2024-11-24 03:06 م

90 يومًا على الحرب.. المقاومة تجبر الاحتلال على البحث عن انتصارات خارجية

تدخل حرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال ضد قطاع غزة، يومها التسعين وسط ثبات وصمود للمقاومة أربك حسابات جيش المحتل وحلفاؤه، ما دفعه لتغيير إستراتيجيات المعركة وإعادة النظر في كثير من خططها، هربًا من المزيد من الغوص في وحل غزة العميق.

ورغم وحشية الاستهداف والقصف الذي أوقع حتى اليوم 22 ألفًا و438 شهيدًا، بينهم 9000 طفل و6450 امرأة، وقرابة 57.614 جريح واستهداف نحو 1779 عائلة، والإبلاغ عن أكثر من 7000 مفقود، فإن ذلك لم يفت في عضد المقاومة الفلسطينية، سواء من الفصائل أم الشعب الغزي الذي أذهل العالم بثباته وصموده.

وبعد 90 يومًا من الحرب التي لم يتوقع البعض أن تمتد إلى هذا الوقت في ضوء الفوارق الكبيرة في الإمكانيات، فضلًا عن الدعم غير المسبوق الذي تقدمه أعتى جيوش العالم لدعم جيش الاحتلال، فإن المعركة لم تنته بعد، حيث تواصل المقاومة تكبيدها للاحتلال خسائر لم يتوقعها حتى أكثر المتشائمين في المعارضة الإسرائيلية.

ما يقوله الميدان
تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها القتالية الشرسة ضد قوات الاحتلال في شمال القطاع ومخيم المغازي في الوسط وفي خان يونس جنوبًا، حيث نفذت سلسلة من العمليات شملت استهداف جنود ودبابات وجرافات.

وقالت كتائب عز الدين القسام في تصريحات إعلامية لها إنها تمكنت مع “كتائب المجاهدين” من إطلاق صاروخ أرض جو باتجاه مروحية إسرائيلية شرق خان يونس، وذلك بعد ساعات قليلة من تمكنها من إسقاط طائرة استطلاع من نوع “هيرمز 900” بصاروخ مضاد للطائرات شرق مدينة غزة، وأخرى في جنوب حي الزيتون،  في تطور نوعي بعمليات الاستهداف.

كما تمكن مقاتلو القسام من استهداف قوة إسرائيلية راجلة مكونة من 7 جنود شرق خزاعة جنوب قطاع غزة، من خلال تفجير عبوتين مضادتين للأفراد أوقعتهم بين قتيل وجريح، هذا بخلاف استهداف 3 دبابات و3 جرافات إسرائيلية إحداها من نوع “دي 9” شرق حي التفاح، وفي منطقة الشيخ عجلين بمدينة غزة وشرق مدينة خان يونس.

وفي عملية مشتركة لكتائب القسام وسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) تم استهداف تجمع للآليات الإسرائيلية بقذائف الهاون شرق حيي التفاح والدرج، كما تم قنص جنديين إسرائيليين في محور شمال مخيم البريج وسط القطاع، حيث قُتل أحدهما وأصيب الآخر بحسب ما قالته سرايا القدس التي خاضت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة مع جنود وآليات الاحتلال في محاور شمال القطاع.

ونتاجًا لتلك العمليات المتنوعة والنوعية أعلن جيش الاحتلال عن مقتل ضابط من سلاح الهندسة وإصابة 25 جنديًا خلال المعارك الدائرة في قطاع غزة خلال الساعات الـ24 الماضية، وهي الأرقام المشكوك في صحتها في ظل توثيق المقاومة لعملياتها التي يسقط فيها الكثير، بجانب التصريحات القاسية الصادرة عن جنرالات الاحتلال والتي تصف المعارك بالصعبة وباهظة الثمن.

واستطاعت المقاومة بعد 90 يومًا من الحرب قتل 509 عسكريين إسرائيليين، بين ضابط وجندي، منذ عملية طوفان الأقصى، منهم 181 منذ بدء الهجوم البري على القطاع في 27 أكتوبر/تشرين الماضي، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن حكومة الاحتلال،  وهو الرقم الذي يشير الخبراء إلى أنه أقل بكثير من الأرقام الحقيقية والواقعية للقتلى في صفوف الجيش المحتل.

أما على مستوى الخسائر العسكرية فنجحت المقاومة منذ بداية الحرب في تدمير قرابة 1000 دبابة ومدرعة إسرائيلية، بعضها من الأنواع الأكثر تطورًا في العالم كما هو الحال مع الميركافا التي يتجاوز سعرها 6 ملايين دولار، فضلًا عن الهزة التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي والخسائر المتوقع أن تصل إلى نحو 60 مليار دولار، ومعدلات البطالة التي ارتفعت منذ بداية الحرب.

وهذا ما يقوله الأمريكان
المتابع للمشهد منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يلاحظ أن الخطاب الأمريكي كان ينتهج سردية ثابتة تدور حول ضرورة القضاء على حماس وتدمير بنيتها القتالية في القطاع، وهو الهدف الأول ضمن الأهداف الثلاث التي أعلنت عنها دولة الاحتلال كأهداف للحرب المعلنة في القطاع، فيما جاءت تصريحات معظم مسؤولي الإدارة الأمريكية في هذا الاتجاه، مؤكدة قدرة جيش الاحتلال المدعوم من جيوش أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا على تحقيق هذا الهدف.

اليوم وبينما تدخل الحرب يومها التسعين، خرج المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، ليقول صراحة إن بلاده لا تزال تؤمن بقدرة حماس في قطاع غزة، مؤكدًا أن الإدارة الأمريكية لا تعتقد أن حليفها الإسرائيلي قادر على القضاء على الحركة وبقية فصائل المقاومة.

