منذ إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن عن قرار بلاده إنشاء ميناء بحري في غزة لنقل المساعدات للقطاع المحاصر، تواترت التقارير التي تكشف تفاصيل "المشروع الأمريكي" والتحديات التي يواجهها، بينما تحدثت أخرى عن الهدف الحقيقي من إنشائه بعيداً عن فكرة إيصال المساعدات لغزة.
حيث كشفت صحيفة "Jerusalem Post" الإسرائيلية، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو صاحب فكرة إنشاء طريق بحري إلى غزة عبر قبرص لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة، بينما ذكرت وكالة الأناضول أن 4 سفن أمريكية انطلقت فعلاً باتجاه غزة لإنشاء "رصيف بحري".
ميناء غزة "فكرة نتنياهو"
صحيفة "جيروزاليم بوست" نقلت في تقرير لها نشرته، الثلاثاء 12 مارس/آذار 2024، عن مصدر دبلوماسي "رفيع" مقرب من بنيامين نتنياهو أن خطة إنشاء ميناء بحري في غزة بدأها رئيس الوزراء بالتعاون مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.
حسب المصدر ذاته، ففي 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي بعد أسبوعين من اندلاع الحرب، ناقش نتنياهو مع بايدن طريقة "إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر البحر، بشرط التفتيش الإسرائيلي في قبرص"، وقد جرى إطلاع الرئيس القبرصي خريستودوليدس على هذه الخطة.
كما ألمح المصدر إلى أن بايدن كان ببساطة ينفذ خطة نتنياهو، ولم يبادر في الواقع إلى أي شيء جديد. وأضاف أن الرئيس الأمريكي سعى لإبعاد نفسه عن رئيس الوزراء الإسرائيلي ضمن حملة إعادة انتخابه عام 2024.
خطة إنشاء ميناء بحري في غزة
بشأن كيفية تنفيذ خطة إنشاء ميناء بحري في غزة، أوضحت الصحيفة الإسرائيلية أنه بعد مرحلة التفتيش، ستُنقل الشحنة إلى سفينة قادرة على الرسو في المياه الضحلة، وسيجري إرسالها من قبرص إلى رصيف جديد يجري إنشاؤه حالياً في قطاع غزة.
في المرحلة الأولى، سيكون المشروع تجريبياً، وسيجري إيصال حمولة من 10 إلى 20 شاحنة فقط يومياً. وستتسلم منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الطرود الغذائية قبل تحويلها إلى سكان غزة لاحقاً.
في المرحلة الأولى أيضاً، ستصل المساعدات إلى رصيف مخصص بميناء لارنكا في قبرص، وسيقوم جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الشاباك" بإجراء تفتيش شامل لمحتويات الشاحنة.
كما أوضحت الصحيفة أنه في هذه المرحلة، لم توضع بعد الترتيبات الأمنية والإشرافية على السفينة للتأكد من عدم استخدامها أثناء الإبحار من قبل إيران أو أطراف أخرى للتهريب.
بينما ستُنقل المساعدات الغذائية إلى شاحنات لأهالي غزة، ومن هناك سيجري توزيعها على السكان، وتقول الصحيفة إن احتمالاً كبيراً أن سكان غزة المنتمين إلى حركة فتح هم من سيقودون هذه الشاحنات ويشرفون عليها.
سفن أمريكية في طريقها للقطاع
إلى ذلك، أعلن الجيش الأمريكي، الأربعاء 13 مارس/آذار 2024، توجّه عدد من سفنه إلى غزة لإنشاء رصيف بحري "مؤقت" يسمح بتسلم مساعدات إنسانية للقطاع الذي تحاصره إسرائيل.
حيث قالت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" في بيان عبر منصة إكس: "في 12 مارس/آذار 2024 (الثلاثاء) غادرت سفن الجيش الأمريكي من لواء النقل السابع قيادة الدعم الاستكشافية الثالثة، الفيلق الثامن عشر المحمول جواً، قاعدة لانغلي – يوستيس المشتركة" بولاية فرجينيا.
أضافت أن السفن "في طريقها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لإنشاء رصيف بحري يتيح للسفن إرسال المساعدات الإنسانية لغزة". وأرفقت البيان الذي نشرته باللغة العربية بصور تظهر السفن إس بي 4 جامس ألوكس، ومونتيري، وماتاموروس، وويلسون، وأرف.
كما أوضحت أن هذه السفن "تحمل المعدّات والإمدادات اللازمة لإنشاء رصيف مؤقت لتوصيل الإمدادات الإنسانية الحيوية" لأهالي غزة الذين استقبلوا رمضان بصيام قسري منذ أكثر من 5 أشهر، بسبب منع إسرائيلي شبه تام لدخول المساعدات الغذائية إلى القطاع.
يأتي ذلك بعد أن أعلن متحدث الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، خلال مؤتمر صحفي، الإثنين 11 مارس/آذار، أن واشنطن بدأت دراسة خيار إيصال المساعدات إلى غزة عن طريق البحر "لأن الخيارات الأخرى ليست كافية"، في إشارة إلى الإنزال الجوي الذي بدأت الانخراط به الأسبوع الماضي.
