تسلط عملية التفجير قرب مستوطنة حرميش الواقعة بين محافظتي جنين وطولكرم شمال الضفة الغربية قبل 10 أيام، والتي أدت إلى إصابة 4 إسرائيليين بينهم جنديان، الضوء على محاولات المقاومة الفلسطينية بتوسيع عملها المقاوم وإيصالها إلى الأرياف، ومحاولات مضادة لمنع هذا التوسع. فمنذ تنفيذ العملية، أعلنت مجموعة أسمت نفسها كتائب القسام- كتيبة قفين (نسبة إلى بلدة قفين شمال طولكرم)، وبعد يومين تبنتها رسمياً كتائب القسام الذراع المسلح لحركة حماس، مؤكدة، عبر حسابها الرسمي، تمكن أعضائها في محافظة طولكرم من تفجير عبوة عصر الأربعاء (17 من الشهر الجاري)، كان تم زرعها مسبقاً بين قرية برطعة ومستوطنة حرميش، وقد توعدت الكتائب بتصاعد مستمر في عملياتها في مختلف محافظات الضفة الغربية "حتى يخضع قادة الكيان الصهيوني صاغرين لشروط المقاومة الفلسطينية ومتطلبات شعبنا الأبي وحقوقه العادلة والمشروعة"، كما جاء في البيان.
صحيح أن حساب من أسموا أنفسهم كتائب القسام- كتيبة قفين على "تليغرام" اختفى بعد ساعات من نشره تبني العملية، ولم تظهر لذلك التشكيل المسلح، بحسب مصادر محلية في قفين، نشاطات سابقة أو مظاهر معروفة، وغير معروف لأهالي القرية أي تفاصيل حوله، إلا أنه أعاد إلى الأذهان محاولات سابقة في قفين، لفعل مقاوم منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، في أعقاب الحرب على غزة. وظهرت العبوات المتفجرة في قفين مع نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، وبداية ديسمبر/ كانون الأول الماضيين، ولا سيما مع اقتحامات متكررة للبلدة، لتتبناها سرايا القدس – كتيبة قفين التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، ولاحقاً استهداف بؤرة استيطانية قريبة، وفي مارس/ آذار الماضي، ظهرت كذلك مجموعة باسم كتيبة قفين- كتائب شهداء الأقصى.
ونفذت سلطات الاحتلال على مدار الأشهر الماضية، حملات مداهمة وتفتيش واعتقال، في محاولة لوقف هذه المحاولات، لكن أيضاً، وكما تؤكد مصادر "العربي الجديد" من القرية، فكّكت الأجهزة الأمنية الفلسطينية عبوات متفجرة زُرعت في القرية خلال الأشهر الماضية، وهو الأمر الذي تكرر في مناطق أخرى كعزّون شرق قلقيلية شمال الضفة الغربية؛ إضافة إلى اعتقال أو إقناع أفراد بالمجموعات في قفين بتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية من أجل عقد تسويات معهم.
انتشار مجموعات المقاومة الفلسطينية في ريف الضفة الغربية
انتشار مجموعات المقاومة الفلسطينية في الأرياف امتد إلى العديد من البلدات، منذ ما قبل الحرب على غزة، كمجموعات جبع في سرايا القدس، ومجموعات برقين، وصارت المحاولات أكثر بعد الحرب، وفي ذلك انتقال من تركز مجموعات المقاومة الفلسطينية من مراكز الكثافة السكانية الكبيرة، خاصة المخيمات، كمخيم جنين ونور شمس وطولكرم وبلاطة وعقبة جبر، إلى مناطق أقل في الكثافة السكانية، ما يشكل تحدياً أمام المقاومين في مواجهة الضغوط عليها وإمكانية الوصول إليها، ولكنها تعطيها أفضلية في إمكانية تنفيذ العمليات لقربها من المواقع الاستيطانية.
ويقول الصحافي والباحث أحمد العاروري لـ"العربي الجديد": "إن الريف كان تاريخياً خزاناً بشرياً يمد المقاومة الفلسطينية بالكوادر والعناصر، وفي الهبات الشعبية والانتفاضات لعقود حضرت الأرياف بشكل مركزي". ويتابع العاروري، "تتركز المقاومة، خاصة في شمال الضفة الغربية في المرحلة الحالية في المخيمات والمدن، لما لها من خصائص كثافة سكانية وعمرانية إلى حد ما".
