2024-11-25 03:48 م

180 يومًا على حرب غزة.. “إسرائيل” نحو مزيد من العزلة

دخلت حرب غزة يومها الـ180 وسط احتدام القتال والمواجهات بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في ظل صمت دولي كالعادة وخذلان عربي ما عاد بالمستغرب، فيما يقدم سكان القطاع ملحمة بطولية في الفداء والتضحية والصمود أفسدت كل المخططات التي دخل بها المحتل تلك الحرب التي توقع أن تكون نزهة عابرة لا تتعدى بضعة أيام.

وارتكب جيش الاحتلال أكثر من 2900 مجزرة خلال أيام الحرب الأطول في تاريخ المواجهات بين “إسرائيل” والفلسطينيين، أسفرت عن استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال، فيما دُمرت قرابة ثلثي البنية التحتية والفوقية والمعمارية لقطاع غزة الذي حولته آلة التدمير الإجرامية الإسرائيلية إلى مدينة أشباح وأرض خاوية من مقومات الحياة كافة.

وبعد 180 يومًا من تلك الحرب يواجه الاحتلال واقعًا مأزومًا جراء الفشل في تحقيق أهدافه المعلنة من تلك المعركة، ما أفقده التوازن وأوقعه في فخ الارتباك والعشوائية، الأمر الذي زاد من وتيرة عزلته الدولية بعدما تصاعدت الانتقادات الحادة لحلفائه في الولايات المتحدة وأوروبا، والمطالبة بإعادة تقييم العلاقات معه مرة أخرى، بعدما وُجهت لهم تهم التورط في حرب الإبادة التي يشنها نتنياهو وجنرالاته ضد المدنيين في غزة، فلسطينيين كانوا أم أجانب.

إجرام غير مسبوق.. إحصائيات صادمة
لم يعرف تاريخ الصراع مع المحتل مثل هذه الأرقام المفزعة التي شهدتها الحرب الحاليّة، سواء في أعداد الضحايا أم الدمار الذي حل بالقطاع جراء سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الكيان بعد عملية الطوفان، وأطاحت بصورته الأسطورية الوهمية بعد عقود طويلة من البناء كلفته الكثير والكثير.

فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أسفرت حرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال ضد قطاع غزة عن 41496 شهيدًا، بينهم 15370 طفلًا و9671 امرأة، فيما بلغ عدد الجرحى 77250، فضلًا عن أكثر من مليوني نازح، بحسب إحصاء الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان (مستقلة).

كما دمر القصف الهمجي 122 ألف و500 بناية بشكل كلي، وأكثر من 269 ألف و700بناية بشكل جزئي، هذا بخلاف تدمير2217 منشأة صحية، بينها 29 مستشفى، بجانب 443 مدرسة، وأكثر من 650 دار عبادة بين مسجد وكنيسة، فيما بلغت المقرات الصحفية المدمرة نحو 177 مقرًا، وما يزيد على 200 موقع أثري تضرر بشكل كبير.

فيما استهدف الاحتلال الطواقم الطبية والصحفية والدفاع المدني، حيث استهدف 869 شخصًا من الأطقم الطبية، منهم 349 شهيدًا و520 مصابًا، علاوة على 136 صحفيًا، أما طواقم الدفاع المدني المستهدفة فبلغت 198 شخصًا، 42 شهيدًا و156 مصابًا، كما بلغ عدد المعتقلين قسريًا منذ بداية الحرب 3890 فلسطينيًا.

وأسفرت الحرب عن تداعيات كارثية أخرى على مستوى الحياة العامة للغزيين، فهناك 17 ألف طفل يعيشون دون والديهم أو دون أحدهما، و11 ألف جريح بحاجة للسفر للعلاج لإنقاذ حياتهم، و10 آلاف مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة إلى علاج، بجانب مليون و88 ألفًا و764 مصابًا بالأمراض المعدية نتيجة النزوح، و8 آلاف حالة عدوى التهابات الكبد الوبائي الفيروسي بسبب النزوح، و 60 ألف سيدة حامل مُعرّضة للخطر لعدم توافر الرعاية الصحية، هذا بخلاف أكثر من 350 ألف مريض مزمن معرضون للخطر بسبب عدم إدخال الأدوية، وفق إحصاء المركز الفلسطيني للإعلام.

