غزة- “القدس العربي”: نشر مركز الزيتونة للدراسات والأبحاث عدة توقعات حول الوضع الفلسطيني، في ظل الأحداث الجارية، وأولها الحرب التي تشنها دولة الاحتلال ضد قطاع غزة، والهجمات التي تستهدف الضفة الغربية والقدس المحتلة.
ابتزاز في ملف الإعمار
وتوقَّع خبير الشؤون الدولية الدكتور وليد عبد الحي أن يتعرض الجانب الفلسطيني بعد وقف القتال لـ “ابتزاز” حول الأموال المطلوبة لإعادة إعمار ما دمرته دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وأنّ الابتزاز السياسي سيكون هو سمة هذه القضية، حيث إنّ 82% من المساعدات المالية لفلسطين تأتي من دول لا تساند الموقف السياسي للمقاومة الفلسطينية المسلحة، ولهذا ستحاول هذه الدول الربط بين المساعدات وبين شروط سياسية ضاغطة على مواقف المقاومة.
وقد أشار أيضاً إلى أن عملية “طوفان الأقصى” تركت أثراً عميقاً على حقيقة الصورة الإسرائيلية في الرأي العام الدولي، ورأى أن هذا التحول الإيجابي سيتواصل، وأنّ العلاقات الإفريقية الإسرائيلية “مرشَّحة لمزيد من التوتر”،
حيث إنّه لم يصوّت من دول إفريقيا غير العربية ضدّ القرار الأخير في الجمعية العامة في ديسمبر 2023 إلا دولة واحدة هي ليبيريا فقط.
وأشار إلى أن السياسة الأمريكية خلال سنة 2024 ستشهد قدراً من الاضطراب الداخلي، سيفرزه تواصل التراجع السنوي لدخل الفرد الأمريكي منذ تولي بايدن الرئاسة، واستمرار تزايد الفروق الطبقية، وزيادة 121 ملياراً في الإنفاق العسكري بين 2020 و2024، وارتفاع مرتبة الولايات المتحدة الأمريكية إلى المرتبة 134 سنة 2024 بعد أن كانت في المرتبة 83 عام 2008/2009 في مؤشر السلام العالمي (العنف الداخلي والعنف الخارجي)، وقال إنه يمثل دليلاً على زيادة في سوء الأوضاع، بالإضافة إلى المنافسات الانتخابية التي ستنحصر غالباً بين ترامب وبايدن، والتي ستؤول إلى فوز بايدن (إذا طبّقنا نموذج ليكتمان للتوقعات المستقبلية)، غير أنّ ذلك لا يمنع من احتمالات تزايد الانقسامات داخل جمهور ونخب الحزب الديموقراطي.
وقال عبد الحي “إنّ كلّ هذا سينعكس على أعباء دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يتخوف منه الكثير من القادة الإسرائيليين”، ورأى أنّ الضغط الأمريكي باتجاه التطبيع العربي الإسرائيلي هو لـ “تخفيف الانغماس الأمريكي في دورات العنف في الشرق الأوسط، وهو ما سيدفع أمريكا لمزيد من الضغط على العرب باتجاه التطبيع لتحقيق بعض النقاط التي تخفف من آثار الجوانب السلبية التي ذكرها”.
وأكّد الدكتور وليد عبد الحي أنّ تزايد تبني المجتمع الدولي لحل الدولتين سيُوقع إسرائيل في قدر من الارتباك، حيث إذا قبلت حلّ الدولتين قد تحدث اضطرابات عنف يؤججها المستوطنون في الضفة ومعهم اليمين الديني، وإذا رفضت ستجد مأزقاً في التعامل مع المجتمع الدولي.
ضغط على إسرائيل
لذا من المحتمل برأيه أن تقبل الإطار العام للحل، ثم تحاول إفراغه من محتواه، بالطريقة التي تعاطت فيها سابقاً مع اتفاق أوسلو، ثم تعيد سيرة التعاطي مع أوسلو”.
كذلك توقع الخبير الإستراتيجي والعسكري الفلسطيني معين الطاهر، استمرار المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في أدائها القوي الفعّال في مواجهة العدوان الإسرائيلي ولأشهر عديدة.
