2024-11-25 06:40 ص

لا أحد يريد الضغط على إسرائيل والسلطة تبحث عن دور-وثائق دبلوماسية تكشف مواقف الدول قبل 7 أكتوبر وبعده!!

اطلعت صحيفة «الأخبار» اللبنانية على وثائق سرية صادرة عن سفارات في عواصم عربية تغطي مداولات جهات دولية وعربية حول التطورات في قطاع غزة في تشرين الأول وتشرين الثاني الماضيين. وتتضمن تحذيراً نقلته دول عربية إلى الولايات المتحدة في شهر آب الماضي، أي قبل شهرين من عملية «طوفان الأقصى»، ومفاده أن استمرار الضغوط المالية والحيوية على قطاع غزة، وبخاصة منع الأموال عن وكالة الأونروا، سيؤزم الأوضاع في القطاع، وقد يدفع «حماس» إلى القيام بعملية عسكرية للفت أنظار العالم، وتكون لها تداعيات على إسرائيل وعلى دول الجوار. كما تتضمن الوثائق معلومات حول مواقف الامم المتحدة و دول عربية وغير عربية معنيّة بالصراع
أوردت مراسلة ديبلوماسية سعودية في الأسبوع الثاني من آب الماضي، أي قبل أقل من شهرين على عملية «طوفان الأقصى»، أنّ وفداً يمثل سفارات أربع دول عربية في واشنطن، التقوا مسؤولين في الكونغرس الأميركي، لحثّهم على إلغاء اعتراضهم على صرف مبلغ 75 مليون دولار لوكالة الأونروا من أجل تقديم المساعدات الغذائية لسكان قطاع غزة. وشرح الوفد للمسؤولين المعنيين في الكونغرس خطورة المعاناة في القطاع، ولا سيّما بعد خفض برنامج الغذاء العالمي مساعداته للعائلات الغزّاوية في تموز 2023، وحذّر من أنّ منع الأموال عن وكالة الأونروا سيؤدي إلى مفاقمة المشكلة، وبخاصة أن ثلاثة أرباع الفلسطينيين يعتمدون على تقديمات الوكالة الغذائية. وخلُص الوفد الديبلوماسي العربي إلى أنّ التقديرات المتوافرة لديه تشير إلى مخاوف جدية من أنّ هذا الوضع قد يدفع حركة حماس إلى القيام بعملية عسكرية كبيرة لتوجيه انتباه العالم إلى ما يحدث في غزة، ما ستكون له انعكاسات أمنية على إسرائيل، وتداعيات على مصر والأردن وبقية دول الجوار. ولم تلقَ هذه الرسالة صدى لدى المشرّعين الأميركيين الموالين لإسرائيل الذين شدّدوا على أن موقفهم يتلخّص في وقف تمويل الوكالة بانتظار إجراء إصلاحات في جهازها الإداري، كما أنهم يأخذون في الحسبان الاعتراض الإسرائيلي على الاستمرار في دعم الأونروا، وأشاروا أيضاً إلى فتور لدى الإدارة الأميركية حيال متابعة الموضوع برمّته.
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربرة ليف لسفراء خليجيين في واشنطن الصيف الفائت، إنّ زيارتها الأراضي الفلسطينية في حزيران الماضي أظهرت لها كم أنّ الوضع في الضفة الغربية سيّئ. لكنّ ليف ركّزت اللوم على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، معتبرة أن المفاوضات لن تشهد أيّ تقدم ما دام على رأس السلطة، وقالت إنه أصبح كبيراً في السن، ولا يملك الشخصية القيادية التي تؤهّله للقيام بهذه المهمة.

