باريس- “القدس العربي”:
قال الكاتب بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية رينو جيرار، إن حكومة نتنياهو إذا استمرت في رفض أي مفاوضات، فإن النصر العسكري المتوقع للجيش الإسرائيلي على حماس لن يسمح لإسرائيل بالاندماج بشكل أفضل في بيئتها الإقليمية.
واعتبر الكاتب أنه حتى لو استمر حزب الله اللبناني في الامتناع عن فتح جبهة عربية ثانية حقيقية ضد إسرائيل، فإن السلام ليس وشيكا في الشرق الأوسط. ومع ذلك، قال نتنياهو في مقابلة مع قناة ABC News الأمريكية، بُثت في 11 فبراير 2024، إن “النصر في المتناول” وأن القوات الإسرائيلية ستدمر آخر كتائب حماس المتحصنة في مدينة رفح المكتظة بالسكان في جنوب قطاع غزة. فبعد فشل الجيش الإسرائيلي في العثور على يحيى السنوار، سواء في مدينة غزة أو في خان يونس، فهل سيجده في رفح، حيث لجأ أكثر من مليون مدني فلسطيني نازح؟ يتساءل جيرار.
ولكن يمكننا أن نفهم أيضا أن الحكومة الإسرائيلية تريد التدمير الكامل للحركة الإسلامية الفلسطينية، كي يضمن المستوطنون أن هجوم 7 أكتوبر لن يتكرر مرة أخرى أبدا، يقول الكاتب، مضيفاً أنه على المدى القصير، سيتعين على حكومة الحرب الإسرائيلية إجراء مقايضة حساسة: من أجل تنفيذ عملية تطهير عسكرية فعالة لمنطقة رفح، ما هي الكارثة الإنسانية التي قد تكون على استعداد لتحملها، وكم عدد الرهائن اليهود الذين ستكون على استعداد للتضحية بهم؟
فالضغوط التي تتعرض لها حكومة الحرب الإسرائيلية من الخارج والداخل كبيرة. حيث حذرتها كل من السعودية ومصر والولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا وفرنسا وهولاند وألمانيا من التداعيات الإنسانية الكارثية لأي اجتياح لرفح. واعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن علنا أن الإسرائيليين تجاوزوا الحدود في أعمالهم الانتقامية، التي اعتبرت في البداية مشروعة.
وفي الداخل، تتزايد المظاهرات في تل أبيب والقدس، للمطالبة بأن تتبنى الحكومة، كأولوية سياسية، المفاوضات من أجل إطلاق سراح المحتجزين. ويقول الكاتب إن الحكومة الإسرائيلية تدين تجاههم وتجاه عائلاتهم بدين ثقيل، وهو أن فشل سياستها الأمنية هو الذي تسبب في اختطافهم.
واعتبر جيرار أنه مهما كانت الوسائل المستخدمة، بحلول نهاية ربيع عام 2024، ستكون الحكومة الإسرائيلية قادرة على الادعاء أمام شعبها بأن ظروف الأمن قد تمت استعادتها، وستكون قوة حماس العسكرية قد تقلصت إلى لا شيء. كما ستكون إسرائيل قد استعادت قوة الردع في مواجهة الشعوب العربية، وفق الكاتب.
وسيتم إنشاء منطقة عازلة بعرض كيلومترين في شمال قطاع غزة، وقد وصلت بالفعل الآليات العملاقة من الولايات المتحدة، والتي ستسوي كل شيء هناك بالأرض وتخلق منطقة عازلة مهجورة وغير قابلة للعبور، يضيف جيرار، قائلا إنه من المؤسف أن يؤدي ذلك إلى تقليص المساحة الصالحة للسكن بالنسبة لمليوني فلسطيني يعيشون في غزة.
ويدعو رئيس الوزراء الحالي إلى إعادة تأسيس حكومة عسكرية إسرائيلية في غزة، كما هو الحال من عام 1967 إلى عام 2005. فهل سيوافق الاتحاد الأوروبي والدول النفطية الخليجية على الدفع مرة أخرى؟ يتساءل الكاتب.