وقال: “إنّ المقاومة التي نفّذت عملية طوفان الأقصى نفّذت معجزة عسكرية بالمعنى العلمي للكلمة”، لافتا إلى أنّها قادرة على الاحتفاظ بمنظومة قيادة وسيطرة متماسكة في الفترة القادمة، وأنها تستخدم بكفاءة عالية أسلحتها وذخائرها، وبوجود “رجال مقاومة مؤمنين نوعيين مدربين على هذا النوع من المواجهات”.
وقال إنّه ليس من المرجح أن تستمر الحرب طوال سنة 2024 لأسباب عديدة، وأنّه على فرض أن الاحتلال تمكّن من احتلال القطاع، وهو أمر مستبعد، فإن المقاومة قادرة على الاستمرار وإحداث خسائر جسيمة به، وإن اختلفت تكتيكاتها، مشيراً إلى احتمالات تصاعد المقاومة في الضفة الغربية في الفترة القادمة، خصوصاً مع تصاعد اعتداءات الجيش الإسرائيلي ومستوطنيه على الفلسطينيين وأراضيهم.
وأوضح الطاهر أنّ ما سيُحدد مسارات المدى الزمني للحرب هو أداء المقاومة على الأرض، وتطورات الوضع السياسي، وحالة الشارع العربي والغربي، وموقف الإدارة الأمريكية والمجتمع الأوروبي.
وأشار إلى أن من التحديات التي قد تُحيط بالمقاومة هي “المعاناة المدنية والإنسانية” في القطاع، ولفت النظر إلى ضرورة القيام بكل ما بوسعنا لتخفيفها.
وأكّد الطاهر أنّ مستقبل المقاومة الفلسطينية يجب أن لا يُرهن فقط بقطاع غزة، وأنّ المرحلة القادمة ستمتاز بأنّ المقاومة ستكون مقاومة شاملة، بما في ذلك المقاومة العسكرية المتصاعدة بأشكال مختلفة، والمقاومة الشعبية، ومقاومة التطبيع، والمقاومة القانونية، والمقاومة على المستوى العربي والغربي لعزل “إسرائيل”، وغيرها.
هجوم على القدس
أما الخبير في شؤون القدس زياد ابحيص، فقد توقع أن يتجلى “السلوك الثأري” الإسرائيلي لما حدث في السابع من أكتوبر، في السياسات والممارسات الصهيونية في الأقصى والقدس؛ وأنّه مع بداية رمضان القادم في 11 مارس القادم، ستحدث مواجهات شعبية عنوانها الصلاة وشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى من أحياء القدس والضفة الغربية والأرض المحتلة سنة 1948، وهو ما يفتح الباب لمواصلة نسق المواجهة السابق بتسارعٍ أكبر.
كما توقَّع أن تعود إلى الواجهة محاولة “التهجير النهائي” لحي الشيخ جراح ولأحياء سلوان السبعة المهددة، ويضاف إليها كذلك وادي الجوز شمال البلدة القديمة، حيث يدخل مشروع “وادي السليكون الجديد” حيز التطبيق.
وعلى مستوى الاستيطان، قال ابحيص إنّ إسرائيل تحاول حسم هوية القدس بإيجاد “عمق استيطاني” في مركز المدينة، إضافة إلى حسم مصير حدودها الشرقية، وأضاف: “هذا ما يجعل التوسع الاستيطاني مرشحاً للتركز في ثلاثة اتجاهات: اختراق البلدة القديمة من بوابة الأملاك المسيحية، ومحاولة السيطرة على الكتل العقارية الكبرى المتبقية، وتشكل بيت حنينا وشعفاط مسرح هذه المحاولات، وأمام الأزمة التي تعصف بمدرسة اليتيم العربي وعجز إدارتها في عمّان عن الاستجابة للتحدي، فإنها مرشحة لأن تكون عنوان الأزمة التالية، ومحاولة حسم مصير برية القدس باتجاه معاليه أدوميم مرشحة للتجدد بمحاولة تهجير الخان الأحمر”.