مصر تعتبر الهدف تهجير سكان غزة
من جهته، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوفد الكونغرس الأميركي إن مصر لن تقبل تصفية القضية الفلسطينية على حسابها حتى لو تطلّب ذلك مواجهتها بكل الوسائل، وأضاف أنّ وجود الفلسطينيين خارج أراضيهم لن يحل الأزمة، بل إنه يهدد السلام بين مصر وإسرائيل. وأشار إلى أنّ مثل هذه المقترحات ستضرّ بالأمن القومي المصري، وما تعنيه من احتمال تسلّل عناصر من حماس إلى داخل مصر. ورغم أن الرئيس المصري ركّز أمام الوفد الأميركي على أنّ حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، فقد أكد أنّ ما قامت به لا يعطي إسرائيل الحق في قتل أهل غزّة بصورة جماعية وتجويعهم، وشدّد على أهمية معالجة الأسباب بدلاً من النتائج، مشيراً إلى أنّ المشكلة تكمن في تضييع حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة طوال المدة الماضية.
أما وفد الكونغرس فقد نقل إلى القيادة المصرية موجزاً عن زيارته الرياض، وأنّ الوفد أبلغ المسؤولين السعوديين بأن ما حصل في 7 تشرين الأول «تم التخطيط له من إيران لوقف مسار التطبيع السعودي - الإسرائيلي الذي حقق نتائج طيّبة»، وأنه طلب من السعوديين المضيّ في خطوات التطبيع، لعدم إعطاء إيران فرصة لوقف السلام في المنطقة. وأعرب الرئيس المصري عن اعتقاده بأن التطبيع لا يمثل حلّاً متكاملاً لأزمات المنطقة، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة صحّة هذه المقاربة، وبالتالي على الإدارة الأميركية أن تعمل على إحياء مساعي السلام وتحقيق تطلّعات الشعب الفلسطيني.
وأفاد مسؤول في الخارجية المصرية أنّ منسّق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك ذكر في لقاء مع وزير الخارجية المصري سامح شكري في القاهرة في تشرين الثاني الماضي، أنّ الولايات المتحدة تدعم حل الدولتين، لكنّ ذلك يتطلب رؤية شاملة متفقاً عليها بين الأطراف، والقيام بإصلاح في السلطة الفلسطينية والمؤسسات الأمنيّة التابعة لها، وأشار إلى أهمية دعم مصر والأردن لأيّ حلّ، وتوفير التمويل له من الدول العربية الغنية.
من جهته، رأى شكري أنّ الطرح القائل بأن حل الدولتين بحاجة إلى إصلاح السلطة الفلسطينية إنما يجعل المشكلة عند السلطة، في حين أنّ المشكلة الحقيقية هي أن الجانب الإسرائيلي يرفض حل الدولتين. وأكد شكري أنّ الحديث عن «ما بعد الحرب» غير واقعي من دون وقف النار، مشيراً إلى أنّ ما يحصل فعلياً هو تهجير لسكان غزة وتصفية للقضية الفلسطينية.

الأردن وهاجس التهجير
تفاعل الأردن شعبياً وسياسياً مع الأحداث في الضفة الغربية، على وقع مخاوف من التهجير، وأبلغ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عدداً من المسؤولين الغربيّين أنّ تهجير الفلسطينيين من أرضهم يُعدّ خطاً أحمر بالنسبة إلى الأردن، كما حذّر من أن تطال ممارسات إسرائيل الأماكن المقدسة، ما سيؤدي إلى إعطاء حجج «للمتشددين» في العالم الإسلامي لردود أفعال تخرج عن السيطرة.
أما عن زيارة ملك الأردن أبو ظبي في تلك المدة، فقال مصدر ديبلوماسي إنّ الملك عبدالله يريد من الإمارات مساندة المملكة للحصول على أنظمة دفاع جوي في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيّرة، على غرار تلك التي أطلقها الحوثيّون على إسرائيل. وانصبّت مخاوف ملك الأردن على احتمال توسّع نطاق الحرب، وما قد يترتب على الأردن في مواجهتها.
