2024-10-06 10:23 م

تاريخ معسكرات الاعتقال الجماعية الإسرائيلية

2024-07-07

أثار سجن “سديه تيمان” العسكري الذي كشفت عنه مؤخرًا تقارير لمنظمات حقوقية وإعلامية عالمية وإسرائيلية، استنادًا إلى شهادات مُعتقلين غزيين مفرج عنهم (أو ناجين منه للدقة)، ضجةً كبيرة فيما يخص ظروف الاعتقال فيه والممارسات الفظيعة التي يمارسها مجندو ومجندات جيش الاحتلال على المُعتقلين الغزيين، بعد تفعيل السجن مع بداية الحرب الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى اللحظة، الأمر الذي دفع منظمات حقوقية إسرائيلية إلى تقديم التماس لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية من أجل مساءلة الجيش عمّا يحدث فيه.

يحاول هذا التقرير، أن يضع حالة سديه تيمان – على استثنائيته – وسياسات الاعتقال الجماعي التي مارسها جيش الاحتلال في سياق تاريخي، بدءًا من حروبه إبان إعلان تأسيس “إسرائيل” سنة 1948 عام نكبة الشعب الفلسطيني، مرورًا بالحروب العدوانية التي شنتها الدولة العبرية بعد قيامها على الفلسطينيين والعرب عمومًا، وصولًا إلى حروب جيش الاحتلال على غزة إلى يوم حربها الوحشية هذه.

نسلط الضوء على أبرز معسكرات الاعتقال الجماعية، العلنية منها والسرية، والأغراض من إقامتها والشكل الذي أرادت فيه “إسرائيل” إعادة إنتاج بُنيتها الاستعمارية – الصهيونية من خلال سياسة الاعتقال الجماعي، ثم التحولات التي طرأت على هذه السياسة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول في ظل الحرب على غزة لناحية الأهداف والممارسات. 

“المُحتَشد” بوصفه إرثًا
ما كان للدولة العبرية أن تقف على قدميها على أنقاض القرى والمدن الفلسطينية في سنة 1948، لولا الدور الاستعماري البريطاني الذي رزحت البلاد تحته ما بين الأعوام 1917-1947، وبالتالي إرثه الذي مكّن المشروع الصهيوني الاستيطاني من البلاد على مدار العقود الثلاثة.

فقد ورث الصهاينة عن البريطانيين منظومة شبه متكاملة من القوانين والأدوات والممارسات الاستعمارية، بما فيها سياسة “الرقابة والضبط”، التي تشكلت في سياق الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) وإجهاضها الذي أسس لفضاء القمع والتنكيل في فلسطين من حينه إلى يوم البلاد هذا.

أقام البريطانيون في أثناء مواجهتهم الثورة الفلسطينية الكبرى عليهم، عدة معتقلات جماعية عسكرية زُج بها المُعتقلون الفلسطينيون في سنوات الثورة، وأوكلت إدارتها للجيش البريطاني الذي أطلق عليها – في حينه – تسمية “المحتشدات”، بينما “الأقفاص” تسمية أطلقها البريطانيون على مراكز التحقيق والتعذيب في بعض السجون التي كانت تحت سلطة البوليس البريطاني.

أفرد الكاتب البريطاني ماثيو هيوز في كتابه “الاستعمار البريطاني وإجهاض الثورة العربية الكبرى في فلسطين 1936-1939” فصلًا خاصًا لسياسة الاعتقال والمُعتقلات، تناول فيه أساليب الحبس البريطاني، من ضمنها المحتشدات بوصفها معسكرات للاعتقال الجماعي، إذ جرى حشد الفلسطينيين فيها، دون محاكمة أو عرضهم على محاكم عسكرية، التي كانت بدورها أداة لمنح جيش السلطات الاستعمارية تذكرة إما لتمديد اعتقال المعتقلين بلا تهمة موجهة وإبقائهم تحت ممارسات التنكيل والتعذيب، وإما نفيهم إلى خارج حدود فلسطين أو اقتيادهم للعمل بالسخرة في شق الطرقات والمنشآت العسكرية نهارًا، ثم إعادتهم للمبيت ليلًا في معسكرات الاعتقال.

من بين أبرز تلك المُحتشدات التي أشار إليها هيوز، مُحتشد “معسكر صرفند” نسبة إلى قرية صرفند العمار العربية من قضاء الرملة، و”معسكر اعتقال المزرعة” بالقرب من قرية المزرعة شمالي مدينة عكا، وكان هذا الأخير من أكثر المُحتشدات لحشد المعتقلين خلال سنوات الثورة، كما كان هناك معسكرا اعتقال رسميّان قائمان قبل الثورة جرى تفعيلهما كمحتشدات في ظلها هما: “مُعتقل نور شمس” قرب مدينة طولكرم، و”معتقل عتليت” الشهير جنوبي مدينة حيفا على الساحل، فضلًا عن محتشدات أخرى ميدانية طارئة من الخيام ومُحاطة بأسلاك شائكة أنشأها الجيش البريطاني في محيط مدينة القدس وصحراء النقب.

