يعاني مئات آلاف الفلسطينيين من العطش في غزة، من جراء صعوبة توفير المياه الصالحة للشرب، حيث يقطعون مسافات طويلة من أجل الحصول على بضعة لترات منها. بينما يقنن سكان الشمال استخدامهم للمياه خشية من انقطاعها وعدم الحصول على كميات جديدة.
ويوماً بعد يوم تزداد حدة العطش في غزة، مع استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي دمرت البنى التحتية في القطاع وشبكات المياه والصرف الصحي، وعددا من محطات التحلية العاملة، فضلا عن تداعيات الحصار المشدد ومنع إدخال الوقود ومستلزمات الحياة الاساسية للمنطقة.
الفلسطيني حسين المسارعي يتنقل بين أجهزة محطة "تحلية المياه"، التي يعمل فيها شمالي قطاع غزة، عقب توقّفها عن العمل خلال الساعات الماضية، بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها. متسائلا وغيره من العاملين داخل هذه المحطة، التي تعتبر واحدة من بين المحطات القليلة العاملة في محافظة شمالي القطاع، عن أوضاع السكان والنازحين بدون مياه، في حال عدم توفر الوقود، مما يضاعف أزمة العطش في غزة.
العطش في غزة يتضاعف
يقول المسارعي: "منذ بداية الحرب نشغّل المحطة بصعوبة شديدة، نظراً لعدم توفر الإمكانات والاستهداف الإسرائيلي المتكرر". موضحا أن أبرز المعوقات التي حالت دون تشغيلها أو تخفيض تشغيلها تمثلت في "عدم توفر الوقود واللجوء إلى شراء كميات منه من السوق السوداء بأسعار مرتفعة وصلت إلى 15 ضعف سعره الطبيعي"، ويبقى توفر الوقود حتى في السوق السوداء أمرا نادرا، وفق المسارعي، الذي أضاف أنه في العادة يكون "مخلوطا بزيوت تتسبب في إعطاب الأجهزة، لكننا نضطر إلى استخدامه لعدم توفر البديل".
وتزوّد المحطة التي يعمل فيها المسارعي المواطنين في منطقة شمال غزة بالمياه الصالحة للشرب، عبر 35 مركبة تعتمد في تشغيلها على "السولار"، وفق قوله. مشيرا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في الوقت الحالي يزيد من حالة العطش في غزة، في ظل حاجة الأهالي إلى استهلاك المزيد من المياه لتوفير ما تتطلبه أجسادهم للبقاء، محذرا من خطورة نقص المياه خلال الأجواء الحارة. مناشدا "الجهات المعنية ضرورة التدخل العاجل وإدخال السولار اللازم لتشغيل محطات التحلية لتوفير المياه الصالحة للشرب للسكان".
تدمير الآبار يفاقم العطش في غزة
ولا يبدو الوضع مختلفا في محافظة غزة، حيث يحذّر المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، من "حالة عطش شديد تواجه الفلسطينيين هناك". قائلا: "الفلسطينيون في المحافظة يعانون من حالة عطش شديد، حيث إن كمية المياه المتوفرة تقدّر بربع الكمية قبل العدوان في أفضل الأحوال، وهي تغطي ما نسبته 40% فقط من مساحة المدينة". مضيفا: "هذا العطش نجم عن نقص المياه الحاد، جرّاء سياسة تدمير الآبار وخطوط المياه منذ بداية الحرب الإسرائيلية المدمرة". وأوضح أن المدينة تواجه أزمة حقيقية في توفر المياه، خاصة العذبة والصالحة للشرب.
وذكر مهنا أن العدوان الإسرائيلي المتواصل للشهر العاشر على التوالي تسبب في "تدمير واسع وكبير في البنية التحتية لشبكات المياه، منها تدمير نحو 42 بئرا بشكل كامل، و16 بئرا بشكل جزئي، فضلا عن تدمير حوالي 70 ألف متر طولي من شبكات المياه"، موضحا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ما زال يتعمد "استهداف شبكات وآبار المياه لتعطيش السكان"، حيث ألحق جيش الاحتلال أضرارا متفاوتة بـ4 آبار للمياه، خلال عمليته العسكرية الأخيرة في حي الشجاعية (شرق) التي بدأها نهاية يونيو/حزيران الماضي، وجنوب غرب المدينة والتي بدأها الاثنين.