ولقي اقتراح الرئيس الفرنسي بتشكيل تحالف دولي لمواجهة حركة حماس معارضة أردنية. وبحسب معلومات ديبلوماسي عربي، فقد أبلغ ملك الأردن الرئيس الفرنسي أثناء اجتماعهما في عمّان يوم 25 تشرين الأول 2023 بأن بلاده «لا تؤيد أيّ مبادرة تعتبر المقاومة الفلسطينية إرهابية». وعزا مسؤول أردني سبب رفض الاقتراح إلى أوضاع الأردن الداخلية التي لا تتحمل مثل هذه المواقف والتحالفات. وأدى هذا التباين حيال الاقتراح إلى إلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان مزمعاً عقده بين الجانبين.
في المقابل، أفاد تقرير ديبلوماسي في أواخر تشرين الثاني الماضي أنّ الأردن استطلع رأي بعض الدول حول مسألة إصلاح السلطة الفلسطينية، وإمكان تقديم أسماء تحظى بمقبوليّة من جميع الأطراف لتولّي إدارة قطاع غزة. وطُرح في هذا الإطار اسم محمد دحلان الذي يحظى بدعم من الإمارات وجهات دولية، والأسير مروان البرغوثي. وبحسب التقرير، يمثل هذا الطرح حلاً وسطاً بين رفض إسرائيل التعامل مع حماس، وعدم إمكانية تحقيق الهدف الإسرائيلي المعلن بالقضاء على الحركة.

قطر والاستقطابات الخليجية
شهد الموقف الخليجي حيال التطورات في غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» استقطاباً بين قطر التي تقيم علاقات مع حركة حماس وإسرائيل والولايات المتحدة، وبين السعودية التي كانت تتفاوض مع إسرائيل لإقامة علاقات معها، وتطمح إلى إرساء حلٍّ ما للقضية الفلسطينية يكون جسراً للمصالحة مع إسرائيل.
وفي وثيقة صادرة عن سفارة عربية، فإنّ مصدراً له صلة بدوائر الحكم في الدوحة قال إن السعودية والإمارات، ومعهما مصر، عبّرت عن عدم ارتياح حيال ما تقوم به قطر على صعيد وقف الحرب في غزة، وتبادل الأسرى وتوفير المساعدات الإنسانية. وذكر المصدر أن الإمارات عملت من أجل أن يكون لها دور مركزي في هذا المجال، لكنّ تموضعها إلى جانب إسرائيل في بداية الحرب شكّل عائقاً أمام طموحها، إضافة إلى أنّ علاقة قطر مع حماس حيث تستضيف عدداً من قياداتها أتاحت لها من الناحية الواقعية مقبوليّة لدى الجانب الأميركي، وكذلك الإسرائيلي.
وحول زيارة أمير قطر أبو ظبي في 9 تشرين الثاني 2023، ولقائه رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، أفاد مصدر ديبلوماسي قطري في أبو ظبي أنّ أمير قطر طلب من الإمارات مساندة الدوحة في التحرّك لدى الجانبين الأميركي والإسرائيلي من أجل إعلان هدنة في غزة، لكنّ مصدراً آخر قال إنّ الجانب الإماراتي لم يكن متحمّساً على هذا الصعيد.
ومن جهة ثانية، ذكر مصدر ديبلوماسي أميركي في القاهرة أنّ الولايات المتحدة طلبت من قطر إعادة النظر في استضافتها قيادات من حركة حماس في الدوحة، بعد الهجوم الذي شنّته الحركة في 7 تشرين الأول 2023. وقال المصدر إنّ الجانب الأميركي أبلغ قطر بأن المسؤولين في واشنطن يقومون بإعداد تقييم حول وجود قيادات حماس في الدوحة وفقاً للتطورات في قطاع غزة، وأنهم لا ينظرون بعين الإيجابية إلى الأمر. وذكر المصدر أن قطر احتجّت على أن وجود قيادات حماس على الأراضي القطرية سمح بإقامة قناة اتصال أفضت إلى إطلاق عدد من المحتجزين الإسرائيليين لدى الحركة، وأن ذلك تمّ بعلم وموافقة واشنطن. وبحسب المصدر الأميركي، دفع الجانب القطري أيضاً بأنّ القيادة السياسية في حماس لم تكن على علم بالهجوم الذي حصل في 7 تشرين الأول، وأن من الضروري عدم تعميم الموقف الأميركي على كامل الصف القيادي في حماس، وبالتالي التفريق بين الجناحين السياسي والعسكري للحركة.
