2024-11-01 01:49 ص

مظاهر الفشل الإستراتيجي والأخلاقي للجيش الإسرائيلي في غزة

نشرت مجلة “إيكونوميست” افتتاحية في عددها الأخير أشارت فيها للفشل الأخلاقي والإستراتيجي للجيش الإسرائيلي في غزة، ولِما قالت إنه ضيق نظر من إسرائيل، لأن القوة وحدها ليست السبيل نحو الأمن.

وعلقت بداية أن قصة  الجيش الإسرائيلي هي قصة إسرائيل نفسها، فقد خاض الجيش، ومنذ إنشائها عام 1948، الحروب وانتصر فيها. ويرى الإسرائيليون في جيشهم أنه الأفضل لهم؛ “صعب المراس، وذكي، وإبداعي”.

ورغم الفشل الذريع في التكهن بأحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن الجيش ذهب إلى غزة باعتقاد أن الحرب ستكون في صالحه.

 وهذا الأسبوع، قال مستشار سابق في الأمن القومي الإسرائيلي إن عمليات الجيش في غزة “عملية السيوف الحديدية” سينظر إليها على أنها مثال عن حرب المدن.
ولكن المجلة تعتقد العكس، فالواقع في غزة مختلف، فالحرب ضد “حماس” مبررة، لكنها تشوهت باعتماد  الجيش المفرط على التكنولوجيا وغياب الإستراتيجية. والأكثر من هذا فقد عانى الجيش من التناحرات الداخلية، والتنافس الذي يخدم الذات والرؤية الضيقة للقادة السياسيين، وكالعادة فقد دفع الفلسطينيون الثمن، وبهذه المثابة فإن قصة الجيش الإسرائيلي هي قصة إسرائيل نفسها.

وقالت المجلة إن الجيش فشل بمجالين، في مسؤولياته كقوة محتلة، والتقليل من الضحايا المدنيين.

فقد تم تشريد حوالي 1.7 مليون فلسطيني في داخل القطاع، ومعظمهم بدون ماء أو طعام أو دواء. ولم تدخل القطاع، وعلى مدى الأشهر الماضية، إلا عدة شاحنات قليلة، وأقل من 500 شاحنة يحتاجها القطاع يومياً لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات.

 ولجأت الدول الغاضبة إلى الإنزال الجوي للمواد الإنسانية. ورغم تأكيد إسرائيل أنها فعلت كل الواجبات التي يتطلبها القانون الدولي، إلا أن منع المساعدات الإنسانية المستمر والعشوائي يناقض هذه المزاعم.

وكذا الجهود المتأخرة من إسرائيل رداً على الضغوط الأمريكية، الحليف الرئيسي، ولمنع المجاعة.

وألقى قادة الجيش المسؤولية على السياسيين، وما اعترى عمليتهم من عيوب وقصور. ويعتبر عدد القتلى بين المدنيين مصدراً للقلق الكبير، فقد مات عشرات الآلاف منهم، وتمّ تدمير معظم غزة  بشكل لا يمكن تبريره أبداً.

ويرد المسؤولون الإسرائيليون بأن الحرب قاسية، ومعدل المدنيين إلى المقاتلين هو  2:1، وهو رقم يتناسب بشكلٍ ما مع الدراسات المستقلة التي أجريت في العراق عندما قادت أمريكا تحالفاً ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في عام 2014. إلا أن المقارنات صعبة، والأرقام غير دقيقة، وحتى لو كان هذا صحيحاً، فإن معظم الجيوش سترى في قواعد الاشتباك الإسرائيلية غير متناسبة، وبالتالي غير قانونية.

 فقد وضع الجيش الإسرائيلي العتبة للموتى المدنيين في تبرير قتل القادة الصغار لـ “حماس” بمعدل 2:1، وبالنسبة للقادة الكبار 100:1 ، وبالنسبة لصدام حسين، الرئيس العراقي السابق، فالمعدل الذي حدده الأمريكيون هو 30:1 ، وربما كان الجيش الإسرائيلي في حملته عشوائياً ولا يميّز في الضرب، وهو أمر غير قانوني.

 وبحسب تقرير من داخل إسرائيل، زعم أن  الجيش، الذي كان مصمماً في بداية الحرب، على الانتقام من هجمات تشرين الأول/أكتوبر، جمع قائمة أهداف بناء على تقنية الذكاء الاصطناعي والتحرك سريعاً في القتل، وبدون إشراف بشري على القتل، وهو ما يرفضه الإسرائيليون بشدة. ولكن ليست هذه الحرب الأولى التي تمت بدون رؤية واضحة حول طبيعة النصر، بحيث أصبحت فيها معدلات القتل مقياساً للتقدم.

 ووسط هذه التصرفات المفرطة، هناك مخاطر من فشل الجيش لتحقيق هدفه الرئيسي بتدمير “حماس”. وبعد ستة أشهر لا يزال قادة الحركة البارزين أحياء، وأكثر من 100 أسير رهن الأسر.

