2024-11-24 05:27 م

ما التأثير الفعلي لقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزة؟

أحدث قرار مجلس الأمن الدولي، الإثنين 25 مارس/آذار 2024، الخاص بوقف إطلاق النار في غزة، تباينًا في ردود الفعل، بين من يعتبره خطوة أولى نحو إنهاء الحرب في القطاع بشكل كامل، وآخرين يرونه فارغًا من مضمونه الفعلي وخاويًا من آليات تنفيذه ميدانيًا.

ترحيب الدول العربية وحركة حماس بالقرار في مقابل غضب الإسرائيليين، والأجواء المتفائلة التي خيمت على المشهد العالمي بعد صدور القرار الاستثنائي منذ بداية الحرب، أثارت الكثير من التساؤلات بشأن تأثيره وقدرته على وقف الإجرام الإسرائيلي الذي خلف أكثر من 32 ألف شهيد وما يقرب من 100 ألف جريح، وتسبب في نزوح وتشريد أكثر من مليون ونصف فلسطيني بعدما دمر قرابة ثلثي البنية التحتية للقطاع.

وأيد القرار الذي تبناه مجلس الأمن 14 عضوًا (4 دائمين و10 غير دائمين) مقابل امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وذلك بعد 4 مشروعات قرارات بوقف إطلاق النار قُدمت منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان حق النقض “الفيتو” هو سلاح إجهاضها جميعًا.

بداية.. ما فحوى القرار؟
نص القرار المتبنى من مجلس الأمن على وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، على أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، والمطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأسرى والرهائن.

– القرار بصيغته تلك يطالب بوقف إطلاق النار لمدة أسبوعين فقط، ما تبقى من شهر رمضان، دون التأكيد على استدامة هذا الوقف بشكل علني، ما يعني أنه أقرب لـ”هدنة إنسانية مؤقتة” كالتي حدثت في 24  نوفمبر/تشرين الثاني 2023 واستمرت لمدة 7 أيام، دون وجود ترتيبات أو تفاهمات بشأن ضرورة أن يؤدي وقف إطلاق النار خلال رمضان إلى وقف دائم بعد ذلك.

– يفتقد القرار لأي ضمانات خاصة بإلزام الجانب الإسرائيلي بوقف إطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات دون شرط أو قيد، كما يفتقد لآليات التنفيذ والمحاسبة إذا ما أخل الكيان المحتل بالتزاماته.

– يُلزم القرار الجانبين بإطلاق سراح جميع الأسرى والرهائن، دون تحديد ضوابط هذا الإفراج ولا خريطته الزمانية والمكانية، ولا حتى ضماناته، الأمر الذي يُحدث حالة من الارتباك والتباين في تفسير وقراءة بنود القرار بما يخدم مصلحة كل طرف، وهو ما يُفرغ القرار من مضمونه.

جدلية الإلزام من عدمه
السؤال الأبرز الذي فرض نفسه بعد صدور القرار، هل يُعد مُلزمًا أم لا ؟ وهنا انقسمت الآراء إلى قسمين:

الأول: الذي يرى بعدم إلزاميته، كما ذهب البيت الأبيض الذي قال إنه غير مُلزم، ويستند أنصار هذا الرأي إلى أن القرار صدر بناء على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وليس الفصل السابع الذي يصدر القرارات بحق الجهات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وعليه تكون إلزامية وإلا يتم توقيع عقوبات، وهو ما لم يذكره القرار.

كذلك القرارات الإلزامية تتطلب موافقة 9 أعضاء شرط أن يكون من بينها أصوات الأعضاء الـ5 الدائمين (الصين، فرنسا، روسيا، بريطانيا، الولايات المتحدة)، وبما أن أمريكا امتنعت عن التصويت على القرار فإنه بات غير مُلزم رغم عدم استخدامها لحق النقض “الفيتو”.

الثاني: وهو الذي يرى بإلزامية جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بما فيها قرار وقف إطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، لكن ذهب بعض أنصار هذا الرأي إلى أن القرار رغم إلزاميته فإنه لا يتمتع بأي صيغة تنفيذية، كما أشار أستاذ القانون العام في الجامعة العربية الأمريكية أحمد الأشقر.

وأضاف الخبير القانوني أن القرار صدر بناء على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، مرجحًا أن يكون ذلك بناء على طلب أمريكي “حتى لا يتم التصويت بحق النقض (فيتو)”، مضيفًا في تصريحاته لـ“الأناضول” أن القرار رغم أهميته كان يمكن أن يكون له صيغة تنفيذية “إذا صدر بناء على الفصل السابع، الذي يؤدي إلى استخدام القوة في مواجهة الدولة التي لا تلتزم بمقتضيات القرار”، وفق قوله.

