تكثّف الولايات المتحدة جهودها في محاولة «إنقاذ» إسرائيل من المأزق الذي وجدت نفسها في ظلّه هدفاً لهجمات عنيفة محتملة، من قبل إيران و«حزب الله» و«أنصار الله»، وقوى أخرى في محور المقاومة. وتشتغل واشنطن، في هذا الإطار، على مسارات ثلاثة: الأول؛ محاولة الدفع باتصالات صفقة التبادل المصحوبة بالهدنة المؤقتة، على أنها جزء من مسار إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسحب الذريعة من قوى المقاومة وإيران بخصوص ردّها على الاغتيالات، والإيحاء بأن الردود - في حال وقعت - ستتسبّب بتعطيل هذا المسار وحرمان غزة من فرصة وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب ومعاناة المدنيين. والثاني؛ تكثيف الاتصالات الدبلوماسية مع إيران وقوى المقاومة، عبر أطراف وسيطة، واعتماد كثير من الترهيب وقليل من الترغيب، ومحاولة إقناع تلك القوى بعدم الردّ على اعتداءات العدو، أو الاكتفاء بردود رمزية ومحدودة. والثالث؛ حشد تحالف عسكري يضمّ إسرائيل وحلفاء غربيين و«شركاء» في المنطقة من الدول العربية وغيرها، ووضع خطط للتعامل مع هجمات مكثفة من قبل إيران وقوى المقاومة، تقوم في أساسها على جهود الكشف والاعتراض، مبدئياً، مع استعداد - ولو نظرياً - لتحوّل المهمة إلى الإحباط المبكر والمسبق، ما يعني تنفيذ هجمات ضدّ أحد أطراف محور المقاومة أو حتى إيران، مع استبعاد مهاجمة الأخيرة في المدى المنظور.وفي السياق الأول، ومع احتمالية توسع الحرب نحو مواجهة إقليمية، وربطاً بالردود المرتقبة من إيران واليمن و«حزب الله»، وتحت ضغط التوتر القائم، يبدو أن الأطراف المعنية بالوساطة، أي الولايات المتحدة ومصر وقطر، قد وجدت أنه يمكن إيجاد «مخرج» من خلال المسارعة إلى إنجاز صفقة تقود إلى وقف لإطلاق النار، ما يفتح الباب أمام محاولة إقناع محور المقاومة بعدم الردّ، وإفساح المجال أمام محاولة أخيرة للتوصّل إلى حلّ يفضي إلى وقف الحرب. والواضح، ربطاً بمعطيات الأيام القليلة الماضية، أن الجانب الأميركي سمع كلاماً من قطر بأنها لم تعد قادرة على ممارسة أي نوع من الضغوط على «حماس»، بعد اغتيال إسرائيل، رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، في طهران. كما كرّر المصريون الموقف نفسه في ضوء انتخاب يحيى السنوار رئيساً للحركة، وإبلاغ إسرائيل، مصر، رفضها التخلّي عن معبر رفح الحدودي. وتقوم «المبادرة الجديدة»، الأميركية - المصرية - القطرية، على قناعة باتت راسخة لدى جميع الأطراف، بأن وقف الحرب في غزة، هو مدخل إلزامي لوقف التوتر واحتواء احتمال توسّع الحرب في المنطقة. كما أنها تستبطن محاولة «استرضاء» لقوى محور المقاومة، وطلب فرصة لوقف الحرب، واعتبار ذلك ثمناً مناسباً بدلاً من الرد على اغتيال القائدين الشهيدين، إسماعيل هنية وفؤاد شكر. وأصدرت الدول الثلاث الوسيطة، بياناً مشتركاً أمس، اعتبرت فيه أنه «حان الوقت لوضع حدّ وبصورة فورية للمعاناة المستمرّة لسكان قطاع غزة وللرهائن وعائلاتهم (...) وللانتهاء من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين». وقالت: «لقد سعينا لأشهر للتوصّل إلى اتفاق، وهو الآن على الطاولة ولا ينقصه سوى تفاصيل التنفيذ (...) ويجب عدم إضاعة مزيد من الوقت، وألا تكون هناك أعذار من أي طرف لمزيد من التأجيل». وأضافت: «نحن كوسطاء مستعدّون إذا اقتضت الضرورة لطرح مقترح نهائي لتسوية الأمور المتعلّقة بالتنفيذ». وأشار البيان الى دعوة الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، إلى «استئناف المحادثات في 15 آب/ أغسطس في الدوحة أو القاهرة لسدّ الثغرات المتبقية»، متابعاً أن «الاتفاق يستند إلى المبادئ التي طرحها بايدن في 31 أيار/ مايو ودعمها قرار مجلس الأمن 2735».