ويتحدث الجيش عن مهاجمة ما يقول إنها أربع كتائب في مدينة رفح الجنوبية، إلا أن هذه صيغة للكارثة، فهناك حوالي 1.5 مليون نسمة يعيشون حولها، ولم تقدم إسرائيل أي خطة لحمايتهم. وليس لدى إسرائيل خطة، على ما يبدو، لمنع “حماس”، أو أي مجموعة أخرى، الخروج من تحت الأنقاض. وبدون خطة فإن العملية ستظل مجالاً لحسابات التمرد المدمرة حيث تجتذب العمليات المصممة لتخفيض عدد الإرهابيين العدد الكافي ليحلوا محلهم. وترى المجلة أن الوقت لم يفت لكي تغير إسرائيل من مسارها، لكن الساسة، بمن فيهم الضباط السابقون في الجيش، يريدون القصف والرصاص كبديل عن الرؤية السياسية لنهاية الحرب. فبدون خطة للسلام، فستنتهي إسرائيل كمحتل، وتضرب بشكل مستمر غزة، وستدفع، والحالة هذه، الثمن الباهظ، اقتصادياً ودبلوماسياً.

ويعتمد الجيش على الدول الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة وألمانيا، لتزويده بالأسلحة المهمة. ولو رفض الناخبون فكرة دعم نزاع بلا نهاية فسينصاع لهم الساسة في النهاية.

وتقترح المجلة خطة سلام تقوم على وقف مؤقت للنار مقابل الإفراج عن الأسرى، وهذا سيقود إلى صفقة إقليمية تشمل على المال العربي وربما الأمن. وفي الوقت الحالي، لا “حماس” ولا إسرائيل مهتمة بهذا. وترى المجلة أن هذا مفهوم لـ “حماس” التي تنتعش في النزاع، أما إسرائيل وجيشها ومواطنوها فلا منطق في هذا.

الفشل العسكري
ورأت المجلة، في تقرير طويل آخر، أن إسرائيل، وبعد نصف عام، خسرت معركة الرأي العام والتعاطف الدولي الذي حصلت عليه بعد الهجمات مباشرة، وحتى حلفاؤها الأوثق باتوا يفكرون في تحديد شحنات الأسلحة. وأشارت إلى أن الفرقة 98 في الجيش الإسرائيلي، وفي الساعات الأولى من صباح 7 نيسان/إبريل، غادرت مدينة خان يونس في جنوب غزة، وبعد ستة أشهر من الحرب، مخلفة وراءها دماراً شاملاً وقتلى زاد عددهم عن 33,000 وسكاناً مشردين، ومجاعة. وتقول إن الفشل في العملية العسكرية تَرَكّزَ على الجيش الإسرائيلي الذي يراه الإسرائيليون مهماً لصورتهم الأخلاقية وقدراتهم. ولكنه بات اليوم متهماً بفشلين كارثيين، الأول: هو أنه لم  يحقق أهداف الحرب. أما الثاني: فلأنه تصرف خارج أخلاقيات الحرب وخرق قوانينها. وتقول المجلة إن الجيش الإسرائيلي غير عادي، فهو من أقوى وأحدث الجيوش في العالم، ولكنه يظل جيش شعب يعتمد على المجندين والاحتياط والذين يمثلون قطاعات مختلفة من المجتمع. والكثير من جنود الاحتياط الـ 300,000 الذين تم استدعاؤهم يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، حيث قضت وحدات الجيش النظامي وقتها لحراسة الاحتلال.

 وفي تقييم النجاح العملياتي والفشل في حرب غزة يجب أخذ الاعتبار فرادة محور الحرب. فغزة هي منطقة ذات كثافة سكانية ومنطقة حضرية في الغالب. وقضت “حماس” 17 عاماً من أجل بناء شبكة واسعة من الأنفاق.

 لكن الجيش لم ينجح في تحقيق أهداف الحرب، ربما نصف ما يريده الساسة: تدمير “حماس” وقدراتها العسكرية وإخراجها من الحكم وإنقاذ الأسرى الإسرائيليين لديها.

ويزعم الجيش أنه قتل 12,000 مقاتل من “حماس”، وجرح العشرات، حيث حد من قدراتها العسكرية، وخفض من مقاتليها الذين يقدر عددهم 40.000 مقاتل. إلا أن الحركة لم تدمر بعد، وأعلنت إسرائيل عن مقتل أحد قادتها الرئيسيين، وهو مروان عيسى، ومع ذلك لا يزال مقاتلو الحرب ينصبون الكمائن ويخوضون المواجهات ضد الجيش الإسرائيلي، وفي كل أنحاء غزة.

كما أعادت “حماس” حضورها في المناطق التي خرج منها الجيش. وتعتقد المجلة أن أهم فشل للجيش هو إستراتيجي، ويتحمل مسؤوليته الساسة، وخاصة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي رفض التفكير بقوة فلسطينية بديلة للسيطرة على غزة. وهذا لا يعفي الجنرالات وكيفية تقديرهم للنجاح المطلوب في الحرب.

