قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن "تحرير" 4 أسرى إسرائيليين من وسط قطاع غزة كان بمثابة "دفعة إيجابية للإسرائيليين الذين أنهكتهم الحرب"٬ إلا أنه بعيد كل البعد عن صورة "النصر الكامل" الذي يتحدث عنه نتنياهو ويروج له٬ ولا ينبئ بأي تغيير استراتيجي في الحرب مع حماس٬ بل قد تدفع هذه العملية التي قتلت فيها القوات الإسرائيلية أكثر من 200 فلسطيني في مخيم النصيرات٬ إلى "تشديد حماس لمطالبها في محادثات وقف إطلاق النار".
بحسب الصحيفة الإسرائيلية أعطت العملية في النصيرات "دفعة ضرورية" للإسرائيليين، بعد أسابيع طويلة من الأخبار السيئة على إسرائيل بسبب الحرب في غزة٬ رغم مقتل كبير مفتشي الشرطة الضابط أرنون زامورا من وحدة اليمام خلال تنفيذ العملية٬ لكن برغم كل ذلك٬ لا يعد هذا الحدث تحولاً في المعركة ولن يغير من طبيعة إدارتها.
في الأشهر الثمانية التي مرت منذ أسر أكثر من 250 إسرائيلي في غزة معظمهم جنود، يزعم الجيش الإسرائيلي أنه تم إنقاذ 7 أسرى في 3 عمليات منفصلة بعضهم جثث بسبب مقتلهم في غارات إسرائيلية. وتقول هآرتس إنه بعد هذه العملية التي انتهت بمجزرة٬ من المرجح أن تقوم حماس بتغيير أوضاع الأسرى المتبقين لديها وتشديد حراستهم عن كثب٬ وستحاول بكل تأكيد التعلم من بعض الأخطاء التي حصلت.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية٬ من غير الواقعي أن نتوقع إمكانية إنقاذ الأسرى 120 المتبقين لدى كتائب القسام٬ الذين لم يعد عدد منهم على قيد الحياة، باستخدام أساليب مماثلة.
وكان أبو عبيدة -الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- قد قال مساء السبت إن جيش الاحتلال الإسرائيلي تمكن عبر ارتكاب "مجازر مروعة" من استعادة بعض من أسراه في قطاع غزة، لكنه في نفس الوقت قتل بعضهم خلال العملية. وحذر أبو عبيدة -في بيان له- من أن العملية ستشكل "خطراً كبيراً" على أسرى الاحتلال وسيكون لها أثر سلبي على ظروفهم وحياتهم، وفق تعبيره. وأضاف: "ما نفذه العدو الصهيوني في منطقة النصيرات وسط القطاع جريمة حرب مركبة وأول من تضرر بها هم أسراه".
تقول هآ رتس٬ كان الأسرى الذين تم إخراجهم من غزة يوم السبت محتجزين فوق الأرض في منازل فلسطينية٬ وهم ليسوا من العسكريين٬ بل تم أسرهم من حفلة رعيم في غلاف غزة. ويشير الانطباع الأولي من مظهرهم إلى أنهم عوملوا "بشكل معقول" من قبل كتائب القسام.
ومن المفترض أن العديد من الأسرى المتبقين محتجزون في الأنفاق، في ظروف ربما أسوأ. وليس لديهم كل الوقت لانتظار ظهور الظروف المواتية لإخراجهم. وبكل تأكيد إسرائيل اليوم ليست قريبة من "النصر الكامل" في القطاع، ومن المرجح أن عودة عدد كبير من الأسرى لن تتم إلا في إطار صفقة تتطلب تنازلات كبيرة من قبل حكومة نتنياهو.
بحسب هآرتس٬ فقد نوقشت منذ فترة طويلة إمكانية إنقاذ الأسرى الإسرائيليين من مخيمات اللاجئين في وسط غزة، وتجنب الجيش الإسرائيلي العمليات البرية في المنطقة بشكل شبه كامل. كما أن نشاط فرقة المظليين 98 في المنطقة، والذي بدأ قبل أيام، كان يهدف أيضاً إلى تحويل مسار عملية الإنقاذ. وظهرت المعلومات الاستخبارية عن موقع نوعا أرغاماني عدة مرات، وتم اتخاذ الاستعدادات لإنقاذها في وقت سابق.