كان يُحشد في تلك المحتشدات مُعتقلون رجال من كل الفئات العُمرية بدءًا بالأطفال من سن العاشرة، وصولًا إلى كبار السن في أعمار الـ70 والـ80 عامًا، غير أن معظم المعتقلين كانوا من “سن الأشقياء” بحسب وصف القاموس العسكري البريطاني لهم. كان التنكيل في المحتشدات يطال المعتقلين وذويهم أيضًا، إذ كان يتعين على النساء المشي لأميال من قراهن إلى المحتشدات من أجل إطعام رجالهن أو أولادهن المعتقلين.

لقد اتخذت شبكة السجون البريطانية الاستعمارية بعد عام 1936 في فلسطين، طابعًا عسكريًا همجيًا نتيجة تسلم الجيش مهمات البوليس عبر مُحتشدات معتقلي الثورة، التي أسست بدورها لعنف المنظومة الاعتقالية – الجماعية الاستعمارية من وقتها في فلسطين.

لم تكن سياسة المُحتشدات في ظل محاولة البريطانيين إجهاض الثورة الكبرى تقتصر عليهم، إنما الصهاينة كان لهم دور أيضًا فيها، فمما أوردته صحف مثل “فلسطين” و”الدفاع” في حينه، بأن الجنود البريطانيين كانوا يقتادون المعتقلين الفلسطينيين إلى أماكن محاطة بسياج شائك داخل المستوطنات اليهودية، حيث يتعرض فيها المعتقلون للإذلال والتنكيل على يد يهود المستوطنات الذين كانوا يقدمون لهم طعامًا رديئًا “لإفقاد المعتقلين صوابهم”. فإلى تلك المرحلة تعود منظومة الاعتقال الجماعي الصهيونية قبل قيام دولتهم سنة 1948، واستئنافهم ممارسة الاعتقال الجماعي في إجليل وعتليت.

مكبات الكام (الكامب)
(إجليل وعتليت)
يعد الطرد، الحدث الأبرز في ممارسات الصهيونية خلال النكبة عام 1948، غير أنه قلما جرى الانتباه بما يكفي إلى ممارسات أخرى تضمنها الطرد، ومن بينها الاعتقال الجماعي وإقامة المعتقلات الميدانية، ففي ظل أحداث النكبة، ما بين شهريّ مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني 1948، اعتقلت منظمات العصابات الصهيونية التي كانت في طور تشكلها كـ”جيش نظامي” ما يقارب الـ8000 فلسطيني بحسب أرشيف الجيش الإسرائيلي، بينما قوائم الصليب الأحمر تحدثت عن 7000 معتقل من غير العسكريين العرب.

ويقدر كل من الباحث مصطفى كبها والصحفي وديع عواودة في كتابهما “أسرى بلا حِراب: المعتقلون الفلسطينيون والمعتقلات الإسرائيلية الأولى” عدد مُعتقلي السجون الجماعية عام النكبة بـ12 ألف معتقل فلسطيني، بما يشمل عسكريين أو شبه عسكريين من القوات النظامية العربية أو من المتطوعين في جيش الإنقاذ.

إذا كانت المعتقلات الجماعية التي أقامها الجيش البريطاني في مواجهة الثورة الكبرى من أجل اعتقال من عُرفوا بـ”سن الأشقياء”، فإن معتقلات الصهاينة عام النكبة قد استهدفت ما أُطلق عليه “سن الجندية”، أي كان سن معظم المُعتقلين ما بين 18 و45 سنة، كما طال الاعتقال جميع الفئات العمرية، ومنهم الأطفال والمُسنون.

لم تكن ما تُعرف بـ”مصلحة السجون الإسرائيلية” (الشاباص) قد أقيمت بعد، لأنها تأسست في العام التالي على النكبة سنة 1949، لذا كانت المعتقلات التي أودع فيها المعتقلون في ذلك العام تُقسم إلى 3 أنواع: محطات ومراكز التجميع المؤقتة، معتقلات دائمة، ومراكز عمل.

ضمت مراكز التجميع نقاط البوليس والسجون التي ورثها الصهاينة عن البريطانيين في عدة مدن مثل سجن عكا، أما المعتقلات الدائمة ومراكز العمل، فهي المعتقلات الجماعية الميدانية التي أقامها الصهاينة، إما في مواقع كانت معسكرات سابقة تابعة للجيش البريطاني مثل مُعتقل عتليت، ومركز عمل صرفند، وإما مستحدثة مثل مُعتقل إجليل، أو مركز عمل أم خالد، نسبة لقرية أم خالد غربي مدينة طولكرم على الساحل.