ويشتكي الفلسطيني حمدي أبو سعدة، من مخيم جباليا للاجئين الواقع شمالي القطاع، من ندرة المياه الصالحة للشرب في المنطقة، قائلا: "نعاني كثيراً من قلة المياه، وما يصلنا في حاراتنا وشوارعنا المدمرة بفعل العدوان الإسرائيلي لا يفي بالغرض". مضيفا أنهم كل 3 أيام يتمكنون من تعبئة غالونات المياه الصالحة للشرب مرّة واحدة، والكمية التي يحصلون عليها تكفي عائلته في ظل ارتفاع درجات الحرارة. مطالبا العالم "بالوقوف إلى جانب سكان غزة وتوفير المستلزمات الحياتية لهم، خاصة السولار اللازم لتشغيل محطات تحلية المياه".
المواطن كامل كريزم، من حي "الكرامة" شمال غرب مدينة غزة، يضطر أبناؤه يومياً إلى قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام لتوفير المياه الصالحة للشرب. قائلا من داخل "محطة تحلية" تبعد عن مكان سكنه نحو 700 متر وصلها مشيا على الأقدام، من أجل الحصول على كميات قليلة من المياه: "تصل المياه المحلاة إلى منطقتنا المدمرة مرة واحدة كل أسبوع، ومع هذا الحر الشديد لا تكفي الكمية التي نحصل عليها، فنضطر إلى البحث في أماكن أخرى بعيدة عن المنزل"، محذرا من أن نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحلية المياه سيزيد من معاناتهم اليومية و"سيلقي بظلال كارثية جديدة على الأهالي في شمال قطاع غزة".
أما الشاب حمزة أبو سعدة، من "مخيم جباليا"، فيقول إنه يقف من 3 إلى 4 ساعات "تحت أشعة الشمس الحارقة" حتى يتمكن من تعبئة جالونات مياه صالحة للشرب لعائلته. موضحا أنه لا يتمكن من التعبئة يومياً، بسبب تدافع الناس على عربات المياه وكثافة السكان في المخيم.
وكانت وكالة "أونروا" قد حذرت، مطلع يونيو الماضي، من تداعيات توقّف عمل محطات لتحلية المياه في قطاع غزة. وقالت الوكالة الأممية في تغريدة على منصة إكس آنذاك: "لعدم توفر الوقود في غزة محطات مهمة لتحلية المياه توقفت عن العمل". وتابعت: "ليس لدى الناس ما يكفي من المياه، أصبح البقاء على قيد الحياة تحديا كبيرا". موضحة أن توقف تلك المحطات يجبر "العائلات بما في ذلك الأطفال على السير طويلاً للحصول على المياه".
وفي مارس/آذار الماضي، قال بيان مشترك صدر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وسلطة المياه الفلسطينية، إن إجمالي المياه المتوفرة آنذاك في قطاع غزة يقدّر بحوالي 10-20% من مجمل المياه المتاحة قبل العدوان، حيث تخضع تلك الكمية لتوفر الوقود. مضيفا أن الحرب خلّفت آثارا "كارثية على البنية التحتية للمياه، وشبكات المياه ومصادر الإمدادات بشكل عام، إذ تم تدمير 40% منها، وتعطلت المضخات الرئيسية بسبب القصف أو بسبب نفاد الوقود"، بينما تراجعت حصة الفرد الفلسطيني في قطاع غزة من المياه بنسبة 96.5% خلال الحرب، حيث بالكاد يستطيع المواطن في قطاع غزة الوصول إلى ما بين 3-15 لترا من المياه يومياً في ظل الحرب المتواصلة، بحسب البيان.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أميركي، خلفت نحو 127 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
(الأناضول، العربي الجديد)