2024-11-27 02:30 م

"ميناء بايدن".. إنقاذ غزة من المجاعة أم نزع "سيادتها" ودعم التهجير؟

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أن الجيش سيبني ميناء مؤقتاً على ساحل قطاع غزة على البحر المتوسط لإيصال المساعدات الإنسانية عن طريق البحر.

وتأتي خطة بايدن ضمن "محاولات احتواء خطر المجاعة في غزة" بعد خمسة أشهر من الحرب الإسرائيلية على القطاع، والتي أسفرت عن تدميره، ودفعت سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى آتون كارثة إنسانية.

وفيما يلي تفاصيل الخطة:
لماذا الآن؟
حذرت الأمم المتحدة من أن غزة تواجه خطر مجاعة، مشيرة إلى "عقبات هائلة" تحول دون إيصال إمدادات الإغاثة وتوزيعها في أنحاء القطاع.

وناشدت وكالات إغاثة إسرائيل بتسهيل إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة، والسماح بممر آمن للقوافل الإغاثية داخل القطاع.

وفي الوقت نفسه، يتعرض بايدن لضغوط من الحزب الديمقراطي لإقناع الحليفة المقربة إسرائيل ببذل المزيد من الجهد للسماح بدخول إمدادات الإغاثة.

وقالت إسرائيل إنه لا يوجد حد أقصى لكمية المساعدات الإنسانية المقدمة للمدنيين في غزة، وألقت باللوم في بطء التسليم على قدرة الأمم المتحدة على التوزيع.

كيف تصل المساعدات حالياً؟
كانت معظم المساعدات تأتي عن طريق البر عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، ومنذ ديسمبر/ كانون الأول الفائت، عبر معبر كرم أبو سالم مع إسرائيل، إلا أن وتيرة دخولها لا تزال شديدة البطء.

واشتكت الأمم المتحدة من عدة عقبات تواجهها في إدخال الإمدادات وتوزيعها، منها إغلاق المعابر والقيود على الحركة والاتصالات وإجراءات الفحص الشاقة واضطرابات وطرق مدمرة وذخائر غير منفجرة.

وبدأت بعض الدول، منها الولايات المتحدة والأردن، بإنزال المساعدات جواً، رغم أن وكالات إغاثة تقول إن الإنزال الجوي يوفر كميات أقل بكثير مما يمكن إدخاله على الشاحنات عبر البر.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، إن تشغيل ممر بحري لنقل المساعدات التي تشتد الحاجة إليها إلى قطاع غزة المحاصر من قبرص قد يبدأ مطلع الأسبوع المقبل.

كيف سيعمل الميناء المؤقت؟
سيتولى الجيش الأميركي بناء الرصيف البحري قبالة سواحل غزة. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول قوله إن الرصيف سيتصل باليابسة عبر جسر مؤقت.

ومن المقرر شحن المساعدات إلى الرصيف البحري من قبرص حيث سيقوم مسؤولون إسرائيليون بتفتيشها أولاً، كما يحدث حالياً على الحدود البرية، لمنع دخول أي مواد يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.

وتواجه بعض المناطق في غزة أزمات أكبر من غيرها، ما يعني أن عملية توزيع المساعدات قد تمثل التحدي الحقيقي للخطة المرتقبة. ولم تتضح بعد أي تفاصيل حول كيفية التوزيع. 

كم سيستغرق من الوقت؟
لم يتطرق بايدن إلى هذا، لكن مسؤولاً قال لـ"رويترز" إن الأمر سيستغرق "بضعة أسابيع للتخطيط والتنفيذ".

ومع ورود تقارير عن وفاة أطفال في مستشفيات بشمال غزة بسبب سوء التغذية، فإن خطة الميناء المؤقت ليست حلاً فورياً فيما يبدو لأشخاص يعضّهم الجوع بالفعل.

أين سيكون موقع الميناء؟
هذا ليس واضحاً أيضاً. فمعظم ساحل غزة شواطئ، وربما لا يوجد إلا مواقع محدودة تستطيع السفن الكبيرة الاقتراب منها دون تجريفها.

وبموجب اتفاقات أوسلو للسلام عام 1993، وعدت الدول الأوروبية ببناء ميناء بحري بالقرب من مدينة غزة في شمال القطاع، لكن الفكرة انهارت بعد انتفاضة الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، ولا يوجد الآن سوى ميناء صيد صغير هناك غير ملائم للسفن الكبيرة.