لم يكن هناك أي فرق يذكر بين المُعتقل الدائم ومركز العمل غير أن هذا الأخير كان يُعتبر معتقلًا انتقاليًا يُنقل إليه الشباب من صغار السن المرشحين للعمل بالسخرة.

كان معتقل “إجليل” نسبة إلى قرية إجليل الساحلية المُهجرة شمالي مدينة يافا، من أكبر هذه المعتقلات، حيث وصل عدد المُعتقلين فيه بحسب كبها وعواودة إلى نحو 4000 مُعتقل فلسطيني وعربي في عام النكبة، وقد أُنشئ بأمر من دافيد بن غوريون بحسب مذكرات هذا الأخير “يوميات الحرب 1947-1948” وبدأ زج المُعتقلين به في يوم 26 مايو/أيار 1948 في ظل عمليات الطرد والتهجير التي كانت تمارسها العصابات الصهيونية أيامها، وحمل المُعتقل فور إقامته رقم “791”، وفي بعض الحالات أُشير إلى أنه “معسكر المعتقلين العرب رقم 1”.

تشكل معتقل إجليل في البداية من بيوت القرية المتبقية “22 بيتًا” بعد تهجير أهلها منها في يوم 3 أبريل/نيسان 1948، وبعد أن غصت هذه البيوت بمئات المُعتقلين، شرع الصهاينة في إلحاق معسكرات من الخيام بها، امتدت على رمال قرية إجليل غربًا إلى أن وصلت حافة البحر، وأُحيطت الخيام بأسلاك شائكة وأبراج مراقبة، بينما أُسكنت وحدات الإدارة والحراسة في المباني الحجرية من القرية.

أما معتقل عتليت، وهو الأكثر حضورًا في ذاكرة مُعتقليه الفلسطينيين في الأراضي المُحتلة عام 1948 (فلسطينيي الداخل) فقد أقيم كمعسكر للاعتقال الجماعي في الأسبوع الأخير من يوليو/تموز 1948، وهو امتداد للمعسكر البريطاني في عتليت الواقعة على بعد 15 كيلومترًا جنوبي حيفا على ساحل البحر. عُرف بـ”معتقل 792″ أو “معتقل مركزي رقم 2″، وكان المعتقلون الأوائل فيه من أبناء القرى العربية التي اُحتلت في منطقة الجليل الأسفل، الناصرة، شفاعمرو، إعبلين، عيلوط، وعين ماهل وكفركنا وقرى أخرى.

في كراس دعائي محفوظ بأرشيف الجيش الإسرائيلي، نشرته سلطات الجيش سنة 1949، كشفت فيه تبريرها لاختيار مواقع مثل إجليل وعتليت لإقامة مُعتقلاتها الجماعية فيها، تقول: “تم اختيار المكان بسبب درجة الأمان النسبية والبعد المعقول عن الجبهة، وكذلك بسبب المناخ الصحي لمنطقة شاطئ البحر الأبيض المتوسط”.

كان الاعتقال الجماعي الذي مارسه الصهاينة في معتقلات النكبة يعد وسيلة للعزل (أو التجميع) أكثر من كونه وسيلة للحبس، إذ لم يُعرض المعتقلون على محاكم، والتي لم تكن قامت بعد أصلًا. وقد تضمن كتاب “أسرى بلا حِراب” عشرات المقابلات مع مُعتقلي إجليل وعتليت الذين رووا ظروف اعتقالهم في “كامات اليهود” (كامب) والممارسات التي اتبعها الصهاينة في حينه، لناحية التعذيب والتنكيل والتجويع، وقتل من حاول الفرار من المعتقلات. إضافة إلى سياسة التصنيف التي اتبعتها قوات العصابات الصهيونية تجاه المُعتقلين في المُعتقلات نفسها، أي فرز المُعتقلين على اعتبارات اجتماعية وطائفية وأحيانًا جهوية، إذ كان يُعامل بعض مُعتقلي قرية قاومت العصابات الصهيونية بطريقة أشد قسوة من مُعتقلي قرى أخرى استسلمت للصهاينة بدون قتال.. وهكذا.

كما استخدم الصهاينة تلك المُعتقلات كأداة لتحقيق الطرد وتتميمًا له، فقد جرى مساومة كثير من المُعتقلين، بأن عُرض عليهم الإفراج عنهم وتخليصهم من حياة المعتقل مقابل قبولهم مغادرة البلاد إلى خارج فلسطين. وخصوصًا المعتقلين الفلسطينيين الذين كانت قُراهم قد هُجر أهلها منها. وهذا فضلًا عن استغلال المعتقلين وتشغيلهم فيما عُرف وقتها بـ”أعمال المصلحة”.