وفي سياق الاتصالات الدبلوماسية والرسائل السياسية، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤول أميركي قوله إن واشنطن حذّرت طهران من أنها «قد تتعرّض لضربة مدمّرة إذا شنّت هجوماً كبيراً على إسرائيل». وأضاف المسؤول الأميركي أن «رسالتنا إلى طهران لم تتضمّن تهديداً بتنفيذ ضربة أميركية ضد أهداف في إيران، وإنما عواقب على اقتصادها واستقرار حكومتها». وأشارت الصحيفة إلى أن الإدارة الأميركية بعثت برسالة إلى إيران بأن «هناك خطراً بحدوث تصعيد إذا شنّت هجوماً انتقامياً كبيراً»، رداً على اغتيال هنية في طهران. ومن جهتها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن «وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يخفّف التوترات في المنطقة بشكل كبير». ولفتت إلى أن «واشنطن تركّز على محاولة إقناع جميع الأطراف في المنطقة بعدم اتخاذ مزيد من الخطوات لتصعيد الصراع». ونبّهت، هي الأخرى، إلى أن «تصعيد الصراع قد يؤدّي إلى الإضرار بالاقتصاد الإيراني»، مؤكدة «مواصلة الضغط على إيران عبر تحرّكات دبلوماسية في المنطقة من أجل خفض التصعيد».
ومن الواضح أن الأميركيين يهدّدون بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، في حال نفّذت الجمهورية الإسلامية وعيدها بالردّ على اغتيال هنيّة. وهذا الموقف يحمل رسائل مزدوجة، منها ما هو موجّه إلى الرئيس مسعود بزشكيان، حول «ثمن» أي هجوم على إسرائيل، على صعيد اقتصاد إيران و«استقرار حكومتها»، بحسب التعبير الأميركي، وأخرى موجّهة إلى بنيامين نتنياهو وحكومته، بأن واشنطن لا تفكّر حالياً في الانخراط في حرب إقليمية، حتى لو شنّت إيران هجوماً كبيراً على الكيان، وأن سقف ما يجب على الإسرائيليين توقّعه من الأميركيين، هو جهود الدفاع عبر الكشف والاعتراض، والدعم السياسي والدولي، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية على طهران.
أما على صعيد حشد التحالف العسكري، فيجري «البنتاغون» اتصالات مع دول المنطقة، من الأردن ومصر ودول الخليج وصولاً إلى قبرص، للمشاركة في ما يسمّيه «التحالف الدفاعي»، دفاعاً عن إسرائيل في حال تعرّضها لهجوم من إيران بشكل خاص. وفي هذا السياق، أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اتصالاً بنظيره المصري عبد المجيد صقر، «بحثا فيه آخر التطورات في المنطقة». وقال بيان صادر عن الأول إن «الجانبين أكّدا التزامهما المشترك بالاستقرار الإقليمي وخفض التصعيد»، في حين قالت «القيادة الأميركية الوسطى» إن طائرات مقاتلة من طراز «إف-22»، وصلت إلى المنطقة «كجزء من التعزيزات العسكرية الأميركية لمواجهة تهديدات إيران ووكلائها لإسرائيل». وفي السياق نفسه، زار قائد القيادة الوسطى الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، إسرائيل، للمرة الثانية خلال أسبوع، بهدف «تعزيز التنسيق تحسّباً لهجوم محتمل من قبل حزب الله وإيران»، فيما عُقد اجتماع لـ«الكابينت» الإسرائيلي، مساء أمس، في غرفة عمليات قيادة الأركان تحت الأرض بشكل استثنائي، بحضور الجنرال الأميركي. وهو المشهد نفسه الذي ظهر عشية الردّ الإيراني على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، في نيسان/ أبريل الفائت.
المصدر: الاخبار اللبنانية