وصف المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" الدكتور عزمي بشارة رد طهران عسكرياً ليل السبت ــ الأحد على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق (1 إبريل/ نيسان الحالي)، بأنه "تطور كبير ومهم" تُستحسن قراءته من خارج إطار العدوان على الفلسطينيين في قطاع غزة، ومن زاوية المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية. ووجد أن حماسة جزء من الجمهور العربي للضربة الإيرانية وسخرية جزء آخر منها، سببهما عدم وجود مشروع تنموي عربي، فينقسم العرب نتيجة لذلك بين مشاريع إقليمية إيرانية وتركية وإسرائيلية.
وفي حين قال إن هناك ما يشبه الأوركسترا في المنطقة، تشارك فيها بلدان عربية، مهمتها الدفاع عن إسرائيل، فإنه أشار إلى أن طهران كانت مضطرة للرد ولكنها لا تريد حرباً قد تجرّدها مما عملت طيلة عقود لتحقيقه، أي النفوذ الإقليمي والهيمنة على بعض البلدان العربية. عدم رغبة بالحرب فسّر به بشارة الأثر المحدود للهجوم الإيراني، والذي أكد، برأي المفكر العربي، أن إسرائيل عاجزة عن الدفاع عن نفسها في حرب ضد إيران من دون الدعم الغربي والأميركي خصوصاً.
وفي حين رجح استمرار المواجهات بين الطرفين، إلا أنه استبعد حصول حرب شاملة لا تريدها أميركا بشكل عام، وليس في سنة انتخابات بشكل خاص. أما بخصوص المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، فقد اختصر الدكتور عزمي بشارة أسباب فشلها بالقول إنه ليس هناك تفاهم على أي قضية بين الطرفين، معرباً عن ثقته بأنه بعد كل الكارثة التي حلّت بفلسطينيي غزة، لا تستطيع حركة حماس أن تتنازل في شؤون جوهرية، كوقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع. وعن سعي دول من خارج إطار البلدان الداعمة بشكل أعمى لإسرائيل، للاعتراف بدولة فلسطينية، اعتبر بشارة أن ذلك يكون إنجازاً دبلوماسياً، فقط إن كان الاعتراف بـ"دولة حدودها الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية".
الرد الإيراني يُقرأ من خارج العدوان على غزة
وقال بشارة، في حوار خاص مع شبكة التلفزيون العربي من مدينة لوسيل في قطر، إنه قد يكون أكثر دقة تناول الرد الإيراني العسكري بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل ليل السبت ــ الأحد، من خارج سياق العدوان على غزة، بل في إطار الحرب المستمرة ضد إيران، وقد شهدت موجات من التصعيد آخرها كان قصف القنصلية في دمشق مطلع الشهر الحالي. وبرأي بشارة، كان ذلك تصعيداً إسرائيلياً لم يكن بإمكان إيران السكوت عنه لأنه كان جارحاً في تجرئه على كرامتهم الوطنية. أما الرابط الوحيد بين الرد الإيراني والحرب على غزة، فأوضح بشارة أنه يتمثل في حقيقة أن المنطقة لا تهدأ منذ السابع من أكتوبر ويزداد التوتر فيها منذ عملية "طوفان الأقصى".
وعن سبب وصفه الهجوم الإيراني بأنه مهم وكبير، لفت بشارة إلى أنه أول هجوم يحصل من أرض إيرانية على إسرائيل وبحجم كبير. أما المبالغة في تصوير الهجوم بأنه تهديد وجودي لإسرائيل، أو على العكس، القول إن ما حصل مسرحية أو مؤامرة متفق عليها، فهو برأي المدير العام لـ"المركز العربي" ناجم عن "غياب مشروع عربي تنموي يواجه مشروعاً كولونيالياً مثل إسرائيل". وفسّر وجهة نظره بأن "هناك نوعاً من اليتم العربي يُترجم بالانقسام العربي بين إيران وتركيا وإسرائيل".