 فهناك نقد متزايد لقرار الجيش شن هجوم ساحق على غزة. وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر اندفع القادة الكبار بـ “شعور من الذنب والإهانة”، كما يقول روفين غال، العقيد المتقاعد والزميل في معهد صمويل نيمان للدراسات في إسرائيل. و”بدلاً من التوقف هذه المرة والتفكير، ذهب [الجيش] سريعاً، وبقوة، لاستعادة قوته”.

ويقول الجنرال المتقاعد نعوم تيبون إنه كان من المفترض غزو رفح أولاً، وليس الذهاب إلى غزة، فقد اعتقد القادة أن دخول غزة سيكون ضربة نفسية لـ “حماس”، باعتبارها مركز الحكم. وأضاف أن كل الحديث عن تدمير “حماس” هو “كلام فارغ”، فهي حركة أصولية ولا تحتاج لقيادات كي تواصل القتال حتى الموت.

وشجب العديد من القيادات العسكرية تركيز الجيش على عدد المقاتلين من “حماس” الذين قتلوا، بدلاً من تبني خطة مدروسة، وقال جنرال على علاقة بتوجيه الخطة: “لا أريد أن أكون ويستمورلاند”، في إشارة للجنرال الأمريكي في حرب فيتنام الذي أكد على عدد قتلى قوات الفيت كونغ.

 أما الفشل الأكبر للجيش فقد كان الكيفية التي أدار فيها الحرب بطريقة لم تلتفت للمدنيين. ورغم رفض الجيش الدمار والقتلى، وتأكيده أنهم من “حماس” إلا أن عدد الضحايا المدنيين عال بدرجة كبيرة. وترى المجلة أن هذا عائدٌ إلى عاملين، التوجيهات العملياتية التي سمحت بغارات فيها احتمال كبير لسقوط أعداد كبيرة من المدنيين، والثاني  هو غياب الانضباط بين جنود الجيش.

ولو بدأنا بقواعد الأهداف، فإن غرفة الحرب لديها خريطة تحدد المناطق السكنية في غزة، وترسل تحذيرات لهم من خلال الملصقات والرسائل النصية وغير ذلك للمغادرة، لكن لم يخرج كل المدنيين من المناطق المحددة. فالمنطقة التي تقوم غرفة الحرب بتحديثها تعتبر “خضراء”، وظل فيها أقل من 25% من سكانها الأصليين. ولكن الضباط اعترفوا أن التقييمات هي “توصيات” للقادة الميدانيين. وطالما استخدم الجيش المسيرات لقتل المسلحين، حيث كان يصدر القادة الكبار الأوامر، إلا أن عدد القادة الذين أصدروا الأوامر في الحرب الحالية كان كبيراً، وبخبرات متباينة، ومن أكثر من مركز إصدار أوامر للضربات.

وقال ضابط احتياط: “لم تكن لدينا فرصة أبداً لاستدعاء قوة جوية بهذا النطاق، أي شيء من مسيرات إلى أف-35”. وهناك تقارير عن استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات القتل، وهو ما نفته إسرائيل، وتظل الاتهامات بأنها خرقت القانون الدولي معقولة.

وقال جندي احتياط: “لم يكن الأمر الصادر مهماً في الميدان” و”يستطيع أي قائد كتيبة اتخاذ قرار بمن يتحرك في المنطقة، وأي بنايات تدمر لأن فيها كلاشينكوف أو أدبيات حماس”. وقال آخر: “ما حد من عدد البنايات التي سندمرها هو الوقت الذي لدينا داخل غزة”.

وتحدث ضباط عن انهيار في الانضباط وحالات من النهب. وقال جندي: “أعتقد أن كل واحد من وحدتنا أخذ آلة صناعة قهوة”. وصور الجنود أنفسهم وهم ينهبون الممتلكات الفلسطينية، ووضعوا أحياناً الأفلام على منصات التواصل الاجتماعي.

أما الفشل الثالث فهو سياسي، وسياسة التعويق التي مارسها نتنياهو حتى 4 نيسان/إبريل، والمكالمة الغاضبة من جو بايدن وضرورة السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة.

وحمل القادة العسكريون الساسة فشلها في توفير المساعدات، لكن بعضهم اعترف أنه كان يجب عليهم تحمل مسؤولياتهم كقوة احتلال وفي المراحل الأولى للتخطيط. وحمل الجنرال المتقاعد تيبون نتنياهو المسؤولية، وأنه “أدار هذه الحرب لحماية  مصالحه السياسية، وإرضاء القوميين ومنع الأحزاب المتطرفة من ترك حكومته”. وهذا نذير شؤم للمستقبل، فالحرب في غزة لم تتوقف بعد، ولا أحد يعرف الخطوة التالية لإسرائيل.


المصدر: القدس العربي