على مدى الأشهر الأخيرة، تزايدت الدعوات لمقاطعة الإمارات العربية المتحدة بسبب تورطها في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة بشكل غير مباشر، وتأتي هذه الدعوات في ظل استمرار الشحنات التجارية وتسيير جسر بري من أبو ظبي إلى تل أبيب، في الوقت الذي يفرض فيه الجيش الإسرائيلي حصارًا مشددًا على قطاع غزة، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية.
لكن الدعم الإماراتي للحرب الإسرائيلية، المستمرة منذ 300 يوم، لا يقتصر فقط على المجالات الاقتصادية والسياسية والإعلامية، بل يمتد ليشمل الدعم العسكري والذي تمثل في ارتباطها باتفاقيات مع شركات إسرائيلية تعد المورد الرئيسي للجيش الإسرائيلي بالذخائر بقيمة ملايين الدولارات.
مؤخرًا، أبرمت وزارة الدفاع الإسرائيلية صفقة جديدة مع شركة “أنظمة إلبيت” (Elbit Systems) لتوريد الذخائر للجيش، ونحاول في هذا التقرير إلقاء الضوء على أبعاد العلاقة بين هذه الشركة والإمارات، ومدى ارتباطها بالدعم العسكري الإسرائيلي.
صفقات بالملايين
الاثنين الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن المدير العام للوزارة، إيال زامير، وقع على طلبية بقيمة تزيد عن 220 مليون دولار لشراء آلاف ذخائر الهاون الدقيقة من شركة “أنظمة إلبيت”.
ووفقًا لبيان الوزارة، فإن هذه الذخائر ستُجهَّز بأنظمة توجيه متطورة، تشمل تقنية الليزر ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، مما يمكن من “تحقيق استهداف دقيق وتقليل الأضرار الجانبية، وتهدف هذه التجهيزات إلى الحد من المخاطر التي يتعرض لها غير المقاتلين”. مؤكدًا البيان أن هذه الذخائر ستسهم في تعزيز القدرات العملياتية للقوات البرية في الجيش الإسرائيلي.
من جانبها ذكرت الشركة في بيان لها أنها حصلت على عقد لتوريد ذخيرة هاون موجهة بالليزر ونظام تحديد المواقع من طراز “Iron Sting” (اللدغة الحديدية) إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية، مشيرة إلى أن العقد سيتم تنفيذه على مدى عامين.
وصرح المدير العام للشركة، يهودا فيريد، قائلًا: “يعزز هذا العقد مكانتنا كشركة رائدة في السوق في مجال الحلول الموجهة بدقة”، مضيفًا: “مع تزايد الصراعات العسكرية في البيئات الحضرية، تتطلب القوات المسلحة حول العالم تقنيات دقيقة تقلل من الأضرار الجانبية”.
و”اللدغة الحديدية” هي قذائف هاون من عيار 120 ملم، مزودة بمستشعر وصمام ليزر ذو موجة مستمرة مشفرة، وتتميز بوزنها الخفيف وتكلفتها المنخفضة، كما أنها قادرة على الوصول إلى أهدافها بدقة، ويبلغ مداها بين 1 و12 كيلومترًا.
واستخدم الجيش الإسرائيلي هذه القذائف لأول مرة في حربه ضد قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واعتبرها من المفاجآت العسكرية خلال عملياته البرية ضد مقاتلي حركة حماس.
وفي تطور جديد، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية خلال الساعات الماضية عن توقيع صفقة بقيمة 340 مليون دولار مع شركة “أنظمة إلبيت” لتوريد ذخائر للجيش الإسرائيلي لمدة عشر سنوات. كما تشمل الصفقة إنشاء منشأة تصنيع جديدة لإنتاج الذخائر في “إسرائيل”.
وأكدت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بيانها أن هذه الصفقة تأتي “ضمن استراتيجية الوزارة لضمان إمداد ثابت بالمواد الأساسية لقوة الجيش أثناء العمليات الجارية والمستقبلية”.
من جانبه، علق الرئيس والمدير التنفيذي لشركة “أنظمة إلبيت”، Bezhalel Machlis، على الصفقة قائلًا إن الشركة تواصل “تطوير وتصنيع وتقديم الحلول والمنتجات التكنولوجية من الدرجة الأولى، التي أثبتت كفاءتها القتالية، لعملائنا في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم”.
