2024-11-27 11:35 م

لماذا تدعم الإمارات مشروع ميناء غزة البحـري؟!

تبذل دولة الإمارات جهودًا حثيثة خلال الأيام الماضية للانخراط في الملف الفلسطيني، محاولة البحث عن موطئ قدم لها إزاء ترتيبات غزة ما بعد الحرب، في ظل تعقيدات المشهد وتعدد الأجندات والمواقف المحيطة بأطراف الأزمة.

وتأتي الزيارة – العاجلة وغير المعلنة – التي قام بها الرئيس الإماراتي محمد بن زايد للقاهرة قبل يومين والمباحثات التي أجراها مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي والتي ركزت في المقام الأول على الحرب في غزة في هذا السياق.

وبالتزامن مع زيارة ابن زايد للقاهرة وفي ذات اليوم عقد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، مع نظيره من قبرص الرومية كونستانتينوس كومبوس، مباحثات تضمنت مستجدات الممر البحري الدولي لإيصال المساعدات إلى القطاع، حيث ثمن الوزير الإماراتي الجهود التي تبذلها قبرص لإيصال المساعدات عبر ميناء لارنكا إلى ميناء غزة الذي تشرع الولايات المتحدة في تدشينه.

الحضور الإماراتي عبر بوابة المساعدات
تعتبر الإمارات ملف المساعدات الإنسانية لغزة الجسر الأكثر ملاءمة لإعادتها للملف الفلسطيني بعد سحب البساط من تحت أقدامها لعدة سنوات لحساب قوى إقليمية أخرى بعدما فقدت مصداقيتها لدى الشارع الفلسطيني جراء هرولتها نحو التطبيع مع الاحتلال على حساب مرتكزاتها العروبية والإسلامية.

ومنذ أن طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن فكرة إنشاء ميناء على شواطئ غزة، ولو كان مؤقتًا، بدأ اسم الإمارات يُتداول كثيرًا عبر المنصات الإعلامية، البداية حين خرجت تسريبات تقول إن تمويل الميناء والممر البحري من ميناء لارنكا القبرصي حتى شواطئ غزة سيكون إماراتيًا من الألف إلى الياء، وأن الدولة الخليجية ستقدم كل الدعم المطلوب منها لإتمام هذا المشروع.

وخلال لقائه بنظيره القبرصي أكد وزير الخارجية الإماراتي التزام بلاده بحشد الدعم لمبادرة الممر البحري والعمل مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين لاستثمار المبادرة بالشكل الأمثل “وذلك للإسهام في زيادة تدفق المساعدات الإنسانية للمدنيين في شمال غزة بوتيرة كافية ومستدامة ودون عوائق”، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية.

وكانت الإمارات بالتعاون مع مؤسسة “المطبخ المركزي العالمي” الخيرية الدولية، ومقرها واشنطن، صاحبة التجربة الأولى لهذا الممر الجديد، حيث تكفلت بإرسال أول سفينة إغاثية لغزة من ميناء لارنكا القبرصي، وذلك في 12 مارس/آذار الحالي، بعد أقل من 5 أيام فقط من تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن إنشاء الميناء الجديد.

وفي اليوم الذي أرسلت فيه الإمارات سفينة المساعدات الأولى لغزة عبر الميناء القبرصي أجرى الرئيس الإماراتي اتصالًا هاتفيًا مع نظيره القبرصي تطرق إلى الجهود المبذولة لتعزيز المشروع الجديد وضرورة العمل على إنجاح المبادرة التي أعلنتها واشنطن بمشاركة كل من الإمارات وقبرص والمفوضية الأوروبية وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وبريطانيا.

تنسيق كامل مع الاحتلال
يأتي التحرك الإماراتي إزاء ملف المساعدات الإنسانية لغزة ضمن الترتيبات والتنسيقات الأمنية مع الكيان المحتل، وهو ما كشفته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية في 7 مارس/آذار الحاليّ حين كشفت عن زيارة كل من السكرتير العسكري لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، آفي غيل، ومنسّق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، غسان عليان، لأبو ظبي، في زيارة سرية، بحثا خلالها مع مسؤول إماراتي رفيع، عدة موضوعات كان على رأسها ملف غزة.

الهيئة ذكرت في تقرير لها أن المباحثات بين المسؤولين الثلاث تركزت على ضرورة زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وإدخالها عن طريق البحر، وأن تحاول “إسرائيل” حشد جهود أبو ظبي لهذه الخطوة التي بموجبها “ستقوم الإمارات بتمويل عشرات الآلاف من مراكز إيواء النازحين في منطقة جنوب وادي غزة”.