في المنحى نفسه، أكد سفير قطر في بيروت سعود بن عبدالرحمن آل ثاني في تشرين الأول الماضي تعرّض بلاده لضغوط أميركية بسبب وجود أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة. وقال إن إقامة المكتب تمت بموافقة أميركية من أجل بناء قنوات اتصال مع حماس، وهذا الأمر ينطبق على مكتب حركة طالبان في الدوحة، والذي أتاح في ما مضى اجتماعات مباشرة بين طالبان والمسؤولين الأميركيين بوساطة قطرية.

السعودية تنأى بنفسها
من جانب السعودية، فهي قرّرت عن عمد تأخير موعد القمة العربية الطارئة في الرياض إلى 11 تشرين الثاني 2023 (أي بعد شهر ونيّف على طوفان الأقصى، وبعد 12 يوماً من تاريخ الدعوة إليها)، رغم ضخامة الأحداث في الأراضي الفلسطينية وعدد الضحايا الفلسطينيين. بل وتعمّدت السعودية عقد القمة العربية الطارئة بتوقيت واحد مع القمة العربية - الأفريقية العادية والمقرّرة مسبقاً، ما أثار استغراب عدد من الأوساط العربية الرسمية. ويشير ديبلوماسي مصري في أبو ظبي إلى أنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس طلب من ولي العهد السعودي في اتصال هاتفي تقريب موعد القمة العربية لبحث العدوان الإسرائيلي على غزة، لكنّ ابن سلمان أصرّ على عقدها في التاريخ المقرر ليتزامن مع موعد القمة العربية- الأفريقية، وكانت حجة ابن سلمان أنه لا يريد التأثير على زخم القمة الثانية في حال تمّ التبكير بموعد القمة العربية.
ولاحظ تقرير لبعثة ديبلوماسية خليجية في الرياض أن السعودية تعاملت مع الحرب على غزة وما ترتب عليها من تداعيات إقليمية برد فعل «هامشي» مقصود، وهي لم تغيّر جدول أعمالها الرسمي من منطلق إعطاء الأولوية لخطط الحكومة الاقتصادية ورؤية 20-30 وعدم تعريض علاقاتها مع الإدارة الأميركية لأيّ خضّات في وقت يجري العمل معها على إنضاج اتفاق لإقامة علاقات مع إسرائيل. ونُقل عن مسؤولين سعوديين أن الحرب في غزة «لا تتلاءم مع رؤية ولي العهد لشرق أوسط مزدهر». وذكر التقرير أنّ «مبادرة مستقبل الاستثمار» التي يُرمز إليها رسمياً على أنها النسخة السعودية من منتدى دافوس مضت وفقاً لما هو مقرّر، إضافة إلى إقامة حفلات غنائية وإطلاق «موسم الرياض» من دون الالتفات إلى الأصوات الداعية إلى تأجيله في ضوء أحداث غزة. وسمحت السلطات السعودية بتمرير تعليقات سلبية من جانب مسؤولين سابقين أو إعلاميين سعوديين تجاه الفلسطينيين بسبب ما اعتبروه «تضييع فرص السلام» في أوقات سابقة. لكنّ ذلك لم يمنع وجود استياء وغضب يعتملان في نفوس قطاعات شعبية سعودية واسعة، وقال التقرير إن غزة هي الموضوع الأول الذي يتداوله المواطنون السعوديون في مجالسهم الخاصة، لكنهم يتحاشون التعبير عن ذلك في العلن بسبب الخشية من تعريض أنفسهم لإجراءات انتقاميّة من جانب السلطات. ومن جهة ثانية، كشف التقرير أنّ مسار المفاوضات السعودية- الإسرائيلية لتطبيع العلاقات لم يتوقف رغم الإعلان عن تجميد المباحثات بسبب الحرب على غزة. ونسب إلى ديبلوماسي أميركي يعمل في المملكة أنّ عدم مبادرة السعودية إلى اتخاذ موقف قوي حيال أحداث غزة عائد إلى «رغبتها في استمرار العمل على مشروع التطبيع مع إسرائيل».