كما توقَّع ابحيص بأن تؤثر عملية “طوفان الأقصى” على التركيبة السكانية للاحتلال “بدفع الصهاينة العلمانيين من سكان السهل الساحلي إلى الهجرة مع تشبث المستوطنين بالبقاء، بشكلٍ يجعل تركيبة الكيان الصهيوني تقترب من تركيبة القدس الحالية بتمثيل أعلى للمتدينين ولتيار الصهيونية الدينية”.
وأشار إلى أن هذا يرشح لتعميم معضلة القدس باعتبارها أكثر هجوماً، لكنها أقل إنتاجاً وقدرة من الناحية الاقتصادية، وأكثر اعتمادية على غيرها.
أما الخبير في الشأن الفلسطيني ساري عرابي، فقد توقع أربعة سيناريوهات للوضع الفلسطيني الداخلي، الأول استمرار الوضع القائم من حيث الافتراق بين حركتَي “حماس” و”فتح” على ما هو عليه، وهذا الاحتمال، وإن أضعفته الحرب، فإنّه يبقى قائماً، والثاني حصول اتفاق وطني على إدارة مرحلة ما بعد الحرب، بغرض إنهاء الانقسام، ورفع الحصار وإعادة الإعمار، والتهيئة لانتخابات شاملة، وهذا غالباً متعلق بالشكل الذي ستنتهي إليه الحرب.
وقال: “هذان السيناريوهان هما الأرجح”، وأضاف بأن هناك سيناريوهين آخرين هما أقل رجحاناً؛ الأول أن تنتهي الحرب بانتصار واضح للمقاومة، وفي طليعتها حركة “حماس”، وهو ما سيوفّر موقعاً أفضل لـ “حماس” وفرصة أكبر لفرض شروطها على المستويات كلّها، بما في ذلك الوضع الداخلي الفلسطيني؛ والثاني أن يتمكّن الاحتلال من السيطرة على قطاع غزة، وتحقيق ولو جزء من أهدافه في ضرب أو إضعاف العمل المقاوم، ما يفتح المستقبل الفلسطيني برمّته على واقع مختلف تماماً؛ وكلا السيناريوهين مستبعد، وفق المعطيات المتوفرة.
من جهة أخرى، أكد الخبير في الشؤون السياسية الفلسطينية هاني المصري أنّ مسارات التسوية السلمية خلال سنة 2024 ترتبط بشكل جوهري بنتائج الحرب على قطاع غزة.
سيناريوهات الحرب
وطرح المصري ثلاثة سيناريوهات محتملة، حيث رجّح سيناريو “لا غالب ولا مغلوب”، وهو أن كل طرف يقول إنه هو المنتصر، وبناء عليه سيكون هناك حراك سياسي لتجاوز المرحلة، ولرسم شرق أوسط جديد، وستتم محاولة امتصاص وتفريغ مكتسبات المقاومة من محتواها من خلال توسيع صلاحيات السلطة وأماكن نفوذها، فتتحول إلى سلطة مصلحة وتصبح طيِّعة للطرف الإسرائيلي أكثر.
أما السيناريو الثاني فهو سيناريو سيطرة الاحتلال على قطاع غزة، وهو أقل احتمالاً؛ وقال: “لكن إن حدث سيستمر المسار السياسي الإسرائيلي المتسارع في مشروع التهويد والتهجير والضم، وستنضوي قيادة السلطة تحت هذا المسار بشكل أكثر استجابة للإملاءات الإسرائيلية”.
وأضاف: “من المرجح حينها أن يكون هناك انقسام في داخل السلطة وحركة “فتح”، حيث سترفض قطاعات من فتح هذه الإملاءات، بينما قد تبقى مجموعة متنفذة في السلطة تتحول إلى عملاء لدى إسرائيل وتنفذ كامل طلباتهم، وفي هذه الحالة تكون “إسرائيل” قد حققت نجاحات كبيرة”.
أما السيناريو الأفضل، كما يرى المصري، ولكنه الأقل احتمالاً، فهو توحيد القوى الفلسطينية، خصوصاً قوى المقاومة، على أساس رؤى وبرامج هدفها إنهاء الاحتلال، وقال إن لم يتم ذلك في المدى القريب فإنّه سيأتي من يملأ هذا الفراغ.
