قالت مصادر صحفية عبرية إن حكومة الاحتلال صادقت، ليلة أمس، على سفر البعثة الأمنية الإسرائيلية إلى فرنسا، للمشاركة في قمة باريس الثانية، مع رفع درجة تخويله من الإصغاء فقط، كما كان في قمة القاهرة قبل أسبوعين ونيف، إلى المشاركة في المداولات مع الوسطاء الأمريكيين والقطريين والمصريين.
وربما بخلاف التجربة السابقة، تحاشت حكومة نتنياهو هذه المرة الظهور بصورة الرافض السلبية أمام العالم، لكن ذلك لا يعني رغبة بالتقدم فعلاً نحو تحقيق صفقة جديدة، فالحسابات لديه متشابكة، وعليه؛ هناك حاجة للتعامل بالتشكّك حيال كل ما يصدر عن إسرائيل بشكل رسمي أو غير رسمي، خاصة أن الوزراء المتشدّدين الغيبيين، أمثال سموتريتش وبن غفير، غير معنيين فعلياً بصفقة تبادل، ولديهم القدرة للضغط وتمرير أو منع قرارات داخل الحكومة، أو حتى مجلس الحرب، وهم خارجه.
وتتعامل أوساطٌ رسمية وغير رسمية في إسرائيل، اليوم، مع مساعي الصفقة المتجددة بنوع من التفاؤل، بعدما كان الوزير بيني غانتس قد قال، أمس الأول، إن هناك مؤشرات على احتمالات التقدم والاختراق هذه المرة، دون أن يقدم توضيحاً على ماذا يؤسس تفاؤله.
في تحليله الموسع، يرى المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، اليوم الجمعة، أن إسرائيل تقف أمام عدة خيارات محتملة: صفقة، أو استمرار العملية العسكرية في غزة، أو وعود إضافية بالانتصار المطلق دون غطاء.
ويشير هارئيل إلى أن بعثةً إسرائيلية تسافر، اليوم، إلى باريس، لمواصلة المفاوضات لصفقة تبادل، مرجّحاً أن تكون مرحلتها النهائية انسحاباً كاملاً ونهاية القتال داخل القطاع، لافتاً إلى أن هدف لقاء القمة الثالثة صفقة قبل العاشر من مارس، قبل رمضان.
وضمن محاولة فهم دوافع وحسابات نتنياهو، صاحب القرار الأول، يقول هارئيل إن شخصاً يعرف نتنياهو يقول إنه مشغول باغتيال السنوار، طمعاً بصورة انتصار يستطيع تقديمها للعالم وللإسرائيليين.
ويعتبر هارئيل أن صفقة قريبة هي واحدة من ثلاث إمكانيات لدى نتنياهو: على أمل أن توافق “حماس” تليين مواقفها، وهذا يتطلب تنازلات غير بسيطة من إسرائيل أيضاً، ومنها الإفراج عن مئات الأسرى من النوع الثقيل، متوقعاً أن يتم ذلك في المرحلة الأولى، وهذا من شأنه أن يصطدم بمعارضة بعض الوزراء، كما تبيّن في تصريحات صحفية لسموتريتش، قبل أيام.
أما السيناريو الثاني، حسب هارئيل، فهو استمرار القتال خلال رمضان، بما في ذلك اجتياح رفح، وبعدها تعود إسرائيل للمفاوضات، حسب نظرية بايدن، لكن هذه تبقى مغامرة لأنها تدفع نحو تدهور محتمل وصعب في كل المنطقة بسبب رفح.
أما في السيناريو الثالث، فإن نتنياهو سيواصل التحرش بالإدارة الأمريكية، ونثر الوعود بانتصار مطلق، ويتهرب من صفقة، ما يدفع لخروج غانتس وآيزنكوت من الائتلاف الحاكم.
ويضيف هارئيل: “مع ذلك، هناك مصادر في الحكومة الإسرائيلية لا تلغي احتمال أن يتوجه نتنياهو يساراً، ويفاجئ: صفقة كبرى تشمل تطبيعاً مع السعودية”.
ويشير هارئيل لمصادر محتملة للتفاؤل الإسرائيلي بصفقة جدّية بقوله إن الحالة الإنسانية داخل القطاع من شأنها التأثير على موقف “حماس”، علاوة على أن جنود الاحتياط مكشوفون في جبهة القتال في أكثر من معنى، إضافة إلى دور الولايات المتحدة التي تأمل أن تؤدي صفقة التبادل لوقف النار أيضاً على الجبهة الشمالية، وتمهد الطريق للاتفاق مع “حزب الله”.
