2024-11-23 09:11 م

بتباهٍ واستعراض وموافقة قادتهم.. هكذا ينهب جنود الجيش الإسرائيلي بيوت غزة

ترجمة وتحرير: نون بوست

لم يخجل الجنود الإسرائيليون الذين يقاتلون في غزة من نشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي توثق بسعادة تدميرهم الوحشي للمباني وإذلال المعتقلين الفلسطينيين. وقد قُدمت بعض هذه المقاطع في دفاع جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية الشهر الماضي كدليل على الإبادة الجماعية، ولكن هناك جريمة حرب أخرى تم توثيقها بسهولة من قبل الجنود الإسرائيليين والتي حظيت بقدر أقل من الاهتمام والإدانة على الرغم من انتشارها، وهي النهب.

في تشرين الثاني/ نوفمبر، أصيب المغني الفلسطيني حمادة نصر الله بالصدمة عندما اكتشف مقطع تيك توك لجندي يعزف على الغيتار الذي اشتراه له والده قبل 15 سنة. وتظهر مقاطع فيديو أخرى تم تحميلها على مواقع التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة جنودًا إسرائيليين يتفاخرون بالعثور على ساعات يد، وفتح علبة بها مجموعة قمصان كرة قدم خاصة بشخص ما، وسرقة السجاد والبقالة والمجوهرات.

في مجموعة على فيسبوك للنساء الإسرائيليات تضم ما يقارب 100 ألف مستخدم، تساءلت إحداهن عما يجب فعله بـ “الهدايا من غزة” التي أحضرها لها شريكها الجندي. ونشرت صورة لمستحضرات التجميل وكتبت: “كل شيء مختوم باستثناء منتج واحد. هل ستستخدمن هذه؟ وهل تعرف إحداكن هذه المنتجات أم أنها في غزة فقط؟”.

منذ بدء الغزو البري الإسرائيلي في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، كان الجنود يأخذون كل ما تقع أيديهم عليه من منازل الفلسطينيين الذين أُجبروا على الفرار. وهذه الظاهرة ليست سرًا مفتوحًا، فقد تم الإبلاغ عنها على نطاق واسع – ودون انتقاد – في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بينما كان الحاخامات من الحركة الصهيونية الدينية يجيبون على أسئلة الجنود حول ما يجوز نهبه وفقًا للشريعة اليهودية.

وقد أكد جنود عادوا من القتال في غزة لمجلة “+972″ و”لوكل كول” أن هذه الظاهرة منتشرة في كل مكان، وأن قادتهم في الغالب يسمحون بحدوثها. وقال أحد الجنود، الذي اعترف بأنه أخذ هو نفسه “تذكارًا” من أحد المراكز الطبية التي احتلها الجيش: “أخذ الناس أشياء مثل: أكواب، وكتب، وكل منها هدية تذكارية له”.

أفاد جندي آخر خدم في شمال ووسط غزة بأن الجنود “أخذوا السجاد والبطانيات وأدوات المطبخ”، وأوضح أنه لم يكن هناك أي إحاطة بهذا الشأن من الجيش سواء قبل الدخول أو أثناء وجوده في الميدان. وقال: “لم يكن هناك أي حديث عن ذلك من القادة. ويعلم الجميع أن الناس يأخذون الأشياء. ويعتبر الأمر مضحكًا – ويقول الناس: “أرسلوني إلى لاهاي”. وهذا لا يحدث سرًا. لقد رأى القادة ذلك، والجميع يعلم، ولا يبدو أن أحدًا يهتم”.

وشرح الجندي سبب انتشار الظاهرة على نطاق واسع، قائلًا: “هناك شيء في هذا الواقع الذي أصبح فيه المنزل بالفعل [في حالة خراب] يسمح لك بأخذ طبق أو سجادة. وفي إحدى العمليات، وفي أحد المنازل المدمرة، كانت هناك خزانة بها أدوات مطبخ قديمة، وأطباق خاصة، وأكواب خاصة. لقد رأيتها تنهب للأسف”.

وقال جندي آخر: “[القادة] لم يتحدثوا معنا حقًا عن هذا الأمر. ولم يقولوا إنك لا تستطيع أخذ الأشياء. وشعر معظم الناس بالحاجة إلى أخذ هدية تذكارية”. وأشار الجندي إلى أن عملية النهب لم تكن سرًا. وفي الواقع، كان بعض كبار الرتب يفعلون ذلك أيضًا. وأضاف أن “رقيب السرية قام بتوزيع كتب القرآن الكريم التي وجدها وأهداها لمن يريدها. أخذ جندي آخر مجموعة من فناجين القهوة، وصينية التقديم، ووعاء. وقد أحضرت وحدة أخرى، التقينا بها بعد عودتهم من جولة، دراجة نارية، مثل دراجات النخبة [القوات الخاصة التابعة لحماس]. وأعلن أحد الجنود أنه ملكه. لقد تحدثوا [الجنود] عن تجديده”.

