2024-11-22 01:14 م

الحركة الإسلامية في فلسطين بين نموذج مالكوم إكس ومارتن لوثر

دلال باجس
ظل موضوع الآلية الأنسب للتخلص من الاستعمار محل نقاش بين المجتمعات والأحزاب والحركات الاجتماعية والسياسية الممثلة لتلك المجتمعات عبر التاريخ، وما زال الجدل حاضرًا بشأن الطريقة الأكثر عملية وأكثر قدرة على استعادة حقوق الشعوب الأصلية من مستعمريها.

اختار بعض المفكرين والسياسيين طريق الاندماج أو “التطبيع” مع المستعمِر، محاولين إصلاح الأنظمة القائمة وطلب “حصتهم من الكعكة” في إدارة البلاد، بينما اختار مفكرون وناشطون آخرون طريق مجابهة النظام وتغييره بأكمله للحصول على حقوقهم وليتمكنوا من الحفاظ على خصائص مجتمعاتهم الاجتماعية والثقافية والدينية.

مثل مالكوم إكس الاتجاه الذي يؤمن بتغيير النظام برمته ومحاولة قطع الروابط بين نظام المستعمِر والمجتمع المحلي من خلال مقاطعة هياكله التعليمية والاقتصادية والتنظيمية وخلق بديل متكامل مبني على قدرات المجتمع، معبرًا عن ذلك بقوله: 

“انسوا كل الاختلافات التي خلقها البيض الذين تغلبوا علينا بشكل مصطنع وحاولوا العمل معًا في وحدة وانسجام مع فلسفة القومية السوداء، وهو ما يعني فقط أنه يجب علينا السيطرة على اقتصادنا وسياساتنا في مجتمعنا الخاص. لا حرج في ذلك.. نريد أن يتولى مديرو المدارس الأمريكيون من أصل إفريقي رئاسة هذه المدارس.. نريد معلمين أمريكيين من أصل إفريقي في هذه المدارس.. وهذا يعني أننا نريد مديرين ومدرسين سودًا مع بعض الكتب المدرسية عن السود.. نريد كتبًا مدرسية كتبها أمريكيون من أصل إفريقي تكون مقبولة لدى شعبنا قبل أن يتم استخدامها في هذه المدارس“.

على صعيد آخر، مثّل مارتن لوثر كينغ الاتجاه الآخر بين الحركات الاجتماعية، ذلك الاتجاه الذي يؤمن بتغيير النظام من الداخل، كما يرى هذا الاتجاه أن الطريقة الأمثل للحصول على حقوق فئة مهمشة داخل النظام لا تكون بمحاربة النظام، خاصة إذا لم يكن هناك مساواة في القوى بين الطرفين، بل بمحاولة تحسين وضعهم داخل النظام، والمطالبة بالحقوق، ونيل حصة أكبر من الكعكة. وقد عبر مارتن لوثر عن ذلك في خطابه الشهير: 

“لدي حلم بأن أطفالي الصغار الأربعة سيعيشون يومًا ما في أمة لن يتم الحكم عليهم فيها من خلال لون بشرتهم، ولكن من خلال محتوى شخصياتهم.. إنني أحلم أنه يومًا ما سيرتفع كل وادٍ، وستنخفض كل تلة وكل جبل، وتصير الأماكن الوعرة سهلة، وتستقيم الأماكن المعوجة.. فيعلن مجد الرب ويراه كل البشر جميعًا”.

ويمكن تطبيق هذين النموذجين في معظم الحالات المماثلة للدول التي احتلها المستعمرون خلال القرنين الماضيين، مثل الحالة الهندية البريطانية، وحالة جنوب إفريقيا، والحالة الفلسطينية بطبيعة الحال.

بعض الجغرافيا السياسية وتاريخ الحركة الإسلامية في “إسرائيل”
تأسست الحركة الإسلامية في “إسرائيل” عام 1971 في منطقة المثلث بين كفر قاسم وأم الفحم، وأحدثت اتفاقية أوسلو عام 1993 انقسامًا بها، فتكوّن جناحها الجنوبي من المؤيدين للاتفاقيات، بينما رفضها الجناح الشمالي، كما رفضتها الحركات الإسلامية في الضفة وغزة.

