2024-09-10 07:34 م

النزيف مستمر في غزة والعالم منشغل بالثرثرة

2024-08-10

في ظل انتقادات دولية واسعة، تواصل إسرائيل محاولة تخفيف وطأة مذبحة الدرج في غزة والتشكيك بعدد ضحاياها، وتحميل فصائل المقاومة المسؤولية عنها، فيما تتبنّى الصحافة العبرية وأوساطٌ واسعة في الرأي، رواية الناطق بلسان الاحتلال حولها.

ولا يبدو حتى الآن أن ردود الأفعال والأصداء الدولية لمذبحة الدرج تتجاوز الثرثرة نحو عقوبات عملية ضد إسرائيل. ومع ذلك فإن بعض المراقبين الإسرائيليين يحذّرون من “تدهور مكانة إسرائيل في الحلبة الدولية”، وهم في سوادهم الأعظم يتعاملون مع المذبحة بحسابات الربح والخسارة.
وفي ظل صدور عدة بيانات لجيش الاحتلال تحاول تبييض صفحة الجيش بعد هذه المقتلة التي ملأت مسجد التابعين بدم الأبرياء، أكدت حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بشكل قاطع خلوّ المسجد وكل العمارة حتى من عسكري واحد، وتتهم إسرائيل بالكذب والافتراء.

الحقيقة
 وتأتي مذبحة الدرج الجديدة ضمن مسلسل مذابح ترتكبها قوات الاحتلال بحق مراكز الإيواء داخل المدارس والمستشفيات والمساجد. وكشف بعض أعضاء حكومة الاحتلال، بالتلميح، وبالتصريح أحياناً، عن الهدف الكامن خلف مثل هذه الجرائم، بالإشارة لضرورة تهجير أهالي غزة والعودة للاستيطان في القطاع، بل ذَهَبَ وزير التراث عامي إلياهو للدعوة بضرب غزة بالنووي. علاوة على مخططات التهجير، ومحاولة إقناع الغزيين بأن خلاصهم موجودٌ فقط خارج وطنهم، فإن اللافت هذا التزامن مع كل نجاح كمين للمقاومة الفلسطينية في القطاع، ففي كل مرة يقتل ويصاب جنود في عملية نوعية تأتي الهجمة الإسرائيلية الانتقامية التي تقتل الأبرياء بالجملة. ومثل هذه الهجمات، التي أصابت من قبل مسجد التابعين مستشفى “الشفاء” والمستشفى “المعمداني” ومدارس الوكالة، تهدف للضغط على “حماس”، والآن برئاسة يحيى السنوار، بعد أيام من انتخابه رئيساً للحركة، ودفعها للخضوع وقبول الصفقة بشروط مذلّة، ومحاولة تأليب الغزيين على “حماس”.

في ظل المعركة على الرواية بعد كل مذبحة، فإن الكاميرا لا تكذب، وصورها كافية لحد بعيد لكشف حقيقة إصابة عدد كبير من الأطفال والنساء ومجمل الأبرياء. لكن هذه الصور الحمراء ومشاهد الدمار والنار، مشاهد يوم القيامة، لا تُخرِج العالم عن ثرثرته، فيكتفي من جديد بالتنديد، وأحياناً دعوة الطرفين لضبط النفس، وتحميلهما مسؤولية مشتركة كما فعل وزير الخارجية البريطاني.

صفعة للعالم
مثل هذه المذبحة ينطوي على صفعات مدوية للعالم والإنسانية وللمجتمع الدولي وللوسطاء ولرؤساء وملوك العرب العاجزين عن تلبية نداء استغاثة النساء في غزة، وطلبهن الحماية، ومنع قتلهن وأطفالهن بالتجويع والحرمان من الغذاء والماء، وبالصواريخ “الذكية”.

هذه صفعة للإدارة الأمريكية، تعرّيها تماماً في ضوء الهوة المريعة بين أقوالها وأفعالها، ودعمها الواسع المتنوّع لإسرائيل دون ردع لحكومتها وكفّ الحرب المتوحشة المستمرة منذ عشرة شهور، التي تكتفي لرفع العتب بتوجيه انتقادات لوزير المالية المستوطن الغيبي سموتريتش.

حتى الآن، لا تقوم الولايات المتحدة بالضغط الحقيقي على إسرائيل ليس لوقف الحرب بل لإتمام هدنة من خلال صفقة، وكل ذلك لحسابات ترتبط بمصالحها في المنطقة والعالم، فهي تخشى على صورتها بعيون حليفاتها في المنطقة بحال أجبرت إسرائيل على وقف الحرب إضافة لاعتبارات سياسية وانتخابية داخلية.