ويشير العاروري إلى أن توسع النشاط إلى الأرياف من المجموعات العسكرية لفصائل المقاومة في الفترة الماضية، خصوصاً منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، يشير إلى دور للمركز وهو المدينة أو المخيم التي تتمركز فيها كتائب من المقاومين لكل فصيل؛ في تغذية الأرياف المحيطة، والامتداد إلى الأطراف حيث التجمعات الاستيطانية، وذلك من خلال الدعم اللوجستي بأشكاله المختلفة، ما يعني برأيه تعبيراً عن الخروج التدريجي من حالة الدفاع في مواجهة اقتحام قوات الاحتلال للمدن والمخيمات، إلى المبادرة الدائمة لمحاولة خلق استنزاف لقوة الاحتلال.
وعن المحاولات لوقف انتشار تلك الكتائب في الأرياف يقول العاروري: "إن الضفة الغربية في سلم أولويات الأمن الإسرائيلي، بسبب موقعها الذي يهدد عمق دولة الاحتلال، ولأنها الساحة الأساسية للمشروع الاستيطاني، فيما يعد انتقال أسلحة نوعية إليها وانتشارها تهديداً مهماً لقوات الاحتلال التي تعمل طوال الساعة في مناطق مختلفة من خلال الاعتقالات والاقتحامات؛ وبشكل خاص يهدد سلاح مثل العبوات حرية حركة قواتها التي تفاخرت أنها تمتلكها منذ عملية (السور الواقي) في انتفاضة الأقصى، في ظل الاستنزاف في غزة وجبهة الشمال، ما يعني أن انفجار الضفة الغربية سيزيد من الأعباء عليها".
أما على مستوى السلطة الفلسطينية، فيقول العاروري: "يبدو أن ذلك استمرار في محاولة إقناع قوى دولية بدورها، في ظل الحديث الذي لا ينتهي عن (اليوم التالي للحرب)، والجهة التي ستحكم الفلسطينيين، رغم التهديدات الوجودية التي تتعرض لها من جانب تيارات في حكومة الاحتلال على رأسهم سموتريتش وبن غفير". ولوحظ خلال الفترة الماضية، تصاعد في ملاحقة السلطة الفلسطينية للمقاومين، والتي كان آخرها محاولة اعتقال مقاومين في طولكرم وطوباس أمس الجمعة.
من ناحية أخرى، يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية عزام أبو العدس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أكبر عقدة أمنية في ما يخص إسرائيل هي الضفة الغربية، مؤكداً أن المحللين في الإعلام الإسرائيلي يقولون إنه إذا اشتعلت الضفة الغربية فلن يكون بمقدور إسرائيل الاستمرار في الحرب في غزة ولا خوض حرب في لبنان، لما للضفة من بيئة واسعة جغرافياً ومركبة من ناحية التضاريس ومتداخلة جداً بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين، وفي ظل اقتراب نذر الانفجار يحاول الاحتلال التخفيف من آثاره، وجعل المجتمع الفلسطيني أعزل وقابل للسيطرة.
ويؤكد أبو العدس أن الإسرائيليين يشيرون إلى توسع العمل المقاوم أفقياً ورأسياً، وانضمام تجمعات سكانية جديدة إلى تشكيلات المقاومة، في ظل استراتيجية فصائل المقاومة إشعال جبهة الضفة الغربية لتشكيل عبء أمني على إسرائيل. ويتابع أبو العدس: "لا نتحدث عن كتيبة قفين وحدها، بل يمكن النظر إلى بلدة عزون مثالاً آخر فيها مجموعة مسلحة ونشطة في مجال العبوات الناسفة، وحالياً الأجهزة الأمنية في السلطة تقوم بملاحقة تلك العبوات وتفكيكها، ذلك يدلل على أن حالة المقاومة في الضفة أصبحت أكبر من أن تسيطر عليها إسرائيل".
المصدر: العربي الجديد