يخدم مصالح الاحتلال في المقام الأول
القراءة الأولى لنص القرار تذهب باتجاه خدمة أجندة الاحتلال أكثر منها أجندة المقاومة والشعب الفلسطيني وذلك وفق عدة نقاط:

– القرار ينص على وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين فقط، وهو عكس رؤية المقاومة التي كانت تطالب في مباحثات صفقة التبادل الدائرة الآن في الدوحة والقاهرة، بهدنة طويلة على 3 مراحل تستغرق كل مرحلة 45 يومًا.

– لا ينص القرار على ضرورة وقف إطلاق النار بعد انتهاء رمضان، وعليه يمكن للاحتلال معاودة هجماته بعد أسبوعين فقط، وهو ما ينسف هيكل الاتفاق الذي تتباحث بشأنه حماس وبقية فصائل المقاومة بضرورة أن تؤدي الهدنة المؤقتة التي من المقرر أن تستغرق 135 يومًا إلى وقف كامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب.

– طالب القرار بإطلاق سراح جميع الرهائن، ورغم أنه لم يحدد أجندة لهذا البند ولا تفاصيل بشأنه، فإنه يمكن قراءته كونه شرطًا لوقف إطلاق النار، ما يعني أن المقاومة ملزمة بالإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين لديها في غضون أسبوعين فقط، وإلا ستكون ممتنعة عن التنفيذ.

– القرار بصيغته المبهمة يجرد حماس والمقاومة من أبرز أوراق الضغط لديها وهي ورقة الأسرى والمحتجزين، كما أنه لا يوفر أي ضمانات لحماية التهدئة بعد انتهاء رمضان، وعليه يمكن للاحتلال معاودة الحرب بعد تحرير أسراه، وحينها يتخلص من عبء وضغوط عائلات الأسرى والرهائن، وهو الصداع الذي يؤرق حكومة المحتل منذ بداية الحرب.

إذًا لماذا الترحيب العربي والغضب الإسرائيلي؟
اللافت هنا ورغم خدمة القرار للأجندة الإسرائيلية أنه قوبل برفض وغضب إسرائيلي مقابل ترحيب كبير لدى حماس والأوساط العربية، حيث شن جنرالات الاحتلال ونخبته السياسية هجومًا عنيفًا على الأمم المتحدة وصل إلى حد اتهامها بـ”معاداة السامية”، كما جاء على لسان وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.

كما قلل الوزير بمجلس الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، من شأن القرار الذي قال إنه ليس له أي أهمية عملية لـ”إسرائيل”، لافتًا في تغريدة له على منصة “إكس” إلى أن بلاده ستواصل القتال حتى تحرير الرهائن وإزالة التهديد الذي تمثله حماس على حد قوله.

وفي المقابل رحبت حركة حماس بالقرار، مؤكدة في بيان لها على ضرورة “الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، يؤدي إلى انسحاب القوات الصهيونية كافة من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى بيوتهم التي خرجوا منها”.

ورحبت اللجنة العربية في مجلس الأمن بالقرار ومضمونه، فيما أصدرت عدد من الدول العربية على رأسها مصر وقطر والسعودية بيانات رسمية دعمت فيه القرار الذي اعتبرته خطوة نحو وقف دائم للقتال في القطاع، لا سيما في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعاني منها المدنيون في قطاع غزة، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن.

من وجهة نظر حماس فإن التصويت على قرار وقف إطلاق النار وبأغلبية المجلس، بصرف النظر عن تفاصيله ومدى الالتزام به، يعد انتصارًا سياسيًا لها أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد تخلي الولايات المتحدة عن حق الفيتو الذي عرقل قبل ذلك 3 مشروعات قرارات بهذا الشأن.

وفي المقابل ترى حكومة الاحتلال أن أي قرار لوقف الحرب مهما كانت تفاصيله دون تحقيق لأهدافها الـ3 المعلنة سابقًا (تحرير الأسرى – القضاء على حماس – ضمان ألا يشكل القطاع تهديدًا لإسرائيل) بمثابة هزيمة لها، مهما كان حجم الدمار والخسائر التي خلفتها على مدار الأشهر الـ6 الماضية.

ويؤمن قادة الاحتلال وجنرالاته ونخبته السياسية أن التصويت بالأغلبية على وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات هو اعتراف ضمني بجرائم المحتل في قطاع غزة، ما يعني المزيد من تشويه الصورة وفضح الكيان المغتصب، ويقود في النهاية نحو مزيد من العزلة الدولية وتراجع الدعم مقارنة بما كان عليه الوضع بداية الحرب.

