2024-11-23 11:35 م

إدارة بايدن خانت غزة وعليها التحرك قبل أن تتحول رمالها الملطخة بالدماء لمقبرة رئاسته

نشر موقع “ذي هيل” مقالا لأدريل كاسونتا، المحامي ومستشار المخاطر السياسية ومقره لندن اتهم فيه الولايات المتحدة بخيانة غزة.

وقال فيه: “في الملحمة المستمرة للمسرح الجيوسياسي المحيطة بغزة، الحلقة الأخيرة التي اشتركت فيها الولايات المتحدة ومشروعها المبالغ [في أهميته] لوقف إطلاق النار يقدم  صورة صارخة عن المناورات الدبلوماسية في أعلى حالات المخادعة”.

وصوتت كل من روسيا والصين والجزائر ضد مشروع القرار الأمريكي، لأنه لم يدع إلى وقف مباشر للنار. ويكشف القرار عن التباين بين الخطاب والفعل في نهج واشنطن من الأزمة والهوة الصارخة بين التظاهر السياسي والإلتزام الحقيقي للسلام في المنطقة.

فبعد استخدام الفيتو لثلاث مرات متتالية في مجلس الأمن بشأن الوضع في غزة، وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام معضلة محيرة، عندما تم رفض مشروعها لوقف إطلاق النار. والمشكلة هي في صياغة القرار الذي اكتفى بالإشارة إلى “أهمية الإعتراف” بوقف إطلاق النار ودعم الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها، بدلا من الدعوة صراحة إلى وقف فوري ومباشر لإطلاق النار.

ويرى الكاتب أن اللفتة العقيمة لا ترقى إلى مستوى معالجة الأزمة الإنسانية العاجلة التي تتكشف في غزة. ويمكن للواحد الإفتراض أن الوضع الحالي يسلط الضوء عن الطبيعة المزدوجة للسياسة الأمريكية في المنطقة، ومنذ أن خانت أو تخلت الولايات المتحدة عن دورها كوسيط محايد، وموافقتها العملية على معايير المفاوضات الإسرائيلية والتي ربطت أي وقف إطلاق للنار بالإفراج عن الأسرى لدى حماس. وهو مطلب سيقابل على الأرجح برفض من المسؤولين الفلسطينيين لأنه يقوض الحاجة الملحة لإنهاء العنف ويطيل دورة المعاناة لأكثر من مليوني مدني برئ في غزة ويجعلهم رهائن المكائد السياسية.

ويقول الكاتب إن الدوافع وراء هذه المناورة واضحة بشكل صارخ، وتفضح الجهود على أنها ليس تقدما صادقا نحو السلام بل تحركا محسوبا  يهدف لتحقيق أغراض سياسية محلية.

 ففي ظل الإنتخابات الرئاسية التي تخيم وبشكل واسع، حاولت إدارة بايدن إسترضاء الأمريكيين القلقين والراغبين في السلام.

ويؤكد أن استطلاعات الرأي تعكس تغيرا واضحا في مشاعر الأمريكيين، مع غالبية تدعو إلى وقف إطلاق النار وتضاؤل دعمهم غير المشروط لإسرائيل. وبحسب دراسة مسحية أجرتها رويترز/ إبسوس في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، فنسبة 32% من المشاركين  وافقت على دعم غير مشروط لإسرائيل، في وقت  طالبت فيه غالبية مذهلة (68%) بوقف إطلاق النار. وقد تزايدت المشاعر قوة منذ ذلك الوقت حيث خرجت أكثر من 70 مدينة في الولايات المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار.

ويقول الكاتب إن المشاعر هذه تنتشر على طرفي الإنقسام الديني والسياسي، كما كشفت دراسة معهد السياسة  الإجتماعية والتفاهم ونشرت في شباط/فبراير 2024. وبعيدا عن الولاء الديني، فغالبية أمريكية عبرت عن رغبتها بتوقف العنف في غزة: 75% مسلمون، 71% كاثوليك، 60% بروتستانت و 50% يهودا. وحدث تحول باتجاه الدعوة لوقف إطلاق النار، حتى بين أشد المدافعين التقليدييين عن إسرائيل، مثل الإنجيليين البيض. ورغم الموافقة المبدئية على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإن نسبة 58% من الإنجيليين البيض تدعم خفض التوتر، مما يؤكد على الطبيعة المعقدة والمتطورة للمواقف العامة من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وتكشف الخلافات الجيلية عن فضاء متحول في الرأي داخل الولايات المتحدة. ففي استطلاع نظمته في شباط/فبراير إي بي- أن أو أر سي، كشف أن نسبة 50% من البالغين الأمريكيين (بفوارق من حيث الإنتماء السياسي)  يعتقدون أن إسرائيل أفرطت وتجاوزت حدود التناسب. ففي الوقت الذي عبرت فيه نسبة 63% من الديمقراطيين عن قلقهم من أفعال إسرائيل، اشتركت نسبة 33% من الجمهوريين مع هذا القلق.

