ترجمة وتحرير: نون بوست
التزمت أوروبا الصمت عندما بدأت إسرائيل في قصف قطاع غزة المحاصر بعنف لا يمكن أن يؤدي إلا إلى إبادة جماعية. والواقع أن أوروبا ظلت صامتة عندما حلت كلمة “الإبادة الجماعية” سريعا محل الإشارة السابقة إلى “الحرب بين إسرائيل وحماس”، بدءًا من السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
ولا بد لأولئك المطلعين على الخطاب السياسي الأوروبي والتصرفات المتعلقة بإسرائيل وفلسطين أن يدركوا بالفعل أن أغلب الحكومات الأوروبية كانت دائما تقف إلى جانب إسرائيل.
ومع ذلك، إذا كان هذا صحيحًا تمامًا، فما الذي يمكننا فعله من التعليقات الأخيرة التي أدلى بها منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عندما بدا وكأنه يهاجم إسرائيل في 23 كانون الثاني/ يناير، متهمًا إياها بـ “زرع الكراهية لأجيال عديدة”؟
وخلال مؤتمر صحفي مشترك في بروكسل مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والمفوض الأوروبي لشؤون التوسيع أوليفر فارهيلي، قال بوريل إن “إسرائيل لا يمكن أن تتمتع بحق النقض على تقرير مصير الشعب الفلسطيني”.
لكن هل بوريل صادق؟ في الواقع، ينبع إحباط بوريل من تل أبيب من إدراكه أن إسرائيل لا تأخذ أوروبا على محمل الجد. إنه علي حق، فلم تنظر تل أبيب قط إلى بروكسل باعتبارها جهة فاعلة سياسية قوية وذات صلة مقارنة بواشنطن، أو حتى لندن.
لقد كشفت الأشهر الأخيرة بشكل أكبر عن هذه العلاقة غير المتكافئة.
وبعد فترة وجيزة من عملية طوفان الأقصى، توافد القادة الأوروبيون – بدءًا بالمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيسة الوزراء الإيطالي، جورجيا ميلوني، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون – إلى تل أبيب، على حد تعبير رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، للتأكيد على أن “لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها”.
لكن الدعم الأوروبي تجاوز اللغة أو الإيماءات السياسية، ووصل على شكل دعم عسكري واستخباراتي.
وذكرت وكالة “رويترز” أنه “اعتبارًا من الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وافقت الحكومة الألمانية على تصدير حوالي 303 ملايين يورو (323 مليون دولار) من المعدات الدفاعية إلى إسرائيل”، مقارنة بصادرات دفاعية بقيمة 32 مليون يورو، التي وافقت عليها برلين طوال سنة 2022. وهذا مجرد مثال واحد.
ورغم أن الأمريكيين لم يخجلوا من الاضطلاع بدور الشريك في حرب غزة، فإن موقف الاتحاد الأوروبي بدا غير أمين، وفي أفضل تقدير، غير متسق من الناحية الأخلاقية. على سبيل المثال، أراد ماكرون المتحمس إنشاء تحالف عسكري على غرار المناهض لتنظيم الدولة لاستهداف حماس، على الرغم من دعوة قادة أسبانيا وبلجيكا بشكل مشترك إلى وقف دائم لإطلاق النار خلال مؤتمر صحفي عقد على حدود رفح المصرية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر.
في البداية، تعامل بوريل مع حرب الإبادة الجماعية من منظور مؤيد تمامًا لإسرائيل. وصرّح عندما سئل في مقابلة أجريت معه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عما إذا كانت إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة، قائلًا “أنا لست محاميا”، وبعد دقيقة أكد أن عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس كانت بلا شك جريمة حرب.
وهذه ليست حالة بسيطة من المعايير الغربية المزدوجة؛ حيث تنظر إسرائيل إلى أوروبا باعتبارها خادمة، على الرغم من أن أوروبا، بشكل جماعي، تحمل ثقلًا اقتصاديًّا كبيرًا، وهو ما ترفض ترجمته إلى نفوذ سياسي، إلا في حالة إسرائيل. وإلى أن تتعلم بروكسل حل هذا الانقسام، فسوف تستمر في اتباع هذا النوع من السياسة الخارجية الغريبة.
أحد الأسباب التي تجعل إسرائيل تنظر إلى أوروبا باعتبارها لاعبًا سياسيًا أقل شأنًا مقارنة بواشنطن، هو أن الأوروبيين ربطوا جزءًا كبيرًا من أجندة سياستهم الخارجية بالولايات المتحدة، والتي بدورها تحركها أجندة ومصالح تل أبيب.
