2024-12-03 07:50 م

التطبيع السعودي الإسرائيلي.. غزة تكبح الاتفاق واليمن يحفزه

سلط مركز "صوفان" للأبحاث الضوء على التطبيع المحتمل للعلاقات بين السعودية وإسرائيل، مشيرا إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مثل تحديا أمامه لكن من غير المتوقع أن يؤدي إلى إعاقة التقدم بمحادثاته بشكل كبير في ضوء اتجاه أمريكي لتلبية مطالب المملكة الدفاعية.

وأورد تقدير، نشره موقع المركز البحث وترجمه "الخليج الجديد"، أن التأثير المروع للحرب في غزة يمكن أن يخلق الظروف الملائمة لكراهية واسعة النطاق في المنطقة لجيل كامل، ومع ذلك، من المتوقع أن تستمر السعودية في المناقشات حول اتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل.

وبسبب الدور الرئيسي الذي تلعبه المملكة في العالم العربي والإسلامي منذ سنوات، أعطى المسؤولون الأمريكيون الأولوية للتطبيع الإسرائيلي السعودي كوسيلة لاستكمال اندماج إسرائيل في المنطقة.

ورحب القادة السعوديون، وخاصة ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للمملكة، بالاتفاق مع إسرائيل كوسيلة لتعزيز تحالف يعمل على احتواء القوة الإيرانية وتحقيق استقرار إقليمي طويل الأمد من شأنه أن يمكّن بن سلمان من السيطرة على إيران، وتركيز الموارد السعودية على برنامج التنويع الاقتصادي الطموح "رؤية 2030".

وبدلاً من التخلي عن جهودهم للتوسط في اتفاق سعودي إسرائيلي، اعتبر المسؤولون الأمريكيون اتفاق التطبيع المحتمل محورياً لجهودهم لتسوية الصراع في غزة، والتحرك نحو إطار يمكن أن يحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ويوقف تصعيد الصراع الإقليمي.

وشكّل التطبيع السعودي الإسرائيلي بنداً رئيسياً على جدول الأعمال في الاجتماعات الأمريكية السعودية المتكررة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي إلى المملكة ودول إقليمية أخرى.

وجادل المبعوث الأمريكي الكبير للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، داخل دوائر رسمية أمريكية رفيعة المستوى، بأن حل أزمة غزة يرتبط ارتباطًا وثيقًا باتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي.

فرصة حل

واعتبر مركز "صوفان" التركيز الأمريكي على مواقف السعودية أتاح لقادة المملكة فرصة لصياغة حل لأزمة غزة والمساعدة في التخطيط لما بعد الحرب.

 وفي السياق، حذرت السعودية، إلى جانب الولايات المتحدة ودول عربية أخرى، إسرائيل من المضي قدمًا في خططها للضغط على مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، حيث نزح أكثر من 1.4 مليون فلسطيني.

وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا في 10 فبراير/شباط الجاري، جاء فيه: "إن هذا الانتهاك المستمر للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي يؤكد الحاجة إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمنع إسرائيل من التسبب في كارثة إنسانية وشيكة يتحمل مسؤوليتها كل من يدعم العدوان".


وبحسب تقدير "صوفان" فإن المقصود من بيان الرياض هو إرسال رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مفادها أن التطبيع السعودي الإسرائيلي سيكون أكثر صعوبة من الناحية السياسية بالنسبة لبن سلمان إذا واصلت إسرائيل هجومها الشامل على رفح.

وعلى نطاق أوسع، سعى بن سلمان أيضًا إلى وضع السعودية في مركز الجهود العربية لإنهاء حرب غزة ووضع خارطة طريق لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن أي اتفاق يتضمن ضمانات لحل شامل يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية لن يجعل اتفاق التطبيع أكثر من مجرد سراب.

فمجرد طرح "الطريق" نحو الدولة الفلسطينية لا يعني الكثير، نظراً لتاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي شهد الكثير من المقترحات في هذا الشأن.

والتقى وزراء خارجية مصر والأردن وقطر والإمارات، بالإضافة إلى أحد كبار مساعدي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في الرياض الأسبوع الماضي مع نظيرهم السعودي الأمير، فيصل بن فرحان، وكان من بين جدول أعمال الاجتماع الدعوة إلى "وقف فوري وكامل لإطلاق النار" في غزة، وإزالة جميع العقبات التي تحول دون دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وفقا لبيان سعودي.

 ووصف دبلوماسي عربي رفيع المستوى الاجتماع بأنه محاولة لصياغة موقف عربي موحد يدعم وقف إطلاق النار الدائم وإغاثة المدنيين الفلسطينيين، يليه اتفاق على إطار عمل للدولة الفلسطينية في نهاية المطاف وفقا لحدود يونيو/حزيران 1967.