هذه ليست المرة الأولى التي توقع فيها وزارة الدفاع الإسرائيلية عقدًا مع شركة “أنظمة إلبيت”. ففي يوليو/تموز العام الماضي، وقعت الوزارة معها عقدًا لإنتاج قذائف مدفعية بقطر 155 ملم.
وتشن إسرائيل حربًا على قطاع غزة منذ 300 يوم، حيث كثفت هجماتها الجوية العشوائية، مما أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 140 ألف فلسطيني، بالإضافة إلى أكثر من 10 آلاف مفقود، ووفقًا لتقارير إعلامية، استخدمت تل أبيب كميات كبيرة من الذخائر والقنابل في هذه الهجمات، مما خلف أكثر من 40 مليون طن من الركام والأنقاض في القطاع.
وحصلت تل أبيب على كميات كبيرة من الذخائر من دول غربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. منذ طوفان الأقصى، زودت الولايات المتحدة “إسرائيل” بأكثر من 25 ألف قنبلة و3 آلاف صاروخ. تتضمن هذه الإمدادات غالبية من القنابل غير الموجهة التي تزن 2000 رطل.
الشريك الإماراتي
تعد شركة “أنظمة إلبيت” واحدة من أبرز الشركات في مجال الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا العالية في “إسرائيل”، وتلعب دورًا رئيسيًا في تطوير وتوريد الأنظمة الدفاعية والعسكرية على مستوى العالم، ومن الشركات الرائدة في إنتاج الطائرات بدون طيار للاستخدامات العسكرية والمدنية، وكذلك الأنظمة البصرية والكهروضوئية وأنظمة الدفاع الجوي.
وتعرف الشركة نفسها بأنها “شركة رائدة عالميًا في مجال تكنولوجيا الدفاع، تقدم حلولًا متقدمة لعالم أكثر أمانًا وسلامة”، وتقوم الشركة بتطوير وتصنيع ودمج ودعم مجموعة من الحلول المتطورة من الجيل التالي في مجالات متعددة.
تأسست شركة “ أنظمة إلبيت” في إسرائيل عام 1966 كقسم تابع لشركة “إيلرون” الإسرائيلية المتخصصة في الصناعات الإلكترونية، ضمن شراكة مع معهد أبحاث وزارة الدفاع الإسرائيلية، بهدف تطوير حواسيب ومنتجات إلكترونية تحت اسم “Elbit Systems”.
في عام 2000، شهدت الشركة تحولًا كبيرًا باندماجها مع شركة “إيلوب تكنولوجي”، مما أدى إلى إنشاء شركة جديدة باسم “أنظمة إلبيت” في مدينة حيفا، وتولى الملياردير الإسرائيلي مايكل فيدرمان قيادة مجلس إدارة الشركة، حيث شغل هذا المنصب حتى عام 2023.
في 2018 استحوذت الشركة على شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية المحدودة “IMI” الحكومية، التي كانت تشرف على تصنيع وتزويد الجيش الإسرائيلي بمجموعة واسعة من الأسلحة والذخائر والصواريخ والدبابات والتكنولوجيا العسكرية، بصفقة بلغت قيمتها 500 مليون دولار أمريكي.
ويبلغ عدد موظفي الشركة ما يقرب من 19 ألف موظف في عشرات البلدان في القارات الخمسة، حيث تمتلك فروعًا ومكاتب في العديد من الدول حول العالم، وأسست منشآت لتصنيع منتجاتها العسكري في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والهند، إضافة إلى توجهها نحو آسيا وأمريكا اللاتينية.
وعقدت الشركة صفقات مع العديد من الدول بينها الهند وكازاخستان وتايلاند وميانمار ورواندا وأستراليا، حيث بلغت إيرادات الشركة العام الماضي حول ستة مليارات دولار أمريكي إلى جانب تراكم طلبات بقيمة 17.8 مليار دولار أمريكي.
أبرمت الشركة العديد من الصفقات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث زودت جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية بأنظمة مراقبة وإنذار إلكترونية بصفقة وصلت إلى 5 ملايين دولار أمريكي، كما وقعت العديد من العقود بقيمة ملايين الدولارات مع واشنطن لتزويد شرطة الاحتلال بطائرات مروحية وتطوير وصيانة وتشغيل نظام قاعدة بيانات الحدود.
بعد سلسلة من اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها “إسرائيل” مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، والتي عرفت باسم “اتفاقيات أبراهام” في عام 2020، أتيحت لشركة “أنظمة إلبيت” الإسرائيلية فرصة توسيع سوق مبيعاتها العسكرية في هذه الدول.