الحكومة والمعارضة سيان
ومحاولة حصر الانتقادات بسموتريتش وأمثاله من الغيبيين المستوطنين، أو حصرها بالحكومة الأكثر تطرّفاً تجافي الحقيقة، وهي عندئذ عملية تأطير كاذبة للصورة العامة، لأن استمرار هذه المذابح المروّعة ما كانت لتحدث لولا صمت وقبول أغلبية الإسرائيليين لها. وهذا ما يتنبّه له محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، فيقول، اليوم، الأحد، إن الحكومة والمعارضة مصمّمتان على دهورة مكانة إسرائيل في العالم، موجهاً بذلك انتقادات لعدم إبداء معسكر المعارضة، برئاسة يائير لبيد، موقفاً حازماً حيال ما يجري.

ويقّر هارئيل بشهوة الانتقام المفتوحة لدى الإسرائيليين، موضحاً أن مهاجمة مراكز الإيواء ظاهرةٌ متكررة، والأخيرة هي الأقسى، لكن هذه الضربات تثير اهتماماً جماهيرياً محدوداً في إسرائيل، بسبب السابع من أكتوبر، وبسبب بقاء المخطوفين في غزة.

 ويتابع هارئيل: “ولكن في المجتمع الدولي تجدّدت الانتقادات على قتل المدنيين الأبرياء، وتتجانس مع الدعوات لفرض عقوبات على إسرائيل، وتؤّثر على مساعي أمريكا لإتمام صفقة. بكل ما يتعلق بالحلبة الدولية تبدو الحكومة والمعارضة سيان: مواصلة دفع مكانة إسرائيل للهاوية.. ومثال على ذلك قضية معتقل ساديه تيمان”.

من غير قصد
ويخطو المعلق في “هآرتس” جدعون ليفي، الذي يغرّد خارج السرب الإسرائيلي، عدة خطوات للأمام، مقارنة مع ما يقوله هارئيل، بتوجيه إصبع اتهام مباشر لجموع الإسرائيليين.

ففي مقال يحمل عنواناً ساخراً: “من جديد وقع هذا دون قصد”، يقول ليفي إن إسرائيل عادت لتزعم إن القتل الجماعي لم يكن مقصوداً “ومن جديد أن هذه ليست إبادة! ويمضي في رسم صورة سياسة الاستهداف للمدنيين: “هكذا فعلت إسرائيل في مذبحة قانا الأولى (102 قتيل) خلال حملة “عناقيد الغضب” عام 1996، حيث أنكرت، وتذرعت، وبعد أيام اضطرت لوقف “عناقيد الغضب” في ظل انتقادات وضغوط محلية ودولية. اليوم إسرائيل باتت دولة مختلفة، وهكذا جيشها.. وقلوب الإسرائيليين قاسية أكثر، وهناك بلادة إحساس”.

وفي افتتاحيتها، تتطرق “هآرتس” للمذبحة، وإلى وجوب وقف القتل المكثّف للمدنيين داخل غزة، وتقول إنه لزاماً علينا وقف هذه الحرب والذهاب لصفقة تعيد المخطوفين والنازحين، وتقلص بشكل جوهري احتمال نشوب حرب إقليمية.

العالم هو المتهم!
في المقابل؛ يتبنّى مراقبون إسرائيليون كثر الرواية الرسمية حول مذبحة الدرج، أمثال بن درور يميني، الذي يقول، في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم بعنوان مغرض هو “حينما يتحوّل المسجد لمقر عسكري”، إنه بحال لم يضرب الجيش هذه المقار في المراكز المدنية فإن “حماس” تكون ربحت، وبحال ضرب الجيش فإن المساس بالأولاد والنساء ربح كبير لـ “حماس” في الحلبة الدولية.

وضمن حسابات الربح والخسارة، بدلاً من الإنسانية والأخلاق، يتساءل بن درور يميني: هل كل عملية محقة مبررة هي عملية حكيمة؟ ويقول إن ما يجري في الحلبة الدولية جزءٌ من الحرب، وما يلبث أن يهاجم العالم الغربي لتوجيه انتقادات لإسرائيل، ويزعم أن على العالم أن يرى الصورة الشاملة: إسرائيل في واجهة الحرب ضد الجهاد العالمي. وضمن محاولة شيطنة المنظمات الفلسطينية يربطها بـ “داعش”، ويشير لإلغاء حفلة الفنانة العالمية تيلور سويفت في فينا، قبل أيام، ويتابع: “العالم الحرّ أغمض عينيه ودفعَ ثمناً باهظاً، ويحظر تكرار ذلك الآن”.

المصدر: القدس العربي