صمود المقاومة وبسالة الغزيين
كان الرهان الإسرائيلي على استسلام المقاومة في الأيام الأولى من الحرب في ظل الفوارق الشاسعة بين القدرات العسكرية للطرفين، غير أن الأداء العام لحماس والجهاد حتى اليوم كان مفاجئًا وصادمًا للشارع الإسرائيلي، نخبته وعامته، بشكل غير متوقع.

فرغم تضييق الخناق لا تزال المقاومة راسخة في الميدان، واقفة على أقدامها بثبات بطولي، مُكبدة الاحتلال خسائر يومًا تلو الآخر، في الأرواح والعتاد، حتى وإن تراجعت عملياتها نسبيًا وهذا أمر طبيعي في ظل إطالة أمد الحرب غير المتوقع وتجفيف منابع الإمداد والتسليح مقارنة بجيش الاحتلال الذي يستقبل جسورًا من الدعم العسكري من أقوى جيوش العالم منذ بداية الحرب.

ومع اليوم الـ180 للحرب ها هي صفارات الإنذار تدوي في مدينة سديروت والمستوطنات الإسرائيلية في منطقة الغلاف، جراء رشقات “سرايا القدس”، لأول مرة منذ 10 أيام، في رسالة تقول فيها المقاومة إنها حاضرة وبقوة ردًا على تصريحات جيش الاحتلال التي يزعم فيها القضاء عليها.

ولعب أهالي غزة دورًا نضاليًا لا يقل أهمية عن ذلك الذي تلعبه حماس والجهاد وغيرها من فصائل المقاومة، إذ كانوا حجر العثرة الأبرز أمام مخططات الاحتلال بشأن التهجير وتفريغ القطاع من حاضنته الشعبية، بتشبثهم بمنازلهم وتمسكهم بالحياة والموت فوق أراضيهم، رافضين كل الضغوط التي مارسها الجيش الإسرائيلي لترهيبهم ودفعهم نحو النزوح الدائم.

ورغم تحويل قوات الاحتلال شمال القطاع ووسطه إلى مناطق طاردة للحياة، فإن سكان تلك المناطق يصرون على العودة واستعادة مظاهر الحياة هناك ولو على ركام وأنقاض منازلهم المهدمة، في رسالة مباشرة للمحتل تجهض مؤامرة التهجير.

وفي ذات السياق دخلت قطاعات عريضة في الضفة والقدس على خط النضال والبطولة في مواجهة الاحتلال، حيث تصاعدت عمليات المقاومة الفردية ضد الإسرائيليين، عسكريين ومستوطنين، رغم التضييقات الأمنية المشددة سواء من المحتل أم السلطة التنفيذية في رام الله.

مزيد من العزلة لـ”إسرائيل”
أسفر صمود المقاومة وبسالة الغزيين ودخول شرائح عدة من الفلسطينيين على خط المواجهة عن فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه من الحرب، ما أصابه بالارتباك وفقدان الاتزان، وأوقعه في فخاخ “الفوضى والعشوائية”، فارتكب جرائم عدة على شاكلة استهداف فريق عمل مؤسسة “المطبخ المركزي العالمي” التي قتل فيها 6 من الأجانب وفلسطيني.

وأثارت تلك الحادثة غضب العديد من الدول الأوروبية على رأسها بريطانيا وبولندا واستراليا وكندا وهي الدول التي قُتل مواطنوها جراء هذا القصف، ففي اتصال هاتفي أجراه رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، مساء الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2024، أبلغ نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن لندن تدرس إعلان “إسرائيل” دولة منتهكة للقانون الإنساني الدولي، حسبما قالت القناة “13” الإسرائيلية.

ووصفت القناة تهديدات سوناك لنتنياهو بـ”الدراماتيكية”، فيما نقلت عن مسؤولين سياسيين قولهم إن مثل هذه الخطوة، إذا تم تنفيذها بالفعل، فستؤدي إلى فرض عقوبات تتعلق بالأسلحة ومبيعاتها.