باريس في ظل رمضان
وعلى غرار هارئيل، يرى المحلل السياسي البارز ناحوم بارنياع أن استئناف المفاوضات، اليوم، يثير أملاً لأن الانتقال من القاهرة إلى باريس أكثر من تغيير مكان،
ويوضح أن الفكرة العامة هي: العودة للخلف، أي إلى اتفاق الإطار في باريس، ومحاولة التقدّم من هناك.
في سياق قراءته لاحتمالات مفاوضات باريس، اليوم، يقول بارنياع، في تحليل تنشره صحيفته “يديعوت أحرونوت”، إن ما يجري داخل القطاع هو قتال أكثر مما هو حرب، وإن عدد جنود الاحتلال، اليوم، داخل الضفة الغربية أكبر من عددهم داخل القطاع.
كما يشير بارنياع إلى أن عملية التطهير داخل وفوق الأرض في القطاع خطيرة وصعبة، وتجبي أثماناً يومياً على شكل قتلى وجرحى، وإن كان الحجم والتوقّعات والمخاوف التي رافقت الشهور الأولى من الحرب قد تقلّصت.
غزة بيدنا.. ماذا بعد؟
رداً على تساؤله هذا يقول بارنياع إن نتنياهو يحرص، في كل خطاب، للفظ خمس كلمات: حرب، نصر مطلق، بإذن الله. وهو لا يثق بنفسه في أي واحدة من هذه الكلمات. ويقول إن وثيقة آيزنكوت السرية الموجهة لمجلس الحرب شملت خمسة بنود، تم تسريب البند الخامس منها، وهي توضح ما نجحت به إسرائيل، وما أخفقت في تحقيقه طيلة الشهور الأربعة: تدمير “حماس” تم تحقيقه في معظمه، استعادة المحتجزين تم جزئياً، استعادة الأمن تم جزئياً، أما إنهاء الحرب فلا.
ويتابع بارنياع: “في وثيقته، استعرضَ آيزنكوت عدة مواضيع يفترض أن يبتّ بها مجلس الحرب، وهي: مسودة اتفاق لاستعادة المخطوفين قبل رمضان، منع انتفاضة ثالثة داخل الضفة الغربية، دفع بديل مدني لـ “حماس” داخل القطاع، واستعادة النازحين الإسرائيليين في الشمال والجنوب لبيوتهم. في كل هذه المواضيع نتنياهو حال دون قرارات بها أو أعاقها”.
ويتابع بارنياع القول إن استئناف المفاوضات في باريس ينتج أملاً، والفكرة أن تعود الأطراف لاتفاق الإطار والبدء من جديد.
وضمن ترجيحه، هو الآخر، لاحتمال وارد لشق طريق في المفاوضات، يقول بارنياع إن إسرائيل و”حماس” توصّلتا لاستنتاج بأن هناك إيجابيات أكثر من السلبيات للتوصل لصفقة، “لكن لا ضمانة لذلك”.
ويرجّح بارنياع أن التغييرات التي تدفع نحو التفاؤل بصفقة جديدة هي: ضغط أمريكي، فواشنطن تطمح بأن تفضي صفقة تبادل لصفقة كبرى لاحقاً، علاوة على أن مصر تخشى الحرب في رمضان، ومن احتمال إشعالها النار داخل الشارع المصري أيضاً. كما يؤكد بارنياع أيضاً أن هناك مخاوف في إسرائيل من انتفاضة ثالثة، خاصة خلال رمضان، ضاعفت الضغط من أجل صفقة جديدة.
ويتفق مع معلقين إسرائيليين كثر بأن محاولات بن غفير وسموتريتش المساس بحق العبادة للفلسطينيين يعني عبثاً ببرميل بارود يشعل ناراً كبرى في القدس تصل للمنطقة كلها.
ويدلل بارنياع على ترجيحاته حيال الخوف المذكور بالقول إن الضفة الغربية في حالة غليان وعملية القدس، أمس الخميس، هي حلقة في مسلسل بدأ ولم ينتهِ. علاوة على أن جيش الاحتلال بحاجة لهدنة ولفترة راحة.
ويتابع: “المتغير الأخير هو الوقت. الأسابيع الثلاثة الأخيرة منذ وقف المفاوضات لم تحسّن إمكانيات استعادة المخطوفين أحياء، وخوف الإسرائيليين عليهم يتعاظم. بن غفير وسموتريتش يستطيعان تجاهل ذلك، لكن نتنياهو ما زال لا يستطيع تجاهل هذا القلق الكبير على المخطوفين داخل الشارع.
هذا ليس انتصاراً
وبشكل مباشر، يدعو المعلق السياسي للقناة 13 العبرية رافيف دروكر، اليوم، لتحرير المخطوفين والانسحاب من غزة.