وقال جندي آخر خدم في غزة لـ “+972″ و”لوكل كول” إن الجنود أخذوا “سبحة صلاة وملاعق وكؤوس وأواني قهوة ومجوهرات وخواتم. وكل ما هو سهل ويمكن الوصول إليه يؤخذ. ليس كل شيء، لكن الناس شعروا وكأنهم أسياد الأرض”. وأشار أيضًا إلى أنه “تم أخذ خرائط من كتب الأطفال المدرسية لتوضيح كيفية تعليمهم هناك”.

على النقيض من الآخرين، قال هذا الجندي إنه كان من الواضح له أن النهب محظور. وأوضح قائلًا: “من خلال تجربتي، بالطبع، يعد الأمر بمثابة نهي كبير. لقد أكدوا على هذه المسألة، لكن لا أحد يشرف على جنود الاحتياط. إن الشيء الأكثر شيوعًا [للسرقة] هو “الهدايا التذكارية المحلية” [أي العناصر الفلسطينية أو العربية الجوهرية]. وذات مرة، طردوا جنديًا سرق المال”.

وأضاف الجندي أنه وفريقه حاولوا، وبدرجات متفاوتة من النجاح، إقناع جنود آخرين بترك الأشياء التي سرقوها في غزة وراءهم. “كانوا [الجنود] يعودون بالأشياء؛ أخبرناهم بأنه من الأفضل تركها [داخل القطاع، بالقرب من السياج]، ومن الأفضل رميها بعيدًا بدلًا من أخذها”.

“من أنقاض خان يونس، على الطريقة الغزية الكلاسيكية”
في بيان صدر هذا الأسبوع إلى القادة المسؤولين عن الوحدات القتالية في غزة، حثّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الجنود على “عدم أخذ أي شيء ليس ملكنا”، لكن هذه الرسالة تأتي بعد عدة أشهر أصبحت فيها عمليات النهب روتينية تمامًا.

لقد تم تطبيع هذه الظاهرة إلى حد ما في مقطع حديث على هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية “كان”، حيث قدم الجنود للمراسل أوري ليفي مرآة أحضروها معهم من غزة. فمازحهم ليفي قائلًا: “من أنقاض خان يونس، على الطريقة الغزية الكلاسيكية”، وذلك دون أن يسأل الجنود أين وجدوا المرآة أو لماذا سرقوها. وفي مقال له على موقع “واي نت”، نقل ناحوم برنيع عن جندي قوله إنه رأى سرقة “الهواتف والمكانس الكهربائية والدراجات النارية والدراجات”.

وتحدثت “القناة 13” أيضا عن هذه الظاهرة في وقت سابق من هذا الشهر. ولكن بدلاً من إدانتها، أشار مقدمو البرامج ببساطة إلى أن مقاطع الفيديو يتم مشاركتها في جميع أنحاء العالم من أجل “فضح” الجنود الإسرائيليين. (تضمن المقطع أيضًا مقابلة مع الجندي الذي صور نفسه بساعات اليد التي وجدها داخل منزل فلسطيني، والذي يدعي أنه لم يسرقها، حيث قال “إنهم يرونني أحمل ساعات، ليست منهوبة، كانت نيتي أن أظهر أن قيادة حماس تعيش هناك على مستوى عال”.

ومن العلامات الأخرى على مدى انتشار هذه الظاهرة حقيقة أن حاخامات الحركة الصهيونية الدينية يتلقون أسئلة من الجنود حول هذه القضية. وفي سؤال وجواب تم تحميله على موقع يوتيوب، أشار الحاخام يتسحاق شيلات من مدرسة معاليه أدوميم الدينية في الضفة الغربية المحتلة إلى أن النهب محظور.

وأوضح قائلا “هذه قضية خطيرة للغاية، من ناحيتين: فيما يتعلق بالشريعة اليهودي والقانون العسكري. تسمح الشريعة بنهب الطعام أو الأشياء القابلة للتلف من العدو فقط، ولكن أخذ الأغراض الأخرى ممنوع منعا باتا. وحسب الشريعة، يجب أن تذهب جميع الغنائم إلى الملك، أي قائد الجيش، وسيكون من العار أن يتم القبض على شخص ما ويضطر إلى دفع ثمن باهظ”.

وسأل أحد الجنود الحاخام هل يجوز أخذ أشياء من البيت قبل هدمه. فأجاب شيلات: “ممنوع أخذ الأشياء. إذا أخذت شيئًا ما، فيجب تسليمه إلى رئيس الأركان”. وسأل أحد الجنود: “إذا وافق القائد على أخذ الأشياء للشركة؟”. أجاب شيلات: “لا، هذه هي المشكلة بالضبط، أن هناك قادة لا يعرفون القانون العسكري، أو لا يريدون أن يعرفوا، وفجأة يسمحون للرجال بفعل أشياء لا ينبغي لهم السماح بها”.

