2024-11-27 12:29 م

سيناريوهات اجتياح رفح والممرات الإنسانية الاحتلالية «غير الآمنة»

تنقل إفادة المواطن الفلسطيني أ. ر من سكان مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة، والذي نزح إلى مدينة رفح جنوبي القطاع، جانبا من واقع الهجمات الاحتلالية على السكان الغزيين من خلال الممرات الآمنة الإنسانية، يقول: «بسبب اشتداد القصف في المناطق المجاورة اضطررت للمغادرة إلى مدينة خان يونس وتوجهت جنوبا بناء على تعليمات جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه تم إنشاء ممر آمن لخروج المواطنين من شمال وادي غزة إلى جنوب الوادي عبر شارع صالح الدين، كانت الطريق صعبة حيث أنني من ذوي الإعاقة الحركية ولا أستطيع الحركة إلا على كرسي متحرك، وأيضا كانت أعداد النازحين كبيرة وسمعنا أصوات انفجارات وإطلاق نار، وشاهدت أمتعة متروكة وجثثا متحللة وأشلاء ممزقة أثناء مروري، كما شاهدت عبر الممر الإنساني إعدام شخص من ذوي الإعاقة الحركية والسمعية من قبل جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي حيث نادى الجنود عليه لكنه لم يسمعهم بسبب إعاقته السمعية فقاموا بإطلاق النار عليه ما أدى إلى مقتله. كما شاهدت اعتقال حوالي 20 شخصا عبر الممر حيث تم المناداة عليهم وإجبارهم على شلح ملابسهم واجلاسهم على الأرض وتم اعتقالهم».

