بينما كان مسؤولون أمنيون في الاحتلال الإسرائيلي ووسائل إعلام يحرضون على حركة "حماس" وسكان قطاع غزة، صعّد قادة الاحتلال من لهجة خطابهم مهددين باغتيال قيادات الحركة في أي مكانٍ بالعالم، وسط عدوانٍ وحشي يشنه على القطاع المحاصر.
وكانت أخطر عبارات التهديد تلك التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قال إنه طلب من جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية "الموساد" العمل ضد قادة "حماس" في "أي مكان يوجدون فيه حول العالم".
ويبدو أن الاحتلال بدأ من بيروت بتنفيذ تهديداته، حيث نفذ، مساء الثلاثاء (2 يناير)، هجوماً بطائرة مسيرة على مكتب تابع لـ"حماس" في العاصمة اللبنانية بيروت، تسبب باغتيال القيادي البارز في الحركة صالح العاروري.
وبعد هذه العملية تطرح تساؤلات حول إمكانية أن تشهد المرحلة القادمة استمرار عمليات اغتيالات لقيادات "حماس" الموجودين في عدة دول عربية وإسلامية، وما إذا كانت تلك الدول ستسمح بذلك، أم أنها مجرد تهديدات لن تستطيع تحقيقها؟
تهديدات مباشرة
بعد عملية اغتيال العاروري برر مستشار نتنياهو، في تصريح لشبكة "إم إن بي سي"، الأمر بأن "ما حدث في بيروت ليس هجوماً على لبنان أو حزب الله وإنما على قيادات حماس".
كما ذكرت "القناة 14" الإسرائيلية أن سلاح الجو التابع للاحتلال قصف بيروت لأول مرة منذ عام 2006، وهو ما يشير إلى أنها خطوة ترددت "إسرائيل" في تنفيذها لسنوات.
وتعليقاً على الاغتيال، قال عضو المكتب السياسي للحركة، عزت الرشق، إن "عمليات الاغتيال الجبانة التي ينفذها الاحتلال الصهيوني ضدّ قيادات ورموز شعبنا الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، لن تفلح في كسر إرادة وصمود شعبنا، أو النيل من استمرار مقاومته الباسلة ،وهي تثبت مجدداً فشل هذا العدو الذريع في تحقيق أيّ من أهدافه العدوانية في قطاع غزة".
ورغم أن تقريراً لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، نشر في 1 ديسمبر 2023، توقع أن الاحتلال يسعى لاغتيال قادة حماس حول العالم، بعد انتهاء العدوان على غزة، فإن عملية العاروري أثبتت أن الاحتلال يسعى للرد سريعاً على هزائمه في قطاع غزة.
وقالت الصحيفة آنذاك: "إن إسرائيل تخطط لقتل قادة حماس حول العالم بعد الحرب، خصوصاً أن الموساد لديه تاريخ في القتل المستهدف والاغتيالات".
وأضافت أن "الموساد وأجهزة الاستخبارات الأخرى تعمل على خطط لاغتيال قادة حماس في لبنان وتركيا وقطر، وبأوامر من نتنياهو شخصياً".
وخلال مؤتمر صحفي وجد نتنياهو نفسه محاصراً من قبل الصحفيين (22 نوفمبر 2023) بسؤاله عن فشل حكومته في تحقيق أهدافها باستهداف قيادات حماس، ليرد بالقول إنه طلب من جهاز الاستخبارات "الموساد" العمل ضد قادة حركة "حماس" في "أي مكان يوجدون فيه حول العالم".
وأوضح، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الجيش يوآف غالانت، وعضو حكومة الحرب بيني غانتس: "لقد حددنا أهداف الحرب بوضوح، وهي القضاء على حماس، وإطلاق سراح الرهائن، وأن نكون متأكدين أنه في اليوم التالي للحرب لن تشكل حماس تهديداً لإسرائيل".
وفي المؤتمر الصحفي ذاته، ورداً على سؤال عما إذا كان القضاء على مسؤولين كبار بـ"حماس" مثل رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، ورئيسها بالخارج خالد مشعل، لا يزال هدفاً لـ"إسرائيل"، أجاب وزير الجيش الإسرائيلي بقوله: "إنهم يعيشون في الوقت الضائع".
تهديدات سابقة
لم تكن التهديدات التي صدرت قبل أكثر من شهر هي الأولى من قيادات الاحتلال باستهداف قادة "حماس"، وخصوصاً العاروري، فهي لا تتوقف منذ سنوات، كان أبرزها قبل الحرب بعدة أسابيع، حينما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية (26 أغسطس 2023)، عن مصادر أمنية إسرائيلية، أن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، والمقيم في لبنان، قد يكون على رأس قائمة "الاغتيالات" الإسرائيلية.
وفي اليوم التالي هدد نتنياهو قادة حركة "حماس"، وفي مقدمتهم العاروري، بدفع "الثمن كاملاً"، معتبراً أن "إسرائيل" تواجه "موجة من الإرهاب من الداخل والخارج"، وأن "العاروري يعرف جيداً سبب اختبائه هو وأصدقائه".