ويقول الكاتب إن ظهور وسائل التواصل الإجتماعي كمحفز في تشكيل الخطاب العام لعبت دورا مهما في إشعال الدعم للقضية الفلسطينية وبخاصة بين الأجيال الشابة. ولم يتم تجاهل انتشار المشاعر المؤيدة لفلسطين على منصات مثل “تيك توك”، بشكل قاد إلى قلق وسط دوائر ودعوات لفرض الرقابة على هذه المنصة الشعبية في الولايات المتحدة. وينعكس المشهد السياسي المتطور في التفضيلات الدقيقة، كما ظهر في دراسات مسحية أجراها مجلس شيكاغو للشؤون العالمية ورويترز/ إيبسوس. وقد فضل معظم الأمريكيين، 59% الحياد في النزاع، حيث قاد الديمقراطيون والمستقلون الدعوات. وفي المقابل صوت الجهموريون وبشكل كبير للوقوف مع إسرائيل، مما يعكس الإنقسام الحزبي حول الموضوع.

وأكثر من هذا، فهناك دعم متزايد لفرض قيود على الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، وبنسبة 53% من الأمريكيين توافق على هذه الإجراءات. وتتداخل هذه المشاعر بشكل دقيق مع الولاءات السياسية وتؤكد على التوازن الدقيق الواجب على صناع السياسة الذين يتعاملون مع المستنقع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وبالمقابل، ورغم التغيرات الكبيرة في المواقف، فهناك نقص مثير في الوعي بالثمن الإنساني للنزاع. وكشف استطلاع لمركز أبحاث بيو أن نصف الأمريكيين لا يعرفون عن التباين الكبير بالضحايا، أكثر من 32,000 فلسطيني مقابل 1,200 إسرائيلي. مما يعطي صورة أن المعدل هو 26-1. وهو ما يؤكد الطبيعة غير المتناسبة للعنف والحاجة الماسة لشفافية كبيرة ومحاسبة في التغطية الإعلامية والخطاب السياسي.

ويشدد الكاتب على أن هناك مأزق أخلاقي عميق من تزايد أعداد الضحايا في غزة، وسط الإحصائيات القاتمة. فالإستهداف المتعمد للمدنيين والحرمان المنظم من الإحتياجات الأساسية تمثل خرقا واضحا للقانون الدولي، حيث وصف المقرر الأممي مايكل فخري أفعال إسرائيل بأنها جرائم حرب وإبادة.

 ويقول الكاتب إن تمرير الكونغرس للقانون الأخير والذي صادق عليه الرئيس بايدن يقدم صورة عن موقف الولايات المتحدة المحير من النزاع في إسرائيل- فلسطين. فالوثيقة لا تصادق فقط على وقف التمويل لأونروا، الوكالة التابعة للأمم المتحدة والتي تقدم الدعم الصحي والتعليمي والإنساني لغزة، بل وتتعهد بتخصيص 3.9 مليار دولار كمساعدات لإسرائيل، وهو ما يؤكد الإفلاس الأخلاقي للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة ويقوض مصداقية البلد على المسرح العالمي.

ويشير إلى أنه إن لم يكن هذا كافيا، فقد اشترطت الوثيقة تقديم الدعم للسلطة الوطنية بالتوقف عن  حصول العضوية في الامم المتحدة وعدم التعاون مع محكمة الجنايات الدولية، مما يحمي وبشكل فعلي إسرائيل من أي محاسبة قانونية على أفعالها في غزة. ويطيل هذا دوامة الإفلات من العقاب والظلم أكثر، ويلخص الطبيعة الفاوستية لهذه المقايضة الشريرة.

ويضيف: ستصبح تكلفة التواطؤ الأمريكي في الحرب واضحة مع مضي  رئيس الوزراء الإسرائيلي في حملته ضد رفح، رغم التحذيرات الفاترة من بايدن. ولا تعرض أعمال إسرائيل الإستقرار الإقليمي ولكنها تقوض المصالح الإستراتيجية الأمريكية. ومن ثم، فالدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل سيكون على المدى البعيد تهمة وليس رصيدا، حيث تتزايد خيبة المجتمع الدولي من تقاعس الولايات المتحدة.

ويخلص للقول إنه في الحقيقة، فرمال غزة الملطخة بالدماء لن تكون فقط مقبرة رئاسة بايدن ولكن النظام الدولي الذي قاده الغرب والقائم على القواعد، حيث سيزداد الشجب الوطني والدولي بشكل يصبح فيه التواطؤ الأمريكي غير قابل للدفاع عنه. وفي الوقت الذي يحتفل فيه المجتمع العالمي برقصة الحرب الفارغة لوقف إطلاق النار في رمضان، فقد حان وقت تحرك لا لبس فيه، وعلى الولايات المتحدة أن تقرر على أي جانب من التاريخ تريد أن تكون، من أجل غزة ام من أجل إسرائيل. والأهم من هذا، من أجل الإنسانية أم من أجل روحها فقط.

المصدر: القدس العربي