يحذر خبراء ومحللون سياسيون فلسطينيون من تداعيات القرارات الأخيرة التي صادق عليها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت" بشأن تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وسحب صلاحيات السلطة الفلسطينية المدنية في ما يعرف بمناطق "B"، وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، وشرعنة العديد من البؤر الاستيطانية فيها، واصفين إياها بأنها "نكبة جديدة".
وصادق المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) على شرعنة خمس بؤر استيطانية في الضفة الغربية، والدفع بمخططات لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في أنحائها، وعقوبات أخرى على مسؤولين فلسطينيين، بحسب ما أعلن وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش في بيان صدر عنه.
وبؤر الاستيطان الخمس "تقع في مواقع استراتيجية" في الضفة الغربية، وهي "أفيتار" المقامة على أراضي نابلس شمالي الضفة، و"سادي إفرايم" و"غفعات أساف" المقامتان على أراضي رام الله والبيرة وسط الضفة، و"حالتس" على الأراضي الواقعة بين الخليل وبيت لحم جنوبي الضفة، والبؤرة الاستيطانية "أدوريم" المقامة على أراضي الخليل، فضلاً عن "طرح مناقصات بناء استيطاني، ودعوة مديرية التخطيط العليا للاجتماع والمصادقة على خطط بناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة". كما قرر الكابينت "إنفاذ القانون ضد البناء المتفشي في صحراء يهودا (برية القدس/ الخليل)"، وتطبيق القانون في المناطق "ب" ضد "الأضرار التي لحقت بالمواقع التراثية والمخاطر البيئية"، إضافة إلى فرض عقوبات على مسؤولين فلسطينيين وسحب امتيازات منهم.
تطهير عرقي صامت
وفي هذا السياق، يرى الخبير في شؤون الاستيطان خليل تفكجي، في حديث مع "العربي الجديد" اليوم السبت، أنّ ما يجري الآن داخل الضفة الغربية هو عملية تطهير عرقي صامت. ويضيف: "في بعض الأحيان، يُعلَن عنها أنها عمليات ضم في مناطق (ب)، حيث بدأت سلطات الاحتلال بالتدخل في البناء الفلسطيني، وبالتالي، إذا نظرنا إلى ما يجري بشكل شمولي، فإنّ الجانب الإسرائيلي ينفّذ برنامجاً كبيراً وخطيراً جداً من خلال عمليات الهدم والتجريف الواسعة في مخيمات الضفة، وهي عمليات تهجير من المخيمات إلى خارجها، إضافة إلى تسليح المستوطنين وما يجري في منطقة العروب وخربة صافا في منطقة بيت أمر، هذا كله يندرج ضمن عملية دفع الفلسطينيين باتجاه الخارج".
ويشير تفكجي إلى أنّ ذلك أظهره الاستطلاع الأخير بشأن هجرة الشباب، باستخدام الضغط الاقتصادي والأمني الذي يؤدي إلى تهجير غير معلن، "ليس كما حدث ويحدث كل يوم في قطاع غزة؛ بل بأسلوب آخر من خلال اعتداءات المستوطنين ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وحرق المزروعات والأشجار وتشديد القبضة الأمنية الإسرائيلية التي باتت تبدو أكثر تطرفاً، والاعتراف بالبؤر الاستيطانية التي أقيمت في الضفة وشرعنتها وتغيير كل ما يتعلق بالمستوطنات بالرؤية الإسرائيلية، وبالتالي التطبيق العملي للاستيطان وبأن الدولة الفلسطينية في مكان آخر"، بحسب قوله.