الإمارات «تشاغب»
في الأسابيع الأولى للحرب، رأى ديبلوماسي إماراتي في القاهرة أنّ الاجتماعات العربية من أجل بحث تداعيات الوضع في قطاع غزة غير مفيدة، محمّلاً حركة حماس المسؤولية عن الحرب الدائرة في غزة، وقال إنها تدفع المنطقة إلى حرب واسعة. ورأى الديبلوماسي الإماراتي أن إسرائيل ستواصل عملياتها العسكرية حتى القضاء على حماس أو استسلامها، وأنها مصمّمة على ضم قطاع غزة ومنع إقامة دولة فلسطينية، وبناءً على ذلك سيتم تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية. وأضاف أنّ هذا السيناريو سيُطبَّق في الضفة في حال تحرّك الفلسطينيون ضد السيطرة الإسرائيلية، إذ سيُرحّلون إلى الأردن. وذكر الديبلوماسي الإماراتي أنّ بلاده تجد أن مواطنيها أَوْلى بالأموال التي تُدفع إلى الفلسطينيين.
إلا أنّ دولة الإمارات التي هاجمت في بداية الحرب حركة «حماس» على خلفية تنفيذ عملية «طوفان الأقصى»، وعبّرت عن ذلك في مجلس الأمن حين وصفت هجومها على المستوطنات بأنه «بربري وشنيع»، خفّفت من لهجتها لاحقاً. لتطلب الخارجية الإماراتية نهاية تشرين الأول وقفاً فورياً لإطلاق النار، وتجنّبت الهجوم المباشر على حماس، خلافاً لموقفها الأول. ويلقي تقرير بعثة ديبلوماسية في أبو ظبي الأضواء على خلفيات التغيّر في «نبرة» الإمارات، وقال إن من جملة الأسباب تفاعلات شعبية عدة في بعض الإمارات التي تُكوّن اتحاد هذه الدولة، وهي عبّرت عن عدم ارتياح إزاء الموقف الرسمي لأبو ظبي، وكانت الشارقة في طليعة الإمارات التي أدانت الهجوم الإسرائيلي على غزة. ومن جملة الأسباب أيضاً تعرّض موقف الإمارات لانتقادات قوية في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعها إلى محاولة ردم الفجوة بين موقفها الرسمي ومواقف أخرى تحت السطح في داخل هذه الدولة. إضافة إلى أن الإمارات حرصت على توفير أجواء مناسبة تمهيداً لاستضافة قمة التغيّر المناخي التي انعقدت في نهاية تشرين الثاني، إذ كان لديها قلق من انعكاس الحرب في غزة على حضور قادة العالم لهذه القمة. لكنّ ذلك التغيّر في اللهجة لم يترتب عليه أي انعكاس على الموقف الجوهري لأبو ظبي التي ظلت تستقبل المسؤولين الإسرائيليين ومن بينهم رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الذي التقى في أبو ظبي مستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد. كما لم تتخذ الإمارات أي إجراء ديبلوماسي احتجاجي ضد إسرائيل.