يقع الجناح الشمالي للحركة الإسلامية، بالمجمل وليس حصرًا، في الجزء الشمالي من فلسطين (كفر كنا والناصرة وأم الفحم)، بينما يقع الجناح الجنوبي في الجزء الجنوبي من فلسطين (بئر السبع  والنقب).

ويطبق القانون المدني الإسرائيلي، نظريًا، على الجناحين الشمالي والجنوبي للحركة الإسلامية باعتبارهما “مدنيين إسرائيليين”، بينما يطبق القانون العسكري على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل عام، بما في ذلك الحركات الإسلامية هناك مثل حماس والجهاد الإسلامي.

الجناح الشمالي: مالكوم إكس ونموذج “المجتمع العصامي”
إن المقصود بالمجتمع العصامي – كما شرحة مالكوم إكس وتياره – هو ذلك المجتمع الذي يعلن القطيعة التامة مع النظام المستعمِر في نظامه التعليمي، وفي مقوماته الاقتصادية ومؤسساته الخدماتية والصحية والترفيهية والإعلامية وغيرها من مقومات أي مجتمع.

وعلى صعيد التعليم، فقد تلقى قادة الجناح الشمالي مثل الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال الخطيب، تعليمهم العالي في جامعات الضفة الغربية بدلًا من الجامعات الإسرائيلية، وأنشأوا فيما بعد شبكة من عشرات المؤسسات والجمعيات الحقوقية، والتي بدورها أنشأت رياض أطفال ومستوصفات وأندية رياضية وكلية دينية، بديلًا عن مؤسسات الاستعمار.

كما تبنى الجناح الشمالي فكرة التمويل الذاتي للأنشطة كبديل عن التمويل الذي يقدمه الاحتلال، وتتمتع البلديات التي يسيطر عليها ممثلو الجناح الشمالي بتمويل وخدمات مستقلة عن خدمات الاحتلال. ولطالما طالب قادة هذا الجناح بمثل هذا التمويل المستقل للمجتمع وصرحوا بذلك كما فعل الشيخ رائد صلاح التي حث “الشعوب الإسلامية والعربية والعلماء والأغنياء في كل مكان إلى التعاون لتنفيذ حملة من 1000 مشروع لدعم القدس والمسجد الأقصى”.

أما على الصعيد الإعلامي، فقد أسس الجناح الشمالي صحيفة ومجلة مستقلة وأدوات إعلامية مختلفة، كما حاربوا الجريمة داخل المجتمع الفلسطيني في “إسرائيل”، من مافيا المخدرات والأسلحة المدعومة من الدولة.

وفيما يتعلق بالسياسة، فإن الجناح الشمالي يمارسها من خلال مبدأ المقاطعة، فقد رفضت الحركة المشاركة في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، وقاطعت التصويت في كل الانتخابات السياسية التي تجري في البلاد، باستثناء الانتخابات البلدية. وكان لهم فيما بعد جناح طلابي في الجامعات الإسرائيلية يقوم على مساعدة الطلاب الفلسطينيين (وليس معهم طلاب إسرائيليون).

الأقصى هو الأجندة الرئيسية للحركة الإسلامية الشمالية 
ظل الجناح الشمالي يُسيِّر حافلات يومية وأسبوعية لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، حتى تاريخ حظره، كما أطلقت الحركة مهرجان “الأقصى في خطر” الذي ظل يرتاده عشرات آلاف الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر والقدس كل عام، وظلت الحركة تحذر فيه من خطورة المرحلة التي يمر بها المسجد الأقصى قبل اعتماد تقسيمه زمانيًا ومكانيًا. 