يكمل المواطن: «حينما وصلت مدينة خان يونس توجهت غربا بسبب وجود إعلانات ومناشير من جيش الاحتلال بأن مناطق غرب خان يونس آمنة، وذهبت لمنشأة تابعة للأونروا (صناعة خان يونس) وفي أحد الأيام ولا أذكره بالتحديد تفاجأت بسماع أصوات إطلاق نار وقذائف مدفعية وصوت آليات جيش الاحتلال في محيط المكان الذي نزحت فيه، لقد تمت محاصرتنا لمدة 7 أيام تقريبا، كما تم قصف المقر وقتل حوالي 15 شخصا».
ورغم أن شهادة المواطن أ.ر تعكس تجربة بسيطة لرحلة معاناة الفلسطينيين الذين نزحوا باتجاه رفح، إلا أن أمامه رحلة ربما تكون أصعب مع احتمالات غزو الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح التي نزح إليها مئات آلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة.
ورغم التحذيرات الدولية من تبعات الاجتياح البري الذي تخطط إسرائيل لتنفيذه في رفح، وهو ما يعني مزيدا من التهجير لنحو مليون ونصف مليون فلسطيني، إلا أن سيناريوهات الاحتلال التي تتعامل معها وسائل الإعلام الغربية تبدو وكإنها محاولة «مثالية» للتعامل مع الفلسطينيين النازحين. وحسب السيناريو الذي تروجه وسائل إعلام إسرائيلية فإن المرحلة الأولى لعملية رفح تهدف إلى إخلاء السكان عبر إلقاء منشورات من الجو، متوقعة أن تستمر العملية قرابة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. وقالت الصحافة العبرية إن اجتياح رفح سيتم على مرحلتين، الأولى تشمل إصدار بيانات لإجلاء السكان، وإنشاء أماكن ينزحون إليها، على أن تبدأ بعدها العملية البرية.
وتناولت ورقة حقائق صادرة عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان «ديوان المظالم» بعنوان (الممرات الإنسانية الآمنة، أداة لقتل الفلسطينيين) ماهية الممرات الآمنة وفق القانون الدولي، وكيفية تعامل حكومة إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال مع الممرات الآمنة، ومعاناة المواطنين خلال استخدامهم هذه الممرات.
واستندت الورقة إلى شهادات قدمها نازحون من بيت حانون والفالوجة وشمال قطاع غزة، نزحوا إلى مدينة رفح جنوب القطاع، حيث تعتبر شهادة المواطن أ. ر إحداها، وهي تدلل بعمق إلى حقيقة ما يتوقع أن يتعرض له النازحون فيما لو قرر الاحتلال القيام بمخططاته في رفح.
لقد عرفت الورقة الحقوقية الممر الإنساني الآمن بأنه «منطقة يتم إنشاؤها في خضم النزاعات المسلحة، وتتميز بأنها آمنة ومنزوعة السلاح، تهدف إلى ضمان خروج المدنيين من منطقة النزاع إلى مكان آمن، و/أو إيصال المساعدات الإنسانية إليهم، و/أو إجلاء ضحايا هذا النزاع».
لكن الهيئة المستقلة تؤكد أن حكومة الاحتلال تستخدم الممرات الإنسانية الآمنة من أجل تهجير السكان قسراً عن أماكن سكناهم الأصلية، ولا تحترم مبدأ توفير حماية لحياة المدنيين، واحترام كرامة الإنسان، حيث قام جيش الاحتلال، وفي أكثر من مناسبة، بقصف المدنيين الذين يستخدمون هذه الممرات بناء على تعليمات كان يصدرها الجيش حول أوامر الإخلاء والطرق الآمنة الواجب استخدامها من طرف السكان المدنيين في عمليات النزوح.
وحول معاناة المواطنين خلال استخدام الممرات الآمنة جاء في الورقة أنه «مع بداية العدوان الحربي على قطاع غزة، وصدور أوامر إخلاء السكان في شماله للتوجه نحو الوسط والجنوب، فتحت إسرائيل ممرا آمنا على طول محور المرور الرئيسي طريق صلاح الدين ومنه يصل النازحون عبر هذا الممر غير الآمن، إلى المفترق الرئيسي بجوار وادي غزة سيرا على الأقدام أو بعربات تجرها الدواب، لأن الجيش كان يجبر المدنيين بإيقاف المركبات على بعد حوالي (4-5 كم) من تلك النقطة، وغالبا ما يتعرض مستخدمو هذا الممر إلى التفتيش والاعتقال والتنكيل والضرب والمعاملة الحاطة من الكرامة الإنسانية بما فيها تجريدهم من ملابسهم أثناء التفتيش ولا يسمح لهم إلا بحمل المتعلقات الشخصية، وسجلت حالات كثيرة باستهداف النازحين بإطلاق النار عليهم.
وشددت الورقة أنه لا توجد أي ضمانة لدى المواطنين الذين يستخدمون الممرات الآمنة من عدم المس بهم سواء باستهدافهم بالقتل بشكل مباشر أو اعتقالهم، أو الحط من كرامتهم، حيث يتعمد جيش الاحتلال باستخدام هذه الممرات كمصائد للموت والاعتقال وامتهان الكرامة الإنسانية. وتؤكد الشهادات التي قامت الهيئة بجمعها من مواطنين استخدموا الممرات الآمنة صحة هذه النتيجة.
تقول المواطنة النازحة خ. أ من سكان الفالوجة شمال قطاع غزة: «وبعد أن وصلنا إلى منطقة الحلابات كانت تبعد المسافة بيني وبين أقرب شخص مترا فقط، وكان ممنوع النظر إلى جهة اليمين، وكنا نحمل أشياء خفيفة جدا لعلمنا مسبقا بعدم السماح بحمل أشياء ثقيلة. وبعد وصولنا إلى الحلابة الأولى كانت الساعة تقريبا الحادية عشرة صباحا من نفس اليوم، شاهدنا الدبابات تمر بجانبنا وتقطع الطريق للانتقال من الشرق للغرب، شاهدنا أيضا جيبا إسرائيليا يعتلي عليه القناصة كان أيضا يبعد أمتارا قليلة عنا، وكانوا ينادوا علينا برفع الهوية في اليد اليسرى، وعند وقوفي في المكان بثوان شاهدت بركس حديد كان هناك معتقلون شباب معصبين الأيدي ومكبلي الرجلين، كان عددهم تقريبا من 10-15 شابا، وكنت أمشي وبجانبي أطفالي، كان أحدهم مصابا في رأسه وكنت خائفة عليهم كثيرا، وذلك لأن ابني المصاب كان يدوخ ولا يحتمل المشي على القدمين، وبعد دخول الحلابة الأولى قام الجندي بالمناداة على ابنتي الصغيرة (عمرها 5 سنوات) ناداها بالقول بالمقولة التالية: «يا أم الجاكيت الأحمر، أم الخمار الأبيض تعالي هنا» فذهبت بنتاي الصغيرة البالغة من العمر 5 سنوات والثانية البالغة من العمر 19 سنة، وضعوا أسيل في الطابور الأول، وأطلقوا سراح ابنتي التي تبلغ من العمر 5 سنوات بسرعة وابقوا على أسيل في الأسر، وأنا فضلت أنتظر ابنتي، بقيت لغاية الساعة 4:30، وقبل الغروب جاء أحد النازحين وقال لي أن بعد هذا الوقت يبدأ القناصة بإطلاق النار على المواطنين، حذرنا من اكمال طريقنا».