كانت الإمارات هي الدولة الأولى التي استثمرت في هذه الشركة، حيث أعلنت الأخيرة عام 2021 عن تأسيس فرع جديد باسم “Elbit Systems Emirates (ESE)”. بهدف تعزيز التعاون طويل الأمد مع القوات المسلحة الإماراتية.
وصرح نائب الرئيس التنفيذي للتسويق الدولي وتطوير الأعمال في شركة “أنظمة إلبيت”، ران كريل، أن الإمارات ودول أخرى في المنطقة تعتبر أسواقًا جديدة ذات أهمية كبيرة للشركة، مشيرًا إلى أن “منتجاتنا تمنحنا ميزة تنافسية تلبي الاحتياجات والفرص في المنطقة”.
في عام 2022، أعلنت الشركة عن توقيع صفقة مع الإمارات بقيمة 53 مليون دولار أمريكي، تشمل توريد أنظمة حماية بالليزر تعتمد على الأشعة تحت الحمراء وأنظمة الحرب الإلكترونية لطائرات Airbus A330 المخصصة للتزود بالوقود والنقل التابعة للقوات الجوية الإماراتية، مؤكدة الشركة أن مدة تنفيذ الصفقة تمتد لخمس سنوات.
وفي عام 2023، شاركت شركة “أنظمة إلبيت” في معرض الدفاع الدولي “آيدكس” الذي أقيم في أبوظبي، لتكون أول شركة إسرائيلية تشارك في هذا المعرض منذ بدايته.
على مدى السنوات الأخيرة، ساهمت الإمارات إلى جانب البحرين والمغرب في دعم الخزينة الإسرائيلية من خلال شراء الأسلحة، ففي عام 2022، ارتفعت قيمة مشتريات الأسلحة بنسبة 7٪ مقارنة بعام 2021، متجاوزة 3 مليارات دولار.
رغم الدعوات لقطع الإمارات علاقاتها مع “إسرائيل” بعد المجازر المرتكبة في غزة، قررت أبوظبي الاستمرار في الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الاحتلال، متجاهلةً الانتقادات الدولية الناتجة عن الخسائر المتزايدة في الحرب.
دعم سابق
لم يكن ارتباط الإمارات بشركة “أنظمة إلبيت” التي تتعاون مع الجيش الإسرائيلي هو الأول من نوعه، حيث كشفت تقارير إعلامية أن أبو ظبي تلعب دورًا خفيًا في تسليح صربيا لـ”إسرائيل”.
أفاد تقرير نشره موقع “بلقان إنسايت” بأن شركة “يوغويمبورت أس دي بي آر”، وهي شركة أسلحة رئيسية مملوكة للدولة في صربيا، قامت بتصدير أسلحة بقيمة 17.1 مليون دولار إلى إسرائيل منذ بداية طوفان الأقصى، وتمت عملية التصدير عبر طائرات عسكرية إسرائيلية وطائرات مدنية.
وترتبط الشركة الحكومية الصربية بعلاقات متينة مع الإمارات العربية منذ 2013 حيث أعلن البلدان عن أول صفقة أسلحة بينهما بقيمة 214 مليون دولار أمريكي، تضمنت موافقة صربيا على تصدير ناقلات جنود مدرعة إلى الإمارات والتطوير الثنائي لصاروخ أرض-أرض موجه.
وانتعشت صادرات الأسلحة من صربيا إلى أبو ظبي خلال السنوات الماضية، حيث تعد صناعة الأسلحة ثاني أكبر مجال استثماري للإمارات في صربيا.
في عام 2022، وقّعت صربيا اتفاقية مع الإمارات لبيع “كمية كبيرة من الذخيرة”، مما يبرز استمرار التعاون في مجال الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، قامت الإمارات، إلى جانب السعودية وقطر، باستثمارات جديدة في السياحة الصربية عبر صندوق مرتبط بجاريد كوشنر.
استغلت الإمارات الشركة لشراء الأسلحة وتوزيعها على أذرعها في اليمن، كما زودت قوات الدعم السريع بالسودان بطائرات مسيرة من إنتاج الشركة الصربية.
ويقف وراء الاستثمار الإماراتي محمد دحلان مستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، الذي حصل على الجنسية الصربية، واشترى فيلات فاخرة في بلغراد، ويعمل في مركز شبكة العلاقات بين الإمارات والمخابرات الإسرائيلية.
المصدر: نون بوست