ترجمة وتحرير: نون بوست
يقول أحد الآباء: “بدلاً من اللعب والقفز يفكر في كيفية مساعدتنا على البقاء على قيد الحياة”.
كان محمد، الذي يبلغ من العمر 8 سنوات، يحلم يومًا بأن يصبح مهندسًا مثل والده؛ إلا أن الصراع المستمر الذي دمر غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قد غير بشكل كبير عقلية محمد البريئة وأخوته وعدد لا يحصى من الأطفال الآخرين.
لقد هرب محمد ووالداه وأشقاؤه الثلاثة من منزلهم في حي الجلاء بغزة في 13 تشرين الأول/ أكتوبر؛ حيث لجأوا في البداية إلى خان يونس ثم إلى رفح قبل أن ينتهي بهم المطاف أخيرًا في خيمة في منطقة المواصي الممتدة من غرب رفح إلى غرب خان يونس، وهي منطقة تصنفها إسرائيل كمأوى آمن.
لقد كان للتهديد المستمر بغارات جوية إسرائيلية والتشرد المؤلم أثر كبير على محمد وعائلته، ولكن لا يوجد شيء مؤلم بالنسبة لوالديه أكثر من رؤية أطفالهم يفقدون براءتهم ويتحولون إلى أرواح عجوزة في أجسام صغيرة.
أُجبر محمد، الذي كان يومًا نشيطًا وذكيًا ويحب لعب كرة القدم ومساعدة جده في أنشطته التجارية، الآن على النضوج في وقت مبكر جدًا؛ حيث حولته الحرب إلى طفل يعرف عن البقاء على قيد الحياة أكثر من اللعب. وقال والده: “محمد أصبح خبيرًا في إضاءة النيران للطهي وملء جالونات الماء وزراعة وري البذور أمام الخيمة”.
وأضاف أبو محمد: “قبل مغادرتنا رفح، كنت أنا ومحمد نسير في شوارع المدينة. وبينما كنت أتوقف لبعض الوقت لإجراء محادثة قصيرة مع صديقي، نظرت حولي لأرى محمد يبتعد قليلًا ليجمع الحطب من أحد المنازل المدمرة، على الرغم من أنني لم أطلب منه فعل ذلك. وعندما سألته لماذا تجمع الخطب، قال لي إننا لسنا بحاجة لشرائه”.
وتابع: “لقد حطمت تلك اللحظة قلبي. فبدلاً من اللعب والقفز، يفكر محمد في كيفية الاقتصاد في النفقات وكيفية مساعدتنا على البقاء على الحياة”.
قبل أن تبدأ هذه الحرب؛ كانت الأولوية لأم محمد هي تعليم أطفالها. فقد كانت حريصة على تشجيع أولادها ودفعهم للاجتهاد في الدراسة ومتابعة دروسهم لمساعدتهم على التفوق في فصولهم.
قالت أم محمد: “كنت أشعر بسعادة غامرة كلما حصل أطفالي على درجات كاملة ولم أشعر بالرضا أبدًا إذا ما فاتتهم أكثر من علامتين. طالما أردتهم أن يكونوا متفوقين قبل كل شيء”.
ولكن الأطفال بعيدون عن المدرسة منذ حوالي ثمانية أشهر. وتحاول أم محمد أحيانًأ دفع لمى، أكبرهم سنًا، وإخوتها لكتابة بعض الجُمل أو القيام ببعض العمليات الحسابية. وتقول: “غالبًا ما تنجح لمى، لكن محمد فعادة ما يفشل، أما ريما فلا تنجح أبدًا”.
وتبلغ لمى من العمر 11 سنة، وهي فتاة ذكية وهادئة، وتحب الرسم وصنع الإكسسوارات، كما أنها كانت الأولى في فصلها. أما الآن، فهي تقضي وقتها إما في مساعدة والدتها في طهي الطعام على الحطب أو في غسل الملابس. وتقول والدتها: “تبدو لمى وكأنها كبرت ثمانية سنوات وليس ثمانية أشهر في هذه الحرب”.
ومع ذلك، تعتبر لمى أوفر حظًا من أختها الأصغر ريما؛ فعلى الأقل كانت لديها الفرصة لاجتياز أربع صفوف مدرسية، بينما لم تحظى ريما بذلك؛ ففي هذه اللحظة، كان من المفترض أن تكون ريما تحتفل بتخرجها من الصف الأول.
فهي لا تملك المهارات الكافية في القراءة والكتابة، حيث لم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة سوى لشهر واحد قبل أن تشن “إسرائيل” حربها على غزة، كما حالت المشاكل المالية دون التحاقها بروضة الأطفال، ومع ذلك كانت والدتها حريصة على تعليمها، فقد اعتادت أم محمد على تعليم ريما الحروف والأرقام في المنزل، وكانت تنتظر بدء الصف الأول الابتدائي حتى تتمكن ريما من الالتحاق بالمدرسة مجانًا.
ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛حُرِم حوالي 300.000 طالب من حقهم في إكمال تعليمهم نتيجة للحرب القاسية على قطاع غزة الممتدة لأكثر من سبعة أشهر؛ حيث يعانون خلالها من أشكال متنوعة من الموت والتشرد والخوف والجوع.
وتحاول أم محمد أحيانًا أن تدفع أطفالها لتلاوة القرآن، ولكن حتى هذا الأمر يبدو صعبًا، فالعيش في خيمة يشبه في الأساس العيش في العراء. وقالت: “من الصعب الحفاظ على تركيز الأطفال؛ فالبيئة فوضوية وصاخبة طوال الوقت. وأنت تسمع الجميع من حولك في المقابل”.
ومع ذلك، في خضم اليأس، يبقى الأمل موجودًا؛ حيث يقول أبو محمد: “نتمسك بالأمل في أن يتمكن أطفالنا يومًا ما من العودة إلى مدارسهم وكتبهم وأحلامهم”.
المصدر: ذا نيشن