2024-11-24 05:33 م

ثوابت جوهرية غير قابلة للمساومة- المقاومة ترفض اتفاقاً لا يوقف الحرب وينهي الاحتلال

مشكلة الوسطاء في ملف المفاوضات مع المقاومة في غزة، أنهم يتصرفون من موقع أن العدو هو المنتصر، وأن المقاومة في وضع ضعيف يوجب عليها التنازل والقبول بما يُعرض عليها. وهذه العقلية لا تزال تتحكّم بأداء الأميركيين والإسرائيليين من جهة، وحتى المصريين وإلى حد ما القطريين، برغم أن الجولة الأخيرة من المفاوضات، تقصّد العدو بالتعاون مع مصر إبعاد قطر قدر الإمكان عنها.في العقل السياسي الخاص بقيادة قوى المقاومة في غزة، توجد ثوابت جوهرية، وهي لم تعد قابلة للمساومة. صحيح أنه في الأشهر الأولى من الحرب، كان مشهد الجرائم يشكل عنصراً ضاغطاً بقوة على قيادات المقاومة داخل وخارج القطاع، إلا أن المأزق الحقيقي الذي يواجه المشروع الإسرائيلي اليوم، وفشله في تحقيق أهدافه، والتطورات الحاصلة في المنطقة، كلها عناصر تجعل المقاومة تنتقل إلى مربّع يتطلب صلابة كبرى في جوهر الموقف، ولو مع مرونة كبيرة في الشكل.
بهذا المعنى، ووفق هذه العقلية، أعدّت المقاومة ردّها في 14 آذار الماضي، والذي عاد العدو ليقدّم ورقة مضادّة بالتعاون مع المصريين والأميركيين، في 8 نيسان، وانتهى إلى موقف رافض من جانب المقاومة، لأن جوهر ما عُرض يُختصر بجملة واحدة: أعطونا الأسرى واستعدّوا لموجة قتل جديدة!
عملياً، قال المفاوض الفلسطيني مرات عدة، إن أي تفاوض الآن يهدف إلى تحقيق أهداف مركزية لكل طرف. وإذا كان العدو يريد الهدنة لأجل تحرير أسراه، وتريد الولايات المتحدة تخفيف ضغط الرأي العام في العالم، وتريد مصر تقليص حجم التأثيرات على دورها، وتريد قطر الوصول إلى صيغة مقبولة من الجميع، فإن المقاومة تريد أمراً أساسياً، هو يمثّل اليوم الأولوية المطلقة وشبه الوحيدة، ويُختصر بعبارتين: وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال من جهة، وإطلاق عملية الإغاثة لسكان غزة من جهة ثانية.
بناءً عليه، فإن النقاش في الورقة الأخيرة التي نقلها الوسيط المصري إلى قيادة «حماس»، يوم الجمعة الماضي، انطلق من حجم اقتراب الطرف الإسرائيلي من تلبية هذين المطلبين. ولكنّ بنود الورقة، اشتملت على مناورات كلامية وتنازلات شكلية، لكنها لا تلبي لا مطلب وقف الحرب (ولو على مرحلتين)، ولا تلبي مطلب الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال (ولو على مرحلتين)، وكل الجديد المختلف عن الورقة التي سبقتها، يقتصر على زيادة في كمية المساعدات، وسماح لعدد أكبر من الناس بالتجوّل، وإخلاء قوات الاحتلال أماكن الاكتظاظ السكني (علماً أنه لا تواجد اليوم لقوات الاحتلال في أي منطقة سكنية)، مع مرونة من جانب العدو بما خصّ كيفية اختيار أسماء المعتقلين الفلسطينيين المنويّ الإفراج عنهم وأعدادهم. لكنّ الورقة تتحدّث بصورة عامة وغامضة عن مساعٍ لتحقيق هدنة مستدامة، مع عروض بتمديد مدة الهدنة، في حال أطلقت المقاومة أسرى في المقابل.
وعليه، فإن الجواب الذي ينتظره العدو بات معروفاً، هو أن المقاومة تريد ضمانات واضحة ومنصوصاً عنها بوضوح في أي ورقة رسمية، تقول بشكل غير قابل للتأويل إن هدف الهدنة هو الوصول إلى إنهاء الحرب وسحب كل قوات الاحتلال، وفتح الباب أمام عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار.
أما التلويح للمقاومة بأن الأسرى الفلسطينيين يزداد عددهم يوماً بعد آخر، وسوف يبقون لفترة أطول في السجون، فقد جاء الرد عليه من داخل السجون نفسها، حيث قال الأسرى إنهم يتوقون إلى الحرية الآن، لكنهم يعرفون أن المصلحة تقتضي حالياً إغاثة الناس بعد وقف الحرب. ومن جهة ثانية يجري تهديد المقاومة بأن العدو سيقوم بعملية كبيرة في منطقة رفح، وهو أمر لا تريده المقاومة، لكنها مستعدّة له بقوة، وهي تعرف أنه لن يحقق ذلك للعدو ما عجز عن تحقيقه في بقية مناطق القطاع، ولكنه سيكون باباً لجرائم إضافية ضد السكان المدنيين.