وأشار إلى أن معركة “طوفان الأقصى” أعادت الاهتمام العالمي إلى القضية الفلسطينية بعد أن تراجعت مكانتها، ونتيجة المعركة سوف تنعكس على مسار التسوية في المرحلة القادمة.
الموقف الإقليمي والعربي
وفي السياق، توقَّع الدكتور سعيد الحاج، أنّ تلعب تركيا أدواراً في إعادة الإعمار وأعمال الإغاثة بعد الحرب، في ظل اقتراحها أن تكون إحدى الدول الضامنة في غزة بعد وقف العدوان، أما خلال الحرب فلا يتوقع حدوث تطور في موقفها السياسي المتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولكن دون تصعيد أي أدوات ضغط على “إسرائيل” مع الاستمرار في علاقاتها السياسية والاقتصادية معها.
وحول توقّعاته عن مصر، قال إنّه ليس من المتوقع أن يتطور الموقف المصري من الحرب في سنة 2024، بينما سيكون لمصر دور بارز في مرحلة ما بعد الحرب، وخصوصاً في ملف إعادة الإعمار. وتوقّع الحاج أن تستمر مصر في السياسة التقليدية في المحافظة على العلاقة مع إسرائيل، مع عدم فتح معبر رفح إلا ضمن توافقات مسبقة مع الإسرائيليين والأمريكان، مع استمرار “احتكارها” ملف المصالحة الفلسطينية.
كما توقَّع أن تستمر قطر في لعب دور الوسيط في صفقات تبادل الأسرى، وإيقاف الحرب، وتقديم الدعم المادي والإغاثي المتقدم لقطاع غزة، ومتابعة الدور الإعلامي النشط الذي تلعبه “الجزيرة”، والذي يتعاطف مع المقاومة ونبض الشارع العربي، والإبقاء على العلاقات القوية مع الولايات المتحدة، وتقديم نفسها كوسيط فعَّال موثوق، والاستمرار في استضافة قيادات “حماس”، واستثمار ذلك في لعب دور نشط في السياسة الإقليمية.
وعن السعودية، توقَّع الحاج إبطاء مسار التسوية السلمية مع الاحتلال الإسرائيلي، وعدم الدخول في أي استحقاقات قبل اتضاح النتائج النهائية للعدوان على القطاع، ومتابعة السياسات التقليدية التي يتبناها محمد بن سلمان، وتغليب العناصر البراغماتية في التعامل مع الملف الفلسطيني.
وفي ما يتعلّق بالأردن، توقّع الحاج متابعة السياسة التقليدية مع إسرائيل والولايات المتحدة، مع رفع السقف السياسي أحياناً بما يتناسب مع الضغوط الشعبية، ومحاولة استيعابها وامتصاصها، وقال: “من غير المرجح انفتاح الأردن على “حماس” وقوى المقاومة إلا اذ نجحت المقاومة في صدّ العدوان على القطاع، وخرجت كقوة أكثر فاعلية في الواقع الفلسطيني”.
وفي السياق، توقَّع الدكتور طلال عتريسي تطوير عمل محور المقاومة ضمن إطار إستراتيجية تحرير فلسطين، وأضاف أنه في حال انتصرت حركة “حماس” في معركة “طوفان الأقصى”، فإنّ محور المقاومة بأسره يُعدُّ منتصراً، مشيراً إلى أن المعركة كشفت حجم التدخل الأمريكي والغربي وتقديم الدعم للكيان الإسرائيلي، وقال: “لذلك يجب على محور المقاومة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار من أجل رفع نسق التعاون والتنسيق في ما بينها”.
والجدير ذكره أن هذه التوقعات قدمت ضمن ثماني أوراق عمل، في سياق ندوة عقدت قبل أيام، بعنوان “المسارات المتوقعة لقضية فلسطين في سنة 2024 في ضوء معركة طوفان الأقصى”، أدارها الدكتور محسن محمد صالح، ناقشت المسارات المستقبلية المتوقَّعة خلال سنة 2024، المتعلقة بالشأن الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والإسلامي والدولي، بمشاركة عشرات الخبراء والمتخصصين في الشأن الفلسطيني.