وعن قدرة حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” ضد القطاع في القضاء على المقاومة، قال كيربي في كلمة له الأربعاء 3 يناير/كانون الثاني 2024: “لا نؤمن بأن الهجوم العسكري سيقضي على فكر حماس، ونتقبل فكرة أن حماس ستظل موجودة”، مضيفًا “حماس ما زال لديها قدرات كبيرة في قطاع غزة”.

بل إن يقين واشنطن باستحالة القضاء على حماس عبر العمليات العسكرية، والقلق من تهورات نتنياهو وحكومته التي قد تشعل المنطقة وتضع المصالح الأمريكية في مهب الريح، دفعها لسحب حاملة الطائرات “جيرالد فورد” من شرق البحر المتوسط إلى قاعدتها الأصلية في فرجينيا، بعد أن جاءت لدعم الكيان المحتل بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي الخطوة التي أزعجت تل أبيب بشكل كبير وأثارت الكثير من التخوفات حسبما نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية.

وتتعرض إدارة بايدن لضغوط شديدة جراء دعم جيش الاحتلال في الحرب ضد غزة، لا سيما بعد الفشل في تحقيق أي من الأهداف المعلنة والاكتفاء باستهداف الأطفال والنساء والمدنيين، وهو ما أدى إلى انسحاب مسؤولين كبار احتجاجًا على تلك السياسات، على رأسهم المسؤول بوزارة التعليم الأمريكية طارق حبش (أمريكي من أصل فلسطيني)، الذي قدم استقالته عبر رسالة إلى وزير التعليم ميغيل كاردونا كتب فيها “لا أستطيع أن أبقى صامتًا بينما هذه الإدارة تغض الطرف عن الفظائع المرتكبة ضد حياة الفلسطينيين الأبرياء”.

وأضاف “لا أستطيع أن أكون متواطئًا بهدوء مع فشل الإدارة في الاستفادة من نفوذها باعتبارها أقوى حليف لإسرائيل لوقف أساليب العقاب الجماعية التعسفية التي حرمت الفلسطينيين في غزة من الغذاء والماء والكهرباء والوقود والإمدادات الطبية، ما أدى إلى انتشار الأمراض والوفيات على نطاق واسع”.

وهذه هي الاستقالة الثانية لمسؤول كبير في إدارة بايدن اعتراضًا على سياسته بشأن الحرب، حيث سبقه مدير الشؤون العامة بوزارة الخارجية الأمريكية جوش بول، الذي قدم استقالته رسميًا في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بسبب الدعم العسكري المطلق الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لجيش الاحتلال لقتل الأطفال والنساء في غزة.

المقاومة تدفع الاحتلال لتسول انتصار خارجي
لا يزال الفشل في تحقيق أي من أهداف الحرب هو العنوان الأبرز للمعركة إسرائيليًا، فبعد 3 أشهر لا تزال رشقات صواريخ المقاومة تصل تل أبيب، ولا يزال قرابة نصف مليون مستوطن من سكان مناطق غلاف غزة يسكنون الفنادق والملاجئ ولا يقدرون على العودة إلى مستوطناتهم مرة أخرى، كما أن الحديث عن سيطرة كاملة على شمال القطاع تكشف أنه سراب في ظل الاشتباكات الدائرة هناك حتى اليوم.

وكان من مخرجات هذا الفشل إعادة تموضع قوات الاحتلال وسحب ألوية بأكملها من مناطق القتال، والحديث عما يسمى بـ”المرحلة الثالثة” من أجل البحث عن مخرج آمن من مستنقع المواجهات البرية التي تتفوق فيها المقاومة بحكم درايتها ودراستها لجغرافيا القطاع وتمرسها الكبير في المعارك المباشرة ذات المسافة صفر.

إلا أن الصورة بشاكلتها تلك تعني الإطاحة بنتنياهو وجنرالاته ومستقبلهم السياسي، وهو ما كان يتطلب البحث عن انتصار عابر، يعيد التوازن للمعادلة ويخفف نسبيًا من الضغوط المتزايدة على حكومة الكابينت بسبب فشل سياسات الحرب التي تتبعها، وفي ظل الفشل في تحقيق انتصار داخلي كان لا بد من طرق نوافذ أخرى للانتصار حتى لو كانت خارجية، وعليه جاءت عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، واثنين من قادة كتائب القسام و4 آخرين من كوادرها، إثر غارة جوية استهدفت مقرًا لهم في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت مساء الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني 2024.

وتذهب معظم القراءات لتلك العملية باتجاه محاولة نتنياهو وحكومته تحقيق انتصار يداري به عجزه على المستوى الداخلي في قطاع غزة، وهو أمر – رغم إيلامه – يحسب للمقاومة التي أجبرت الاحتلال على البحث عن انتصار خارجي، بما يمثل اعترافًا مباشرًا وصريحًا بفشله في إنجاز أي هدف له من خلال المعارك المباشرة مع حماس والجهاد وغيرها من فصائل المقاومة.

وهكذا أثبتت المقاومة بعد 90 يومًا من الحرب أنها قادرة على الصمود والمواجهة، لتنسف  قواعد الاشتباك الميدانية التقليدية المتعارف عليها على مر العقود، وتفرض تموضعات جديدة وترتيب مغاير لمعادلة توازن القوى على الساحة الفلسطينية بعدما أخرجت القضية من غرف الإنعاش الصناعي إلى الأضواء مرة أخرى.

المصدر/ نون بوست