وعزلت إسرائيل شمال غزة عن جنوبه عسكرياً في وقت مبكر من عدوانها ومنعت الناس من التنقل بينهما. وتواجه قوافل المساعدات صعوبات في عبور نقاط التفتيش الإسرائيلية من الجنوب إلى الشمال.

ويوجد أيضاً رصيف طويل يمتد في البحر بالقرب من خان يونس في الجنوب تستخدمه عادة قوارب الصيد.

كيف سيتوفر الأمن؟
وعد بايدن بألا تطأ أي قوات أميركية أرض غزة، ولم يتضح إذا ما كانت القوات الإسرائيلية أو قوات أخرى ستوفر الأمن للميناء المؤقت نفسه أو لنقل المساعدات في القطاع.

وفاقمت المسائل الأمنية العراقيل أمام عملية توزيع المساعدات في غزة حيث حاصر سكان يائسون بعض القوافل واستولوا على الإمدادات.

وتوقفت الشرطة الفلسطينية عن حراسة القوافل بعدما وصفته الأمم المتحدة بأنه "موجة هجمات للقوات الإسرائيلية أدت إلى سقوط قتلى من الشرطة".

ماذا يقول كل جانب عن الخطة؟
تقول إسرائيل إنها "تدعم تماماً إقامة رصيف مؤقت"، ووعدت بـ"تعاون كامل بين الطرفين"، في حين لم ترد حركة حماس على طلبات للتعليق على الفكرة.

وقالت كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيخريد كاخ، إن "المساعدات والبحر ليسا بديلين عن الأرض ولا أحد يستطيع القول بغير ذلك"، في حين قالت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، جولييت توما، إن "أكبر وكالة تابعة للأمم المتحدة تعمل في غزة ترحب بأي جهد يحسّن ويعزز تدفق المساعدات الإنسانية المطلوبة بشدة"، لكنها أضافت: "هناك طريقة أسهل وأكثر فاعلية لجلب المساعدات.. وهي عبر المعابر البرية التي تربط إسرائيل بغزة".

أهداف خفية لميناء واشنطن البحري؟
ومع أن الجانب الإنساني لما أعلنه الرئيس الأميركي من وراء ذلك المخطط هو إيصال المساعدات الإغاثية لقطاع غزة وإنشاء مستشفيات عائمة لعلاج جرحى الحرب، لكن مراقبين يرون أن هناك جانباً آخر للميناء العائم يرتبط بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعاً إلى أوروبا، وإلغاء أي دور لمعبر رفح البري على الحدود مع مصر، ما يعني تحكم إسرائيل بكل منافذ غزة وإنهاء أي سيادة للفلسطينيين على المعابر.

وقال الخبير الأردني في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، هشام خريسات، لـ"الأناضول"، إن "الرصيف العائم على شواطئ غزة ظاهره مساعدات وباطنه هجرة طوعية إلى أوروبا"، وأضاف: "هذا الرصيف تقدّر تكلفته الأولى بـ35 مليون دولار ستدفعها الولايات المتحدة، وعمق الغاطس للسفن بالرصيف لن يقل عن 17 متراً؛ لاستيعاب جميع سفن المساعدات".

وتابع خريسات: "هذا الميناء التكتيكي العسكري سيلقى مباركة إسرائيلية؛ لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتطلع إلى فكرة طرحها منذ بداية الحرب، بهدف التهجير الطوعي للغزّيين، والهروب إلى أوروبا".

وذكر أن "مساحة الميناء ستكون 6 كيلومترات مربعة، لأنه سيضم مشافي عائمة تعالج نحو 2.3 مليون فلسطيني مدني في غزة، بالإضافة إلى بيوت إيواء عائمة بسفن جنباً إلى جنب مع المشافي"، واعتبر أن فكرة إنشاء الميناء "ليست جديدة، وهو موضوع قديم جديد طُرح قبل 10 أعوام"، واستدرك قائلاً: "لكن أفيغدور ليبرمان (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف) أفشل الفكرة، عندما كان وزيراً للدفاع في ذلك الوقت، ووزير المواصلات يسرائيل كاتس".

ومضى الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية بالقول: "أعاد كاتس طرح الفكرة مرة أخرى، وتوصل إلى اتفاق ومباركة من قبرص (الرومية) واليونان"، وبيّن أنه "سيتم تخصيص ميناء بقبرص مدفوع الأجر من الولايات المتحدة، بحيث يصل إلى موقع الميناء على شاطئ مدينة خانيونس على سواحل غزة"، موضحاً أن "المسافة من ميناء قبرص إلى الميناء الأميركي في غزة تقدر بـ387 كيلومتراً".

