2024-11-21 05:23 م

المقاومة في الضفة الغربية… عمليات نوعية تغير واقع التنسيق الأمني

2024-08-01

تعيش المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة ظروفًا وواقعًا مغايرًا لكل الظروف التي مرَّ بها العمل المسلح منذ عام 2007، ففي الآونة الأخيرة شهدت مناطق شمالي الضفة الغربية تحديدًا سلسلة من العمليات النوعية التي نفذتها الأذرع العسكرية المحسوبة على المقاومة الفلسطينية، لا سيما كتائب القسام.

تظهر قوى المقاومة في مناطق شمال الضفة الغربية المحتلة واقعًا تنظيميًا أقوى وأفضل ممّا كان عليه الواقع قبل 3 أعوام، فضلًا عن تطور عملياتي وميداني وعمليات تفخيخ وتفجير وزرع للعبوات الناسفة ونصب للكاميرات.

علاوة على ذلك، فإن الأداء العام للمقاومة الفلسطينية بات يتّسم بالقوة وإيقاع الإصابات المباشرة في صفوف الجنود والمستوطنين على حدّ سواء، بعد عملية “طوفان الأقصى” خاصةً، وكان عنوانه التوسع في استخدام العبوات الناسفة التي باتت تمثل هاجسًا لجيش الاحتلال، ومؤخرًا أدخل المقاومون سلاحًا جديدًا هو إشعال الحرائق.

باتت العبوات الناسفة أحد أهم الأسلحة الاستراتيجية التي تمتلكها المقاومة في مواجهة القوات الإسرائيلية، وهو ما يعكس مجموعة من المتغيرات أهمها أن الضفة اجتازت الصدمة التي حدثت عند 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والتي شكّلت صدمة للاحتلال الذي سعى لتبنّي سياسة ترهيب في بداية الحرب.

لذا لا يكاد يمرّ اقتحام إسرائيلي إلا وتستخدم المقاومة العبوات الناسفة التي باتت تشكّل عبئًا عملياتيًا خلال الاقتحامات للضفة الغربية، كان آخرها اعتراف جيش الاحتلال في مطلع الشهر الجاري بمقتل الجندي قائد آلية بوز النمر التي دمرها المقاومون في مخيم نور شمس بطولكرم.

بين واقعَين: “2007 إلى 2014 وبين 2014 إلى 2021”
واجهت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة واقعًا مختلفًا في أعقاب الانقسام الفلسطيني عام 2007، حيث انعدم العمل المقاوم إلى أدنى حدّ، وباتت العمليات في أدنى واقع لها في ظل الملاحقة الأمنية وحالة التنسيق الأمني.

“عقيدة دايتون” هي العقيدة التي اتبعتها السلطة الفلسطينية في العمل الأمني بالضفة، والتي تمثلت في حلّ الأذرع العسكرية لقوى المقاومة الفلسطينية وملاحقة أفرادها، فيما أكمل الاحتلال بقية المهمة عبر الاعتقالات التي نفّذها.

وعاشت الضفة خلال هذه الفترة حالة من الركود في العمل المقاوم، باستثناء بعض العمليات التي حملت طابعًا فرديًا وغير منظم أو مستمر، حتى جاءت عملية أسر الجنود الثلاثة في الخليل صيف عام 2014، والتي شكلت ضربة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية.

في أعقاب ذلك اندلعت “هبة القدس” أو “انتفاضة السكاكين والدهس” عام 2015، والتي جاءت ردًّا على الاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى والقدس المحتلة، وعادت المقاومة للحضور وإن كان بشكل فردي.

وظلت الضفة تعيش واقعًا أشبه بالمخاض حتى جاء عام 2021، حينما تم الإعلان وبصورة رسمية عن بعض التشكيلات العسكرية التي كانت في البداية تحمل اسم “كتيبة جنين” المحسوبة على سرايا القدس، حتى امتدت التجربة واتسعت لتشهد ظهور كتائب محسوبة على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى ظاهرة عرين الأسود في نابلس.

وازداد ظهور المجموعات المسلحة في العام 2023، فبرزت في المنطقة الواحدة عدة تشكيلات مسلحة ليست ضمن هرمية تنظيمية واحدة، وانتشرت أذرع تنتمي إلى فصائل سبق تشكيلها وتحمل مسمياتها، مثل مجموعات سرايا القدس، وكتائب شهداء الأقصى التي استعادت ممارسة العمل العسكري ضد الاحتلال.

واندمجت عناصر هذه المجموعات في التشكيلات الجديدة، من دون إلغاء ارتباطها بتنظيماتها الأصلية، فالمجموعات الجديدة باتت تحتوي على مختلف الانتماءات الفصائلية، إلى جانب عناصر لا تنتمي فصائليًا.

إن الأكثر وضوحًا في تبني المجموعات المسلحة من قبل الفصائل هي حالة حركة الجهاد الإسلامي، فيما صدّرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” خطابًا يدعم الحالة المسلحة عامة، لكنها تبنت بعض العمليات الفردية بشكل مباشر.

