2024-11-24 01:49 م

ماذا بعد الصرخة الأممية بشأن الأسيرات الفلسطينيات؟

في مشهد إبادي موازٍ للمقتلة المستمرة في قطاع غزة، تشهد السجون الإسرائيلية سياسات انتقامية ولا إنسانية؛ فمنذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما يزيد على 7 آلاف فلسطيني، ليتخطى العدد الإجمالي للأسرى في سجون الاحتلال حاجز الـ10 آلاف شخص، بينهم 70 امرأة و200 طفل و3484 معتقلًا إداريًا دون محاكمة.

وقد كشف الأسرى المحررون الذين خرجوا بصفقة التبادل الأخيرة بين حماس والكيان الصهيوني عن ظروف اعتقال صعبة للغاية، تتضمن قلة الطعام والملبس والدواء إضافة إلى التعذيب والضرب المبرح والتفتيش العاري والعنيف والعزل الانفرادي، عدا عن قطع الصلة بالأهل والمحامي المسؤول عن الملف.

تتضاعف حصة النساء من المأساة، سواء بالقتل المباشر أم بسلب الأمومة أم الإرث الثقيل من الأيتام بلا معيل، أضف إلى ذلك معاناة النساء الأسيرات التي تبدو مؤخرًا ذات أبعاد أشد قتامة مع الأخبار الصادمة التي بدأت تغادر جدران السجون. فبعد أكثر من 4 شهور على الإبادة الجماعية في قطاع غزة التي راح ضحيتها حتى اللحظة أكثر من 30 ألف شهيد أغلبيتهم الساحقة من النساء والأطفال، أصدر خبراء في الأمم المتحدة بيانًا صادمًا يلقي الضوء على الانتهاكات التي تعاني منها النساء الفلسطينيات منذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، ويطالب بالتحقيق فيها والمحاسبة عليها.

يحاول هذا التقرير سبر أغوار التحذير الأممي، ما تفاصيله؟ وأي حماية يوفرها القانون الدولي للنساء في النزاعات؟ وأي جهود أممية بالخصوص؟ ما المواقف والردود على التحذير؟ وهل يقوم المجتمع الدولي بدوره في المأساة الممتدة؟ وأخيرًا، ما الذي ينبغي فعله الآن وقد صدر التحذير ووقع المحذور؟

دق ناقوس الخطر
جاء التحذير الصادر عن المقررة الخاصة للعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، والمقررة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 فرانشيسكا ألبانيز، وبدعمٍ من أصوات المجموعة الأممية العاملة على التمييز ضد النساء والفتيات، ليدق ناقوس الخطر بشأن سياسات إجرامية صادمة للاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث أشار التحذير الذي أطلقته الخبيرات الأمميات إلى عددٍ من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الفلسطينيات، ومن ضمنها ما نعرفه من تعرضهن للاغتيالات والقتل خارج حدود القانون في قطاع غزة مع عوائلهن وأطفالهن في المناطق الآمنة أو في بيوتهن أو في أثناء نزوحهن، رغم أن بعضهن كن يحملن قطع ملابس بيضاء وفقًا للتحذير الأممي.

ولكن على الناحية الأخرى، أشار التحذير إلى معلومات صادمة عن الفلسطينيات المحتجزات في السجون ومراكز التحقيق الإسرائيلية منذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، حيث أفادت تقارير ومعلومات متواردة عن تعرضهن لانتهاكات جسيمة وغير مسبوقة تجاوزت التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية إلى الانتهاكات الجنسية المتعددة.

فبينما حذرت الخبيرات الأمميات من تعرض الأسيرات لمعاملة مهينة، من قلة الطعام والضرب وعدم توفير العناية الطبية أو مستلزمات العناية النسائية، جاءت المفاجأة الصادمة من تعرض فلسطينيات لاعتداءات جسدية ذات طابع جنسي، تدرجت من التفتيش العاري من ضباط ومفتشين رجال مرورًا بأخذ صور لهن في وضعيات مهينة ورفعها على شبكة الانترنت وكيل الشتائم والتحرشات الجسدية، ووصولًا إلى ارتكاب جريمة الاغتصاب بحق أسيرتين محتجزتين من قطاع غزة على الأقل.

التحذير أيضًا دق ناقوس الخطر بشأن المختفيات من النساء وأطفالهن الذين لا يعلم أحد بمصيرهم منبهًا إلى خطر الاختطاف والنقل القسري إلى “إسرائيل”، في تكرارٍ لما كشفه الإعلام الإسرائيلي عن مصير إحدى الطفلات الغزّيات اللواتي تم اختطافهن بعد قتل كامل العائلة في القطاع، حيث نُقلت إلى جهة مجهولة في “إسرائيل”.