وهذه هي الطريقة التي يعمل بها، وعندما انضم ماكرون إلى بايدن في دعم إسرائيل غير المشروط في بداية الحرب، أشار نتنياهو إلى أنه “يقدر بشدة” الموقف الفرنسي. ولكن عندما تجرأ ماكرون في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر على انتقاد قتل إسرائيل للنساء والأطفال في غزة، سارع نتنياهو إلى انتقاده، واتهم ماكرون بارتكاب “خطأ جسيم على المستوى الواقعي والأخلاقي”.
وببطء؛ بدأت أوروبا في تطوير موقف أقوى إلى حد ما بشأن غزة، رغم أنه لم يكن قويا بالدرجة الكافية للمطالبة بإنهاء الحرب أو التهديد بعواقب إذا لم تنته الحرب. في 22 كانون الثاني/ يناير، عقد الاتحاد الأوروبي اجتماعًا وزاريًّا، ودعا وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس ووزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، للحضور.
وكان المؤتمر بمثابة محاولة أوروبية ضعيفة للإشارة إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لتأكيد نفسه باعتباره لاعبًا سياسيًّا مهمًّا في الشرق الأوسط، لكن الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي كان مدفوعًا بعوامل أخرى، بما في ذلك الضوء الأخضر من إدارة بايدن، التي أصبحت مؤخرًا أكثر إحباطًا من نتنياهو لرفضه الانخراط في خطاب واشنطن حول الرؤى المستقبلية وحل الدولتين.
كما أن انعدام الاستقرار الإقليمي، سواء في البحر الأحمر أو في لبنان، والذي هو في حد ذاته نتيجة للحرب، لا يزال يشكل خطرًا مباشرًا على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لأوروبا في المنطقة.
وتختلف علاقة أوروبا بالشرق الأوسط، في بعض النواحي، عن علاقة واشنطن. وفي حين أن الولايات المتحدة مستعدة دائمًا لإعادة صياغة أولوياتها الجيوسياسية، فإن أوروبا مقيدة إلى أجل غير مسمى بقواعد القرب المادي من الشرق الأوسط، جغرافيته الحيوية، وموارده، وشعبه.
وأوروبا تعرف هذا. ويدرك بوريل؛ الذي ابتكر القول المأثور بأن “أوروبا حديقة”، و”بقية العالم غابة”، و”الغابة يمكن أن تغزو الحديقة”، يدرك أيضًا أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يمكن أن يعرض “حديقته” الثمينة للخطر، حتى عندما تنتهي الحرب.
ولهذا السبب كان بوريل حريصًا على الاجتماع الوزاري للاتحاد الأوروبي، ولكن بدلًا من الانخراط في محادثات جادة، وسلط الاجتماع الضوء بشكل أكبر على عدم أهمية أوروبا، على الأقل في نظر إسرائيل.
وقال بوريل إن كاتس جاء إلى الاجتماع لتقديم خطط لإنشاء جزيرة صناعية قبالة سواحل غزة، والتي من المرجح أن تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع، “وهي مفاهيم لا علاقة لها بمحادثات السلام”.
وقال دبلوماسيون بارزون آخرون في الاتحاد الأوروبي إن مقاطع الفيديو كانت جزءًا من أفكار (قديمة) قدمها كاتس في دور سابق، وأنهم “فاجأوا” الجميع في الغرفة.
لكن لا ينبغي لدبلوماسيي الاتحاد الأوروبي أن يتفاجأوا، لأن حكوماتهم هي التي مكنت إسرائيل وأضعفت الفلسطينيين على مر السنين. وحتى الآن؛ يواصل العديد منهم الدفاع عن عمليات القتل الجماعي التي ترتكبها إسرائيل في غزة باعتبارها حق تل أبيب في الدفاع عن النفس.
إذا كان بوريل يرغب حقًّا في تطوير الأساس السياسي، فيتعين عليه أن يدعم القانون الدولي بشكل كامل، ويدعو إلى استخدام النفوذ الاقتصادي الهائل للاتحاد الأوروبي للضغط على إسرائيل لحملها على إنهاء حربها واحتلالها العسكري لفلسطين.
إن الفشل في القيام بذلك يعطي مصداقية كبيرة للادعاء بأن بروكسل، تمامًا مثل واشنطن، شريك مباشر في الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
المصدر: كاونتر بانش