لكن المدى الطويل أكثر غموضا من المدى المتوسط بالنسبة لإسرائيل، إذ يتعين عليها أن تدرك أنها وحّدت، عن غير قصد، العالم العربي الإسلامي برمته ضدها. فخلال الأعوام 2003 – 2023، طغت الحرب الدينية السنية الشيعية، التي أحياها الغزو الأنغلوسكسوني للعراق، على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأرسلته إلى هامش اهتمامات الأمة. وعلى الرغم من أساليبهم، إلا أن مقاتلي حماس تمكنوا من إعادة قضيتهم إلى المركز، يقول جيرار
وهنا يثير مصطلح “النصر” الذي استخدمه نتنياهو في مقابلته مع قناة ABC أسئلة، يتابع الكاتب، موضحاً أنه ما يزال في أوروبا يُحتفل “بانتصار” الثامن من مايو/ أيار 1945، والحقيقة أن ما يُحتفل به هو فترة السلام الطويلة التي ولّدها هذا النصر في القارة بقدر ما يُحتفل باستسلام القوات الألمانية. وهنا، يتساءل جيرار: من يعتقد بصدق أن الانتصار العسكري المتوقع للجيش الإسرائيلي على حماس سيدمج إسرائيل بشكل أفضل في بيئتها الإقليمية؟
واعتبر الكاتب أن إسرائيل بات الآن بوسعها أن تتفاوض، بعد أن أظهرت قوتها، بحسب رأيه، مضيفاً أنه عندما نكون أقوياء يمكننا تقديم التنازلات، وليس أبدا عندما نكون ضعفاء.
ورأى جيرار أن قول إسرائيل إنها لن تتفاوض أبدا على السلام مع حماس لأنها حركة إرهابية يعدّ أمراً سخيفاً، مذكّراً في هذا الصدد أن الفرنسيين تفاوضوا مع جبهة التحرير الوطني في الجزائر، كما تفاوض الأمريكيون مع الفييتكونغ في فيتنام، وكذلك فعل الإنجليز مع الجيش الجمهوري الأيرلندي في أيرلندا.
وشدد الكاتب على أن الأمر المهم عندما ننظر إلى عدو غير متكافئ ليس أساليبه، بل مدى تمثيله بين السكان الذين نطمح إلى العيش معهم بسلام، موضحاً أنه سواء شئنا أم أبينا، فإن حماس ممثلة بين السكان الفلسطينيين.. لذا فلابد من دعوتها إلى طاولة المفاوضات، على غرار حركة فتح، أو اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل مصر والأردن والسعودية.
وتابع جيرار القول إن اليهود والعرب لديهم عقليات مختلفة للغاية، بحيث لا يمكنهم العيش معا في نفس الدولة، وبالتالي فإن حل الدولتين هو الحل الوحيد القابل للتطبيق على المدى الطويل، حتى في ظل صعوبة رسم المسألة جغرافياً وديموغرافياً.
واعتبر الكاتب أن الإسرائيليين سيجذبون احترام وصداقة المجتمعات العربية المجاورة من خلال إظهار احترامهم لتطلعات الشعب الفلسطيني إلى دولة. ومن الواضح أن الأمر سيتطلب ضغوطاً منسقة من جانب الدول الغربية، المؤيدة لإسرائيل، والدول العربية المؤيدة للشعب الفلسطيني، لإبعاد التعصب الديني، وفق الكاتب.
وقال جيرار إنه إذا لم تقبل إسرائيل بهذا الحل وتعمل جاهدة على تحقيقه، وهو الحل الذي دعا إليه رئيس الوزراء السابق رابين عندما وقّع على اتفاق أوسلو عام 1993، فإنه يخشى أن تكون البلاد قد دخلت في طريق حرب أبدية قد تدفعها إلى الهروب، من خلال إرهاق سكانها اليهود، وهو خطر وجودي حقيقي، بحسب الكاتب.
المصدر/ القدس العربي