2024-11-23 11:18 م

عيد غزة... خسارة اللمّة العائلية وافتقاد للشهداء

كان فلسطينيو غزة يتمنّون أن يستقبلوا عيد الفطر بطريقة مختلفة، أو أقله كما جرت العادة خلال السنوات الماضية. وطقوس العيد في قطاع غزة تتشابه والطقوس في مختلف الدول العربية والإسلامية، لناحية إعداد الكعك والتزيين وشراء ملابس جديدة. لكن العيد يحلّ وسط عدوان إسرائيلي همجي وإبادة جماعية مستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تغيب كثير من أجواء عيد الفطر والاستعدادات له عن القطاع في مختلف مناطقه، سواء المناطق الشمالية التي بقي فيها بضع مئات من الآلاف، أو حتى مناطق الوسط والجنوب، إذ يوجد مئات آلاف المهجّرين. وتغلب على القطاع أجواء من الحزن والقهر بفعل حرب الإبادة المستمرة.
لم تشهد الأسواق طوال الأيام الأخيرة من شهر الصوم المنقضي أيّ حركة، خلافاً لما كان عليه الحال في الأعوام السابقة، ويقتصر بحث السكان عن توفير لقمة العيش لعائلاتهم. وتفتقد آلاف العائلات لشهدائها، عدا حالة اليتم التي أصابت الكثير من الأطفال، فضلاً عن مسح عائلات بأكملها من السجل المدني، ما يجعل من أيام العيد مجرد مناسبة دينية لن يُحتفى بها كما في كلّ عام. وتجعل مظاهر التهجير والتشرد التي عصفت بالعائلات الفلسطينية من العيد ضيفاً ثقيلاً على الفلسطينيين، إذ دمر الاحتلال البيوت والبنية التحتية والمؤسسات والأرزاق.

ضيف ثقيل
ترى أريج أبو كميل أنّ العيد هذا العام ضيف ثقيل على الفلسطينيين في غزة بفعل استمرار الحرب، ما يُفقد العيد أجواء البهجة التي اعتادتها مع عائلتها طوال أيام العيد، حتى وإن كان البعض مقيماً خارج القطاع. وتقول لـ"العربي الجديد" إن موسم العيد بالنسبة إليها كان العائلة في أول أيامه، حتى وإن توزع أفرادها بين غزة وتركيا والسعودية من خلال الاتصال الهاتفي، وهو ما كان يجعل بعض المراسم حاضرة. وهذا العيد، حتى المكالمة التي كانت تجمع شتات العائلة لن تكون حاضرة بفعل التهجير واستمرار العدوان الإسرائيلي منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وتتمنى أن تنتهي الحرب الحالية على غزة، ويجتمع شتات عائلتها من جديد.

أما الفلسطينية نور رضوان، فيسيطر عليها الحزن والخوف، وهي التي فقدت جميع أفراد عائلتها خلال العدوان، وهُجّرت مع زوجها إلى مكان آخر في القطاع خلال أسابيع الحرب المختلفة. تقول رضوان لـ"العربي الجديد" إنها تفتقد لأجواء البهجة التي تربط العائلة خلال العيد والتي كانت كثيراً ما تبدأ باتصالات هاتفية مروراً بالزيارات والتجمعات العائلية، وهو أمر لن يكون حاضراً في عيد الفطر للعام الحالي. وتشير إلى أن فقدان اتصال والدتها لهذا العام سيكون الحدث الأكثر اختلافاً بالنسبة إلى موسم العيد، وهو أمر سيعزز من حالة الخوف والوحدة بالنسبة إليها بعد أن أضحت بلا أفراد عائلة نتيجة للاستهداف الإسرائيلي لهم. يضاف إلى ما سبق، أن أجواء العيد المتمثلة بصناعة حلوى العيد، مثل الكعك المحشوّ بالتمر وشراء ملابس جديدة كانت تجعل من الأيام العشرة التي تسبق العيد موسماً مختلفاً.
ويترافق عيد الفطر لهذا العام مع أزمات عدة يعيشها القطاع، أبرزها تراجع القدرة الشرائية للفلسطينيين الذين فقدوا موارد رزقهم جراء القصف أو التهجير القسري، أو عدم القدرة على صرف مُخصصاتهم المالية نتيجة إغلاق المصارف، علاوة على التكدس الشديد أمام الصرافات الآلية القليلة العاملة في مدينة رفح جنوبيّ القطاع، أو النسب المُرتفعة التي تفرضها نقاط الصرف، والتي تراوح ما بين 10 و20 في المائة من قيمة المبلغ المالي المَنويّ سحبه.

وجع لا ينضب
لا يختلف حال الفلسطينية فاطمة المعصوابي عن غيرها من المهجّرين، فقد هجّرها القصف الإسرائيلي وحرب الإبادة من منزلها في حيّ الشيخ رضوان خلال الأسابيع الأولى للحرب. تقول لـ"العربي الجديد" إن الحرب الإسرائيلية أدت إلى استشهاد شقيقها وعدد من أفراد العائلة وتهجير أشقائها ووالدها باتجاه الجنوب. لجأت هي وزوجها وأبناؤها إلى مستشفى غزة الأوروبي قرب مدينة خانيونس جنوبيّ قطاع غزة، مع آلاف غيرها.