وأثارت مشاركة بعثة الإمارات في فيينا في اجتماع نظمته البعثة الإسرائيلية حول التطورات في غزة بتاريخ 2 تشرين الثاني 2023 استياء بعثات عربية عدة، رأت في الموقف الإماراتي تجاوزاً على التنسيق العربي بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة، ومخالفة لما أقر في اجتماعات الجامعة العربية بهذا الشأن. وأحدث موقف الإمارات شرخاً في الموقف العربي في العاصمة النمسوية.

السلطة الفلسطينية تبحث عن دور
تُفيد وثيقة ديبلوماسية استناداً إلى مصدر في الخارجية المصرية بإجراء محادثات بين السلطة الفلسطينية ومسؤولين أميركيين في مطلع تشرين الثاني الماضي، طرح خلالها الجانب الأميركي اضطلاع السلطة الفلسطينية بدور في إدارة القطاع بعد الحرب الحالية. وردّت السلطة بأنها لا تمانع من القيام بهذا الدور، على أن يكون ذلك مرتبطاً باتفاق شامل مدعوم عربياً، حتى لا يُؤخَذ على السلطة الفلسطينية أنها جاءت إلى القطاع على ظهر الدبابات الإسرائيلية.
وأبلغ وزير الخارجية في السلطة الفلسطينية رياض المالكي عدداً من الوزراء العرب على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم 11 تشرين الأول 2023، بأن الرئيس عباس وجّه الأجهزة الأمنية الفلسطينية لمنع امتداد المواجهات من قطاع غزة إلى الضفة الغربية. وأشار إلى الجهود التي تبذلها حركة حماس لتصعيد الموقف في الضفة ضد إسرائيل، وقال إن «حماس في غزة لديها أسلحة متطورة من إيران، لكن الضفة الغربيّة لا تملك أي شيء للدفاع عن نفسها في وجه إسرائيل». ورأى المالكي أنّ الرئيس الأميركي بايدن يغطي إسرائيل وهو من يقود فعلياً الحرب في غزة.
غوتيريش: الضفة في خطر أيضاً
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في لقاء مع مجموعة من السفراء العرب في نيويورك في 13 تشرين الأول الماضي إن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بالفعل في الهجوم على قطاع غزة، ولا تتحفّظ على دخولها إلى أراضي القطاع. ورأى غوتيريش أن إسرائيل لا ترغب فقط في تهجير الفلسطينيين من غزة، بل تريد فعل ذلك أيضاً في الضفة الغربية نظراً إلى أهميتها الدينية والأمنية بالنسبة إليها، مشيراً إلى أن إسرائيل نشرت نخبة قواتها في الضفة، وهذا قد يكون أسهم في نجاح هجوم 7 تشرين الأول على المستوطنات المقابلة لقطاع غزة. وذكر أنه سبق أن التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي في الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة وأن الأخير قال بنبرة متغطرسة إن إسرائيل قوة عظمى وإن الدول العربية هي التي تأتي إليها طلباً للسلام، مضيفاً أن إسرائيل لا تعير أهمية للفلسطينيين. وقال الأمين العام إن مجلس الأمن منقسم بشأن وقف النار، إذ ترفض الولايات المتحدة ودول أوروبية تقييد إسرائيل في مواجهة حماس. وتحدث السفير المصري أسامة عبد الخالق في اللقاء ففضّل أن يتقدم طرف غير عربي في مجلس الأمن بمشروع وقف النار، لأن العرب - وفقاً لرأيه- طرف في القضية، وتوقّع أن تطول الحرب وأن تنتج منها أزمة إنسانية كبرى، مؤكداً رفض ترحيل سكان غزة إلى الجنوب.
وأوصى الأمين العام للأمم المتحدة الدول العربية بالآتي:
- عدم الدعوة إلى هدنة، لأن ذلك يعني وقف القتال ثم استئنافه.
- عدم المطالبة بإقامة مناطق آمنة، لأنها ستكون واقعياً تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.
