تشكل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" مؤسسة رئيسية توفر الخدمات الأساسية للملايين من اللاجئين الفلسطينيين في قطاعات مختلفة من فلسطين المحتلة والدول المجاورة.
وفي ظل التحديات المتجددة والمستمرة التي تواجه الوكالة، وخاصةً تلك التي نتجت عن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وتصاعد التوترات في المنطقة، فإن استمرار دعم "الأونروا" يظل أمراً بالغ الأهمية لضمان استمرارية تقديم الخدمات الضرورية للفلسطينيين.
قطع سبل الإغاثة
حاول الاحتلال الإسرائيلي بشتى الطرق إيقاف كل سبل إغاثة المدنيين في قطاع غزة خلال عدوانه الأخير، فضلاً عن ارتكابه أفظع الجرائم بحق الأبرياء الذين يتكون غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ.
ومن سبل منع إغاثة الفلسطينيين قطع "إسرائيل"، في فبراير الماضي، التمويلات الدولية التي كانت تمنح لوكالة "الأونروا"، وذلك بعد اتهام "إسرائيل" بانخراط موظفي الوكالة في عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب "القسّام" التابعة لحركة الجهاد الإسلامي "حماس".
وقالت حكومة الاحتلال إن 12 شخصاً من موظفي الوكالة البالغ عددهم 13 ألفاً في غزة، قد شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر الماضي، الأمر الذي تسبب في دفع قرابة 18 دولة من المانحين لتعليق تمويل الوكالة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن التزام العديد من الدول المانحة، ومن ضمن ذلك دول الخليج، بتقديم الدعم المالي لـ"لأونروا"، يعكس تحولاً ملحوظاً في الوعي الدولي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، وأهمية الاستمرار في تقديم الدعم الإنساني لهم.
وتتعدى أهمية وجود "الأونروا" بالنسبة للفلسطينيين مجرد توفير الخدمات الحيوية، إذ ينظرون إليها على أنها مرتبطة بالحفاظ على حقوقهم كلاجئين، وبخاصة أملهم في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها هم أو أسلافهم خلال نكبة عام 1948، بما يضمن لهم الاستمرار في الحفاظ على هويتهم وممتلكاتهم في الأراضي التي فقدوها.
الخليج يستمر بالتمويل
رغم الضغوطات الإسرائيلية ومحاولاتها قطع التمويل عن منظمة الغوث، فقد شهدت الوكالة تحولاً في تمويلها بعد تعليق بعض الدول لدعمها، وعاد العديد من الدول لدعم "الأونروا"، ومن بينها دول الخليج، مما ساهم في استمرار تقديم التمويل اللازم للوكالة لمواصلة أعمالها الإنسانية الحيوية في القطاع.
وبالرغم من أن التحديات السياسية والاقتصادية لا تزال قائمة، فإن التزام الدول المانحة، ومنها دول الخليج، يشكل بنوداً مشجعة في الجهود الدولية لمساعدة الفلسطينيين وتخفيف معاناتهم.
وأظهرت الدول الخليجية، بقيادة المملكة العربية السعودية التزاماً قوياً بدعم الأونروا، مؤكدة عزمها التخفيف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين وتوفير الخدمات الأساسية لهم.
ورغم الضغوط السياسية والاقتصادية، قدمت 4 دول خليجية تبرعات إلى الوكالة بقيمة مجتمعة تصل إلى 87 مليون دولار، وذلك في محاولة لدعم الوكالة الأممية بعد قرار تعليق التمويل بسبب المزاعم الإسرائيلية.
فقد أقدمت المملكة، في 20 مارس الماضي، على تقديم نحو 40 مليون دولار لـ"الأونروا"، لتكون المساهم الأكبر بين الدول الخليجية، كما قدمت الإمارات مبلغاً يقدر بـ20 مليون دولار للوكالة الأممية، وهو مبلغ كانت تعهدت بتقديمه، في 23 أكتوبر الماضي، لدعم الاستجابة الإنسانية في غزة.
أما قطر فقد أعلنت، في 6 مارس الماضي، على لسان المندوبة الدائمة للبلاد لدى الأمم المتحدة، علياء أحمد بن سيف آل ثاني، تقديم دعم إضافي لـ"الأونروا" بمبلغ 25 مليون دولار.
ومن جانبها سلمت الكويت مساهمتها السنوية لوكالة "الأونروا"، في 28 مارس الماضي، بما يعادل مليوني دولار، وذلك خلال لقاء جمع السفير الكويتي لدى الأردن حمد المري مع مديرة دائرة العلاقات الخارجية في "أونروا"، تمارا الرفاعي.
محاولة إجهاض
وقال الباحث الدكتور حبيب الهادي إن "إسرائيل" تحاول منذ فترة إجهاض هذه المنظمة، وتستعيض عنها بالمنظمة العامة المسؤول عن اللاجئين في العالم؛ لأن منظمة "الأونروا" ارتبطت بالفلسطينيين منذ تأسيسها، عام 1949، التي تنظر إليها "إسرائيل" بكونها جزءاً من حق الفلسطينيين بالعودة، كما أن المنظمة دائماً ما تسعى إلى الوقوف بجانب الفلسطينيين قلباً وقالباً.