الاستيطان لحسم قضية الضفة والقدس نهائياً
أما عن الأبعاد السياسية للخطوات الأخيرة، فيوضح تفكجي أنها عملية ترسيم حدود وحسم قضية الضفة الغربية والقدس بشكل نهائي، أو كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "نحن لم نحتل القدس، نحن حررنا القدس". أما الخطوة التالية، فيذكّر تفكجي بأنّ نتنياهو يتكلم عن دولة واحدة ما بين البحر والنهر، مدعومة بشكل كبير من الولايات المتحدة. ويضيف: "لنتذكر ما قاله نتنياهو، نحن نحارب العماليق، وقد استخدم التوراة لتنفيذ المشاريع الإسرائيلية وادعاء أنّ هذه الأرض كانت محتلة من الفلسطينيين، وأنه يقوم بتحريرها".
وفي ما يتعلّق بتكثيف عمليات الهدم في الضفة الغربية ومحيط القدس، يقول الخبير في شؤون الاستيطان إنّ "عمليات الهدم هذه هي ضمن سياسة وبرنامج واضح تماماً للسيطرة على منطقة (ج)، فعندما تُهدم منازل في منطقة أم الخير بمسافر يطا، فإن هذا يدل على أن الجانب الإسرائيلي ينفذ السياسة الإسرائيلية الواضحة تماماً تجاه قضية البدو وعملية التطهير العرقي وترسيم حدود جديدة لمنطقة الأغوار من الشمال حتى الجنوب". ويتابع: "الذي يجري الآن هو أنّ هناك حكومة مدنية إسرائيلية في الضفة استُبدلت بدلاً من الحكم العسكري، وضع لها (بتسلئيل) سموتريتش ميزانيات ضخمة للبدء بتنفيذها، وفرض أمر واقع جديد على الفلسطينيين يقضي على حلمهم بالدولة المستقلة".
نكبة جديدة أخطر من السابقة
من جهته، يصف المحلل السياسي والإعلامي المقدسي راسم عبيدات هذه القرارات بأنها نكبة أخطر من نكبة عام 1948، والهدف منها طرد وتهجير سكان الضفة والقدس والداخل الفلسطيني. ويقول عبيدات لـ"العربي الجديد": "عندما يتحدث الرئيس الأميركي (جو بايدن) وإدارته عن وطن للفلسطينيين أو دولة للفلسطينيين لا تُعرف حدودها ولا جغرافيتها ولا ماهيتها، فهذا حديث عن الوطن البديل في الأردن، فهم لا يتحدثون عن دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس".
أموال المقاصة
وفي ما يتعلق بالضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين وسلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يقول عبيدات إنّ "سموتريتش يفرج عن أموال المقاصة بشكل جزئي حتى لا تموت السلطة وبقرار أميركي -غربي وعربي رسمي، مع تقليص دورها وصلاحياتها والتحكم في قيادتها، منهم من يبقى ويستمر، ومن يطرد، ومن تفرض عليه قيود، في حين يقوم بشرعنة البؤر الاستيطانية وإغراق الضفة بالمستوطنات".
ويضيف عبيدات: "حال سلطة أوسلو تماماً كحال دول النظام الرسمي العربي، فما عرف بمبادرة سلامهم العربية التي أقرّت في قمة بيروت 2002، الأرض مقابل السلام، وصلت الآن إلى مرحلة التطبيع مقابل السلام، والبعض تجاوز ذلك إلى التعاون والتنسيق والتحالف مع إسرائيل.. هناك قيادات ونخب منهارة مستعدة في سبيل مصالحها لبيع كل شيء".
ويتابع عبيدات: "الواقع أنّ ما أعلن عنه من خطوات بشأن الاستيطان يأتي تنفيذاً لخطة وزير المالية سموتريتش بسحب الصلاحيات الأمنية للسلطة في مناطق (أ)، وتحويل الضفة الغربية من أراض فلسطينية محتلة فيها وجود استيطاني غير شرعي إلى أراض إسرائيلية تحاصر فيها المستوطنات وطرقها والبؤر الاستيطانية الوجود الفلسطيني، وتحويل هذا الوجود إلى غيتوهات معزولة، إضافة إلى القيام بعمليات هدم واسعة لبيوت ومنشآت فلسطينية في مناطق (ب) و(سي) وحتى (أ)".
المصدر: العربي الجديد