2024-11-14 03:02 م

الاغتيالان في بيروت وطهران لا يغيّران واقع اسرائيل النازف

REUTERS‏

2024-07-31

ينطوي اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران على مكسب  انتقامي معنوي ونجاح تكتيكي هام، خاصة أنه يتبع عملية اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر في بيروت بفارق ساعات، لكنه ليس حدثا استراتيجيا يغيّر واقع الحرب على الجبهتين وحالة الاستنزاف المستمرة.

تأتي عمليتا الاغتيال بعدما هددّت إسرائيل أنها لن تمر مرّ الكرام على كارثة مجدل شمس، لكن سجل جرائم الاغتيال الإسرائيلية التي طالت شخصيات سياسية لا عسكرية فحسب، سجل دموي حافل بدأ منذ عقود في محاولة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وإخضاعه، بيْد أن مقاومته استمرت رغم استشهاد عدد كبير من القيادات الفلسطينية في السياسة والثقافة وفي العمل العسكي الجهادي.

قبل أن تغتال إسرائيل مؤسّس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وخليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ونجله في عمليتين منفصلتين عام 2004، كانت قد اغتالت عددا كبيرا من قادة حماس منذ تأسست رسميا عام 1987.

في غزة، اغتالت قوات الاحتلال عماد عقل عام 1993، والجمالين سليم ومنصور من قادة ومؤسسي الحركة في الضفة عام 2001، والقيادي الحمساوي البارز في الضفة الغربية محمود أبو هنود، في نابلس عام 2001، القيادي صلاح شحادة مؤسس كتائب القسام في غزة عام 2002، القيادي اسماعيل أبو شنب في غزة عام 2003، “المهندس” يحيى عياش في غزة 1996، قائد كتائب القسام أحمد الجعبري في غزة عام 2012. وخلال ذلك حاولت اغتيال خالد مشعل في عمان عام 1997.

كما طالت يد الموساد قادة فصائل فلسطينية سبقت حماس ورافقتها في العمل المقاوم منهم نائبا ياسر عرفات، خليل الوزير في تونس عام 1988، وصلاح خلف في قرطاج عام 1991، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى داخل مكتبه في البيرة عام 2001، والأمين العام لـ”الجهاد الإسلامي” فتحي الشقاقي عام 1996، مثلما طالت مثقفين ودبلوماسيين فلسطينيين أمثال غسان كنفاني في بيروت عام 1972، ماجد أبو شرار في روما عام 1984، محمود الهمشري في باريس عام 1973 وغيرهم كثيرون.

هنية ابن عائلة لاجئين من الجورة
اتسعت قائمة ضحايا الاغتيالات الإسرائيلية منذ عقود، لكن مسيرة الكفاح الفلسطينية استمرت بل كانت دماؤهم زيتا على نارها، ولم يتوقف الصراع الذي يستنزف إسرائيل أيضا. جاء اغتيال هنية حلقة في هذا المسلسل الأحمر، لكن حماس مستمرة ولا يمكن القضاء عليها كونها فكرة، والفكرة لا تموت”، قال القيادي في الحركة أسامة حمدان، وصدق. وهكذا قال نجل إسماعيل هنية إن والده حققّ أمنيته بنيل الشهادة وإن المقاومة مستمرة حتى لو استشهد كل القادة.

وهنية المولود في مخيم الشاطئ لعائلة مهجرّة من قرية الجورة، مسقط رأس أحمد ياسين، بجوار مدينة مجدل عسقلان المحتلة عام 1948. ارتقى في مناصبه من القاعدة وبمسيرة عصامية، واتسم ببراغماتيته السياسية، وقربه من الشيخ أحمد ياسين وبتواضعه الشخصي.

وجبة أكسجين
في المقابل، تأتي عمليتا الاغتيال في توقيت كانت إسرائيل متعطشة لنجاح يساعدها في مداواة هيبتها الجريحة وترميم صورتها وقوة ردعها. بعد عشرة شهور من حرب متوحشة على غزة، ومكلفة لإسرائيل أيضا دون تحقيق أهدافها، يأتي بعد عشرة شهور هذا “النجاح التكتيكي” الذي تزداد حساسيته ومفاعيله النفسية وتبعاته على وعي الجماهير نظرا لهوية الهدفين: كونهما قياديان مرموقان، ومكان تنفيذ العملية في عاصمتين لمعسكر المقاومة، ونظرا لتزامن العمليتين بفارق ساعات فقط.

تشكّل عمليتا الاغتيال مكسبا معنويا لإسرائيل لكنه سيبقى مؤقتا ومفاعيله على الوعي ربما تتبدد بعد وقت ليس طويل نتيجة أحداث مستقبلية تلحق ضررا بها. كذلك وعلاوة على كونهما مكسبا معنويا غير دائم الفاعلية، فإن الاغتيالين ليسا حدثا أو مكسبا استراتيجيا من شأنه تغيير واقع إسرائيل العسكري والأمني في الحرب الدائرة على جبهتين، أو بعد الحرب وبما يتصل باستمرار الصراع الذي يستنزفها هي الأخرى.

