2024-11-21 08:35 م

رد حماس على مقترح بايدن.. الاحتلال يريده “شيكًا على بياض”

2024-06-12

سلمت حركتا المقاومة الإسلامية “حماس” و”الجهاد الإسلامي” ردهما على مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أعلن عنه نهاية مايو/أيار الماضي ودعمه مجلس الأمن الدولي في جلسة الاثنين 10 يونيو/حزيران الجاري والذي يهدف إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الحكومة الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية.

وبحسب المصادر فقد تضمن الرد الذي سلمه رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة الجهاد، زياد النخالة، إلى رئيس الوزراء وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مساء الثلاثاء 11 من الشهر الجاري، تعديلات على المقترح المقدم، بما يتماشى مع رؤية وأهداف المقاومة.

وكانت كل من الدوحة والقاهرة قد أعلنتا في بيان لهما تسلمهما الرد، وأكدتا على استمرار وساطتهما المشتركة مع الولايات المتحدة لحين التوصل إلى اتفاق، فيما رحبت الإدارة الأمريكية على لسان منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي جون كيربي، بتلك الخطوة التي اعتبرها مفيدة في حد ذاتها، لافتًا إلى أنه سيتم مراجعتها بدقة وبالوقت الكافي قبل الرد عليها بشكل رسمي.

بعد دقائق قليلة من بيان الخارجية القطرية التي أكدت فيها تسلمها رد المقاومة، غير المعلن تفصيله، وأنها ستبحثه مع بقية الشركاء، شن الإعلام العبري هجومًا حادًا على حماس، متهمًا إياها برفض المقترح وعرقلة إتمام الصفقة، في خطوة أثارت الكثير من الجدل عن دوافعها في ظل تباين وجهات النظر داخل الحكومة الإسرائيلية – المُسيطر عليها من اليمين المتطرف – بشأن مسألة التهدئة والقبول باتفاق يُنهي الحرب.

تفاصيل رد حماس
لم يتم الإعلان رسميًا عن تفاصيل رد حماس والجهاد على مقترح بايدن، لكن وبحسب تصريحات قادة الحركتين فإن الرد تضمن بعض النقاط الرئيسية أبرزها:

– تشديد التعديلات على وجوب وقف إطلاق النار والانسحاب والإعمار وصفقة التبادل، كما جاء في تصريحات الناطق الرسمي باسم حماس جهاد طه، الذي أكد أن الحركة تأمل “أن تأخذ هذه التعديلات طريقها لمعالجة ما خلفه العدوان وبما يخدم قضايا شعبنا الوطنية”، مؤكدًا جهوزيتها “لمناقشة أي تفاصيل مع الأخوة الوسطاء عبر المفاوضات التي تجري”.

– يتسم رد الفصائل بالمسؤولية والجدية والإيجابية وينسجم مع مطالب الشعب الفلسطيني والمقاومة، ويفتح الطريق واسعًا للتوصل لاتفاق، كما جاء على لسان عضو المكتب السياسي لحركة حماس، عزت الرشق، الذي اعتبر التحريض الإسرائيلي على هذا مؤشرًا على محاولات التهرب من استحقاقات الاتفاق.

– اقترحت حماس جدولًا زمنيًا جديدًا لوقف دائم لإطلاق النار مع الكيان المحتل وانسحاب القوات الإسرائيلية من كل مناطق قطاع غزة بما في ذلك رفح ومحور فيلادلفيا، وفق ما نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول في الحركة.

– أكدت كل من مصر وقطر والولايات المتحدة تلقيهم رد المقاومة، ورحبوا بالخطوة من حيث المبدأ، مؤكدين على بحث هذا الرد ومناقشته بين الوسطاء من أجل التوصل إلى أرضية مشتركة يمكن البناء عليها في تقريب وجهات النظر لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار.

هجوم إسرائيلي على الرد
استبق الإعلام الإسرائيلي رد حماس والجهاد بالهجوم العنيف، حيث نقلت مواقع عبرية من بينها موقع “واينت” عن مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، لم تسمه، قوله إن حماس رفضت المقترح، مضيفًا أنها غيرت جميع الأمور الجوهرية في الورقة المقدمة.

المسؤول رفيع المستوى استند في هجومه إلى ما قاله الرئيس الأمريكي بشأن ضرورة قبول حماس للمقترح كما هو، والتوقيع عليه وتنفيذه بالصيغة المنقولة، وفي ظل إدخال بعض التعديلات عليه فإن الأمر بهذه الكيفية خرج عن الآلية التي أكدها بايدن ومعنى ذلك أن الحركة رفضت المقترح، بحسب المسؤول.

كان واضحًا منذ إعلان بايدن عن المقترح في 31 مايو/أيار الماضي، محاولة حكومة الاحتلال إلقاء الكرة في ملعب حماس، والضغط عليها من خلال استدراجها للرد السريع رغم غموض الكثير من البنود التي تضمنها المقترح، الأقرب للأفكار العامة منها إلى مشروع قرار مكتمل، وهي المسألة التي أثارت شكوك وتخوفات الكثير من المراقبين.