- عدم التجاوب مع تعيين إسرائيل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير منسّقاً للشؤون الإنسانية، لأن ذلك سيكون على حساب وكالة الأونروا.
- دعا إلى تفعيل المحاسبة عمّا حدث من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، واغتنام الفرصة سعياً وراء حل الدولتين، وإلا فلن تكون هذه الحرب الأخيرة على الفلسطينيين.

أوروبا «ليست ملكية» روسيا تخشى التوطين في ليبيا
في الأيام التالية لعملية «طوفان الأقصى»، كان التعاطف الأوروبي مع إسرائيل قوياً بدرجة كبيرة، وحضرت دوماً مقولة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» في كل تصريحات ولقاءات الموفدين الأوروبيين مع مسؤولين عرب. وروى مسؤول في الجامعة العربية أنّ وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك كانت الأكثر انحيازاً إلى إسرائيل بين نظرائها الأوروبيين، إذ قابلت الأمين العام للجامعة بعد زيارة لها إلى فلسطين المحتلة، وبدا أن المسؤولين الإسرائيليين قد تمكنوا من «غسل دماغها» وإقناعها بتبنّي روايتهم بالكامل إلى حدّ أنها أخذت أثناء الاجتماع تكفكف دموعها حين بدأت الحديث عن لقاءاتها مع عائلات إسرائيلية قُتل بعض أفرادها في عملية «طوفان الأقصى».
وقالت نائبة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة آنا شوو أثناء لقائها مع ديبلوماسي عربي في تشرين الثاني الماضي إنّ القرارات الصادرة عن القمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض خالفت توقعات دول الاتحاد الأوروبي، وإنّ عدم تبنيها قرارات قوية بحجم الأحداث في غزة عزّز موقف دول الاتحاد الداعمة لإسرائيل والتي تتساءل: «لماذا يجب على الأوروبيين أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك؟». وأعربت شوو عن انزعاج دول أوروبية بسبب رفض مصر عروضاً لإقامة مستشفيات ميدانية على أراضيها والمساعدة في الإغاثة.
كما وصفت سفيرة النرويج في لبنان إنغفيلد بيرغراف ما صدر عن القمتين العربية والإسلامية في الرياض بشأن الحرب في غزة بأنه دون المستوى المتوقع. وأثناء لقاءات في بيروت، وصفت بيرغراف الموقف الأوروبي في التعامل مع الحرب في غزة بأنه ينطوي على ازدواجية.
من جهته، رأى نائب وزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف أثناء لقاء مع سفراء عرب في موسكو في تشرين الثاني الفائت أن إسرائيل ليست في صدد القبول بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ناقلاً هذا الكلام عن السفير الإسرائيلي في موسكو.
وأفاد بوغدانوف أن عملية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بدأت فعلياً. ورأى أن مصر قد تتأثر بالضغوط الأميركية لاستقبال اللاجئين من غزة. وأشار إلى تخوّف ليبي من مساعٍ غربية لنقل اللاجئين الفلسطينيين والأفارقة إلى جنوب ليبيا، وإقامة كيان لهم هناك.
وأشار إلى أنه إذا استمرت إسرائيل باستفزازاتها لسوريا فقد تدفعها إلى الانخراط في المواجهة. ووصف كلمة الرئيس السوري في القمة العربية الإسلامية بأنها كانت من أقوى كلمات الرؤساء المشاركين.
وأثناء زيارة وفد وزراء خارجية دول عربية وإسلامية والأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى موسكو في 22 تشرين الثاني 2023 بناءً على قرار قمة الرياض لحشد الدعم الدولي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لاحظ الجانب الروسي عدم وجود رؤية مشتركة لدى الوفد حول مستقبل القطاع. ورأى مصدر ديبلوماسي روسي أن الإدارة الأميركية تعمل على التأثير في موقف مصر والأردن من أحداث غزة عبر استغلال ظروفهما الاقتصادية.


المصدر: الاخبــار اللبنــانيـــة