معسكرات النفي السرية
(أبو زنيمة ونخل)
في الوقت الذي جرى فيه إغلاق المعتقلات الجماعية إجليل وعتليت وصرفند وأم خالد في سنة 1949، تزامنًا مع إقامة “سلطة مصلحة السجون” التي بدأت في إنشاء السجون الثابتة وتنظيمها في البلاد، كانت قرى فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 العربية غير المهجرة داخل الخط الأخضر، قد تحولت إلى أشبه بمعسكرات اعتقالٍ جماعي. وذلك بعد إخضاع سكانها العرب للحكم العسكري الصهيوني الذي امتد ما بين أعوام 1948-1966، وشروطه التي تضمنت عزلًا للقرى العربية عن بعضها، وقيود على الخروج من القرى إلا بإذن من الحاكم العسكري، وحظر التجول فيها ليلًا، وغيرها من سياسات العزل التي فرضها الجيش في حينه. والتي لم يرَ فيها الباحث أحمدي السعدي في كتابه “الرقابة الشاملة” فرقًا عن نظام معسكرات الاعتقال الجماعي التي أقيمت في أحداث النكبة عام 48.

كان فرض نظام الحكم العسكري بوصفه نظام احتجاز عسكري يديره الجيش، يُشبه إلى حد بعيد معسكرات الاعتقال الجماعية في ظل الحرب، وذلك من حيث الدور الوظيفي لممارسة سياسة التجميع والعزل. لم ينشئ جيش الاحتلال الإسرائيلي أي معتقلٍ عسكري طوال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إلى أن كانت حرب حزيران/يونيو 1967، التي دفعت الجيش الإسرائيلي على إثرها إلى إنشاء معسكرات اعتقال سرية لم يكشف عنها إلا بعد نحو 50 عامًا.

في تقريرٍ نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قبل 3 أعوام في يوليو/تموز 2021، الذي حمل بالعبرية عنوان “في قلب الصحراء وبعيدًا عن أعين الجمهور، إسرائيل أقامت معسكرات اعتقال بالسر”، كان هذا التقرير هو الأول استنادًا إلى تحقيق أجراه معهد “عكيفوت” الإسرائيلي، بعد أن كشفت وثائق أرشيفية عبرية ظلت سرية لمدة 50 عامًا عن قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي في مطلع السبعينيات بإنشاء معتقلين جماعيين لسكان من قطاع غزة داخل صحراء سيناء، هما: معتقل أبو زنيمة ومعتقل نخل.

أقام جيش الاحتلال معتقل أبو زنيمة – يُنسب إلى قرية أبو زنيمة السينية في جنوب غرب سيناء – في يوم 5 يناير/كانون الثاني عام 1971، في منطقة تبعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة غزة في عمق الصحراء. حيث تم ترحيل 59 فلسطينيًا من عائلة غزية نفيًا إليه، ثم تضاعف عدد العائلات المنفية إليه إلى نحو 26 عائلة من بينهم عشرات الأطفال والنساء، وذلك بذريعة أنهم ذوو مطلوبين “إرهابيين” تابعين لحركة فتح، اُتهموا بإلقاء قنبلة أدت إلى مقتل طفلين إسرائيليين في غزة.

وبالتالي أقيم أبو زنيمة كمعتقل جماعي للانتقام من الفدائيين المطلوبين، بنفي واحتجاز عوائلهم بغرض الضغط عليهم. ومما صرّح وتذرع به وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، موشيه ديان، عن إقامة معسكر معتقل أبو زنيمة الجماعي للمنفيين بحسب تقرير هآرتس قوله: “هذه أفضل وسيلة ردع بحوزتنا، والأمل هو أن تلك العائلات التي انضم أبناؤها إلى فتح، سيقول الأب عندها أنهم سينفون جميعًا إلى أبو زنيمة، وهذا ما سيحدث عندما لا نتمكن من القبض على الرجل (المطلوب) نفسه”. كان أبو زنيمة معتقلًا سريًا لعائلات الفدائيين الغزيين للانتقام والضغط عليهم معًا.

بينما معتقل “نخل”، الذي يُنسب إلى بلدة نخل السينية، على بعد 7 ساعات سفر من مدينة غزة وسط الصحراء، أقامه جيش الاحتلال الإسرائيلي سرًا أيضًا كما أشار تقرير صحيفة “هآرتس” ذاته، في صيف نفس العام 1971. وبحسب شلومو غازيت المنسق الأول لأعمال حكومة الاحتلال في المناطق المحتلة في تعليقه وقتها على إنشاء معسكر نخل في الصحراء، يقول: “إنه عملية أخرى أكثر راديكالية نفذناها ضد العاطلين عن العمل”، ويقصد بـ”العاطلين عن العمل” من سكان قطاع غزة، فكان أول معتقل جماعي يقيمه جيش الاحتلال تحت ذريعة “البطالة”، باعتبار البطالة تسوق الشباب الغزيين نحو الالتحاق بالعمل الفدائي.

