تتوالى التحليلات الإسرائيلية التي تؤكد أن دولة الاحتلال، بقيادتها السياسية وجيشها، غير قادرة على إخضاع قطاع غزة، وأن أهداف الحرب المعلنة ضد حماس غير قابلة للتحقيق، على الأقل في الحرب الحالية، وبعضها يدعو إلى التسليم بالهزيمة والتعايش معها.
تحت عنوان "التعايش مع الهزيمة"، كتب الكاتب والصحافي الإسرائيلي ناحوم برنيع، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الجمعة، أنه "أيّاً كان اسم المقترح الذي تتحدث التقارير عنه للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، قطرياً أو مصرياً أو أميركياً، فإن ذلك يظهر أن الجانب الإسرائيلي بدأ يتقبّل النتائج المحدودة للحرب. حسب معلوماتي، لا توجد أي صفقة حتى الآن، ولكن يجب أن نتمنى التوصل إلى صفقة".
وأضاف: "مع مرور نحو 100 يوم على الإخفاق والخراب، لا مفر من رؤية الوضع بشكله الحالي. هناك قُرّاء يرفضون تقبل هذا الوصف للواقع، وهذا حقهم. أنا أعتقد أنهم في قيادة الجيش الإسرائيلي يدركون الوضع بشكل جيد. والسؤال هو كيف سينجح (بنيامين) نتنياهو ووزراؤه في سد الفجوة بين التوقّعات غير المسؤولة التي خلقوها، والقرارات الصعبة التي يواجهونها اليوم. لا تحسدوهم".
وأشار الكاتب إلى وجود أخبار بشأن صفقة، لكنه لم يذكر مصدرها.
وتابع أن الحديث يدور عن "ًصفقة لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، سيجرى تنفيذها تدريجياً. وستشمل إطلاق سراح جميع المختطفين، الأحياء منهم والأموات، على مراحل، على أن تكون المرحلة الأولى إنسانية، أي أن الأولوية ستشمل المرضى والجرحى وكبار السن. وبصرف النظر عن إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين، كباراً وصغاراً، من المفترض أن تلبي (أي الصفقة) المطالب التالية: زيادة كبيرة في حجم المساعدات الإنسانية للقطاع، وعودة السكان إلى المنطقة الشمالية، أي إلى غزة وبناتها، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وإقامة إدارة بتمويل دولي لإعادة إعمار قطاع غزة المدمّر، والأسوأ من ذلك كله، مشاركة حماس في السيطرة على القطاع في المستقبل".
"غزة ليست بيروت والسنوار يستعد للاحتفال"
ويرى الكاتب أن "الجانب الإسرائيلي كان سيسعد بالسماح بمغادرة قادة حماس، بما في ذلك يحيى السنوار ومحمد ضيف، ونفيهم إلى قطر أو دول أخرى... النفي هو ما حصل عليه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والمحيطون به في بيروت خلال حرب لبنان الأولى، لكن غزة ليست بيروت والسنوار ليس عرفات، والآن فإنه (أي السنوار) لا يبحث عن ملجأ في المنفى، وإنما يستعد للاحتفال بالانتصار في غزة".
وأشار الكاتب إلى أن "الشروط قد تتغيّر خلال المفاوضات، وقد تنفجر المفاوضات، ولكن السؤال الصعب لا يزال قائماً وهو: هل الأمل بحياة 136 إسرائيلياً تبرر هذه الأثمان؟ أنا أقول نعم. أغلبهم مواطنون اختُطفوا من منازلهم بسبب خطأ الحكومة والجيش اللذين تخلّيا عنهم في إخفاق لا مثيل له. لقد تخلّيا عنهم قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وتخلّيا عنهم في نفس اليوم".
ولفت الكاتب إلى "وجود مسؤولين في المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين يفضلون إسقاط قضية المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين) في قطاع غزة من جدول الأعمال، بادّعاء أنهم يشكّلون مصدر إزعاج، والانشغال بهم يعيق القوات الموجودة في الميدان ويقوّي حماس"، وأنه "من الأفضل التسليم بمصيرهم والمضي قدماً. وهذا الموقف بارز بشكل خاص وسط اليهود المتدينين القوميين (الحردليم). وبالنسبة لبعض ممثلي هذا التيار، لم تكن أحداث 7 أكتوبر كارثة، بل فرصة تاريخية لتحتل إسرائيل غزة بأكملها، ولطرد سكانها واستيطانها من قبل اليهود، وإذا فُتحت جبهة في الضفة الغربية، يطرد الفلسطينيون منها أيضاً".
كما لفت برنيع إلى بروز جنود من هذا التيار في الوحدات القتالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه يرى أنه "لا يحق لهم ملء الجدران في غزة بكتابات تدعو للعودة إلى غوش قطيف"، في إشارة إلى المستوطنات التي جرى إخلاؤها في غزة بموجب فك الارتباط عام 2005، وأن "الجيش (الإسرائيلي) لا يعرف كيف يسيطر على حماستهم السياسية".