بينما أشارت المقررة الخاصة للعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، إلى أن العدد الكلي للضحايا من النساء سواء اللواتي قُتلن أم تعرضن لانتهاكات جسيمة في المعتقلات قد يكون أكبر بكثير، وأننا لن نستطيع في المدى المنظور أن نحصر العدد الكامل أو نحيط بكل الانتهاكات التي ارتُكبت، خاصة أن النساء يملن بشكل عام لعدم الإفصاح عن هذه الانتهاكات مخافة الانتقام الذي قد يأتي من عدة جهات، كما أوضحت المقررة الخاصة أن الثيمة العامة للحرب الحاليّة هي نزع إنسانية الفلسطينيين عامة والنساء والأطفال بشكل خاص، ما يعني تطبيع الانتهاكات الجسيمة ضدهم وتصعيدها بصورة صادمة وغير مسبوقة.

طالب التحذير في الختام بإجراء تحقيق سريع وحيادي وشامل  لهذه الادعاءات، كما طالب “إسرائيل” بضرورة التعاون مع التحقيقات وإخضاع من يثبت ضلوعه في هذه الانتهاكات من قواتها ومسؤوليها للمحاكمة والمحاسبة الفورية والفاعلة بما يضمن إنصاف الضحايا وتعويض الأسر المتضررة.

المعاناة المضاعفة في النزاعات
تعاني النساء في أوقات النزاعات المسلحة من انتهاكات مركبة وتتضاعف معاناتهن بسبب طبيعة احتياجاتهن، ناهيك عن الاعتبارات الأخرى من الأمومة والحساسية المجتمعية واعتبارات الشرف والعرض وغيرها، وعليه فقد اقتسمت النساء مع الرجال إطارات الحماية العامة الموفرة لهم في ظل القانون الدولي لحقوق الإنسان المطبق في عموم الأوقات من سلم وحرب، والقانون الدولي الإنساني المطبق في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.

وعلاوة على ذلك اختصت النساء بحماية إضافية وفرتها لهن اتفاقيات خاصة مثل اتفاقية إزالة كل أشكال التمييز العنصري ضد المرأة “سيداو”، وأخرى أفردت لهن أحكامًا خاصة للحماية في متنها مثل اتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949 المعنية بحماية المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة.

يوفر القانون الدولي إطارًا ثريًا لحماية المرأة في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، فقواعده العرفية الواجبة الانطباق في كل الأحوال وخاصة القواعد 93 و94 و134 و156 التي تجرم العنف الجنسي بجميع أشكاله وتعتبره في مصاف جرائم الحرب، أما القانون الدولي المقنن فقد أفرد أيضًا مساحة لحماية المرأة فجاءت المادة (27) من اتفاقية جينيف الرابعة لحماية المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة 1949 لتجريم الاعتداء على الشرف وبخاصة الاغتصاب والتحرش والإجبار على الدعارة، وأضاف إلى ذلك البروتوكول الأول الملحق لعام 1977 بخصوص النزاعات المسلحة الدولية في الفقرة 2 من المادة 75 والفقرة الأولى من المادة 76 تجريمًا خاصًا للاعتداءات الجنسية المتنوعة.

في قراره 1820 لعام 2008 أوضح مجلس الأمن أن العنف الجنسي يتحول إلى أداة للحرب متى استُخدم للإذلال والتحكم وبث الرعب وإجبار المدنيين أو الجماعة العرقية على الهجرة، وقد أكد في ذات القرار على أن العنف الجنسي بأطيافه المختلفة قد يرقى لمصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، حيث ضمّه ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية 1998 في المادتين 7 بشأن الجرائم ضد الإنسانية و8 بشأن جرائم الحرب، وكذا فعلت المواثيق المؤسسة للمحاكم الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة (المادة 5) ورواندا (المادتين 3 و4) وسيراليون (المادة 2).

تحوز الاعتداءات الجنسية كتكتيك للحرب في النزاعات المسلحة على اهتمام خاص بالأمم المتحدة، فقد تبنى مجلس الأمن منذ بداية الألفية الحاليّة أكثر من 10 قرارات متعلقة بقضية حماية النساء في أوقات الحروب وانعدام الأمن، كما تصدر الجمعية العامة تقريرًا سنويًا بالخصوص تحصر فيه الجهات الضالعة بالانتهاكات والجهود الأممية لتنفيذ القرارات المناوئة للانتهاكات، وتتابع مدى التزام الجهات المختلفة بتنفيذ هذه القرارات. عدا عن المقررين الخواص والبعاث الأممية المختلفة التي تخصص جهودها للتحقيق في الادعاءات ورفع التقارير والتوصيات بخصوصها، تمهيدًا لتبني قرارات أممية تسعى بعدها لإيجاد آلية تنفيذ مع السلطات المحلية والجهات ذات الصلة.