وفي الأسابيع الأخيرة، وردت معلومات استخباراتية موثوقة مفادها أنها وثلاثة أسرى آخرين محتجزون في شقق منفصلة في مباني متعددة الطوابق، على بعد مئات الأمتار من بعضهم البعض داخل مخيم اللاجئين المزدحم. وتم وضع خطة تعتمد على تكنولوجيا متقدمة ومعلومات استخباراتية واسعة النطاق، وتدربت عليها القوات الإسرائيلية بشكل مكثف بدعم أمريكي.
وقد لعب رئيس وحدة المفقودين والأسرى في الجيش الإسرائيلي، اللواء (احتياط) نيتسان ألون – وهو هدف مفضل للهجوم عليه من قبل آلة الإعلام التابعة لنتنياهو – دوراً هاماً في هذا الأمر. وإلى جانب التقدم في محادثات الرهائن، تشارك الوحدة في جميع الاستعدادات العسكرية لعمليات الإنقاذ، معتمدة على خبرة ألون الكبيرة في هذا المجال. وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتزل هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار كانوا على اطلاع على مجريات العملية.
وبررت صحيفة هآرتس الكثافة النيرانية التي فتحتها القوة الإسرائيلية على الفلسطينيين في النصيرات٬ قائلة إنه خلال عملية الانقاذ٬ واجهت القوة صعوبات وإطلاق نار من قبل مسلحي حماس٬ حيث قتل قائد الوحدة الضابط زمورا. ثم علقت سيارة الإنقاذ التي تقل الرهائن في قلب مخيم النصيرات٬ وتجمع في الموقع العديد من المسلحين بالرشاشات والقذائف الصاروخية. بالتالي كان لا بد من استخدام قوة نيران هائلة من سلاح الجو الإسرائيلي والقوات الأخرى لإخراج الأسرى ومنقذيهم من المخيم دون أن يصابوا بأذى. مضيفة: "يبدو أن عشرات الفلسطينيين، بينهم مدنيون، قتلوا في العملية".
ما التالي بالنسبة للمفاوضات؟
تقول الصحيفة الإسرائيلية إنه بعد هذا الانتشاء الإسرائيلي٬ فإن أحد الأسئلة التي تطرح الآن هو كيف ستؤثر عملية النصيرات على المفاوضات نحو التوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل. وقد تحاول حماس استخدام الحرب النفسية والإعلان عن مقتل المزيد من الرهائن الذين لم يتضح وضعهم. ويبدو من التصريحات الأولية لكبار مسؤولي الحركة سيحاولون تشديد مطالبهم في المفاوضات.
ولم يرد يحيى السنوار، زعيم حركة حماس في قطاع غزة، حتى الآن على الاقتراح الإسرائيلي الأمريكي الأخير، الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب ألقاه في 31 مايو/أيار٬ والذي رفضه نتنياهو بشكل واضح.
وتضيف هآرتس أن نجاح عملية النصيرات "أعاد القليل من اللون إلى وجه نتنياهو. ولم يقتصر الأمر على منحه إنجازاً يفتخر به، بعد فترة طويلة من خيبات الأمل في غزة، بل إن التوقيت دفع رئيس حزب "الوحدة الوطنية"، بيني غانتس، إلى تأجيل استقالته من الحكومة٬ فيما استغلت الآلة الإعلامية التابعة لنتنياهو للترويج إلى دوره في نجاح هذه العملية.
في النهاية٬ تقول هآرتس إنه لا يزال ينتظر الإسرائيليين أيام صعبة أخرى، ولكن في الوقت الحالي يمكننا أن نكون سعداء بـ"انتصار" يوم السبت٬ على حد تعبير الصحيفة العبرية.
المصدر: عربي بوست