وعزا بشارة الأثر المحدود للهجوم الإيراني إلى "عدم رغبة إيران باندلاع الحرب وإعلانها للعالم أنها مضطرة للرد لأن إسرائيل لم تترك لها مجالاً آخر بسبب صلافة العدوان الإسرائيلي المباشر على قنصليتها، إلى درجة أن الإيرانيين طلبوا مخرجاً يجنبهم الرد، مثل إدانة مجلس الأمن قصف القنصلية الإيرانية في دمشق" على حد تعبير بشارة. ورداً على سؤال حول، شرح المفكر العربي أن اقتصاد إيران لا يحتمل حرباً، ثم أن حرباً كبيرة تهدد طهران بأن تخسر إنجازاً تاريخياً عمل حكامها عقوداً للوصول إليه، هو السيطرة على بلدان عربية والوصول إلى مياه المتوسط وتحولها إلى قوة مهيمنة مباشرةً وعن طريق وكلاء. وختم رده في هذا السياق بالقول إن إيران "لا تريد حرباً لا من أجل فلسطين ولا من أجل غيرها".
أوركسترا للدفاع عن إسرائيل
وتوقف بشارة عند ما بدا وكأنه تحالف قائم بالفعل تولت أطرافه التصدي للطائرات المسيرة وللصواريخ الإيرانية ليل السبت ــ الأحد، قائلاً: "اكتشفنا أن هناك أوركسترا حقيقية في المنطقة للدفاع عن إسرائيل وظهر ذلك أولاً في التحالف الضمني ضد الحوثيين، ثم تبلور بشكل أوضح في الأمس مع مجموعة البلدان ومن بينها دول عربية استنفرت لإسقاط الصواريخ والمسيرات دفاعاً عن إسرائيل". وشدد على أن اللوبي العربي ــ الإسرائيلي ــ الغربي يعتبر أن المسألة الأساسية هي الخطر الإيراني لا القضية الفلسطينية. لكن هذا التحالف القائم بالفعل والذي كشف عن نفسه ليلة القصف الإيراني على إسرائيل، يثبت، بحسب بشارة، أن دولة الاحتلال لا تستطيع أن تحمي نفسها من إيران من دون الدعم الغربي والأميركي خصوصاً. وأوضح أن هذا التحالف الذي دافع عن إسرائيل بوجه الهجوم الإيراني، "هو هدية لإسرائيل، ولكنه في الآن نفسه تقييد لها في حروبها". وفي إطار قراءته لمستقبل الصراع الإيراني ــ الإسرائيلي، توقع بشارة أن يتواصل النشاط العدواني الإسرائيلي ضد إيران، وأن يستمر "النشاط الاستخباري التخريبي ضد إيران وداخلها، لكن أن تذهب طائرات إسرائيلية لقصف إيران أو أن تقصفها بصواريخ من دون تنسيق مع الحلفاء، فإن هذا لا يريده الأميركيون بشكل عام وفي سنة انتخابات بشكل خاص".
واستطرد موضحاً أنه بعد السابع من أكتوبر، "تغيرت قواعد الاشتباك، وأصبحت شروط اندلاع الحروب أصعب مما كانت عليه سابقاً"، وهو ما يظهر على جبهة لبنان أولاً، وفي الفعل الحربي بين إيران وإسرائيل حالياً. وعن هذا الموضوع، لاحظ بشارة أنه في قضية الحروب، (الرئيس الأميركي جو) بايدن بدا أكثر جرأة بكثير من (الرئيس السابق دونالد) ترامب، وهو ما ظهر في أوكرانيا أولاً، وفي غزة في مرحلة لاحقة.
وعن احتمال تجاوز رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الخط الأميركي الأحمر الرافض لاندلاع حرب شاملة في المنطقة، ذكّر المفكر العربي، في حواره مع التلفزيون العربي، بأن نتنياهو "ليس كليّ القدرة، ذلك أن هناك مؤسسات في إسرائيل لا يمكنه تجاوزها، وهناك أميركا لا يمكنه معاكسة مصالحها، والأميركيون غاضبون لأن نتنياهو لم ينسق معهم قبل قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وهناك رفض أميركي قاطع للرد الإسرائيلي على الرد الإيراني". وخلص إلى أنه رغم تمتع نتنياهو بهامش واسع من المناورة، إلا أنه يصعب أن يصل به الأمر إلى حد أن ينفذ ما ترفض أميركا فعله بشكل حاسم مثل قصف إسرائيل المفاعلات النووية الإيرانية مثلاً، لأن هذا يؤدي إلى حرب أكيدة لا تريدها أميركا.