وقد جرى فعلًا، نقل مئات الشباب الغزيين الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و30 عامًا، من القطاع نفيًا إلى معتقل نخل وسط الصحراء. ويبرر غازيت ذلك بحسب التقرير المذكور: “إن تجول هؤلاء الشبان بحرية في الشوارع هو ثغرة تستدعي تجنيدهم للمنظمات، وكذلك خطر لمجرد حقيقة أنهم يتجولون في جميع هذه الشوارع المركزية ويطلقون النار، ويلقون قنابل أو يقومون بأعمال أخرى”.

كما أشار ليئور يافني مدير عام معهد “عكيفوت” إلى أن “غاية المعسكر في نخل منح الشباب الغزيين تأهيل مهني في مجال البناء، وتشجعيهم على الموافقة للانتقال إلى الضفة الغربية، مقابل الإفراج عنهم من مخيم الاعتقال”، وذلك ضمن تصور إسرائيلي كان يقتضي في حينه التخفيف من عدد سكان قطاع غزة بترحيل بعضهم إلى الضفة الغربية عبر معسكر نخل.

لا إحصاءات رسمية، ولا معطيات مفصلة عن العدد الدقيق للمنفيين الغزيين إلى مُعسكري اعتقال أبو زنيمة ونخل، ولا عن الممارسات التي مورست عليهم فيهما. والملفت أن التقارير أو المعلومات العربية – الفلسطينية عن هذين المعتقلين، شبه معدومة غير تلك المنقولة عن تقرير هآرتس وتحقيق معهد “عكيفوت”. أغلق الصهاينة معسكري اعتقال أبو زنيمة ونخل في منتصف عام 1972، وأعيد مُعتقلوه إلى ديارهم في قطاع غزة، دون أن تتحقق آمال الصهاينة من إنشائهما، لا لناحية ردع الغزيين عن العمل الفدائي، ولا بتهجير بعضهم إلى مناطق الضفة الغربية.

“المخلائاة”
معسكر أنصار إنموذجًا
“جمّع الأسرى جمّع

في معسكر أنصار

والشمس لما تطلع

بتواعد الثوار…”.

كلمات نظمها الشاعر الفلسطيني الراحل أحمد دحبور، وغنّتها فرقة العاشقين، ثم رددها الشعب الفلسطيني كله. لم يُذكر أن تسلل اسم معسكر اعتقال إلى وجدان الشعب الفلسطيني ومعجمه الغنائي الثوري مثلما فعل أنصار، ذلك المعسكر الذي أنشأه جيش الاحتلال الإسرائيلي إثر سيرة بطولية خطها الفدائيون الفلسطينيون، وأغلقه الصهاينة بعد مراكمة الفدائيين عملهم الفدائي، الذي ترتب عليه أكبر صفقة لتبادل الأسرى، خلّصت نحو 4700 من مُعتقلي أنصار منه في سنة 1983، إلى أن تم إغلاقه كليًا، بعد 3 سنوات من إقامته.

أنشأ جيش الاحتلال الإسرائيلي معسكر أنصار بعد أسابيع قليلة من اجتياحه لبنان في 6 يونيو/حزيران 1982، وبحسب تقرير وثائقي أعدته وعرضته قناة “كان” التلفزيونية الإسرائيلية قبل سنتين، وتضمن جملة من المقابلات مع ضباط متقاعدين ومُجندين وأخصائيين نفسيين صهاينة خدموا وعملوا في المعسكر، فإن اختيار المكان الذي تم فيه إقامة المعسكر جنوبي لبنان، كان في نفس الموقع الذي هبطت فيه لأول مرة المروحية العسكرية الإسرائيلية التي كانت تقل رئيس أركان جيش الاحتلال في حينه رفول إيتان، الذي قال: “هنا نقيم المعسكر”، قرب قرية أنصار اللبنانية، فكان اسم المعسكر.

أطلق جيش الاحتلال على المعسكر بالعبرية تسمية “مخلائاة أنتسار” وتعني حظيرة أو زريبة أنصار. كانت تسمية المخلائاة مشتقة لغويًا من عالم حظائر أو زرائب الأغنام – ولا يزال يُطلق على “أغنام الحظيرة” التي دجنتها “إسرائيل” في ستينييات القرن الماضي اسم المخلائاة أو المخلاعاة تعريبًا لها عن العبرية – وذلك نظرًا للروائح الكريهة المنبعثة من مياه الصرف الصحي في المعسكر على حد قول يائير بلج، أحد الضباط المتقاعدين الذين أشرفوا على المعسكر، في مقابلة معه تضمنها تقرير “كان”.