علاوة على عدم تضمين القرار إدانة حماس بشكل كامل وشيطنتها كما كان الاحتلال يُمني نفسه، بما ينسف سردية المظلومية التي يستند إليها الإسرائيليون في جرائمهم العنصرية، وهو ما يفسر حالة السُعار التي انتابت الأوساط الإسرائيلية عقب الإعلان عن القرار بعيدًا عن مضمونه وفحواه.

تأثيره على الميدان
السؤال الأبرز: ما تأثير هذا القرار على تطورات الحرب في القطاع؟ وهل تلتزم به دولة الاحتلال؟.. ردود الفعل الأولية لقادة الكيان تشير إلى رفضهم للقرار وبالتالي عدم الانصياع له، وفي ظل عدم وجود ضمانات تُجبر المحتل على الرضوخ والالتزام به، فمن المستبعد أن تستجيب له حكومة نتنياهو ولا مجلس الحرب المصغر.

وبحسب مديرة الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ليما بسطامي، فإن لدولة الاحتلال سجلًا حافلًا من عدم الالتزام بالقرارات الدولية، حتى تلك الصادرة عن مجلس الأمن، وبالتالي تستبعد أن يكون لقرار الإثنين تأثير على المشهد.

وترى بسطامي أن عدم محاسبة الكيان المحتل على رفضه الالتزام بالقرارات الدولية على مدار السنوات الماضية، وإفلاته من العقاب والمسائلة من مؤسسات المجتمع الدولي بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن نفسه، شجعه على المزيد من التجاهل والتقليل من مثل تلك القرارات، وتابعت في تصريحات لها: “رغم إلزامية القرار فإنه لم يشمل أي تدابير أو عقوبات تلقائية يمكن لمجلس الأمن اتخاذها في حال عدم التزام إسرائيل، كونه قرارًا صادرًا بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة”.

وتوقعت الخبيرة الحقوقية الدولية استمرار مجازر الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الأمر الذي قد يُضطر معه للجوء إلى مجلس الأمن مجددًا لإصدار قرار جديد، مستبعدة أن يصدر المجلس أي قرار بموجب الفصل السابع الذي يتضمن فرض عقوبات اقتصادية أو دبلوماسية أو استخدام القوة ضد “إسرائيل”، فحينها ستستخدم واشنطن حق الفيتو الذي لم تستخدمه اليوم.

قرار مهم ولكن
ليس معنى أن القرار غير مُلزم للاحتلال وأنه يخدم أجندته في المقام الأول، فضلًا عن عدم تأثيره بشكل مباشر في ميدان الحرب، أنه غير مهم كما يردد البعض، فعلى العكس من ذلك يتضمن القرار رمزية سياسية ذات دلالات مهمة يمكن البناء عليها بما يصب في صالح القضية الفلسطينية بصفة عامة.

القرار بالتوازي مع إدانة دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، يعززان بطبيعة الحال من العزلة الدولية للكيان الإسرائيلي، وينسفان الصورة الوردية التي حاول الترويج لها على مدار عقود كدولة ديمقراطية مدنية متحضرة تلتزم بحقوق الإنسان.

من المرات القليلة أن يُجمع المجتمع الدولي على إدانة “إسرائيل” ويطالبها بوقف جرائمها في غزة، اعترافًا بانتهاكاتها للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي أثار غضب مندوب الاحتلال لدى الأمم المتحدة، غلعاد إردان، الذي حاول قدر الإمكان تبرئة ساحة بلاده من تلك الجرائم من خلال تحميل حماس المسؤولية، وأنها السبب الرئيسي وراء اندلاع تلك الحرب التي لم ترغب فيها “إسرائيل”، متهمًا المجتمع الدولي بالازدواجية والتناقض، على حد قوله.

ربما لا يحمل القرار أهمية ميدانية لكنه يشتمل على قيمة سياسية كبيرة، كونه خطوة جديدة نحو عزلة “إسرائيل” دوليًا، وتحويلها إلى دولة منبوذة، وتجريدها من سلاح الدعم الدولي الذي ظل لسنوات سدًا منيعًا أمام حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة الخالدة التي بدأت تفرض نفسها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول على معظم الساحات الدولية وكبريات ميادين وشوارع دول العالم شرقًا وغربًا.

وفي الأخير.. يمكن توظيف هذا القرار إيجابيًا خلال مسار المفاوضات بين حماس والاحتلال بشأن صفقة التبادل المحتملة، وعلى الدول العربية والإسلامية – إذا ما توافرت لديها الإرادة – أن توظفه من أجل مزيد من الضغط على الاحتلال والولايات المتحدة لإنهاء الحرب في أقرب وقت.


المصدر: نون بوست