ومنذ اليوم الأول للحرب ولم تتوقف الاتصالات بين الجانبين الإماراتي والإسرائيلي رغم الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها الدولة الخليجية وحثها على توظيف اتفاقية التطبيع مع الاحتلال كورقة ضغط لإثنائها عن حرب الإبادة التي تشنها ضد قطاع غزة، لكن أبو ظبي أصرت على استمرار العلاقات دون أي تأثير، مؤكدة أن ما يحدث في فلسطين لن يؤثر على مستقبل التقارب بين البلدين.

وعلى العكس من ذلك، ففي الوقت الذي يطالب فيه الشارع العربي الإمارات باتخاذ موقف حاسم إزاء الاحتلال، كان أبناء زايد الداعم الأبرز لدولة الاحتلال في تلك الحرب حسبما كشفت تقارير عدة، حيث تزويدها بالإمدادات الغذائية واللوجستية التي تحتاجها بعد الأزمة التي تعرضت لها جراء توتير الأجواء في البحر الأحمر وعرقلة جماعة الحوثي عبور أي سفينة متجهة إلى موانئ الاحتلال ردًا على الحرب الإسرائيلية في غزة.

الموقف ذاته كشفه موقع (middleeastmonitor) في تقرير له حين كشف أن الإمارات – ومعها بلدان أخرى – تلعب دورًا رئيسيًا في دعم الحرب الإسرائيلية على غزة من خلال توفير النفط والوقود الذي يحتاجه جيش الاحتلال في عملياته، وذلك من خلال تتبع سلاسل توريد النفط الخام والمنتجات المكررة إلى دولة الاحتلال وفق تقرير صادر عن “Oil Change International”.

سنوات التطبيع.. آن أوان الحصاد
تعلم الإمارات جيدًا أن ملف المساعدات لا ينفصل بشكل أو بآخر عن ترتيبات غزة ما بعد الحرب، كما أنه يتناغم بشكل كبير مع المشروع الأمريكي الخاص بالميناء المؤقت، وهو ما سيكون له انعكاساته حول التفاهمات الخاصة بهوية السلطة، التنفيذية والأمنية، التي من المتوقع – بحسب السردية الإسرائيلية الأمريكية – أن تدير القطاع بعد إسدال الحرب ستائرها.

ومن ثم تحاول أن تكون شريكًا أساسيًا في هذا الملف لضمان موطئ قدم لها في ترتيبات غزة مستقبلًا، لا سيما أن أجندتها تتناغم شكلًا ومضمونًا مع الأجندة الإسرائيلية من حيث ضرورة إبعاد حركة حماس عن المشهد بشكل كامل وتولي إدارة جديدة.

وعليه جاء الدعم الإماراتي المطلق لمشروع الميناء المؤقت، وتدشين ممر بحري لإدخال المساعدات، بعيدًا عن معبر رفح التقليدي والمتعارف عليه منذ عقود، حيث تعتقد أبو ظبي كما تل أبيب وواشنطن، أن هذا المشروع سيمثل تقليصًا أوليًا لنفوذ حماس وفصائل المقاومة في القطاع، ويمهد الطريق نحو إزاحتها وتقزيم دورها تدريجيًا، هذا بخلاف أنه يخدم بشكل كبير المخطط الإسرائيلي الرامي لتهجير سكان القطاع وتفريغه من حاضنته الشعبية، كخطوة أولى نحو وأد ملف عودة اللاجئين.

كما أنه من المتوقع أن يكون لأبو ظبي دور كبير في المباحثات الخاصة بطبيعة السلطة الجديدة للقطاع، والتي من المرجح أن تكون بخلفية معادية للمقاومة بصفة عامة ولحماس على وجه الخصوص، وفي ظل تحفظ رئيس حكومة الاحتلال وبعض جنرالاته وأعضاء يمينه المتطرف على أن تكون سلطة محمود عباس (أبو مازن) هي البديل لحماس في غزة، بدأ اسم القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، المقرب والمدعوم من أبناء زايد، يطرح نفسه كأحد البدائل المحتملة.

وفي الأخير لا تريد الإمارات أن تكون بعيدة عن المشهد الفلسطيني، بأي ثمن، لا سيما بعد تقلص نفوذها الإقليمي خلال السنوات الخمسة الأخيرة لصالح قوى وكيانات أخرى، حيث ترى بأنه قد آن الأوان لجني حصاد التطبيع والارتماء في أحضان الصهيونية، مستفيدة من علاقاتها الجيدة مع دولة الاحتلال وحلفائها والوسطاء والشركاء الفاعلين في الأزمة.

وكما أن القاهرة والدوحة تلعبان دورًا محوريًا في مسار المفاوضات بشأن الهدن واتفاقات التبادل، كذلك الرياض التي تمارس دورًا دبلوماسيًا في ترتيبات اليوم التالي للحرب، تحاول أبو ظبي هي الأخرى أن يكون لها دور في المشهد، حتى لو كان عبر تبني الأجندة الإسرائيلية والتخندق في صف الاحتلال.

صابر طنطاوي| نون بوست