كيف يحضّر العدو لإخلاء رفح؟
في هذه الأثناء، تواصل قوات الاحتلال، وبالتنسيق مع القيادة الوسطى في الجيش الأميركي والمخابرات المصرية، العمل على خطة «إخلاء النازحين» من منطقة رفح. وبحسب صحيفة «الأخبار» اللبنانية فإن المداولات أفضت  إلى الآتي:
أولاً: إنذار مصري بوجود حقول ألغام على طول الشريط الحدودي مع غزة، وأن كتائب المقاومة نصبت أشراكاً متفجّرة في كل الطرقات المؤدية إلى المنطقة المستهدفة، علماً أن المعطيات تشير إلى أن الهجوم سينطلق من موقع صوفا ومعبر كرم أبو سالم.
ثانياً: سألت المخابرات المصرية قيادة «حماس» عمّا إذا كانت كتائب القسام في صدد تفجير العوائق الحدودية بقصد دفع النازحين للدخول إلى سيناء. كما ظهر إرباك عند القيادة العسكرية المصرية، حيث تقرّر تعزيز الإجراءات لمنع عبور الناس إلى سيناء، ولكنّ مصر تخشى أن تدبّ الفوضى وأن يحصل صدام مع العسكريين المصريين. وقال الوسطاء إن القاهرة لا تتحمّل ظهور صور لجنود مصريين وهم يطلقون النار على النازحين الفلسطينيين.
رابعاً: طلبت واشنطن إطلاق عملية «إخلاء آمنة» لنحو 800 ألف نازح من المنطقة، وضمان انتقالهم إلى مخيمات وافقت مصر على المساعدة في بنائها، وتقع في المنطقة الممتدة من المواصي جنوباً حتى دير البلح وبعض الأراضي الزراعية غرب خان يونس والوسط.
خامساً: أعدّت قوات الاحتلال خطة لرمي منشورات وبثّ رسائل صوتية إلى هواتف كل المتواجدين في المنطقة، لتحديد طرق السير نحو المخيمات الجديدة، حيث تمّ توفير أربعين ألف خيمة (طلبتها إسرائيل من الصين ودفعت دولة الإمارات ثمنها) على أن تتسع كل خيمة لعشرين فرداً على الأقل.
سادساً: رصدت المقاومة حركة لقوات الاحتلال في أكثر من منطقة عسكرية، يتم فيها حشد كبير لقوات مقاتلة باتجاه غلاف غزة من عدة جهات، ولا سيما المناطق المتاخمة لمحور منطقة رفح. وتم نقل نحو ألف مؤلّلة من دبابات وناقلات جند إلى تلك المنطقة، كما تمت إعادة نقل قوات من المناطق الوسطى والشمالية إلى تلك المنطقة.

الممرّ البحري: تحذير من المقاومة
أما بالنسبة إلى الممر البحري الذي قرّرت واشنطن إقامته لنقل مساعدات من قبرص إلى غزة، فقد أعربت الجهات الأميركية والبريطانية أمام الشركاء في المشروع عن استيائها من تسريب تفاصيل الخطة التي نشرتها «الأخبار» يوم السبت الماضي. وتبيّن لمصادر فلسطينية متابعة أن جهات وسيطة سألت عما إذا كانت هي الجهة التي سرّبت الخطة، خصوصاً أن قيادة المقاومة في غزة والخارج، بعثت برسالة بعد نشر الملف إلى جهات دولية على تواصل مع الأميركيين والبريطانيين والأمم المتحدة، ترفض فيها أي تواجد عسكري لأي جهة كانت على أرض غزة بذريعة تسهيل نقل المساعدات. وعلمت «الأخبار» أن الرسالة قالت بوضوح فاجأ الجهات الدولية، إن «كتائب المقاومة العسكرية سوف تعتبر أي عسكري تطأ قدماه أرض غزة هدفاً معادياً، وسيجري التعامل معه كقوة احتلال».
إثر ذلك، أبلغت السلطات البريطانية الجانب الأميركي قرارها «إعادة النظر» في موافقتها المبدئية على تجهيز شركة أمنية تضم عناصر عسكريين سابقين (اقرأ عناصر مخابراتية فاعلة) لتولّي مهمة حماية المساعدات بعد إنزالها من الرصيف العائم. وقال البريطانيون إنهم لا يملكون أي ضمانة بعدم تعرّض عناصرهم لنيران المقاومة.