في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، يقول دروكر إنه حان الوقت لإنهاء المرحلة الحالية من الحرب، والانسحاب تدريجياً، مؤكداً أن هذا ليس استسلاماً أو خسارة بل فوز بالنقاط. ويرجح دروكر أن القيادة السياسية والأمنية، عدا نتنياهو وغالانت، ربما تدرك أيهما الأفضل بين خيارين تقف أمامهما إسرائيل اليوم: استمرار العملية العسكرية، التي تبقي على احتمال تفكيك بقية قدرات “حماس” في رفح، وتخليص مخطوفين، واغتيال السنوار، أو غيره، التهديد باجتياح رفح من شأنه دفع مصر لتعمل أكثر، والضغط على “حماس” خلال المفاوضات. ويرى في المقابل أن المخاطر في هذا الخيار: تآكل تام في الدعم الدولي والأمريكي لمستوى مجابهة مباشرة، استمرار عمليات “حماس” داخل القطاع، وفقدان المزيد من المخطوفين، وكارثة إنسانية خطيرة.
ويزعم دروكر أن إسرائيل نجحت بإضعاف قدرات “حماس” بعدة درجات، وإن ربع درجة إضافية في رفح لن تنتج فارقاً، والزعم أن سيطرتنا في محور فيلادلفيا ستمنع تسليح “حماس” غير صحيح بحكم تجارب الماضي. أما الخيار الثاني، برأي دروكر، فهو: صفقة تبادل تكون مقدمة لوقف النار. ويشير لإيجابياتها: استعادة معظم المخطوفين، تطبيع مع السعودية ومعظم العالم السني، ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة، ومع قسم من المجتمع الدولي، وترميم القطاع بمشروع عربي أمريكي، وعندها تستطيع إسرائيل التفرغ لتحدي الشمال وإعادة تأهيل بلدات الجليل الأعلى واقتصادها.
أما حرب الاستنزاف فـ “حماس” هي التي تريدها، لأنها تعني لها الانتصار والبقاء.
ويتابع: “على إسرائيل الانسحاب تدريجياً والقول إن الحرب على “حماس” لم تنته، وسيبقى السنوار داخل الأنفاق أو يموت”.
حالة يأس
ويرى دروكر أن نتنياهو غير معني بالخيار الثاني، “فمع نهاية الحرب تبدأ نهايته، وبمهارة فائقة هو يسوق “النصر المطلق”، وعدد غير قليل من الإسرائيليين اقتنوا بضاعته بسبب الجوع للانتصار، ومشاعر الكرب بعد الصدمة، والمقارنات الفارغة مع ألمانيا النازية ومع اليابان القيصرية، وللأسف الشديد يخشى غانتس وآيزنكوت إسماع صوت مغاير كي لا يبدوان انهزاميين”.
ويضيف: “الجيش طبعاً غير موجود في هذا الموقف، وهذا آخر ما يريده هليفي، فهو بدون ذلك يتعرض لمزاودات اليمين. محزن ومحبط أن يموت المخطوفون داخل الأنفاق، أو ينازعوا بعد الخيانة الصعبة لهم من قبل الدولة لمواطنيها. يمكن تحريرهم اليوم بصفقة دون أن يتناقض ذلك مع أهداف الحرب، لكن نتنياهو لا يسير إلى هناك، لأن ذلك يضرّ بمستقبله السياسي، ورفاقه في مجلس الحرب يصمتون خوفاً من ضرر سياسي. لا يمكن التعويل على المجلس الوزاري المصغر، فأعضاؤه يتنافسون من هو الأكثر تطرفاً. هناك من قام بتسريب رسالة نقدية سرية لآيزنكوت بعثها لمجلس الحرب. هذا التسريب يدلّل على “شجاعة” منتخبينا، وعلى هذا أيضاً غضب آيزنكوت. حالة يأس”.
داخل وَحْل غزة
ويتقاطع دافيد عبري، أحد أبرز قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية سابقاً، مع دروكر وبارنياع في التنبيه والخوف من حرب استنزاف داخل القطاع، ففي حديث مع ملحق “هآرتس”، بمناسبة بلوغه التسعين،
يقول عبري إن “إسرائيل موجودة الآن داخل وحل غزة، والسؤال كم نستطيع التنفس في هذه الحالة، وكيف يمكن النجاح بذلك في ظل حكومة ترفض التحدث عن حلول سياسية
وأعتقد أن الحل يكمن بانتخابات مبكرة، لأن الاستطلاعات تظهر فقدان حكومة نتنياهو ثقة الشعب، ومن الممنوع أن تستمر هذه الحالة طويلاً، لأن ذلك ينتج وضعاً يكون فيه نظام حكم لا يكترث بالمواطنين، ويفعل ما هو ليس جيداً لهم، ولذا لا مناص من الانتخابات رغم الحرب، وبسرعة”.
المصدر: القدس العربي