاذ ساقي محمد”. وهو لا يزال معرضاً لخطر العدوى وبتر الساق لاحقاً، وخاصة في ظل التدمير المنظم والممنهج الذي تمارسه “إسرائيل” للبنية التحتية الطبية في غزة، فضلاً عن رفضها السماح للأدوية الأساسية، مثل المضادات الحيوية اللازمة لمنع العدوى بعد الجراحة، بالدخول إلى غزة.
ولمن قد يشكك في أن “إسرائيل” ستترك وراءها ذخائر غير منفجرة لقتل أو تشويه الأطفال، فلنتأمل أن من بين إنجازاتها في غزة حتى الآن خلق أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في تاريخ البشرية. فقد أكد المحتل على حقه في التشويه، وترك علامة لا تمحى على أجساد كل منهم لبقية حياتهم.
أولاً، دعونا نحدد بعض المصطلحات. إن بروتوكول الأمم المتحدة بشأن مخلفات الحرب المتفجرة يعرّف “الذخيرة المتفجرة” بأنها “ذخيرة تقليدية تحتوي على متفجرات، باستثناء الألغام والفخاخ وغيرها”، لأن هذه الأسلحة الأخيرة من المفترض أن تنفجر بعد وقت نشرها.
إن تسمية شيء ما بـ “الذخيرة غير المنفجرة” يعني من الناحية الفنية تمييز النوايا ـ أي أن السلاح استُخدِم بحيث ينفجر على الفور، ولكنه لم ينفجر. والذخيرة غير المنفجرة هي الذخيرة التي “تركها أو ألقاها أحد أطراف النزاع المسلح، ولم تعد تحت سيطرة الطرف الذي تركها أو ألقاها”.
وتشير عدة تقارير إلى أن الولايات المتحدة منذ تشرين الأول/ أكتوبر كانت تزود “إسرائيل” بأسلحة مختلفة تعتبر عمومًا غير قانونية بموجب القانون الدولي. ومن بين هذه الأسلحة الذخائر العنقودية، التي تعتبر “مفيدة” عسكريًّا، لأنها تتمتع بنطاق تدمير واسع بحيث يتطلب الأمر عدداً أقل من الذخائر لتحقيق التأثير التدميري المقصود.
إن الذخائر العنقودية محظورة من قبل أكثر من 100 دولة جزئيًّا لأنها عشوائية بطبيعتها. وتشكل الذخائر العنقودية وغيرها من الأسلحة “العشوائية” جزءاً كبيراً من الحروب الاستعمارية، مثل الإبادة الجماعية في غزة اليوم، حيث يشكل المدنيون الأغلبية الساحقة من القتلى، بما في ذلك استخدام الأسلحة الدقيقة بما يكفي لتسقط حيث تسقط، لأن نية القوة المحتلة هي قتل المدنيين، (إن فكرة السلاح التمييزي مقابل السلاح العشوائي، إذن، ليست ذات صلة، وهي تشتيت للانتباه عن طرف متحارب عدوه شعب بأكمله، لا يعتبرونه شعباً على الإطلاق).
وفي حين أن أول استخدام للقنابل العنقودية يعود إلى الحرب العالمية الثانية على الأقل، فإن السلاح ربما يكون مرتبطًا بشكل أكثر شهرة بحرب فيتنام، عندما أسقطت الولايات المتحدة حوالي 270 مليون قنبلة عنقودية على لاوس المجاورة لتجعلها، من حيث نصيب الفرد، “الدولة الأكثر تعرضاً للقصف” في العالم.
من بين القنابل التي أسقطتها أمريكا على لاوس في الستينات والسبعينات، لا يزال حوالي 30 بالمئة منها غير منفجر حتى اليوم. ومنذ نهاية الحرب رسميًّا، قُتل أو جُرح حوالي 20 ألف لاوسي ــ 40 بالمائة منهم أطفال ــ بسبب “الذخائر غير المنفجرة”. كما أدى الخطر الذي تشكله هذه الذخائر إلى جعل مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية غير صالحة للاستخدام.
إن تقديرات دائرة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام بأن إزالة جميع الذخائر غير المنفجرة في غزة سوف تستغرق 14 سنة معيبة لأسباب عديدة. فمن ناحية، يفترض التقدير أن الإبادة الجماعية انتهت في وقت إصدار البيان، وأن 100 شاحنة مخصصة لإزالة الحطام متاحة لكل يوم من تلك السنوات الـ 14، وأن دخول هذه الشاحنات وجميع المواد والموارد البشرية الأخرى اللازمة يظل دون عوائق أيضاً طوال تلك المدة الطويلة.