وأدّت مجموعة من العوامل دورًا مهمًّا في توسّع ظاهرة مجموعات المسلحة الجديدة، منها غياب الأفق السياسي، وفشل مسار المفاوضات، وأزمات السلطة المركبة المتمثلة في الأزمة الاقتصادية وفقدان شرعيتها واستمرار علاقاتها الأمنية والاقتصادية مع الاحتلال.

وتراكمت الأحداث الميدانية في الضفة عقب معركة “سيف القدس” في مايو/ أيار 2021، وكان الحدث الأبرز هروب 6 أسرى فلسطينيين يوم 6 سبتمبر/ أيلول من سجن جلبوع، سبقها تشكيل مجموعة صغيرة في مخيم جنين بقيادة الشهيد جميل العموري.

وبدأت تتبلور المجموعات المسلحة إثر ذلك، وتعدّ كتيبة جنين أولى هذه التشكيلات، ومقرّها مخيم جنين، تشكلت في 7 سبتمبر/ أيلول 2021، وصرح عناصر سرايا القدس عن استعدادهم لحماية الأسرى الهاربين والدفاع عنهم، وتضم الكتيبة عناصر من مختلف الانتماءات، خاصةً لواء الشهداء الذي أسّسه الشهيد داود الزبيدي، الأقرب إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”.

وتشكلت كتيبة نابلس في البلدة القديمة أواخر العام 2021، وقد اغتال الاحتلال أبرز قيادتها محمد الدخيل وأشرف مبسلط وأدهم مبروكة، في 8 فبراير/ شباط 2022، ومن ثم اغتيل إبراهيم النابلسي ورفيقاه إسلام صبوح وحسين طه في 9 أغسطس/ آب من العام ذاته. وانبثقت منها مجموعة عرين الأسود التي ظهرت رسميًا بتاريخ 2 سبتمبر/ أيلول، وينسب تأسيسها إلى الشهيد محمد العزيزي ورفيق النابلسي.

تعرضت مجموعة العرين للاغتيالات والاعتقالات في صفوف قياداتها بشكل استنزفها، إذ استشهد 21 عنصرًا منذ تأسيسها، وسلم بعض عناصرها نفسه للسلطة الفلسطينية، ما ساهم في تراجعها، فتحولت عملياتها إلى الصد والاشتباك، ومنذ مايو/ أيار 2023 قلّصت المجموعة نشر بياناتها عبر قناتها عى تيليغرام، ولم تعد تظهر في عروض عسكرية.

ونشرت العرين في الذكرى الأولى لاستشهاد مؤسسيها، عبد الرحمن صبح ومحمد العزيزي، يوم 28 يوليو/ تموز 2023، بيانًا يحمل خطابًا جديدًا، أكدت فيه استمرارها، وحرضت على انخراط أوسع خلف المقاومة، وأشادت بالعمليات التي قادها المقاتلون بشكل فردي.

ما بعد الطوفان
مع إطلاق المقاومة الفلسطينية لمعركة “طوفان الأقصى” يوم “العبور” في السابع من أكتوبر 2023، بدأت الحالة الفلسطينية تعيش حالة جديدة من الصراع مع الاحتلال، عنوانها المواجهة المباشرة في غزة والاشتباك الدائم في مناطق الشمال بالضفة.

مع إطلاق المقاومة الفلسطينية لمعركة “طوفان الأقصى” يوم “العبور” في السابع من أكتوبر 2023، بدأت الحالة الفلسطينية تعيش حالة جديدة من الصراع مع الاحتلال، عنوانها المواجهة المباشرة في غزة والاشتباك الدائم في مناطق الشمال بالضفة.

وللشمال حضوره التاريخي المغاير في الضفة الغربية المحتلة لعوامل واعتبارات عديدة، أبرزها تواجد المخيمات الفلسطينية التي عادةً ما تحمل في قلبها جوهر الصراع وحالة الاحتكاك والعوامل الديمغرافية والجيوسياسية والتركيبة الاجتماعية، لا سيما جنين ونابلس ومناطق الشمال عمومًا التي كانت شاهدة تاريخيًا على سلسلة من القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية.
وبالتالي للشمال خصوصية خاصة دائمًا في المواجهة مع الاحتلال، وهو ما شجّع على ظهور العمل المقاوم، لا سيما أن الفترة الأخيرة تشهد تناميًا في العمل المقاوم، حيث برز سلاح العبوات الناسفة والحرائق كخيارات حقيقية وواقعية في المواجهة.

في المقابل، تتعامل السلطة عبر أجهزتها الأمنية وفقًا لعقيدتها القائمة على التنسيق الأمني، حتى وإن تنصل الاحتلال من كل الالتزامات السياسية والاقتصادية، وتميل دومًا إلى خيارَين: إما المواجهة بالاعتقال والاشتباك وإما الميل نحو الوسائل الناعمة مثل عقد اتفاقيات مع المقاومين تتمثل في تسليم أسلحتهم، مقابل امتيازات مالية ووظائف وتسوية لأوضاعهم مع الاحتلال عبر اتفاقيات التنسيق الأمني.

باتت المقاومة الفلسطينية وأمام تطورها تسعى للحاق بالتطور الذي تعيشه المقاومة في غزة، عبر عمليات التفجير وتصويرها وبثّها في إطار الإعلام العسكري، وهو ما يعكس إصرارًا واضحًا على إشعال الجبهات.

المصدر: نون بوست