تراوح عدد المُعتقلين الأسرى في أنصار، على مدار سنوات تفعيله الـ3، ما بين 10 آلاف و12 ألف معتقل أسير، معظمهم من الفلسطينيين واللبنانيين الذين التحقوا بالمقاومة الفلسطينية التي كانت تقودها منظمة التحرير بقيادة حركة فتح من الأراضي اللبنانية ضد “إسرائيل”، كان الأسير الذي يُنقل إلى المعسكر، وخصوصًا إذا ما كان من أولئك الذين “على أيديهم دماء” بحسب التصنيف الصهيوني، يتم إرغامه قبل دخوله من باب المعسكر وهو مقيد بالأصفاد، بالختم على مرسوم احتجازه بأنفه، حيث يمسك به مجندان من شعر رأسه ثم دفعه للأسفل ودس أنفه في علبة الحبر ومن ثم ثانيةً على ورق مرسوم احتجازه. وذلك في إذلال ممنهج كان يتعمده مجندو جيش الاحتلال في استقبال الأسير المُعتقل فور وصوله المعسكر.

كانت ظروف الاعتقال في معسكر أنصار أداة انتهاك وتعذيب بذاتها، مئات الخيام المنصوبة في عراء حر الصيف وبرد الشتاء مُحاطة بأسلاك شائكة دون أي من مقومات شروط الاحتجاز البشري. في كتابه “100 يوم في معتقل أنصار” يروي محمد صفا الأسير المحرر من ذلك المعتقل، عن الجحيم الذي عاشه المعتقلون الأسرى في أنصار، الأمراض في صفوف المعتقلين التي دفعت ببعضهم للتبرز في ثيابهم، التنكيل والتعذيب الذي أدى إلى استشهاد ما يقارب المئة أسير على مدار سنواته الثلاث، كما توفي بعض المعتقلين الأسرى بعد سنوات قليلة من تحريرهم أو الإفراج عنهم جراء التعذيب الذي تعرضوا له، وبعضهم ظلت ترافقهم إعاقات جسدية وأمراض مزمنة لسنوات طويلة بعد الاعتقال.

لم يستسلم معتقلو أنصار لمُعتقِليهم الصهاينة وممارساتهم الوحشية، فقد انتفضوا عليهم غير مرة، أشهرها يوم “حرق خيام المعتقل” كما سمّى الأسرى تلك الواقعة بحسب صفا في كتابه. حاول أسرى معتقل أنصار “الهروب” منه غير مرة كذلك، نجحت بعض تلك المحاولات بتحرر وخلاص عشرات الأسرى من المُعتقل، ما أدى في يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1984 إلى ما يُعرف في ذاكرة مُحرري معتقل أنصار بـ”وادي جهنم”، مجزرة ارتكبها مجندو جيش الاحتلال في المعتقل بحق بعض المُعتقلين الأسرى، الذين حفروا نفقًا بغرض محاولة الهروب، استشهد 5 منهم ذكرهم صفا في كتابه، كما جُرح آخرون.

يحتفي أسرى الشعب الفلسطيني وأسرى معتقل أنصار المحررين منه إلى يومنا، بتاريخ 3 أبريل/نيسان في كل عام، حيث التاريخ الذي أغلق فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي معتقل أنصار في جنوب لبنان عام 1985.

معسكر النفي المعكوس
مرج الزهور
كانت الانتفاضة الأولى أكبر حدث جامع للشعب الفلسطيني عمومًا، ولفلسطينيي الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع الذين انتفضوا على جيش الاحتلال في ديسمبر/كانون الأول سنة 1987. غصت سجون الاحتلال بالأسرى الفلسطينيين على مدار سنوات الانتفاضة. كان النفي واحدًا من أدوات قمع الانتفاضة وإجهاضها التي اتبعها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ففي عام 1992 أي بعد خفوت زخم الانتفاضة مقارنة بسنواتها الثلاث الأولى، اتخذ جيش الاحتلال قرارًا بإبعاد نحو 415 معتقلًا فلسطينيًا في سجونه، معظمهم من أبناء حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إلى لبنان كعقابٍ لهم، وذلك إثر عملية خطف وقتل ضابط حرس الحدود الصهيوني نيسيم توليدانو، نفذها عناصر من حركة حماس في يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 1992.

جرى الإبعاد إلى لبنان في يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 1992، الذي استمر مدة عام إلى يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 1993. مرج الزهور ليس معسكرًا أقامه جيش الاحتلال هذه المرة، إنما الفلسطينيون المبعدون هم من أقاموا معسكر خيامهم الذي لم يرده جيش الاحتلال في حينه. معسكر احتجاج لا اعتقال أقامه المنفيون احتجاجًا على نفيهم، إذ أصروا على البقاء مُجمعين مع بعضهم كجماعة وحركة احتجاجية واحدة موحدة على مطلبهم بالعودة إلى ديارهم في فلسطين، بينما أراد لهم جيش الاحتلال أن يتفرقوا مُبعدين في الأراضي اللبنانية.