وإلى جانب المهرجان الذي استمرت إقامته لأكثر من 20 عامًا، نظم الجناح الشمالي مجموعة من الذكور والإناث كان دورهم الأساسي هو الصلاة في المسجد الأقصى وحمايته من أي اقتحامات إسرائيلية، ويطلق على هؤلاء الحماة اسم “المرابطات والمرابطون”، وهناك تقديرات بأن فعاليات الجناح الشمالي المرتبطة بالمسجد الأقصى كانت السبب الرئيسي في حظر الحركة وإغلاق جميع مؤسساتها في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

الجناح الجنوبي: نموذج مارتن لوثر كينغ “التأثير عبر المشاركة”
يتألف قادة الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في “إسرائيل” بشكل رئيسي من الجيل الثاني والثالث من الفلسطينيين بعد النكبة، الذين تلقوا تعليمهم العالي أو معظمه، في الجامعات الإسرائيلية.

ولا يتمتع الجناح الجنوبي بقاعدة جماهيرية أو دعم شعبي مماثل للدعم الشعبي الذي يتمتع به الجناح الشمالي، وفي المقابل، فإنهم يشاركون بشكل واسع في أعمال الإغاثة وكفالة الأيتام في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لقد اختارت الحركة الانخراط في النظام السياسي الإسرائيلي على المستويات كافة، بما في ذلك الانتخابات البرلمانية وحتى دخول الحكومة الإسرائيلية كأول تجمع فلسطيني يكسر الإجماع السائد بعدم الانخراط في الحكومات الإسرائيلية.

يبني الجناح الجنوبي حجته في اختيار هذا المسار بأن سياسات النظام الإسرائيلي تجاه “الأقلية الفلسطينية” هي نتاج تحالفات مصالح سياسية، يمكن قطعها وتغييرها وبناء تحالفات جديدة قد تغير طريقة تعامل النظام السياسي مع مطالب المجتمع الفلسطيني، من خلال نفوذ من داخل النظام الاستعماري نفسه. ووصف بعض الباحثين هذا التعامل مع النظام السياسي الإسرائيلي بأنه تحولٌ من حركة اجتماعية إلى حزب سياسي.

تبرر الحركة انخراطها في العمل السياسي الإسرائيلي بالقول إن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها اعترفت بـ”إسرائيل” ووقعت اتفاقًا مع الإسرائيليين يعامل بموجبه الفلسطينيون في مناطق 1948 كمواطنين إسرائيليين.

كما تبرر الحركة سلوكها السياسي بأنها تدافع عن حقوق الفلسطينيين في النقب، وتوقف الانتهاكات الصارخة التي يتعرضون لها، وتطالب بالإنصاف القانوني والخدمي لهم.

كيف يرى الفلسطينيون كلا النموذجين؟
بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، فإن نموذج مالكوم إكس هو النموذج المفضل دائمًا، رغم أن منظمة التحرير الفلسطينية اختارت النموذج المغاير، أي نموذج مارتن لوثر. لقد اختارت الحركات الإسلامية في الضفة الغربية وغزة نموذج مالكوم إكس، لذلك فإنهم يحتفون بالجناح الشمالي، بينما يتعرض الجناح الجنوبي لانتقادات شديدة.

صرحت حماس أكثر من مرة بأن القائمة الموحدة (الجناح الجنوبي) تدعم الاحتلال وجيشه ولا تمثل الفلسطينيين، كما فعلت لجنة المتابعة  العربية: “في السياق الوطني والأخلاقي، وجدل العلاقة بيننا وبين الدولة، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى والقدس، وكيف تعاملت الدولة معنا كفلسطينيين فإن ما فعله منصور عباس (رئيس القائمة الموحدة) غير طبيعي في هذا السياق”.

حتى الموقع الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية ذكر أن “انضمام القائمة العربية الموحدة إلى الائتلاف الحكومي في “إسرائيل” تحت مظلة البراغماتية والواقعية السياسية، يشكل موضع خلاف ورفض بينها وبين معظم المركبات القيادية في الشعب الفلسطيني بشكل عام”.

المصدر/ نون بوست