ولكن التقدير يفترض أيضاً أن 10 بالمئة فقط من الذخائر المتفجرة التي استخدمتها “إسرائيل” خلال الأشهر التسعة الماضية “فشلت في العمل”، أي أنها انفجرت في وقت الاصطدام.
واعتمادًا على السلاح، يمكن أن تكون معدلات فشل الذخائر الإسرائيلية (والتي تسمى معدلات “الفشل” في المصطلحات العسكرية) أعلى بكثير. وقد قدرت دائرة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام “معدلات الفشل” للقنابل العنقودية التي استخدمتها “إسرائيل” ضد لبنان في سنة 2006 بنحو 50 بالمئة، كما قدرت منظمات أخرى مشاركة في إزالة الذخائر بنحو 70 بالمئة في بعض المناطق.
ونظراً للطريقة التي استخدمت بها هذه الأسلحة، فإن “الفشل” ليس الكلمة المناسبة. فقد بلغت “إسرائيل” ذروتها في استهدافها المنسق للبنية الأساسية المدنية في مختلف أنحاء البلاد بإسقاط ملايين الذخائر العنقودية على جنوب لبنان. ووفقاً للأمم المتحدة تم إطلاق 90 بالمئة من هذه الذخائر في آخر 72 ساعة قبل الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
وفي سنة 2007؛ قال مدير برنامج لبنان في مركز تنسيق مكافحة الألغام التابع للأمم المتحدة إن العديد من الذخائر “انتهت صلاحيتها منذ فترة طويلة… وكان الإسرائيليون يعرفون عمرها وكانوا يعرفون أنها لن تعمل”.
ولكن إذا كان الإسرائيليون يعرفون أن الأسلحة منتهية الصلاحية، فهل لم يكن معدل الفشل المرتفع هو السبب؟ لم تكن هذه الأسلحة “غير فعالة”، بل كانت تعمل بشكل مختلف عما تم الإعلان عنه. لقد استخدمت “إسرائيل” لعقود من الزمان القنابل العنقودية وظيفيًّا كألغام تسقط من السماء، مخصصة للاستخدام بعد وقف إطلاق النار، كما حدث في حالة لبنان عندما عاد مئات الآلاف من النازحين إلى ديارهم.
وقد تزايدت الضغوط الدولية لحظر استخدام القنابل العنقودية بشكل كبير في أعقاب حرب “إسرائيل” على لبنان سنة 2006. وقد دخلت اتفاقية الذخائر العنقودية، التي تحظر استخدامها، حيز التنفيذ في سنة 2010. وقد صدقت عليها 112 دولة، بما في ذلك لبنان ولاوس وفلسطين.
ولا تعد الولايات المتحدة ولا “إسرائيل” ــ وكلاهما منتج لهذه الذخائر ــ طرفًا في الاتفاقية، حيث تستشهد الأولى بـ “فائدتها العسكرية الواضحة”، بينما تتبع الثانية نفس النهج، حيث يحتفظ كل منهما بمخزوناته الكبيرة من القنابل العنقودية، والتي تقوم عليها اقتصادات تعتمد على فرض وتصنيع واستغلال الموت المبكر.
في سنة 2007، نشرت صحيفة التايم تقريرًا بعنوان “الألعاب القاتلة في لبنان”؛ حيث كانت الذخائر التي “تركتها” إسرائيل “خلفها” غامضة الشكل وغير واضحة المعالم وهو ما يفسر سبب لعب الأطفال الفضوليين بها وفقدانهم لأطرافهم وحياتهم في كثير من الأحيان نتيجة لذلك. في هذه الحالة، تعكس الأسلحة التي لم تنفجر محاولة فاشلة للمحتل لمواصلة هجومه على أهل الأرض.
إن وجود احتمال دائم في أن يدوس الناس على ذخائر غير منفجرة يغيّر علاقة الإنسان بأرضه، ويفرض عليه حذرًا يسبق كل شيء آخر. ويتعلّم الأطفال الذين يكبرون في هذه الآثار الخوف كما يتعلمون اللعب، ويبقى هذا بمثابة تذكير وتأكيد في الوقت نفسه على قبضة الإمبراطورية الثابتة، وشبحها المختبئ في كل مكان كأنه يقول: لقد تجرأتم على الاعتقاد بأنكم قد تستطيعون الهروب من قبضتنا. بطبيعة الحال، لا يقتصر تأثير القنابل العنقودية على البعد النفسي، فالقنبلة العنقودية شيء مادي، وتفجير طفل هو عمل من أعمال الحرب المستدامة.