وهذا على عكس حالة نفي بعض الغزيين من المدنيين في سنة 1971 من ديارهم ثم احتجازهم في معتقلي أبو زنيمة ونخل اللذين أشرنا إليهما سابقًا. فمرج الزهور كان نفيًا لمعتقلين أسرى أصلًا، من مهاجعهم في سجون الاحتلال إليه، ما دفع المبعدين الأسرى إلى التعسكر في موقعهم إلى أن تمت عودتهم.

معسكر اعتقال حروب غزة
سديه تيمان
منذ عام 2007 وقطاع غزة كله يعاني من حصار، فقد حوّل جيش الاحتلال القطاع بحصاره إلى أشبه بمعسكر اعتقالٍ جماعي كبير. يعاقب الاحتلال سكان القطاع بأدوات ووسائل مختلفة، منها تقييد حرية التنقل والسيطرة على إيقاع حركة الدخول والخروج منه. ومع ذلك، ظلَّ الاحتلال يشن حروبه المتقطعة في ظل عدوانه المتواصل على قطاع غزة وسكانه منذ ذلك التاريخ. لم يكتفِ جيش الاحتلال بحروبه على المعتقل الكبير (القطاع)، إنما أقام معها معتقلاتها، كان “سديه تيمان” أشهرها الذي صار أكثرها وحشية في ظل الحرب الحالية، فهو مُعتقل حروب غزة.

سديه تيمان، بالعربية “ميدان أو ساحة اليمن” معسكر للجيش أقامه البريطانيون شمالي مدينة بئر السبع على بعد 5 كيلومترات منها في الحرب العالمية الثانية. أطلق الصهاينة على المعسكر تسميته في مطلع خمسينيات القرن الماضي على إثر ما يُعرف بالأدبيات الصهيونية عملية “أجنحة النسور” وأحيانًا “البساط السحري” في إشارة إلى دور الطائرات المدنية الصهيونية التي نقلت اليهود اليمنيين من موطنهم الأصلي في اليمن إلى فلسطين المحتلة على ثلاث دفعات ما بين الأعوام 1949-1951، فكان مهبط تلك الطائرات في ذلك المعسكر الذي صار يُعرف منذ عام 1951 بميدان اليمن. وما زال معسكر سديه تيمان يتضمن مهبطًا للمروحيات العسكرية الإسرائيلية، ولطائرات السياحة الداخلية كذلك.

نُطلق على معسكر سديه تيمان، تسمية معتقل حروب غزة، لأنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها تفعيل المعسكر معتقلًا للغزيين من أبناء القطاع في ظل الحرب الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال عليهم. فقد تم تفعيله سابقًا، في عدوان سنة 2008 – 2009، وكذلك في عدوان عام 2014، حيث جرى تفعيله معتقلًا لاحتجاز مئات الغزيين المدنيين لعزلهم والتحقيق معهم فيه، في ظل العدوان. غير أنه كان تفعيلًا مؤقتًا لمدة أسابيع قليلة، بما يوازي فترة كل عدوان جرى على القطاع في حينه.

تم تفعيل سديه تيمان في ظل الحرب الإبادة الدائرة حاليًا، بحسب تقارير نشرتها صحف عبرية، منها “هآرتس” و”يديعوت أحرونوت” منذ اليوم التالي على “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبحسب تلك التقارير، أقيم المعتقل في المعسكر أولًا بغرض احتجاز أسرى من عناصر كتائب القسّام فيه، خصوصًا الذين بقوا منهم في مستوطنات الغلاف بعد الهجوم عليها واعتقلوا فيها، حيث جرى نقلهم إلى سديه تيمان.

وبحسب المحامي خالد محاجنة ابن مدينة أم الفحم، الذي كان أول حقوقي يُتاح له منذ بداية تفعيل المعتقل بزيارته مؤخرًا في يوم الأربعاء الموافق 19يونيو/حزيران 2024 يؤكد على أن معظم معتقلي سديه تيمان من المدنيين الغزيين الذين يتم اعتقالهم من القطاع ونقلهم إليه، بينما معظم أسرى عناصر كتائب القسّام وباقي فصائل المقاومة الأخرى جرى نقلهم إلى معسكرات ونقاط تحقيق عسكرية أخرى منها سجن “عوفر” غربي رام الله في الضفة الغربية، الذي يتبع لمصلحة السجون الإسرائيلية، هذا فضلًا عن معسكرات الاعتقال الميدانية – الجماعية التي أقامها جيش الاحتلال داخل قطاع غزة في ظل الحرب، مثل معتقل “صوفا” في خان يونس.

يشرف جيش الاحتلال على إدارة شؤون معتقل سديه تيمان، بعيدًا عن أي دور لمصلحة السجون الإسرائيلية فيه، ويقدّر عدد المعتقلين الغزيين فيه بنحو 1000 إلى 1200 أسير، تزايد هذا العدد وتراجع خلال أشهر الحرب، فلا إحصاءات دقيقة للأعداد فيه لأن حركة الاعتقال والنقل من غزة إليه جارية يوميًا، كما يتكتم الجيش عن أي معلوماتٍ متصلة بالمعتقل والمعتقلين في سديه تيمان.