حرب الإبادة الجماعية

يختم تقرير الهيئة المستقلة أنه في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، ومن حقيقة أن إسرائيل لا تلتزم بالقوانين الدولية، وتحديدا مبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني الذي ينص على الزامية حماية المدنيين أثناء الأعمال القتالية، فإن هناك ضرورة بالضغط الجدي على إسرائيل وإجبارها على وقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، والضغط عليها من أجل توفير الحماية اللازمة للمدنيين بشكل عام، وللأشخاص الذين يختارون استخدام الممرات الآمنة بعدم التعرض لهم، ووقف استخدام هذه الممرات كمصائد لقتل المدنيين واعتقالهم.
وخلصت الورقة إلى أنه وبعد مرور ستة أشهر على العدوان الحربي فقد أصبح من الضرورة بمكان أن يقوم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالبدء بإجراء تحقيق جنائي فوري في الجرائم التي ما زال جيش الاحتلال ينفذها في قطاع غزة.
يذكر أنه ومنذ بداية العدوان الحربي على غزة أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء، غير قانونية، للسكان المدنيين يأمرهم فيها بالتوجه إلى مناطق معينة عبر ممرات محددة، حيث حول جيش الاحتلال قرابة 246 كيلومترا مربعا أي ما يعادل 67 في المئة من مساحة قطاع غزة، إلى مناطق خاضعة لأوامر الإخلاء، وكانت هذه المناطق موطنا لحوالي 1.78 مليون فلسطيني قبل 7 أكتوبر عام 2023.
وحسب السيناريوهات الاحتلالية فإنه من المتوقع أن يبدأ الجيش الإسرائيلي في المرحلة الأولى بإصدار بيانات لإجلاء السكان، وإنشاء أماكن ينزحون إليها، ويتم نصب خيام لإيواء الأشخاص الذين سيتم إجلاؤهم من رفح، ويتبع عملية الإجلاء اجتياح عسكري بري يستمر لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع.
ووفقا للسيناريو الإسرائيلي الذي كشفت هيئة البث تفاصيله، فإن العملية المحتملة تشمل نقل النازحين بعيدا عن رفح، بحيث يذهب بعضهم إلى خان يونس، بينما ينتقل الآخر إلى ساحل البحر المتوسط (يبعد 5.5 ميل في اتجاه الغرب من رفح).
ووفق دراسة نشرها مركز السلام للدراسات الاستراتيجية في شباط/فبراير الماضي حملت عنوان «سيناريو عملية رفح وما بعدها من المنظور الإسرائيلي» فإن هناك 4 مقترحات لعملية الاجتياح، الأول يتضمن اجتياحا كاملا لمدينة رفح، والثاني يتضمن اجتياحا جزئيا للمناطق الشرقية من محافظة رفح. وأن يلجأ الاحتلال إلى القيام بعملية عسكرية في الحدود الشرقية وفي المناطق المحيطة بمعبري كرم أبو سالم، ورفح، وأحياء التنور والجنينة والنصر وخربة العدس، كما حدث في المناطق الشرقية من محافظات القطاع من أجل إقامة منطقة عازلة بحدود 1-3 كيلو مترات. أما المقترح الثالث فيهدف إلى استنزاف الألوية التابعة للقسام، من خلال الكشف عن مواقعها، وتسهيل استهدافها جوًّا دون الحاجة إلى الانتشار الكبير داخل مناطق رفح السكنية ومخيمها. كما يتضمن تنفيذ عمليات خاصة مثل تحرير المحتجزين، بينما المقترح الرابع وفق الدراسة يشمل السيطرة على محور صلاح الدين.
وفي المقابل وضعت الدراسة 4 خطط لإجلاء سكان رفح، الأولى تتمثل في أن يسمح بعودة النازحين من مدينة رفح إلى محافظتي غزة وشمال غزة، من الأطفال والنساء عبر مراحل، ثم الرجال لاحقاً عبر الحواجز الإسرائيلية التي ستكون بين رفح وخان يونس وعلى أن يكون ذلك ضمن صفقة تبادل.
أما سيناريو الإجلاء الثاني فيكون على أساس تنفيذ خطة مزدوجة، قائمة على إجلاء السكان وتوفير ممرات إنسانية يحددها الجيش لخروج سكان رفح، ومن ضمنهم النازحون في مناطق شمال رفح وأراض فارغة بين رفح وخان يونس، حتى لا يؤثر ذلك على العملية العسكرية لجيش الاحتلال، والشق الثاني قائم على استخدام القوة العسكرية ضد كتائب القسام الأربع في رفح.
واستندت الدراسة إلى خطة ثالثة تتمثل في إنشاء معسكرات خيام واسعة في غزة كجزء من خطة إخلاء تمولها الولايات المتحدة قبل الغزو الوشيك لمدينة رفح، حيث تقترح إسرائيل إنشاء 15 معسكر خيام، يضم كل منها حوالي 25 ألف خيمة في الجزء الجنوبي الغربي من قطاع غزة. فيما الخطة الرابعة تشمل إخلاء ونقل السكان لمناطق جنوب مدينة رفح، وعدم نقلهم لمناطق الشمال والوسط، حيث أن وجودهم في هذه المناطق يقوض الخطط الخاصة بإخلاء شمال ووسط القطاع من سكانه، واستبدالها بمستوطنات.
المصدر: القدس العربي