ترتكب “إسرائيل” أيضًا إبادة بيئية ضمن الإبادة الجماعية حيث تقوم بتدمير متعمد للبيئة الطبيعية في غزة، وتتعدد الآثار المترتبة عن ذلك. فالقطاع الزراعي في غزة يشكل جزءًا كبيرًا من اقتصادها، وقد أظهر تقرير صادر عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية في كانون الثاني/يناير 2024 “تراجعًا كبيرًا في صحة وكثافة المحاصيل” مقارنة بالمواسم الستة السابقة، بدءًا من سنة 2018.
وقد استهدفت “إسرائيل” أشجار الزيتون في غزة “استهدافًا شاملًا” ودمرت المصادر الرئيسية لإنتاج الخضروات و”أعدمت مجموعات كاملة من مزارع الماشية”. كان من الأهداف الأولى لـ”إسرائيل” حقول الفراولة في غزة، المعروفة بـ”الذهب الأحمر” والتي يتم حصادها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل سنة، ويتم تصديرها جزئيًا إلى الضفة الغربية و”إسرائيل”. ورغم العوائق الكبيرة التي فرضتها “إسرائيل” في الماضي، إلا أن الفراولة كانت لعقود من الزمن تتيح للكثيرين في غزة تحقيق نوع من الدخل.
ويعتمد نمو الفراولة والمحاصيل الأخرى من جديد على التربة السطحية، لكن عندما تنفجر الذخائر غير المنفجرة، سواء تمت السيطرة على هذا الانفجار أم لا، فإن الانفجار يزيح هذه التربة السطحية، مع ما ينجر عن ذلك من عواقب بيئية كبيرة على المدى الطويل التي تؤثر أيضًا على التنوع البيولوجي.
وتتطلب إزالة الألغام أيضاً إزاحة التربة السطحية، “واعتمادًا على النظام الإيكولوجي، قد يستغرق الأمر 1000 سنة لتوليد ثلاثة سنتيمترات فقط من التربة السطحية”. أما مسألة ما إذا كانت المحاصيل المزروعة على هذه الأرض آمنة للأكل على المدى القريب، فهو سؤال مختلف وستستغرق الإجابة عليه أجيالاً في نهاية المطاف.
دعا مندوب فلسطين لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إجراء تحقيق فيما إذا كانت “إسرائيل” تستخدم اليورانيوم المنضب ضد غزة، الذي يبلغ نصف عمره 4.5 مليار سنة. تستخدم “إسرائيل” في كل من لبنان وغزة الفوسفور الأبيض، وهي مادة شديدة الاشتعال تتدلى عند إطلاقها في أعمدة ضيقة من الدخان الأبيض الناصع، مثل الصفصاف السام المعلق في الهواء. كما أن أنماط حرق الفوسفور الأبيض مميزة أيضًا؛ فعند ملامسته لجلد الإنسان يتغلغل الفوسفور الأبيض حتى العظم أو حتى نفاذ الأكسجين. ويلوث الفوسفور الأبيض الهواء ويعطل درجة الحموضة في التربة.
وفي جنوب لبنان، دُمرت حقول محاصيل بأكملها بسببه، وأشجار الزيتون هي الأكثر تضررًا، حيث غطت السموم محاصيلها. وقد أُرسلت عينات من التربة لاختبارها لتحديد كيفية تأثر الأرض بالقنابل الإسرائيلية، وما يمكن فعله حيال ذلك. وفي غزة، تم إحضار أطفال جائعين إلى مستشفى كمال عدوان في أواخر حزيران/يونيو وهم يعانون من علامات التسمم. وتستخدم “إسرائيل” غزة بانتظام كمختبر لاختبار الأسلحة. وقد أبلغ الأطباء عن أنماط جديدة غير مألوفة من الإصابات ولا تزال العواقب البيولوجية الخطرة على المدى الطويل لهذه الذخائر المجهولة غير واضحة.
وبالفعل، فإن حملات القصف الإسرائيلي في سنوات 2022 و2021 و2021 و2018 و2014 و2008 وما بعدها، بالإضافة إلى الاستهداف المتكرر للبنية التحتية للصحة العامة، جعلت أرض غزة ملوثة بالسموم التي ستستمر آثارها الضارة على شعبها في التكشف على مدى أجيال. وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان رئيس دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام موجودًا بالفعل في غزة، ويعمل على مواصلة إزالة الذخائر غير المنفجرة التي خلفتها “إسرائيل” هناك في سنة 2021.