مع ذلك، قدم الحاخام شموئيل إلياهو، الحاخام الأكبر لمدينة صفد الشمالية، وجهة نظر مختلفة حول هذه القضية في سؤال وجواب خاص به. وأوضح أنه نظرا لأن “العرب في غزة لا يلتزمون بالاتفاقيات الدولية، فإننا لسنا ملزمين بالالتزام بأي من قواعد الحرب. ومع ذلك، نحن حذرون للغاية، لأننا نريد أن نحافظ على صورة الله في داخلنا”.

بالإضافة إلى عمليات النهب “المستقلة” التي يقوم بها الجنود، هناك وحدة خاصة في الجيش الإسرائيلي مخصصة للاستيلاء على الأموال والممتلكات الأخرى التي يتم العثور عليها في ساحة المعركة. ومن المعروف حتى الآن أن الجيش استولى على عشرات الملايين من الشواقل من غزة، والتي يدعي أنها مملوكة لحماس.

“تأكلون ثروة كل الأمم”
إلى جانب نهب ممتلكات الفلسطينيين، يتناول الجنود الإسرائيليون بشكل روتيني أيضًا الطعام الذي يجدونه في المنازل المهجورة في غزة. وقال جندي لمجلة “+972″ و”لوكال كول” – على الرغم من أنه، وفقًا له، ليس من المفترض أن يستخدم الجنود الطعام الموجود في المنازل الفلسطينية في حالة تلوثه، إنه “بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، يستخدم الجنود كل ما يجدونه، وينظفونه، ويطهرونه”.  وقال آخرون إنه لم يتم إعطاء تعليمات محددة بشأن كيفية التصرف أثناء الإقامة في المنازل، حيث يتم إحراق العديد منها أو تفجيرها من قبل الجيش عندما تصبح غير صالحة للاستخدام.

وفي مقال نشرته صحيفة “هاآرتس” مؤخرا، وصف الجنود الإسرائيليون “تجاربهم” في الطهي في المنازل الفلسطينية باستخدام المكونات التي وجدوها هناك. وقال أحد الجنود في المقال إن “مطبخ غزة، كما رأينا، مليء بالتوابل. في كل منزل ستجد الكثير من مزيج رأس الحانوت. ويوجد أيضًا الكثير من العدس، لذلك قمنا في البداية بإعداد الكثير من اليخنة. وكان كل منزل بقينا فيه يحتوي على زيتون يصنعه الفلسطينيون، وقد تذوقناه، كما يوجد زيت الزيتون أيضًا في كل منزل، بالجالون، ويساعد كثيرًا في تحسين أي طعام. لديهم أيضًا صلصة حارة رائعة”.

وتابع الجندي قائلا “في بعض الأحيان تواجه أشياء خاصة – فجأة يظهر الثوم ثم تتجه إلى تناول المعكرونة مع الطماطم والثوم. لقد وجدت أيضًا صلصة الخروب التي أضفناها إلى العصيدة وكانت ممتازة”.

في الشهر الماضي، نشرت رسالة من قبل الحاخامية العسكرية تعليمات مفصلة حول كيفية الحفاظ على الشريعة اليهودية عند استخدام الطعام والأواني الموجودة في المنازل في غزة. وتنتهي الرسالة التي وقعها الحاخام أفيشاي بيرتس بتوجيه الكتاب المقدس: “وتأكلون ثروات كل الأمم”.

كما تناول الحاخام شيلات مسألة وجوب تناول الأطعمة الموجودة في المنازل الفلسطينية. وقال “فيما يتعلق بالأطعمة غير الحلال، هناك فرق بين ما يحدث عندما تجد طعامًا في بيوت العدو، حيث القانون هو أنه إذا وجدت طعامًا ليس لديك، وتريد هذا الطعام، حتى لو لم يكن ذلك ضروريًا، على سبيل المثال الحلويات، يُسمح بتناولها دون الحاجة إلى القلق بشأن ما إذا كانت حلالاً أم لا”.

وفي تصريح لمجلة “+972” و”لوكال كول”، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن “الجيش الإسرائيلي ينظر بشدة إلى أي حالة يتصرف فيها الجنود بشكل يتعارض مع روح الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك حالات الاستيلاء غير القانوني على الممتلكات. ويجري قادة الجيش الإسرائيلي في مختلف الوحدات حوارًا مستمرًا حول هذا الموضوع طوال فترة القتال. ويتم فحص كل تقرير يتم تلقيه حول هذا الموضوع والتعامل معه بشكل فردي. وفي الحالات ذات الصلة، تفتح الشرطة العسكرية تحقيقًا، وفي بعض الحالات يتم احتجاز المشتبه بهم لأغراض الاستجواب. ويعمل الجيش الإسرائيلي وفقا للقانون الدولي وسيواصل القيام بذلك”.

المصدر: مجلة 972+