فيما أعلنت "سنتكوم" عبر منصة إكس، الأحد، إرسال سفينة الدعم التابعة للبحرية الأمريكية الجنرال فرانك إس بيسون إلى سواحل غزة، وعلى متنها المواد اللازمة لبناء ميناء مؤقت.
"كارثة على إسرائيل"
قبل ذلك، كشفت صحيفة "Maariv" الإسرائيلية، في تقرير لها، عن اعتراض سياسيين إسرائيليين كبار على قرار بايدن إنشاء ميناء بحري في غزة، وقرروا الرد على كلام بايدن في رسالة تحذير من تداعيات هذا المقترح على الاحتلال، والذين قالوا إنه سيكون "كارثة على إسرائيل".
نقلت الصحيفة عن مصادر أن المسؤولين الإسرائيليين قالوا في رسالتهم، إن "الوكالات التابعة للأمم المتحدة تعمل في جنوب قطاع غزة على توفير إمدادات منتظمة من الغذاء للسكان. وتُسلَّم الشحنات الغذائية مباشرة إلى التجار (بعد دفع الضريبة المتفق عليها لحماس)، ويتولى التجار بيع السلع للسكان المدنيين".
كما أشار السياسيون الإسرائيليون إلى أن "الأحوال في شمال قطاع غزة أسوأ بكثير"، وادّعوا أن "حماس تسرق المساعدات وهي في طريقها من جنوب غزة إلى شمالها، ومن ثم لا تصل إلى السكان. والكميات القليلة التي تصل إلى مستودعات الأمم المتحدة لا تُوزَّع بطريقة مناسبة".
لذلك، يرى هؤلاء المسؤولون السياسيون أن "السبيل الوحيد للحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية في شمال غزة هو الفتح الفوري لمعبر كارني (المنطار)، وغيره من معابر الشمال، لإدخال كميات كبيرة جداً من المواد الغذائية، وتخزينها في مستودعات الأمم المتحدة، التي سيتولى الجيش الإسرائيلي حراستها".
كما اعتبروا أنه "يجب على إسرائيل أن تملأ شمال غزة بإمدادات الطعام من دون إبطاء". وحذّر السياسيون الإسرائيليون في رسالتهم من "أن ما يسمى بالرصيف المؤقت هو أشد الحلول خطورة. فإسرائيل كانت تفكر في إدخال الغذاء من أوروبا عبر الحدود، وأن يجري ذلك بالتنسيق معها، ولكن ما العمل إذا وصلت قافلة (إمدادات غذائية) تركية مثلاً إلى هذا الرصيف، ورفضت السماح لإسرائيل بتفتيشها؟ سيتحول الرصيف المؤقت إلى دائم، ولن يكون لإسرائيل الحق في السيطرة على الأمر".
انتقاد خطة بايدن
من جهة أخرى، انتقد خبراء قانونيون خطة الرئيس الأمريكي، بشأن إنشاء ميناء بحري في غزة، مؤكدين أنها دون مستوى التوقعات، وتظهر "النفاق الأمريكي" والفشل في التصدي لإسرائيل، بينما تواصل واشنطن إمدادها بالاسلحة والأموال التي تشن بها الحرب على القطاع، بحسب موقع "Middle East Eye" البريطاني.
وجّه الخبراء انتقادات لخطة بايدن بشأن ميناء في غزة، مؤكدين أنها تظهر الضعف الأمريكي أمام إسرائيل، في إرغامها على إيصال المساعدات براً إلى السكان.
حيث قال كينيث روث، خبير حقوق الإنسان في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون، لموقع Middle East Eye، إن "خطة بايدن لتوصيل المساعدات عن طريق البحر ليست كافية على الإطلاق".
أضاف أنها "تطرح سؤالاً حول من سيوزع الطعام، لأن معظم الناس في غزة لا يعيشون على الشاطئ، وبايدن عاون إسرائيل في تدمير الأونروا، وسيلة توزيع المساعدات الأكثر فاعلية".
في خطابه أمام الكونغرس قال بايدن إن خطة إنشاء ميناء بحري في غزة لن تتضمن نشر قوات أمريكية على الأرض، وقالت واشنطن إنها ستعمل مع الأمم المتحدة ومنظمات المساعدات الإنسانية التي "تفهم التوزيع والمساعدات داخل غزة".
كما قال روث: "بايدن لا يزال عازفاً عن حل مشكلة عرقلة إسرائيل لتوصيل المساعدات، خاصةً إلى منطقة شمال غزة، التي يكون نقص الغذاء بها حاداً جداً".
أضاف: "بايدن لديه الأدوات اللازمة للضغط على إسرائيل لوقف جريمة تجويع المدنيين التي ترتكبها بحق الفلسطينيين -يمكنه إيقاف أو تقييد المساعدات العسكرية الأمريكية الضخمة ومبيعات الأسلحة لإسرائيل- لكنه يرفض حتى الآن استخدام هذه الورقة الواضحة".
كما أكد هذه الانتقادات بشأن إنشاء ميناء بحري في غزة، نمر سلطاني، خبير القانون في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، وكريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني.
حيث قال سلطاني لموقع Middle East Eye: "سبب المجاعة في غزة هو الإبادة الجماعية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تعفي نفسها من مسؤولية الإبادة الجماعية بإرسال المساعدات الإنسانية والاستمرار في إرسال القنابل لقتل الفلسطينيين".