وفي بيانات ذات صلة، أوضحت السعودية أنه "يجب اتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين"، وكرر السعوديون دعوتهم للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي الذين لم يعترفوا بدولة فلسطين.

كما أوضح دبلوماسيون سعوديون وعرب آخرون أن موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل على دعم الدولة الفلسطينية المستقبلية سيشكل شرطا مسبقا للمشاركة العربية في أي ترتيبات أمنية مستقبلية وخطط إعادة بناء غزة.

قلق أمريكي

ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق إزاء إقناع دول الخليج العربية الغنية، وخاصة السعودية والإمارات بتمويل إعادة إعمار غزة، ويعود ذلك جزئياً إلى القلق من أن دافعي الضرائب الأمريكيين سيرفضون التزاماً أمريكياً كبيراً بإعادة الإعمار في الشرق الأوسط.

وبحسب تقدير "صوفان"، فإن المواقف السعودية تمثل تشديدا لمطالب المملكة من الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن اتفاق التطبيع، وتعكس رأياً عاماً واسع النطاق داخل المملكة يعتبر العدوان الإسرائيلي على غزة بمثابة "عقاب جماعي" غير متناسب ولا بد من وقفه، حتى لو كان هذا من شأنه أن يمنح حماس بعض السلطة في غزة.

وإزاء ذلك، عادت السعودية إلى الشروط الصارمة لمبادرة السلام العربية لعام 2002 التي قدمتها في قمة جامعة الدول العربية في بيروت، وأيدتها مرة أخرى في مؤتمرات القمة اللاحقة في عامي 2007 و2017، ما خالف توجهات المملكة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

فقبل العدوان على غزة، قلل القادة السعوديون، خلال المفاوضات مع المسؤولين الأمريكيين حول التطبيع مع إسرائيل، من أهمية المطالب المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وأصروا فقط على "التقدم" نحو حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

وربط بن سلمان صفقة التطبيع باتفاق دفاعي ملزم مع الولايات المتحدة، وهو ما يعتقد عديد الخبراء أنه "مصدر قلقه الشامل"، ويراه أمرا بالغ الأهمية لتعزيز قبضته على السلطة.


وفي هذا الإطار، أخبر المسؤولون الأمريكيون الصحفيين، أن واشنطن والرياض اتفقتا، قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الخطوط العريضة لمعاهدة دفاع، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت اتفاقية الدفاع الأمريكية السعودية سترتفع إلى مستوى المعاهدة الرسمية التي تتطلب تصديق مجلس الشيوخ الأمريكي من عدمه.

ومن المرجح أن تواجه التزامات الولايات المتحدة تجاه السعودية، بموجب معاهدة دفاع، معارضة شديدة، لا سيما من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يصرون على تحميل بن سلمان مسؤولية مقتل الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، في إسطنبول عام 2018.

ترسانة الحوثيين

في المقابل، يشير "صوفان" إلى أن الضربات العسكرية الأمريكية لتدمير ترسانة الحوثيين، التي تزودهم بها إيران، جعلت الولايات المتحدة في حالة اتفاق مباشر مع رؤية السعودية للحوثيين باعتبارهم قوة مرتبطة بإيران، تعمل على عدم الاستقرار الإقليمي، ما قد يعني موافقة الولايات المتحدة على المطالب السعودية للتطبيع مع إسرائيل.  

وظلت الولايات المتحدة، وكذلك الدبلوماسيون السعوديون، منخرطين في محادثات السلام اليمنية، على أمل أن يؤدي حل النزاع اليمني إلى دفع الحوثيين إلى إنهاء هجماتهم في البحر الأحمر.

وترى السعودية أن استمرار التواصل الدبلوماسي مع الحوثيين سيضمن عدم استئنافهم للهجمات العسكرية على أهداف سعودية، ما يؤدي إلى توسيع أزمة الشرق الأوسط بشكل أكبر وصرف انتباه بن سلمان عن استراتيجيته الطموحة للتنويع الاقتصادي.

وفي الوقت نفسه، هناك احتمال كبير بأن يهاجم الحوثيون مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة في الدول العربية، أو يشنوا هجوما بريا جديدا مع استمرار الحملة الجوية الأمريكية ضدهم.

وعلى الرغم من ضبط النفس الذي تمارسه السعودية، فإن الحماسة الحوثية توفر إمكانات كبيرة لمزيد من التوسع في الصراع الإقليمي.


المصدر: الخليج الجديد