ولفت خريسات إلى أن "الشيء المهم هو أن جميع السفن التي ترسل المساعدات الإنسانية لا تذهب إلى الميناء الأميركي في غزة مباشرة، بل ستذهب إلى ميناء أسدود ليتم تدقيقها وفحصها، ثم ترسل تحت سيطرة البحرية الإسرائيلية والمسيّرات إلى القطاع الفلسطيني".

وقال: "الجيش الأميركي سيبقى في البحر، وسيشرف من بعيد على الميناء؛ لأنه يعتبر غزة بيئة معادية له"، وتابع: "الحمولة للسفن من ميناء قبرص إلى أسدود ستكون تحت رقابة سلاح البحرية والأقمار الصناعية الإسرائيلية، وسيمنع وقوفها تحت أي ظرف من الظروف".

مخاوف آنية ومستقبلية
ويرى الخبير الاستراتيجي الأردني أن "بايدن قلق جداً مما سينتج من اجتياح الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح جنوبي القطاع، ومن عدم إنهاء الكارثة الإنسانية في غزة، الأمر الذي سينعكس على نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة"، مستطرداً: "لذلك سيسارع ببناء الميناء، وسلاح المهندسين الأميركي بدأ بالفعل التحضر للتوجه إلى غزة".

وختم الخبير الأردني حديثه بالتأكيد أن "إسرائيل ستوافق على الميناء لسببين، وهما تمرير صفقة تبادل الأسرى، والهجوم البري على رفح بدون إغضاب واشنطن.. وبذلك، فإن معبر رفح سيخرج عن الخدمة بالتأكيد؛ لأن إسرائيل لا تثق به، وتعتبره المدخل الرئيسي لأسلحة حركة حماس".

وخلال الأشهر الماضية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع صرح نتنياهو بأن الهجوم على مدينة رفح السيطرة على محور فيلادلفيا (الحدود بين غزة ومصر) هي "مفتاح النصر"، حيث ترى إسرائيل أن الفصائل الفلسطينية تحصل على سلاحها من خلال تهريبه من الجانب المصري، وهو ما نفته القاهرة في أكثر من مناسبة.

ويعتبر معبر رفح هو المنفذ الوحيد لغزة مع العالم الخارجي، خاصة في مسألة دخول المساعدات الإنسانية إليه خلال هذه الحرب التي قيدت فيها إسرائيل دخول المساعدات إلى القطاع، ما يهدد بحدوث مجاعة خاصة في مناطق الشمال.

خبير أممي: مقترح خبيث
في السياق، ندّد المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، اليوم الجمعة، باقتراح واشنطن إقامة ميناء موقت في غزة لنقل المساعدات الإنسانية عبر البحر إلى القطاع المحاصر.

وفخري مفوض من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكنه لا يتحدث باسم المنظمة الأممية.

وقال الخبير الأممي، خلال مؤتمر صحافي في جنيف: "للمرة الأولى أسمع أحداً يقول إننا في حاجة إلى استخدام رصيف بحري. لم يطلب أحد رصيفاً بحرياً، لا الشعب الفلسطيني ولا المجتمع الإنساني".

ووصف فخري الاقتراح الأميركي بأنه "خبيث"، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة تقدّم في الوقت نفسه قنابل وذخائر ودعماً مالياً لإسرائيل. ورأى أنّ الرغبة الأميركية في إنشاء ميناء تهدف قبل كل شيء إلى الاستجابة "مع اقتراب الانتخابات" في الولايات المتحدة، للضغوط الداخلية التي يمارسها جزء من الأميركيين.

وأضاف: "الأمر يستهدف جمهوراً وطنياً"، مضيفاً: "ما يمنحني الأمل هو التحرّك المتزايد في كل أنحاء العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة، لأشخاص يطالبون بوقف إطلاق النار"، وقال: "قلنا في السابق إن المجاعة وشيكة، ولكن أعتقد أن من الإنصاف أن نقول حالياً إن إسرائيل عمدت إلى تجويع الشعب الفلسطيني في غزة، وإن المجاعة تحدث بالفعل أو هي على الأبواب"، مضيفاً: "بدأنا نرى أطفالاً يموتون بسبب سوء التغذية".
وتابع: "لم نر قط مجموعة كاملة من السكان المدنيين تُدفع إلى الجوع بهذه السرعة".

(العربي الجديد، وكالات)