هذا “النجاح العملياتي” ستوظفه المؤسسة الأمنية والمؤسسة السياسية في إسرائيل لتسويق الذات وتسجيل نقاط وتحسين الصورة والهيبة كونهما جريحتان منذ “طوفان الأقصى” وفي ظل حرب فاشلة رغم مرور عشرة شهور، ورغم ميزان القوى المختل لصالح الاحتلال بشكل كبير.

لماذا تصمت إسرائيل؟
بخلاف فؤاد شكر الذي أعلنت إسرائيل من خلال ناطقيها عن اغتياله في قلب ضاحية بيروت، فإنها تصمت على اغتيال إسماعيل هنية، بل بادر رئيس حكومتها نتنياهو لتوجيه الوزراء والنواب لعدم الحديث عن الموضوع في الإعلام، وهذا كي تتفادى إحراج إيران أكثر فأكثر وتضطرها للرّد، ما من شأنه أن يشكّل تهديدا إضافيا عليها لا تريده الآن على الأقل.

وإسرائيل تصمت وهي تتذكّر أن إيران استهدفتها في “ليلة المسيرّات” ثأرا لاغتيال الجنرال رضا زاهدي في دمشق، مما أدى لإرباكها وكانت ستزداد ارتباكا لولا “فزعة” غربية وعربية شاركت في اعتراض مسيرات وصواريخ أطلقت نحو العمق الإسرائيلي.

إسرائيل تصمت لكنها تستعد لردود محتملة بنصب المزيد من بطاريات الصواريخ في تل أبيب وحيفا، ويستعد نتنياهو لعقد اجتماع أمني لتقييم الأوضاع في ظل تصاعد التوتر والترقب.

اختراق أمني واستخباراتي
ولم تكن إسرائيل لتنجح بتنفيذ هذين الاغتيالين في قلب بيروت وطهران فقط بفضل قدراتها الاستخباراتية التي ترصد لها مليارلات الدولارات، بل هما أيضا نتيجة اختراق أمني وعسكري في لبنان وإيران، مما يعني وجود متعاونين مقربيّن في المكانين يزودان معلومات حول الأهداف وتحركاتها دون الاكتفاء بوسائل تقنية كالأقمار الاصطناعية.

مثلما يدلل هذا الاغتيال المزدوج على استخفاف أو تراخٍ لدى جهات في معسكر المقاومة التي لم تتخذ تدابير الحماية والحذر في ظل تهديدات إسرائيلية علنية واستنادا لقراءة متبصّرة ترى مأزق إسرائيل وحاجتها لمكسب معنوي يمنحها وجبة أكسجين معنوية عله يساعدها في ترميم ثقة الإسرائيليين بالدولة.

التبعات على الحرب والصفقة
لم تكن عمليتا الاغتيال مسّا بحماس وحزب الله فحسب، بل بكل محور المقاومة برئاسة إيران، خاصة أن قتل هنية تمّ في قلب طهران وداخل منشأة تابعة للحرس الثوري مما يربك الجمهورية الإيرانية ويضيق هامش مناورتها، ويلحّ السؤال هل سترد مباشرة رغم أنها تبدو ملتزمة بنظرية “الصبر الاستراتيجي” القائم على استنزاف إسرائيل بالتدريج، ومن خلال “سوار النار” وتأمين استمرار مشروعها النووي؟

لن تؤدي عمليتا الاغتيال لتراجع حزب الله عن جبهة الإسناد وعن الرد، وربما هذا يدفع إسرائيل للرد على الرد، مما يعني أن التصعيد يبلغ اليوم مفترق طرق أكثر خطورة من شأنه إشعال حرب لا يرغب بها كل من سيشارك بها أو يجد نفسه متداخلا بها.

 رغم أن الاغتيال المزدوج سيؤدي لتعطيل مداولات الصفقة كما حصل بعد محاولة اغتيال محمد الضيف، لكن من المتوقع أن تستأنف لاحقا لحاجة الطرفين إليها مع ترجيح الاحتمال بمواصلة نتنياهو تعطيلها لحساباته.

ويرجح عدد من المراقبين الإسرائيليين أمثال الجنرال في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين بأن الصفقة ربما تصبح أقرب لأن حماس بحاجة لها، ولأن نتنياهو يستطيع الآن الاتكاء على “مكاسب ونقاط” سجلها بعد الاغتيال المزدوج.

وفي حديث للإذاعة العبرية العامة، يتفق ميليشتاين مع محللين إسرائيليين آخرين يرون أن الاغتيالات ورغم قيمتها المعنوية، لكنها لن تؤثر على تماسك ومواقف حماس كونها منظمة جهادية أيديولوجية مؤمنة بطريقها، مشددا على أن مثل هذه الاغتيالات ليست عامل تغيير استراتيجي.

المصدر: القدس العربي