وقد أنشأت الأمم المتحدة عام 2007 شبكتها العاملة  UN Action والمكونة من 25 جهة أممية يرأسها الممثل الخاص للأمين العام عن العنف الجنسي في أوقات النزاعات، وتشغل عضويتها مؤسسات ومكاتب تابعة للأمم المتحدة منها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومنظمة المرأة واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة العمل الدولية وغيرها. وتقوم هذه الشبكة على صناعة السياسات والتوجيه والتدريب ورفع الوعي والتعاون مع صناع القرار والجهات الرسمية وغير الرسمية بالدول في سبيل وضع قرارات الأمم المتحدة بشأن منع ومعاقبة العنف الجنسي وقت النزاعات موضع التنفيذ.

بالتعرض للنساء الفلسطينيات سواء بقتلهن أم أسرهن أو ارتكاب انتهاكات جسدية وجنسية ومعنوية بحقهن تكون “إسرائيل” قد خالفت نصوص وروح عدة اتفاقيات دولية ذات صلة تضمن للنساء حقهن بالحياة والكرامة والحرية  والأمان من ناحية، وحقهن بالسلامة من التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والقاسية بما يشمل الاعتداءات الجنسية من ناحية أخرى، جسامة هذه الانتهاكات تعني أن “إسرائيل” ترتكب وفقًا لميثاق روما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما أنها تضيف إلى الملف المقدم أمام محكمة العدل الدولية بشأن ارتكاب “إسرائيل” جريمة الإبادة الجماعية التي يعد القتل والإيذاء الجسدي والنفسي وتصعيب ظروف الحياة بغرض تدمير الجماعة جزئيًا أو كليًا من أهم محدداتها.

نداءات وردود
انطوت الحرب الدائرة في قطاع غزة على تجاوزات عديدة تأتي كأسبقية من ناحية انتشارها ومنهجيتها، وتعد الانتهاكات الجنسية للنساء والرجال على السواء إحدى أهم هذه التجاوزات التي وثقتها عدة جهات، من ضمنها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الذي أشار في تقارير سابقة على التحذير الأممي، إلى تعرض عدد من نساء القطاع لانتهاكات جسدية تمثلت في وضع اليد على الأعضاء الخاصة وإجبارهن على التعري وخلع الحجاب والتهديد المتكرر بهتك العرض والاغتصاب. وقد قدم المرصد هذه التقارير إلى عدة جهات أممية منها المفوضية السامية للأمم المتحدة وعدد من المقررين الخواص من ضمنهم ريم السالم المقررة التي تقود التحذير الحاليّ، إضافة لتقديمه التقارير للمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان.

تراوحت الردود بشأن التحذير بين مرحّب ومشكك، فبينما طالبت مؤسسات الأسرى بفتح تحقيق فوري بالادعاءات ومنع وقوع المزيد منها، قللت جهات أخرى من جدية الادعاءات، فقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إلى كون الولايات المتحدة ملمة بوجود هذه الادعاءات وأنها طلبت من حلفائها الإسرائيليين التحقيق في الأمر لكنه لا يستطيع البتّ فيها أو التأكيد على صحتها. وقد أنكرت الحكومة الإسرائيلية بالطبع الاتهامات مشيرة إلى أنها مشينة وبلا أساس.

على الصعيد الأممي، تتحضر براميلا باتن، المبعوثة الأممية الخاصة للعنف الجنسي، لإطلاق تقريرها عن الانتهاكات الجنسية المزعومة لمقاتلي حركة حماس يوم الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، الذي ادعى ممثل منظمات الاغتصاب في “إسرائيل” بأنها كانت ممارسة واسعة ومقصودة في أثناء الهجوم، رغم أنه لم يتم تقديم دليل واحد معتمد على صحة هذه الادعاءات ولم يتم توثيق شهادات ادعى الكيان الصهيوني وجودها سوى شهادات ضيقة ومحدودة ومتضاربة نُزِعت عنها الثقة في المحافل الرسمية والدولية، وما زال الكيان المحتل وحلفاؤه يناضلون في سبيل إثبات هذه الادعاءات لما لها من حساسية قد تضرب شريعة المقاومة وتحيلها إلى الممارسات البربرية والإجرامية. بينما لم تشر باتن حتى اللحظة إلى نيتها تضمين تقريرها حالات الاعتداء الجنسية على الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية.