تؤكد أن أجواء العيد غير موجودة، في ظل القتل والحرب والحديث المتصاعد عن عملية عسكرية في رفح وغياب الأمل بالوصول إلى اتفاق حقيقي ينهي الحرب على القطاع ويعيد المهجّرين إلى مناطق سكنهم التي هُجّروا منها. اعتادت شراء ما يلزمها من الملابس لها ولأبنائها وأغراض الزينة والحلويات خلال الأيام الأخيرة لشهر رمضان، وهو أمر ليس متوافراً هذا العام. وتأمل أن تعود إلى الحيّ الذي هُجِّرت منه قسراً، ويعاد بناء منزلها الذي تضرر جراء استهدافه مع عشرات المنازل في المنطقة التي تعيش فيها، وأن يعود أبناؤها إلى المدرسة. وتشير إلى أن خسارتها شقيقها تجعل العيد قاسياً، فهي لن تتمكن من رؤيته مجدداً، أو الاجتماع بعائلتها التي هُجّرت إلى أماكن مختلفة جراء العدوان.
وفقد مئات الآلاف من الفلسطينيين منازلهم وممتلكاتهم بفعل عمليات القصف الإسرائيلي العشوائي، علاوة على فقدان الأثاث وعدم توافر المال لشراء الملابس جراء تعطل شريحة واسعة عن أعمالهم بفعل حالة الشلل الاقتصادي. واقع يراه رشاد المدهون صعباً وقاسياً بالنسبة إليه، بعدما فقد محله التجاري الذي كان يوفر له فرصة عمل دائمة خلال السنوات الماضية منذ عام 2017 وحتى الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة. ويقول المدهون لـ"العربي الجديد" إن المطاف انتهى به مهجّراً في إحدى الخيام في مدينة رفح من دون أي عمل يوفر له ولأفراد عائلته فرصة العيش الكريم ويضمن توفير احتياجاتهم في العيد التي اعتاد توفيرها.
وبمحاذاة هذا الأمر، فإن تهجيره من شمال القطاع إلى جنوبه جعله يفقد سيارته التي تعرضت لاحقاً لقصف إسرائيلي أدى إلى تدميرها بشكلٍ كامل، وهو أمر يجعله يفقد جميع ما يملك خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع. وتنحصر آمال المدهون في الوقت الحالي بأن تنتهي الحرب خلال الفترة الحالية وأن يعود المهجّرون إلى منازلهم وأحيائهم التي هُجّروا منها بفعل الحرب على القطاع، وأن تجري عملية إعادة إعمار شاملة للمنازل والطرقات المدمرة. ولا تختلف أمنيات الشاب مصطفى أبو النجا كثيراً، إذ يأمل أن تنتهي هذه الحرب على غزة سريعاً، وأن تكون فترة العيد مقدمة لاتفاق تهدئة، وتتمكن العائلات من انتشال جثامين المفقودين وتعيد بناء ما دمره الاحتلال.

ويقول أبو النجا لـ"العربي الجديد" إن "العيد هذا العام يحل بلا أي نكهة، إذ إن أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين والدمار كبيرة، ويفقد العيد أيّ بهجة". يضيف أنه عادة ما يجمع العيد الناس، الذين يتبادلون الزيارات، الأمر الذي لن يكون حاضراً هذا العام، فالغالبية مهجّرون إما في الخيام وإما في المدارس ومراكز الإيواء الموجودة في الوسط والجنوب.
وللعيد أجواؤه الخاصة، إذ يبدأ اليوم الأول بالزيارات الاجتماعية المتبادلة، فيما يكون اليوم الثاني للعزائم والولائم. أما اليوم الثالث، فهو للعائلة، ويجتمع أفرادها في رحلات للتنزه يختتمون بها موسم العيد.
وتظهر الأسواق قلة الازدحام مقارنة بالسنوات السابقة، وينتشر الباعة المتجولون بأعداد قليلة على الأرض لبيع ما يملكونه من طعام وشراب ومواد أساسية وثانوية، بهدف تأمين المال الضروري لشراء احتياجاتهم اليومية. وتسعى العائلات جاهدة لتوفير احتياجاتها الأساسية في ظل الظروف الصعبة، وسط ارتفاع كبير في أسعار البضائع.
ويعاني الفلسطينيون ظروفاً معيشية صعبة وشبه انعدام للحياة، مع دخول الحرب الإسرائيلية شهرها السابع، وقد نزح أغلب الغزيين من منازلهم ومناطقهم السكنية إلى مناطق أخرى نتيجة للقصف الإسرائيلي العنيف، في بحث مستمر عن الأمان المفقود.

المصدر: العربي الجديد