يأتي هذا الاستدراج في ظل تباين الموقف الإسرائيلي إزاء المقترح رغم تأكيد بايدن أنه مقترح إسرائيلي، حيث تصاعد الانقسامات الحادة داخل الحكومة بشأن قبوله ورفضه، هذا في الوقت الذي يهيمن فيه اليمين المتطرف على عقل وفكر وقرار نتنياهو، الأمر الذي يشير إلى رفض الحكومة في المجمل للاتفاق حتى إن ادعى بايدن غير ذلك، كمحاولة للضغط على المقاومة وجرجرتها للرد السريع دون انتظار الرد الإسرائيلي.

شيك على بياض
تجدر الإشارة بداية إلى أن المقترح المقدم لم يصل بعد إلى مستوى المشروع المتكامل، فهو عبارة عن أفكار وخطوط عامة غير مفصلة، وتعتمد على مفردات ومصطلحات فضفاضة، وهو ما يجعلها قابلة لأكثر من تأويل، وتخضع للقراءات الشخصية غير الثابتة، وهنا يكمن الخطر الذي تستشعره المقاومة، خاصة بعد التصريحات الإسرائيلية المتكررة بشأن التأكيد على عدم إنهاء الحرب وضرورة القضاء على حماس بالكامل وتحرير جميع الأسرى المحتجزين لديها.

وعليه جاء رد الفصائل استفهاميًا أكثر منه تقريريًا، حيث تضمن عددًا من التساؤلات والاستفسارات بشأن بعض بنود المقترح التي تحتاج إلى تفصيل وحزم وإزالة الغموض والضبابية عنها بما يؤدي إلى قراءتها بأكثر من تفسير، لا سيما المسائل المتعلقة بالانسحاب الكامل من كل مناطق القطاع – وليس المناطق المأهولة بالسكان فقط -، والسماح بعودة كل النازحين – وليس النساء والأطفال وكبار السن فقط – إلى كل المناطق بما فيها الشمال، كما نقلت شبكة “ABC” الأمريكية عن مسؤول مطلع على هذا الملف.

الاحتلال لا يريد لحماس الاستئناف على المقترح، ويسعى للضغط من أجل قبوله بتلك الصيغة الفضفاضة، والتي هي بمثابة تقديم “شيك على بياض” لحكومتي نتنياهو وبايدن من أجل تكييف الاتفاق حسب الأهواء الإسرائيلية، ويخدم مصالح الديمقراطيين في توظيف ذلك دعائيًا قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

نتنياهو وحكومته يريدان المرحلة الأولى فقط من الاتفاق التي تتضمن وقف إطلاق النار لحين إطلاق جميع الأسرى، وبذلك يجرد المقاومة من سلاحها الأقوى وورقتها التفاوضية الأكثر تأثيرًا، ثم يعاود مجددًا الحرب بأريحية كاملة بعدما يكون قد تجرد من ضغط عائلات الأسرى والشارع الإسرائيلي، وحينها لن تكون هناك ضمانات لإجباره على وقف القتال مرة أخرى.

تفطن حماس وبقية الفصائل لهذا الفخ جيدًا، وتعلم أن الموافقة على أي اتفاق لا يتضمن – صراحة وعلانية وبشكل واضح – شروطها التي لا يمكن التخلي عنها وعلى رأسها إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من كل القطاع وإعادة كل النازحين إلى مناطقهم دون استثناء، هو بمثابة انتحار سياسي وعسكري وإلقاء الانتصارات – ذات الكلفة الباهظة – التي حققتها عملية الطوفان وما تلاها من الصمود الأسطوري منذ أكتوبر 2023 وحتى اليوم في البحر.

تدرك المقاومة أن نتنياهو لا يريد الاتفاق، في ظل هيمنة اليمين المتطرف عليه، لكنه يناور من خلال إلقاء الكرة في ملعب حماس عبر ورقة فضفاضة لا تحقق الحد الأدنى من الاتفاق الكامل، وعليه جاءت مناورتها هي الأخرى بالرد الدبلوماسي الذي يبقى الباب مفتوحًا، وفي المقابل يعلم نتنياهو أن حماس لن توافق على اتفاق لا يحقق شروطها المرفوضة بطبيعة الحال من حكومته المتطرفة.

في ظل تلك المعادلة الصعبة، من المرجح أن يستغرق الأمر وقتًا ليس بالقليل من أجل مناقشة الرد والرد المضاد، فيما تبقى عملية التوصل إلى اتفاق نهائي رهينة تطورات المشهد الميداني وقدرة المقاومة على الصمود وتكبيد الاحتلال مزيدًا من الخسائر بما يزيد تأجيج الضغوط الداخلية عليه، هذا بخلاف الضغط الأمريكي على حكومة نتنياهو كلما اقترب موعد الانتخابات.

المصدر: نون بوست