حكومة ممزّقة
واعتبر الكاتب أن "حكومة إسرائيل الحالية لا تستطيع إدارة الحرب، وهي ممزقة"، آسفاً لأن "حماس ليست ذاهبة إلى أي مكان كما يبدو، وأن القضاء عليها ربما يأتي في الجولات القادمة عندما تنتهك التسوية التي ستفرضها هي، وإذا كانت هناك فرصة لإقامة بديل غير جهادي في غزة، مع الشك بإمكانية حدوث ذلك، فإن حكومة إسرائيل تكون قد رفضت الأمر رفضاً قاطعاً".
وأشار الكاتب إلى ما قالته راوما كيديم، التي قُتل خمسة من أفراد عائلتها، لوزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، عن أن "المحتجزين سيعودون إلى بيوتهم وسيتفرغ الجيش الإسرائيلي للجبهة الشمالية وربما يتفرغ بعض الإسرائيليين لترتيب بيوتهم"، لافتاً إلى أن "هذا هو السيناريو الأفضل".
ورأى أنه في المقابل و"في الوضع الأسوأ، لن تكون هناك تسوية وسيكون الجيش الإسرائيلي عالقاً في غزة من دون خطة، أمام نحو مليوني مهجر من بيوتهم، لا مكان يذهبون إليه، وفي مواجهة عالم معادٍ وإدارة أميركية منهكة، وبوجود مختطفين لن يصمدوا، فيما لا يستطيع من جرى إجلاؤهم (من الإسرائيليين) العودة إلى منازلهم، وفي ظل أزمة اقتصادية، وميزانية غير منطقية ونظام سياسي لا يعرف إلا كيف يعتني بنفسه. وفي النهاية، كما هو الحال في جميع أفلام هوليوود، ستكون هناك نهاية سعيدة. لكن أنا لا أعلم ما هي". على حد تعبيره.
صعوبات الحرب البرّية
من جانبه، قال المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، اليوم الجمعة، إن الحرب تقترب من 100 يوم، وستستمر أياماً كثيرة أخرى، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الروح القتالية لدى حركة حماس ما زالت موجودة، وجيش الاحتلال الإسرائيلي لا يقترب من الحسم، كما أن رفض إسرائيل أي صفقة جديدة من أجل استعادة محتجزيها في غزة قد يحسم مصيرهم.
وبرإيه، فإنّ "إسرائيل لا تزال بعيدة عن تحقيق أهداف الحرب المعلنة"، مضيفاً أنّ "احتلال الجزء الشمالي من قطاع غزة وتوسيع العمليات في الآونة الأخيرة إلى وسط وجنوب القطاع تسببا بأضرار كبيرة لحركة حماس، وبمعاناة إنسانية شديدة جداً لسكان القطاع بأسره، لكن إسرائيل لا تقترب من نصر حاسم. وفي ظل الظروف الوليدة، فإنها ستجد صعوبة لتحقيقه في المستقبل أيضاً. من الصعب إخفاء ذلك، لأن الجيش الإسرائيلي يوجد في ذروة تقليص قواته في القطاع، الأمر الذي يشير إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة في الحرب، وهو الأمر الذي حاولت الحكومة إخفاءه عن الجمهور".
وتابع: "الصعوبات كانت واضحة منذ اللحظة التي اتُخذ فيها القرار بإدخال قوات برية إلى القطاع لهزيمة حماس، لكنها لم تمنع المستوى السياسي من صوغ أهدافٍ كان واضحاً منذ البداية أنه من الصعب تحقيقها في النافذة الزمنية المتاحة".
وأشار الكاتب إلى عوامل ساهمت في صمود "حماس" وفشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الحرب الحالية، من ضمنها استعداد الحركة في مرحلة ما قبل الحرب، وطريقة القتال التي انتقلت إليها، في إشارة الى اتّباع أسلوب "حرب العصابات"، وكذلك مشروع الأنفاق الذي تبيّن أنه أكثر تعقيداً مما ظن جيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بالإضافة إلى صعوبة محاربة منظمة لديها أيديولوجية.
ونبّه الكاتب إلى ما تحدث عنه محللون عسكريون إسرائيليون "بتفاؤل كبير"، من توقعات عملوا على نشرها لكنها لم تتحقق، مفادها انقلاب المدنيين في غزة على حركة حماس، وقال: "لكنهم لم يفعلوا ذلك على الرغم من الكثافة السكانية والنقص الشديد والخطير في الغذاء وتدهور الجهاز الصحي وغيره".
وزعم الكاتب أن جزءاً من ذلك يعود إلى "خوف المدنيين من حركة حماس وقبضتها الحديدية"، على حد تعبيره، "وفي جزء آخر يمكن الافتراض أن عدم الانقلاب نابع من تماهي نسبة كبيرة من الجمهور الفلسطيني مع النضال العنيف ضد إسرائيل، حتى عندما يتحوّل القطاع إلى جحيم على الأرض".
المصدر/ العربي الجديد