عين المجتمع الدولي المغمضة
على الرغم من أن التحذير الأممي يضيف مزيدًا من الفظائع إلى السجل الإسرائيلي المتخم، فإن التقاعس الدولي الكبير في التحقيق بالجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة ما زال متواصلًا؛ فالمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية ما زال يتلكأ في تحريك الملف المرفوع أمام المحكمة منذ 2015، الذي قامت عدة دول مؤخرًا بالضغط باتجاه تحريكه وفتح تحقيق جنائي بشأن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية منذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول ومن ضمنها جنوب إفريقيا والمكسيك وشيلي وبلويفيا وبنجلادش وغيرها، كما تم تقديم تقارير متخصصة من عدة جهات منها “مراسلون بلا حدود” ومنظمات حقوقية كثيرة تفصّل في المقتلة المستمرة في القطاع بلا طائل.

والآن من المشكوك فيه أن يغير هذا التحذير المنطوي على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعناصر بينة في جريمة الإبادة الجماعية الواقعة ضمن اختصاص المحكمة، شيئًا في المشهد المتقاعس القائم.

من ناحيتها، يظهر تقصير الأمم المتحدة جليًا سواء في وقف الحرب الطاحنة الدائرة أم في التحقيق بالانتهاكات الإسرائيلية المتتالية والموثقة على مسمع ومرأى العالم. فمجلس الأمن فشل خلال 4 أشهر في اتخاذ قرارات حاسمة لإدانة العدوان الإسرائيلي وإلزام الكيان الصهيوني بوقف عمليته العسكرية وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة والبدء بإعادة الإعمار، كما أن الجمعية العامة هي الأخرى لم تستطع الضغط بذات الإتجاه بسبب الموقف الأمريكي المتعنت والداعم بشكل مفتوح وغير مشروط للعدوان الإسرائيلي.

أما محكمة العدل الدولية فقد جاءت التدابير الاحترازية التي أمرت بها استجابة للدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا أمامها بشأن ارتكاب “إسرائيل” لجريمة الإبادة الجماعية في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، هزيلة وتفتقر للحسم، ما سمح لآلة الحرب الإسرائيلية بمواصلة عملها على قدم وساق. ومن غير الواضح كذلك إذا ما كان التحذير الأخير بشأن الانتهاكات الجنسية سيلقى صدىً ويحرك ساكنًا في المؤسسات الأممية.

يترأس القائمة السابقة التقصير الجلي لمنظمة الصليب الأحمر في الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه الأسرى الفلسطينيين، التي تأتي مهمة زيارتهم والتحقق من ظروف اعتقالهم على رأس قائمة المهام الموكلة إليها. وإذ تفرد المنظمة مساحة وجهد عظيمين لمتابعة قضية المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، لا تكاد ترفع إصبعًا في قضية الأسرى الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون إليها منذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، ووصلت حد الإعدام المباشر لـ8 أسرى، ناهيك عن تضاعف حالات الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والاعتقال الإداري والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية التي تزايدت بشكل جنوني منذ “طوفان الأقصى”، والآن مع هذا التحذير بشأن الاعتداءات الجنسية التي وصلت حد الاغتصاب، دون أن يخرج الصليب الأحمر عن صمته ويضطلع للقيام بمسؤولياته.

ماذا الآن؟
تنضوي المقررات الخاصات اللواتي أطلقن هذا التحذير تحت مظلة “الإجراءات الخاصة” في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي يضم خبراء مستقلين يساهمون في إجراءات التحقيق والمتابعة المنضوية تحت مهام المجلس، ويقوم الأخير بتعيينهم إما وفقًا للتوزيع الجغرافي للدول وإما وفقًا للقضايا الموضوعية، وجدير بالذكر أن هؤلاء الخبراء لا يعدون موظفين رسميين في الأمم المتحدة ولا يتلقون مقابلًا ماديًا لعملهم، بل هم مستقلون متطوعون ويعملون بصفاتهم الشخصية.

وعلى الرغم من ذلك فقد مهدت المقررات في البيان الذي أطلقنه الطريق أمام تشكيل لجان التحقيق وتقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التي تضطلع بمسؤولية جمع المعلومات والتحقق منها ومقابلة الضحايا والشهود، قبل رفع تقاريرها للمؤسسات الأممية ليتم اتخاذ قرارات أو توصيات بشأنها. كما أن هذه التقارير تكتسب أهمية خاصة بإتكاء المحاكم الدولية على مضمونها في أثناء السير بالتحقيقات وإجراءات المحاكمة كما تفعل عادة كل من محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، لما لهذه التقارير من قيمة قانونية وثقة بموضوعيتها وحياديتها.