ومع تآكل الذخائر غير المنفجرة، فإنها تطلق مواد كيميائية خطرة في الأرض والمياه الجوفية. وحتى قبل تشرين الأول/أكتوبر، كانت 97 بالمائة من المياه في غزة غير صالحة للاستهلاك الآدمي. في حديث مع قناة الجزيرة من سنة 2021، قال رجل يدعى محمد من شمال غزة إنه كان يعاني من أجل زراعة حديقة في منزله بسبب التركيبة الكيميائية للمياه. وقال: “جفت جميع نباتاتي وماتت بسبب ارتفاع ملوحة المياه وارتفاع نسبة الكلوريد”. قال محمد إنه لم يتمكن من استخدام مياه الصنبور البلدية لسنوات، ثم طرح سؤالاً يجيب عن نفسه: “إذا كانت النباتات قد ماتت بسبب هذه المياه، فماذا ستفعل بأجساد الناس؟”.
إن الحرب الإسرائيلية ضد الحياة الفلسطينية تستهدف الشعب والأرض، وتحول الأرض لسلاح ضد الشعب. في غزة اليوم، استهدفت “إسرائيل” محطات تحلية المياه والآبار وخزانات المياه والمهندسين الذين يعملون على إعادة بنائها (وهو ما يعني تقويض جهود “إسرائيل”). لقد استهدفوا الأفراد الذين يحاولون جمع المياه لعائلاتهم. وإذا ما تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، فإن المياه التي سيتمكن الناس من الوصول إليها أخيرًا قد تقتلهم أيضًا.
وفقًا لتعريف الأمم المتحدة، فإن الذخائر غير المنفجرة تصبح “من مخلفات الحرب المتفجرة” بمجرد انتهاء الصراع من الناحية الفنية، لكنني أتردد في استخدام هذا المصطلح في حروب “إسرائيل” لأن “المخلفات” تعني ضمناً العنف المتمركز في الماضي. وهي توحي بأن وجودها في الحاضر هو امتداد غير مقصود من قبل الطرف المسؤول بمجرد “انتهاء العدوان”.
وبالنسبة لـ”إسرائيل” في فلسطين، فإن الأمر لم ينتهِ أبدًا: إن العنف والعدوان الذي يمارسه الاستعمار الاستيطاني ضد أهل الأرض هو عنف بنيوي لا هوادة فيه. وستواصل “إسرائيل” في ما يسمى اليوم التالي حربها على أطفال فلسطين ومستقبلهم، كما فعلت لأجيال. وستستمر الأشكال والوسائل في التغيّر حسب ما تسمح به الأدوات والظروف (والدولة الراعية). وحتى وقت كتابة هذه السطور، تجاوزنا أكثر من 100 يوم من تقديرات تقرير دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام.
تقول الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في الأسطر الستة الأخيرة من قصيدة “الطوفان والشجرة”: “ستقوم الشجرة
ستقوم الشجرة والأغصان
ستنمو ضحكات الشجرة
في وجه الشّمس
وسيأتي الطير
لا بد سيأتي الطير
سيأتي الطير
سيأتي الطير”
إن الأشجار في غزة، تلك التي ما زالت متجذرة في تربة أرض اسمها فلسطين عملت “إسرائيل” على جعلها غير صالحة للحياة. والأطفال الذين يقطفون ثمار الأشجار، والذين يقطفون الفراولة الناضجة من سيقانها الصغيرة، الذين يشربون من الآبار ويسبحون في بحر فلسطين، يعانون من عواقب شعب غير راغب في التخلي عن أرضه.
سيصابون – كشعب ينتمي لأرضه – بأنواع معينة من السرطانات بمعدلات أعلى بكثير من التي يُتوقع أن يصاب بها الإنسان العادي الذي يعيش على هذه الأرض المحترقة. وسوف يُحرمون – طالما استمر الحصار الإسرائيلي على غزة – من الحصول على العلاج الطبي، وغالبًا حتى فوات الأوان. كل يوم يمر يشهد على حرمانهم من المزيد من المستقبل، ونحن مسؤولون عن ذلك كله أمام كل خير نؤمن به.
وفي كل يوم، ستورق ضحكات أهل غزة وفلسطين تحت الشمس، أولئك الذين يعيدون بناء مستشفى الشفاء للمرة الثانية منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وهم يكتبون هذه السطور، والذين أقاموا عيادات صحية في الخيام في محاولة لتجاوز آلة الموت، وستتحول تربتهم بعد بضع سنوات، وستقترب تركيزات الجذور الحرة لتتجاوز الصفر بثبات، نصف عمر بعد نصف عمر. سيستغرق الأمر وقتًا، والوقت، كما يعلم كل محتل، في صالح السكان الأصليين.
المصدر: ذا نيشن+ نون بوست