الفشل المزمن لمفاوضات وقف حرب غزة
على صعيد آخر، ورداً على سؤال عن المفاوضات المتعثرة بوساطة قطرية ــ مصرية ــ أميركية بين تل أبيب وحركة حماس، اختصر بشارة أسباب الفشل بالقول إنه "يصعب الوصول إلى اتفاق لأنه لا تفاهم (بين الطرفين) على أي قضية". وذكّر بأن الدافع الوحيد الذي يأتي بالإسرائيليين إلى المفاوضات، هو استعادة رهائنهم، والحاصل أن الإسرائيلي يطالب الطرف الآخر (المقاومة الفلسطينية) بتسليمه أوراق القوة التي يملكها (الرهائن) لكي يصبح مطلق الحرية في طريقة القضاء عليه. وبحسب تعبير بشارة، تدرك المقاومة أنه من دون وقف الحرب ومن دون الانسحاب الإسرائيلي من غزة، "لا معنى لأي اتفاق". أما والحال كذلك، فإن كل الضجة الإعلامية المثارة في إسرائيل حول المفاوضات، هدفها، برأي بشارة، الإيحاء بأن نتنياهو مهتم بقضية الرهائن بينما كل مجرى الحرب وأساليبها تثبت أن الحكومة لا تعطي أولوية لقضية الرهائن.
ووفق معلومات المفكر العربي، فإن الأميركيين يوهمون الوسطاء و"حماس" بأنه سيكون شبه مؤكد استحالة العودة إلى الحرب بعد الهدنة في حال وافقت "حماس" على الشروط الإسرائيلية، من دون تقديم أي ضمانات على ذلك. وكشف بشارة أنه في الجولات الأخيرة، رفضت إسرائيل الانسحاب بوضوح واشترطت أن تبتعد قواتها 500 متر فحسب عن المحاور الرئيسية، ليبقوا داخل قطاع غزة بكيلومترين أو ثلاثة كيلومترات خلال سريان وقف إطلاق النار المؤقت. وشدد على أن "حماس" قدمت تنازلات جوهرية في موضوع تبادل الأسرى و"مفاتيح" التبادل (عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيحررون في مقابل كل رهينة إسرائيلية) "لأنه قيل لها في مفاوضات باريس إن وقف إطلاق النار وارد". لكن الحاصل، وفق المعطيات التي يملكها بشارة، أن ممثلي الدولة العبرية في المفاوضات لم يتنازلوا بتاتاً حتى في موضوع إعادة الإعمار، كذلك في شأن إدخال المساعدات والطعام، وما يقدمونه من "تنازلات" حالياً هو نتيجة الضغط الأميركي ونتيجة شعور العار العالمي بأن هناك مجاعة حاصلة، وليس بفضل المفاوضات. واختصر وضع "حماس" حالياً حيال المفاوضات بالقول إنه "بعد كل الكارثة التي حلّت بفلسطينيي غزة، لا تستطيع حماس أن تتنازل في شؤون جوهرية، كوقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع".
مفعول عكسي لدولة فلسطينية بلا حدود
وفي محور خاص بسعي دول أوروبية خصوصاً إلى الاعتراف بدولة فلسطينية، حذر بشارة من أنّ أي اعتراف بمثل هذه الدولة من دون أرض وسيادة وشروط دولة، يبقى قضية رمزية ومجرد تغيير اسم السلطة لتصبح دولة من دون سيادة. ولاحظ أن اعترافاً مماثلاً "يكون إنجازاً دبلوماسياً فقط إن قيل دولة بحدود الرابع من حزيران عاصمتها القدس الشرقية".
ونبّه من أنه إن لم تُقل هذه العبارة، تزداد المشكلة، لأن هذا يلغي حقيقة أن هذه الأراضي محتلة وسيكون ذلك إجهاضاً للنضال الوطني للتحرر. ورجّح وجود ترتيب أميركي مقترح للاعتراف بدولة فلسطينية من دون حدود تكون متروكة للتفاوض المفتوح بدوره منذ اتفاق أوسلو. وختم في هذا السياق مشدداً على أن دولاً مثل أيرلندا وإسبانيا وربما بلجيكا ومالطا والبرتغال، "يجب أن تدرك في إطار سعيها للاعتراف بدولة فلسطينية، أنه من دون التركيز على حدود الرابع من حزيران والقدس الشرقية، فإن اعترافها لن تكون له قيمة لا بل قد تكون نتيجته سلبية".
المصدر: العربي الجديد