وفي مايو 2023، نقلت صحيفة "تايمز" البريطانية عن مصادر -لم تسمها- قولها: إن "إسرائيل أبلغت حلفاءها بأنها تستعد لاغتيال قادة حركة حماس في الخارج؛ انتقاماً للهجمات القاتلة على مدنيين إسرائيليين في الشهرين الماضيين"، في إشارة إلى العمليات الفدائية بالضفة وداخل المدن الإسرائيلية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه "تم تحذير حماس من الضربات الوشيكة من قبل أجهزة المخابرات في الشرق الأوسط وأوروبا"، موضحةً أن "إسرائيل أبلغت حلفاءها عزمها على إرسال فرق اغتيالات لتصفية قادة حماس بالخارج في حال لم تتوقف الهجمات المسلحة".
اغتيالات قيادات
الحكومة الإسرائيلية التي تعاني أزمة هي الكبرى في تاريخ "إسرائيل"، يبدو أنها تحاول الهروب من الهزائم باغتيال عدد من قادة "حماس"؛ لتصدير أزمتها إلى الخارج، تماماً كما حصل مع نتنياهو بولايته الأولى عام 1996، حين نفذت الحركة عمليات "الثأر المقدس"؛ انتقاماً لاغتيال مهندسها الأول يحيى عياش.
حينها قرر الاحتلال اغتيال خالد مشعل زعيم "حماس" وقتها، رغم أنه كان مقيماً في الأردن، الذي كان قد وقع مع الاحتلال حينها اتفاق سلام، وكادت هذه المحاولة الفاشلة أن تتسبب بانهيار علاقاتهما، لولا إنقاذ حياة مشعل في اللحظات الأخيرة بضغط من عمّان.
ومن أبرز عمليات الاغتيال سابقاً تلك التي استهدفت القيادي في "حماس" محمود المبحوح في دبي (يناير 2010)، ومحمد الزواري المهندس التونسي وأحد قيادات "كتائب القسام"، الذي اغتيل في تونس (ديسمبر 2016)، والعالم الفلسطيني فادي البطش وأحد أعضاء "حماس" حين اغتيل في ماليزيا (أبريل 2018)، ومحاولات اغتيال أخرى فاشلة، وكان جميعهم من القادة والكوادر العسكريين للحركة.
"ليست جديدة"
يشير الباحث في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، إلى أن خطوات الاحتلال وتهديداته بملف الاغتيالات سبقتها معلومات من مصادر إسرائيلية تفيد بتأسيس وحدة خاصة من "الشاباك" و"الموساد" باسم "نيلي"، مهمتها اغتيال قادة "حماس".
وأكد، في حديث سابق لـ"الخليج أونلاين"، أن تصريحات نتنياهو "ليست جديدة.. ولم تتوقف فعلياً".
وأوضح قائلاً: "تاريخياً كانت هناك اغتيالات لقادة منظمة التحرير وصولاً إلى القادة الميدانيين في الأراضي المحتلة، مروراً بمسؤولين في إيران وسوريا ولبنان، ومحاولة اغتيال خالد مشعل الفاشلة في الأردن".
وفي ظل ما حدث يوم 7 أكتوبر عقب الهجوم الذي نفذته "حماس" والمقاومة الفلسطينية على الأراضي المحتلة، يتوقع البرغوثي أن تقدم "إسرائيل" على تنفيذ اغتيالات أخرى في المرحلة المقبلة؛ "انتقاماً مما حدث".
وعن إمكانية تنفيذها في دول فيها قادة "حماس"؛ مثل قطر وتركيا والجزائر، رأى البرغوثي أنه "لا توجد دولة تقبل تنفيذ دولة أخرى عمليات اغتيال على أراضيها"، مشيراً إلى أن ذلك قد يخلق حالات توتر، كما حدث سابقاً "بين إسرائيل والأردن والإمارات وكندا، إذ استخدم أفراد مجموعة اغتيال إسرائيلية جوازات سفر كندية مزورة".
وأضاف: "كل هذه الأمور لا يمكن قبولها من الدول التي تحترم سيادتها وتعمل على حمايتها".
وتأكيداً لتصريحات البرغوثي، اعتقلت قوات الأمن التركية، الثلاثاء 2 يناير، 33 شخصاً للاشتباه في ضلوعهم بأنشطة تجسس لحساب جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، كانوا يسعون إلى رصد ومراقبة ومهاجمة وخطف مواطنين أجانب يعيشون في تركيا في إطار عمليات "تجسس دولية"، دون الإشارة إلى "حماس".
وفي وقت سابق، رد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على التهديدات الإسرائيلية بأنه "إذا تجرؤوا على اتخاذ مثل هذه الخطوة ضد تركيا، فسوف يدفعون الثمن بصورة لن يستطيعوا التعافي منها"، كما حذرت الاستخبارات التركية من "عواقب وخيمة".
وتشير القناة 13 الإسرائيلية إلى أن "إسرائيل تتوقع رداً على اغتيال العاروري؛ بما في ذلك إطلاق صواريخ طويلة المدى".
ويبدو أن لبنان لن يبقى صامتاً عن اغتيال العاروري، حيث أكد رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، أن "انفجار الضاحية في بيروت جريمة إسرائيلية جديدة تهدف حكماً إلى إدخال لبنان في مرحلة جديدة من المواجهات"، كما ينتظر أن يصدر تعليق شديد اللهجة من "حزب الله".
المصدر: الخليج اون لاين