ويبين خلال حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن "إسرائيل" قد فشلت رغم محاولاتها العديدة لإجهاض المنظمة، مقابل صمود الداعمين المنصفين لهذه القضية، والقائمين على مواجهة هذا الاستبداد والظلم والجور الذي تقوم به دولة الاحتلال.
ويذكر الهادي أن وقف هذه الهيئة يعد كارثة كبرى، ليس في غزة فقط، وإنما في سوريا، ولبنان، والأردن، وفي الضفة الغربية وغيرها؛ لكون المنظمة تقدم خدمات صحية وتعليمية واجتماعية، لذلك فإنه من الصعب إلغاء دور هذه المنظمات في ظل عدم وجود بديل آخر يسد هذه الثغرة.
وحول الدور الخليجي في دعم منظمة "الأونروا" يلفت الباحث إلى أن هذا الدعم هو واجب إنساني وإسلامي وقومي وأخوي، حيث إن دول الخليج حاولت أن تسد هذه الثغرة التي خلفها قطع "إسرائيل" للمساعدات الإنسانية من بعض الدول، والتي كانت الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمتها.
ومن جانبها تقول رئيسة جمعية "نساء من أجل فلسطين" والكاتبة التونسية أ. فائزة شكندالي، إن دولة الاحتلال لا هم لها إلا إبادة شعب فلسطين بكل الطرق، سواء بالقتل المباشر بالرصاص، أو بالقتل البطيء بالتجويع، لذلك تصر دولة الاحتلال على قطع هذا الشريان الذي يقدم الغوث لهذا الشعب المظلوم.
وتؤكد خلال حديثها مع "الخليج أونلاين" أهمية وتأثير الدعم الخليجي لهذا الشعب المكلوم، إضافة إلى ذلك، يمكن لدول الخليج بكونها دولاً غنية أن تعمل على توجيه منظمة "الأونروا" بما يخدم عودة اللاجئين إلى أرضهم التي هجروا منها، فضلاً عن دعمها المتواصل لكل احتياجات الفلسطينيين.
التمويل الأجنبي
بالإضافة إلى الدعم الخليجي، شهدت وكالة "الأونروا" تجاوباً إيجابياً من قبل بعض الدول الأوروبية والمفوضية الأوروبية، الذين أعلنوا التزامهم بإعادة التمويل للوكالة لدعم اللاجئين الفلسطينيين وضمان استمرارية تقديم الخدمات الإنسانية الحيوية.
فقد أعادت كندا، في 8 مارس الماضي، تمويل الوكالة الأممية، لتصبح بذلك أولى الدول المانحة التي تعلن استئناف التمويل، وذلك بعدما أوقفته، في 26 يناير الماضي.
ومن جهتها أكدت السويد، في 9 مارس الماضي، قرارها اللحاق بكندا واستئناف المدفوعات المعلقة لوكالة اللاجئين الفلسطينيين، وذلك بمنحة قدرها 200 مليون كرونة (ما يعادل 20 مليون دولار).
وذكرت استوكهولم في بيان أنها "خصصت 400 مليون كرونة للأونروا لعام 2024 (ما يعادل 40 مليون دولار)".
وأدلى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ليئور خياط، في مساء الـ9 من مارس الماضي، بتعليقه حول قرارات كل من كندا والسويد بإعادة التمويل الوكالة، واصفاً هذه الخطوة بأنها جاءت قبل الانتهاء من التحقيقات في الاتهامات الموجهة لبعض موظفي الوكالة بالمشاركة في الأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر الماضي، مع تأكيد نتائج هذه التحقيقات بأنها تحمل "خطأ جسيماً".
وأشار إلى أن "القرار يشكل موافقة ضمنية ودعماً من حكومتي كندا والسويد، للاستمرار في تجاهل تورط موظفي أونروا في النشاط الإرهابي"، وفقاً لادعائه.
وفي تطور مفاجئ عُد ضربة للمزاعم الإسرائيلية، أعلنت أستراليا، إحدى الدول التي علقت سابقاً دعمها لوكالة الإغاثة الفلسطينية، عدم وُجود أي أدلة حتى الآن تُثبت تلك المزاعم، مشيرة إلى أن ملف الاحتلال المقدم إلى الأمم المتحدة لا يحتوي على أي دليل يدعم مزاعم "إسرائيل".
كما تمثل المفوضية الأوروبية الجهة الرئيسية لدعم وكالة "الأونروا"، حيث أعلنت استمرار دعمها للوكالة وتعزيز التمويل لضمان استمرار تقديم الخدمات الإنسانية للفلسطينيين، مؤكدة التزامها بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان.
وأعلن وزير التجارة الخارجية الفنلندي فيل تافيو، في 22 مارس الماضي، قرار بلاده بالعودة إلى تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ويأتي قرار فنلندا بعد إعلان المفوضية الأوروبية، في وقت سابق من هذا الشهر، الإفراج عن 54.7 مليون دولار لتمويل الوكالة الأممية.
وفي شرق آسيا، أعلنت اليابان عزمها استئناف تمويلها لوكالة "الأونروا"، في 28 مارس الماضي، وذلك خلال بيان تابع لوزارة الخارجية اليابانية، ذكرت فيه أن "اليابان والأونروا تؤكدان أنهما ستمضيان قدماً في التنسيق النهائي للجهود اللازمة لاستئناف المساهمة اليابانية".
المصدر: الخليج اون لاين