كما استدعت كل من أستراليا وبولندا سفيري الاحتلال لديهما للتنديد بتلك الجريمة التي استهدفت المنظمة الإغاثية، وسط حالة سخط دولي جراء ما حدث وما يحمله من دلالات تعكس إصرار ممنهج من الاحتلال على تجويع شعب غزة واستخدام الجوع كسلاح حرب في مواجهة العزل من أبناء القطاع.

وفي سياق متصل فإن فشل نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب في ظل صمود المقاومة والشعب الفلسطيني وضعه في مأزق سياسي خطير أمام الشارع الإسرائيلي، حيث بات مستقبله السياسي على المحك جراء تلك المعركة التي يعلم يقينًا أن نهايتها تعني نهايته هو سياسيًا، ومن ثم يحاول جاهدًا إطالة أمدها قدر الإمكان وعرقلة أي جهود دبلوماسية لإتمام صفقة تبادل تقود في النهاية إلى وقف الحرب قبل أن يحقق أهدافه.

وعليه حاول نتنياهو وجنرالات جيشه توسعة دائرة المعركة لتتجاوز حدود غزة الضيقة إلى الحدود الشمالية حيث الجبهة اللبنانية ثم من بعدها الجبهة السورية، ومن هناك بدأ عملية استفزاز ممنهجة لطهران لجرها إلى الحرب بشكل مباشر وعلني، في محاولة لقتل أي محاولة تهدئة تفرضها المفاوضات الدائرة حاليًّا في القاهرة والدوحة.

ومنذ بداية الحرب استهدف جيش الاحتلال العديد من القادة الإيرانيين في سوريا ولبنان، وقد لاقت تلك العمليات استحسان الحليف الأمريكي وصمت الغرب المتماهي مع تل أبيب في هذا التوجه، حتى جاء استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق الأول من أبريل/نيسان الحاليّ وسقوط 13 قتيلًا بينهم ضابطان إيرانيان و5 مستشارين عسكريين في الحرس الثوري، وهي العملية التي قلبت العالم على دولة الاحتلال.

حيث أصدرت العديد من الدول، بعضها حليف لـ”إسرائيل”، ومعها مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي، بيانات منفصلة، أدانوا فيها استهداف المقار الدبلوماسية، وطالبوا بضرورة احترام حصانة المباني والشخصيات الدبلوماسية والقنصلية.

وعلى الجانب الآخر تعهدت طهران على لسان مرشدها الأعلى على خامئني، ورئيسها إبراهيم رئيسي، ومجلس أمنها القومي، بالرد الحازم على تلك العملية التي راح فيها قادة كبار على شاكلة العميد محمد رضا زاهدي، وهو ما وضع الاحتلال في حالة ترقب لهذا الرد حيث كثف من تجنيد الاحتياط وألغى الإجازات الممنوحة للجنود، كما فتحت بعض المدن الملاجئ الليلية للاختباء بها تحسبًا لتعرض الكيان لأي استهداف محتمل.

وهكذا تسير “إسرائيل” بخطوات متسارعة نحو عزلتها دوليًا وتشويه سمعتها، وهي النتيجة التي حذرت منها وسائل إعلام عبرية على رأسها “هآرتس” التي قالت في تقارير عدة لها إن سمعة الكيان وصلت إلى مستويات من التدني غير مسبوقة، جراء الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الجيش وساهمت في زيادة حجم الغضب من العديد من الحلفاء قبل الخصوم.

وفي الأخير لا يمكن قراءة حالة التخبط والعشوائية التي يعاني منها جيش الاحتلال، وأسقطته بطبيعة الحال في فخاخ توسعة دائرة الصراع واستهداف الأجانب، بمعزل عن صمود سكان القطاع وبسالة المقاومة رغم الخسائر التي يتعرضوا لها ليل نهار بسبب المجازر الانتقامية التي يرتكبها المحتل النازي.

وبعد مرور 180 يومًا على حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال يبقى المشهد كما هو، نازية محتل غاشم في مواجهة مقاومة صامدة بما لديها من إمكانيات، فيما لم يراوح المجتمع الدولي مقاعد المتفرجين، أما العرب والمسلمين فمشغولون بمعارك أخرى تافهة، ليدفع شعب غزة ثمن خذلان الجميع بينما يقف وحيدًا في ميدان القتال يدافع عن عرض وشرف وكرامة أمة بأكملها.

المصدر: نون بوست