إضافة إلى تشكيل لجان تحقيق خاصة، هناك لجنة تحقيق دولية مستقلة ودائمة معنية بالأراضي الفلسطينية تم تشكيلها عام 2021، غير أنها لم تمارس عملها حتى اللحظة في قطاع غزة حيث يرفض الكيان الصهيوني التعاون مع الجهات الأممية.

كما أن هناك مطالبات تجري الآن لمجلس حقوق الإنسان والمبعوثين والمقررين الخاصين المعنيين بالقضايا الموضوعية من أمثلة الإعدام خارج حدود القانون والعنف الجنسي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، للضلوع بعملهم والتحقيق الفوري والمباشر في الانتهاكات الإسرائيلية الدائرة ورفع التقارير بشأنها، للتمهيد لتشكيل لجان تحقيق فاعلة ستكون تقاريرها أساسًا للتحركات القضائية للمحاسبة والمساءلة في المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية تحت مبدأ الاختصاص العالمي الذي يتيح لها ملاحقة الجناة الإسرائيليين في أراضي دول أخرى.

يمكن أيضًا التوجه إلى لجنة إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” وهي لجنة من الخبراء الأممين تراقب وتتابع تطبيق الدول لالتزاماتها بموجب اتفاقية سيداو، وتم تشكيلها تطبيقًا لنص المادة 17 من الاتفاقية. حيث تملك هذه اللجنة سلطة مطالبة الدول الأعضاء، ومن ضمنها “إسرائيل”، بتقرير عن تطبيقها للاتفاقية وتقوم اللجنة بدورها بإصدار تقرير سنوي بشأ التزام الدول بالأحكام الواردة في الاتفاقية وتقدمها للجمعية العامة عن طريق المجلس الاجتماعي والاقتصادي التابع لها، كما تقدم اللجنة توصياتها وتوجيهاتها للدول الأعضاء.

هناك أيضًا المجموعة الأممية العاملة على قضية الاحتجاز التعسفي WGAD التابعة لمجلس حقوق الإنسان، التي تختص بنظر الشكوى المتعلقة بالاحتجاز التعسفي وعدم مراعاة قواعد الحماية القانونية والمحاكمة العادلة في مراكز التحقيق والاعتقال.

تملك المجموعة سلطة التحقيق وعقد زيارات لكشف الحقائق للدول ذات الصلة وتلقي المعلومات من الأفراد والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، كما بإمكانها إصدار التوصيات والتعاون مع الحكومات لتنفيذ قواعد القانون الدولية ذات الصلة، وعلى المجموعة تقديم تقرير سنوي لمجلس حقوق الإنسان بالخصوص، وهي تعدّ منفذًا آخر للضغط الفلسطيني باتجاه التحرك والتحقيق.

تكتسب هذه التحركات أهمية متزايدة لتحريك المياه الراكدة وحشد الدعم العالمي للقضية الفلسطينية إضافة لمحاصرة الاحتلال وتعريته دوليًا، فالاعتداءات الجنسية ذات حساسية لدى المتابع في الخارج وهي جريمة أخلاقية مركبة تستهجنها الشعوب الغربية كما العربية، ولهذا سعت كبريات القنوات الإعلامية الغربية ذات الأجندات الاستعمارية على كيل الاتهامات للمقاومة الفلسطينية بارتكاب هذه الفظائع، وكانت عنصرًا مهمًا في شيطنة الفلسطينيين ومقاومتهم وتأليب المتابع الغربي على القضية برمتها وتبرير رد الفعل الإسرائيلي الإجرامي بالخصوص.

وما زالت هذه الورقة حتى اللحظة تُستخدم في الإعلام والمحافل الرسمية لتبييض صفحة الكيان المحتل وصرف النظر عن جرائمه المتعددة، بينما لم تذكر هذه المحطات والجهات ولو بحرف التحذير الأممي ولا التقارير المتعلقة باغتصاب الأسيرات الفلسطينيات والجرائم والاعتداءات الجنسية ضدهن في سجون الاحتلال.

استخدام هذه الورقة فلسطينيًا ورفع الصوت بخصوصها والضغط باتجاه المساءلة والمحاسبة عليها ستثمر بمزيد من المحاصرة الدولية لـ”إسرائيل” وستمكن جهات مثل “بي دي إس” والمؤسسات المدنية والحقوقية والنسوية من التحرك بشكل أقوى وأكثر فاعلية.

المصدر: نون بوست