ولولا الالتماس الذي قدّمته بعض المنظمات الحقوقية “اليهودية” لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية مؤخرًا، إثر شهادات وتقارير حقوقية وإعلامية كشفت بدورها عن الممارسات والفظائع الوحشية التي يمارسها جيش الاحتلال على الأسرى الغزيين المعتقلين فيه، ما كان للجش أن يقدّم تقاريره في الأيام الأخيرة الماضية عن إجراءاته في داخل المعتقل، والسماح لمحامين بزيارته بتوكيلٍ من ذوي المُعتقلين.

ما الذي يؤديه “سديه تيمان”
في مقابلة أجريناها قبل أيام مع المحامي محاجنة، والذي نقل لنا عن موكله الأسير الصحفي محمد عرب المعتقل منذ أكثر من مئة يوم في سديه تيمان، شهادة هذا الأخير عن أهوال يعيشها أسرى سديه تيمان الغزيين فيه ولا يروها بالضرورة، لأنهم معصوبو الأعين على مدار الساعة كما نقل عرب لمحاميه. جلوس على مدار الساعة بوضعية لا تسمح للأسرى بالوقوف ولا النوم في الوقت نفسه، لا نوم في النهار إلا في الليل وعلى الأرض في ساعات محددة ومحدودة بلا فراش أو غطاء، والإبقاء عليهم بثيابهم دون السماح لهم بتبديلها يقول عرب لمحامية الذي لم يتح له تبديل بنطاله منذ اعتقاله إلا في يوم زيارة محاميه محاجنة له بعد مئة يوم.

حمّامات لا تصلح للاستخدام الآدمي، والاستحمام غير ممكن إلا مرة واحدة في الأسبوع ومشروط بمدة دقيقة واحدة، والذي يتجاوز ذلك يعاقب على هامش العقاب، ما يضطر الأسرى للاستحمام بثيابهم كسبًا للوقت. الطعام – هذا إذا صحت تسمية الطعام عليه – يقدم بما يمنع موت الأسرى جوعًا دون أن يمنع التجويع، ومياه الشرب غير متوافرة إلا في حمّامات التبرز. لا يقيمُ الأسرى الغزيون المعتقلون في سديه تيمان الصلاة، لكنهم يصلون بأعينهم فقط، المعصوبة التي لا ترفع عنها العصبة إلا في أوقات محددة مثل الاستحمام أو الاستجواب أو عند إقامة حفلات الاغتصاب المتوحشة، وقد أرغم محمد عرب بحسب ما نقله على مشاهدة ست حالات اغتصاب مارسها مجندو ومجندات جيش الاحتلال على ستة أسرى معتقلين في المعتقل.

في الأسابيع الأخيرة، تداولت شبكات التواصل الاجتماعي صورًا لكلاب جيش الاحتلال في قطاع غزة تهاجم نساء مُسنات إلى حد نهشهن داخل بيوتهن، إلا أن دور تلك الكلاب المدربة لم يقف عند التتبع والهجوم ونهش لحم الغزيين، إنما بحسب ما نقله وليد الخليلي – مُعتقل من غزة أفرج عنه من سديه تيمان قبل أيام – في مقابلة معه أن الكلاب باتت تقوم بمهمة اغتصاب الأسرى المعتقلين نيابة عن أصحابها من مجندي جيش الاحتلال في المُعتقل.

ليس سديه تيمان معتقلًا للأسرى على هامش الحرب في ظلها، إنما هو واحد من أكثر أدواتها وحشية، وربما هذا ما يميز وحشيته عن أي معسكر اعتقال جماعي – ميداني أقامه جيش الاحتلال في تاريخ حروبه، فقد كان الاعتقال يقوم على هامش الحرب، لأغراض الحبس والعزل والاستجواب والتحقيق، فحتى التعذيب كان يظلُّ على هامش الاعتقال، بينما في سديه تيمان، فإن الاعتقال جارٍ على هامش التعذيب المستمر بما يتضمنه من ممارسات فيها إهانة وإذلال تنزع نحو نزع الصفة الآدمية عن المُعتقلين الغزيين فيه، وذلك ليس لأن لا محاكم قانونية يقدم إليها الأسرى المعتقلون، إنما لأنه ليس من تهمة متهَمون بها كي يحاكموا عليها غير أنهم غزيون، ما يستدعي بالنسبة للصهاينة كل حفلة الانتقام المنظمة الجارية حتى اللحظة من جانب، ولكسر الإنسان الغزي بنزع الصفة الآدمية عنه لجعله يتذكر السابع من أكتوبر على طريقة سديه تيمان من جانب آخر.

المصدر: نون بوست